أسعار النفط في 2024.. تقلبات محدودة وسط تباطؤ الطلب وتخفيضات أوبك+
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
سجّلت أسعار النفط في 2024 انخفاضها السنوي الثاني على التوالي، مع تباطؤ نمو الطلب العالمي، إلا أن تخفيضات إنتاج تحالف أوبك+ قيّدت خسائر الأسعار.
وتجاوز سعر خام برنت مستوى 90 دولارًا للبرميل في أيام معدودة خلال العام (أوائل أبريل/نيسان)، قبل أن يتداول بين 70 و90 دولارًا للبرميل في مجمل 2024، وفق ملف الحصاد السنوي الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
وتتجه أسعار الخام نحو أضيق نطاق سعري منذ عام 2019، بعد سنوات من التقلبات الكبيرة جراء جائحة كورونا ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي دفع الأسعار فوق 100 دولار للبرميل.
وكانت تحركات أسعار النفط في 2024 محكومة بـ4 عوامل رئيسة؛ فعلى الرغم من توافر أسباب الارتفاع من تخفيضات أوبك+ والتوترات الجيوسياسية؛ فإن تباطؤ نمو الطلب وارتفاع الدولار الأميركي دفعا الأسعار للهبوط.
ومع استمرار هذه العوامل خلال 2025؛ فإن أسعار النفط قد لا تشهد تغييرًا ملحوظًا لتظل حول مستوياتها الحالية بين 70 و80 دولارًا للبرميل لخام برنت.
تحركات أسعار النفط في 2024
سجلت العقود الآجلة لأسعار النفط في 2024 تراجعًا بنحو 3.4% لخام برنت، و1.5% لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي منذ بداية العام حتى جلسة (30 ديسمبر/كانون الأول).
وأنهى خام برنت عام 2023 فوق 77 دولارًا للبرميل، لكنه في طريقه لإنهاء عام 2024 فوق مستويات 74 دولارًا، بعد نطاق تحرك ضمن الأقل في العقدين الماضيين، ما يشير إلى تراجع حدّة التقلبات.
أماّ خام غرب تكساس الأميركي، فيتجه لإنهاء العام فوق مستوى 70 دولارًا للبرميل، بعدما أغلق جلسات العام السابق (2023) قرب 72 دولارًا للبرميل.
ويوضح الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، التحركات اليومية لأسعار النفط الفورية في 2024:
وفي رصد وحدة أبحاث الطاقة لتحركات أسعار النفط في 2024؛ فإنها قد سجّلت مستوياتها المرتفعة هذا العام خلال أوائل أبريل/نيسان، وصعدت فوق 90 دولارًا لخام برنت وقرب مستوى 87 دولارًا للخام الأميركي.
وتلقّت أسعار الخام الدعم في الأشهر الأولى من العام، التي شهدت بدء تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، لـ8 دول من تحالف أوبك+، بقيادة السعودية، منذ يناير/كانون الثاني -قبل تمديدها لنهاية الربع الأول من 2025-.
هذا بالإضافة إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية والقلق من امتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط بين تل أبيب وإيران، إلا أن المخاوف هدأت بعد تبادل الجانبين ضربات أقل حدة من المتوقع.
وأدّى ذلك -بجانب تباطؤ الطلب الصيني على النفط- إلى هبوط الأسعار في النصف الثاني من العام، حتى تراجع خام برنت أقل من 70 دولارًا في جلسة 10 سبتمبر/أيلول 2024، كما هبط سعر الخام الأميركي أقل من 66 دولارًا.
وتعافت أسعار النفط سريعًا خلال شهر واحد مع مخاوف من هجوم إسرائيلي على إيران، حتى تجاوز خام برنت عتبة الـ80 دولارًا بنهاية جلسة 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن الأسعار تراجعت مجددًا مع تلاشي المخاوف الكبيرة من حرب في الشرق الأوسط، واستقرت بين مستويات 70 و74 دولارًا في الأشهر التالية.
وتُقدّر إدارة معلومات الطاقة الأميركية متوسط أسعار النفط في 2024 على النحو التالي:
أسعار النفط | 2024 | 2023 |
خام برنت | 80.49 دولارًا للبرميل | 82.41 دولارًا للبرميل |
خام غرب تكساس | 76.51 دولارًا للبرميل | 77.58 دولارًا للبرميل |
الرسم التالي من إعداد وحدة أبحاث الطاقة يستعرض المتوسط السنوي لأسعار النفط تاريخيًا:
العوامل المؤثرة في أسعار النفط خلال 2024
رصدت وحدة أبحاث الطاقة 4 عوامل كان لها دور أساسي في تحركات أسعار النفط خلال 2024:
- تباطؤ نمو الطلب على النفط
تأثرت أسعار النفط في 2024 سلبًا بالضغوط الاقتصادية جراء أسعار الفائدة المرتفعة، ما أدى إلى تباطؤ نمو الطلب على النفط.
كما شهدت الصين -أكبر مستورد للنفط عالميًا- مستوى ثابتًا من الاستهلاك منذ عام 2023، مع تباطؤ النشاط الصناعي وتراجع الطلب على الوقود، بعد زوال زخم التعافي بعد الجائحة.
وعالميًا، تُقدّر وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب على النفط في 2024 بنحو 840 ألف برميل يوميًا، انخفاضًا من مليوني برميل يوميًا العام السابق له (2023)، ليصل الإجمالي إلى 102.81 مليونًا، كما يرصد الرسم أدناه:
وكان لتباطؤ الطلب الصيني دور رئيس في ذلك، إذ تتوقع الوكالة الدولية نمو الطلب على النفط في الصين بنحو 140 ألف برميل يوميًا فقط خلال 2024، مقابل أكثر من 1.3 مليون برميل يوميًا عام 2023.
- ارتفاع الدولار الأميركي
ضغط ارتفاع الدولار الأميركي على أسعار النفط في 2024، كون الخام يُجرى تسعيره بالعملة الأميركية، التي تداول حاليًا بالقرب من أعلى مستوياتها في عامين.
ويأتي ذلك مع أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة عند مستوى يتراوح بين 4.25% و4.5%، رغم خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 3 مرات متتالية منذ سبتمبر/أيلول 2024.
ومؤخرًا تلقّى الدولار دعمًا إضافيًا مع توقعات متفائلة للاقتصاد الأميركي بفضل السياسات التحفيزية المنتظرة من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب الجديدة.
- التوترات الجيوسياسية
جاء معظم ارتفاعات أسعار النفط في 2024 بسبب الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط التي تحولت إلى منطقة صراعات متشابكة مع امتداد الحرب الإسرائيلية على غزة إلى تبادل للضربات مع إيران ولبنان واليمن وسوريا.
هذا إلى جانب استمرار الحرب في أوكرانيا وتضرر بعض مصافي التكرير الروسية من الهجمات الأوكرانية.
وبرز التأثير الأكبر للتوترات الجيوسياسية في أسعار النفط مع دخول إيران في صراع مع إسرائيل، كون طهران أكبر الدول المنتجة والمصدرة للخام.
- تخفيضات أوبك+
رصدت وحدة أبحاث الطاقة أن أيًا من العوامل الـ3 سالفة الذكر، كان قادرًا على إحداث تقلبات كبيرة بأسعار النفط في 2024 صعودًا وهبوطًا، لولا جهود تحالف أوبك+ بقيادة السعودية في إحداث التوازن.
وإلى جانب سياسة التحالف الرسمية لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا والمستمرة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026، تقود المملكة تخفيضات طوعية أخرى إلى جانب بعض الدول يصل إجماليها إلى 3.8 مليون برميل يوميًا، وينقسم إلى:
- الخفض الطوعي الأول: بدأ منذ مايو/أيار 2023 ويستمر حتى نهاية 2026، بنحو 1.65 مليون برميل يوميًا، تشارك فيه السعودية بنحو 500 ألف برميل يوميًا، وتنقسم الكميات المتبقية بين 8 دول أعضاء في تحالف أوبك+.
- الخفض الطوعي الثاني: 2.2 مليون برميل يوميًا، تطبقه 9 دول، بقيادة السعودية، التي تشارك فيه بنحو مليون برميل يوميًا، وبدأ في يناير/كانون الثاني 2024، ويستمر لنهاية مارس/آذار 2025، على أن تُعاد على مدار 18 شهرًا، ويُمكن إيقاف هذه الزيادة الشهرية، أو عكسها، وفقًا لمستجدات السوق.
مخزونات النفط العالمية
تُقدّر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تخفيضات إنتاج أوبك+ أسهمت في سحب 0.4 مليون برميل يوميًا من مخزونات النفط في المتوسط خلال عام 2024، ما قدم بعض الدعم لأسعار النفط في مقابل المخاطر الهبوطية.
وعلى صعيد مخزونات النفط التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد تراجعت خلال الأشهر الـ5 المنتهية في أكتوبر/تشرين الأول -أحدث بيانات معلنة- لتصل إلى 2.777 مليار برميل، لتكون أقل 15.5 مليون برميل على أساس سنوي، وأقل بمقدار 93.2 مليون برميل عن متوسط الأعوام الـ5 الماضية.
ومن المتوقع أن تنهي مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي عام 2024 عند 2.763 مليار برميل، مقابل 2.766 مليار برميل في نهاية 2023.
ويوضح الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، مخزونات النفط التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية شهريًا بين عامي 2020 و2024:
وعلى جانب آخر، تُقدّر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تصل مخزونات النفط الخام والمنتجات النفطية في الولايات المتحدة إلى 1.224 مليار برميل، بنهاية 2024 بعدما أنهت عام 2023 عند 1.251 مليار برميل.
وبالنسبة إلى مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، فقد بلغت 416.8 مليون برميل حتى الأسبوع المنتهي في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، مقابل 436.6 مليون برميل في الأسبوع نفسه من العام الماضي.
ويستعرض الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، تحرك مخزونات النفط الأميركية أسبوعيًا:
الخلاصة..
شهدت أسعار النفط في 2024 تراجعًا طفيفًا، إذ استقرت في نطاق 70-90 دولارًا للبرميل، بعدما امتصت تخفيضات أوبك+ الأثر السلبي الكبير من تباطؤ نمو الطلب العالمي.
كما تأثرت أسعار الخام بالتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى جانب ارتفاع الدولار الأميركي، لكن التخفيضات الطوعية من أوبك+ أسهمت في إحكام توازن السوق بين المخاطر الصعودية والهبوطية.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2024 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2023 (هنا).
المصادر..
- تحركات أسعار النفط في 2024 من وحدة أبحاث الطاقة
- توقعات الطلب على النفط من وكالة الطاقة الدولية
- مخزونات النفط العالمية من إدارة معلومات الطاقة الأميركية