إيران مركز إقليمي للغاز.. هل تهيمن على سوق الطاقة؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح
- إيران تهدف إلى تعزيز دورها في تجارة الطاقة بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط
- التعاون مع روسيا تركمانستان يتيح لإيران دمج شبكة الغاز لديها مع خطوط الأنابيب الإقليمية
- طموح إيران في التحول إلى مركز إقليمي رائد للغاز يواجه تحديات عديدة
- العقوبات الدولية تجبر إيران على بيع صادراتها من الغاز بأسعار مخفضة
مركز إقليمي للغاز.. هكذا تسعى إيران إلى ترسيخ مكانتها، وتتحرك نحو تشكيل تحالفات إستراتيجية مع الدول المجاورة، خصوصًا روسيا وتركمانستان.
وتشكّل التحالفات عنصرًا أساسيًا في إستراتيجية إيران الأوسع نطاقًا الرامية إلى الهيمنة على سوق الطاقة العالمية.
وعبر الاستفادة من احتياطياتها الضخمة من الغاز الطبيعي وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، تهدف إيران إلى تعزيز دورها للتحكم في تجارة الطاقة بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
واعتمادًا على التعاون مع روسيا -وهي لاعب عالمي رئيس في مجال الطاقة-، وتركمانستان -وهي منتج مهم للغاز-، تتمكن إيران من دمج شبكة الغاز لديها مع خطوط الأنابيب الإقليمية.
تعزيز نفوذ طهران
يعزز التكامل نفوذ إيران على اتجاهات السوق وتوزيع الغاز مع توفير أساليب بديلة لبيع الغاز ونقله، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجاوز العقبات الجيوسياسية والعقوبات.
تاريخيًا، أوقفت تركمانستان صادرات الغاز إلى إيران قبل 8 سنوات بسبب تأخير طهران في تسوية ديون الغاز طويلة الأمد.
وفي أعقاب الدعوى التي رفعتها تركمانستان أمام محكمة التحكيم الدولية، غُرِّمت طهران بمبلغ مليارَي دولار، وأُلزمت بسداد أصل الدين على مدى السنوات الـ3 الماضية، مع استمرار المفاوضات بشأن غرامات التأخير في السداد.
في السابق، كانت تركمانستان تزوّد إيران بـ 30 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا.
من ناحية ثانية، أثارت أزمة الكهرباء في إيران هذا الصيف، التي اتّسمت بانخفاض بنسبة 50% في إمدادات الطاقة الصناعية وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، مخاوف بشأن نقص محتمل في الغاز هذا الشتاء.
في المقابل، شهدت طهران عجزًا في الكهرباء بلغ 17 ألف ميغاواط في الصيف الماضي، وقد يصل العجز المتوقع في الغاز في الشتاء إلى 300 مليون متر مكعب.
وفي سياق متصل، لا يمكن لإنتاج الغاز في تركمانستان بالكامل أن يغطي حتى نصف عجز الكهرباء في إيران.
الغاز في إيران
يتطلب تخفيف عجز الغاز في إيران هذا الشتاء، بمساهمة تركمانستان، إعادة توجيه جميع إمدادات الغاز من تركمانستان إلى طهران.
ونظرًا لأن قيمة غاز تركمانستان تُقدَّر بنحو 3 مليارات دولار سنويًا، فإن هذا لن يغطي سوى ثلث العجز المتوقع، ونحو 10% من نقص الكهرباء في إيران في الشتاء.
وعلى الرغم من أن طهران وموسكو وقّعتا مذكرة تفاهم بشأن واردات الغاز، فإن الاتفاق الرسمي ما يزال غير مؤكد بسبب القيود البنيوية.
وتواجه إيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز على مستوى العالم، نقصًا حادًا، بسبب الاعتماد المفرط على الغاز والموارد غير المستغلة.
وعلى سبيل المقارنة، تستهلك تركيا المزيد من الغاز في الشتاء، مقارنة بإنتاج إيران الإجمالي من الغاز.
بدوره، يحذّر رئيس جمعية هندسة الغاز الإيرانية، منصور دفتريان، من أن اختلالات الغاز غير المحلولة قد تؤدي إلى تعقيد الحوكمة.
وبحلول عام 2040، من المتوقع أن يصل الطلب اليومي على الغاز في إيران إلى مليارَي متر مكعب، وهو ما يتجاوز بصورة كبيرة مستويات العرض الحالية.
وتنتج طهران حاليًا 700 مليون متر مكعب يوميًا، ولكن من المتوقع أن ينخفض الإنتاج إلى 400 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2030، بسبب استنزاف حقل بارس الجنوبي.
ووفقًا لصندوق التنمية الوطني، فإن إنتاج الغاز في إيران لن يلبي سوى ثلث احتياجات البلاد على مدى السنوات الـ20 المقبلة.
ويعزى هذا الانخفاض إلى عمر الحقل والبنية الأساسية القديمة والقيود السياسية والمالية التي تعوق الاستثمار والتقدم التكنولوجي.
اتفاقية غاز جديدة
في الأسبوع الماضي، وقّعت طهران وعشق آباد اتفاقية تعاون مهمة في مجال الغاز في إيران، بحضور الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، والزعيم الوطني التركمانستاني، قربان قولي بردي محمدوف.
ووقّع الاتفاقية المدير العام لشركة الغاز الوطنية الإيرانية the National Iranian Gas Company (NIGC)، ماجد شغيني، ورئيس شركة تركمان غاز الحكومية Turkmengaz State Company، باتير أمانوف، بحضور وزير النفط الإيراني محسن باكنجاد.
بالإضافة إلى اتفاقية الغاز، وقّعت الدولتان 3 وثائق أخرى تركّز على الجمارك والتعاون الدبلوماسي والتآخي بين ميناءي أمير آباد وتركمان باشي.
ومنذ عام 2011، تستورد طهران الغاز الطبيعي من تركمانستان، في البداية بمعدل 32.4 مليون متر مكعب يوميًا، على الرغم من أن هذا المعدل بلغ في المتوسط 15.3 مليون متر مكعب يوميًا في السنوات الأخيرة.
وواجهت تجارة الغاز اضطرابات، بما في ذلك توقُّف الصادرات في يناير/كانون الثاني 2017 بسبب نزاع على الأسعار، الذي تمّ حلّه لصالح تركمانستان من خلال التحكيم الدولي، وتمثّل صفقة طهران-عشق آباد خطوة إستراتيجية لوضع إيران بصفتها مركزًا إقليميًا للغاز.
وتتضمن الاتفاقية نقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا من تركمانستان إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية، باستعمال آلية المبادلة.
وتهدف هذه الصفقة إلى الاستفادة من الموقع الجغرافي لإيران، لتعزيز دورها في أسواق الغاز الإقليمية والدولية.
أبرز جوانب اتفاقية طهران-عشق آباد
اتفاقية تبادل الغاز: ستزوّد تركمانستان الغاز إلى إيران، التي ستسلّم بدورها كمية مماثلة للعراق، ويعالج هذا الترتيب احتياجات الطاقة الإقليمية، ويعزز أمن الطاقة.
تطوير البنية الأساسية: للتعامل مع تدفّق الغاز المتزايد، من المتوقع أن تبني الشركات الإيرانية خط أنابيب جديدًا ومحطات ضغط، ما يعزز قدرة إيران على نقل الغاز.
التعاون الإقليمي: يعزز الاتفاق العلاقة في مجال الطاقة بين إيران وتركمانستان، ويتيح فرصًا جديدة للتعاون الإقليمي في قطاع الغاز.
اتفاقية الغاز بين إيران وروسيا
أبرمت طهران مؤخرًا اتفاقية مهمة مع روسيا، تشمل شركة الغاز الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية، وتهدف مذكرة التفاهم هذه إلى تعزيز مكانة إيران في سوق الغاز العالمية، مع التركيز على مبادرات الطاقة النظيفة والتوافق مع الأهداف الدولية.
ومن المتوقع أن تتقدم الاتفاقية إلى مراحل التعاقد والتنفيذ الرسمية قريبًا.
وتمثّل الاتفاقيات خطوات إستراتيجية لترسيخ مكانة إيران مركزًا إقليميًا للطاقة، ومن خلال تسهيل عمليات تبادل الغاز وتطوير البنية الأساسية، تهدف إيران إلى تعزيز دورها في تجارة الغاز العالمية وتعزيز نفوذها الجيوسياسي.
وتتوافق الجهود مع إستراتيجية طهران في التعامل مع التحديات الإقليمية، والاستفادة من موقعها الإستراتيجي، والتحول إلى لاعب رئيس في تجارة الغاز الطبيعي بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
تحديات تواجه مركز الغاز الإقليمي
يواجه طموح إيران في التحول إلى مركز إقليمي رائد للغاز تحديات عديدة في مجالات البنية التحتية والجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، على الرغم من احتياطياتها الكبيرة من الغاز الطبيعي.
أولًا: قيود البنية التحتية
يعاني قطاع الطاقة في إيران من البنية التحتية القديمة ونقص الاستثمار الكافي، وقد أصبح الكثير من البنية التحتية للنفط والغاز، بما في ذلك حقل بارس الجنوبي للغاز، قديمًا، ويتطلب استثمارات كبيرة للحفاظ على القدرة الإنتاجية وتعزيزها.
وتتفاقم تحديات البنية التحتية هذه بسبب العقوبات الدولية، التي تحدّ من قدرة إيران على الوصول إلى رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا المتقدمة اللازمة لتحديث بنيتها التحتية للطاقة.
ثانيًا: القيود الجيوسياسية والاقتصادية
بدورها، تحدّ العقوبات الدولية، التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقام الأول، بصورة كبيرة، من قدرة إيران على جذب الاستثمار الأجنبي والحصول على التكنولوجيا اللازمة لتطوير قطاع الطاقة.
وتجبر هذه العقوبات إيران على بيع صادراتها من الغاز بأسعار مخفضة، ما يقلل من الإيرادات المحتملة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية والمنافسة الإقليمية، خصوصًا من دول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، تزيد من تعقيد جهود إيران لترسيخ نفسها موردًا موثوقًا للغاز.
وتُفاقم إستراتيجية تركيا لتنويع مصادر الطاقة والنزاعات الإقليمية المستمرة حول الأسعار هذه الصعوبات، ما يشكّل تحديًا لوضع إيران في السوق.
ثالثًا: نقص الغاز المحلي
يؤدي ارتفاع الاستهلاك المحلي، خصوصًا خلال ذروة أشهر الشتاء، إلى جانب ممارسات الطاقة غير الفعّالة مثل حرق الغاز، إلى نقص كبير في الغاز الطبيعي.
ويؤثّر هذا النقص في احتياجات الطاقة المحلية، ويحدّ من قدرة إيران على الوفاء بالتزاماتها التصديرية، ومن ثم تقويض طموحها لتصبح مركزًا رئيسًا للغاز.
رابعًا: القيود المالية
وتُعدّ علاقات إيران التجارية في مجال الطاقة واستقرارها المالي متوترة، بسبب المشكلات المستمرة المتعلقة بتسويات الديون مع الدول المجاورة.
ويؤدي اعتماد البلاد الشديد على دعم الطاقة إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية، إذ إن هذه الإعانات تضغط على الموازنة الوطنية وتَحدّ من الأموال المتاحة للاستثمارات الأساسية في قطاع الطاقة.
خامسًا: القيود التكنولوجية
يُعدّ قطاع الطاقة في إيران مقيدًا بالتكنولوجيا القديمة والافتقار إلى الاستثمار الكافي.
وقد أدى هذا إلى تأخير تطوير مشروعات رئيسة، مثل مرافق الغاز المسال، التي تعدّ حاسمة لتوسيع دور إيران في سوق الغاز العالمية.
وتعوق الفجوة التكنولوجية، جنبًا إلى جنب مع القيود المالية، قدرة إيران على تحديث بنيتها التحتية للغاز، وتعزيز قدراتها الإنتاجية.
إصلاحات قطاع الطاقة
لتحقيق إمكاناتها بصفتها مركزًا رئيسًا للغاز، يتعين على إيران تنفيذ إصلاحات كبيرة في قطاع الطاقة لديها.
ويشمل ذلك تحديث البنية الأساسية لتحسين الكفاءة، وإقامة شراكات دولية لجذب الاستثمار والتكنولوجيا، وإجراء استثمارات إستراتيجية لتعزيز القدرة الإنتاجية والقدرة التنافسية العالمية.
وتشكّل اتفاقية طهران-عشق آباد خطوة مهمة في هذه العملية، حيث تشير إلى تحول محتمل في سياسة الطاقة الإيرانية، وتتيح فرصًا جديدة للتعاون الإقليمي.
على صعيد آخر، يتطلب التغلب على هذه التحديات إستراتيجية منسّقة تجمع بين الإصلاحات المحلية والتعاون الدولي.
ومن خلال تشكيل شراكات إستراتيجية مع شركات الطاقة العالمية الرائدة والمشاركة في أطر الطاقة متعددة الأطراف، يمكن لإيران تحسين إدارة المخاطر الجيوسياسية، وتوسيع حصتها السوقية في قطاع الغاز.
ويمكن للنهج الشامل الذي يدمج التقدم المحلي مع التحالفات الخارجية أن يضع إيران في موقف يسمح لها بتحقيق أهدافها وأداء دور أكثر أهمية على الساحة الدولية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- حقل غاز احتياطياته 4.2 تريليون قدم مكعبة يدعم مصر.. ما القصة؟
- حقل منيفة السعودي.. قصة معركة أرامكو لاستثمار 11 مليار برميل نفط
- طفرة بإنتاج الليثيوم في أفريقيا.. هل يتحرر من قبضة الصين؟