رئيسيةالتغير المناخيتقارير التغير المناخي

الحياد الكربوني في بريطانيا غاية.. هل تبرر ظلام الشوارع؟

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • مقترحات حكومية بإطفاء مصابيح الإنارة في بريطانيا لتحقيق الحياد الكربوني
  • يهدد إطفاء مصابيح الشوارع السلم العام في المملكة المتحدة
  • تتمتع بريطانيا بوفرة في طاقة الشمس والرياح
  • يؤثر إطفاء المصابيح اقتصاديًا واجتماعيًا في المجتمع البريطاني
  • مصابيح الإنارة قد تنطفئ قريبًا في المدن البريطانية

تحوّل الاهتمام بتحقيق الحياد الكربوني في بريطانيا إلى حد وُصِف بأنه "نوع من الجنون"، بعد أن أضحت حكومة حزب العمال مستعدةً للتضحية بأي خدمات عامة رئيسة في سبيل تحقيق تلك الأهداف المناخية.

وأثارت تلك السياسات المقترحة التي يتبناها وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند، بما في ذلك إطفاء مصابيح الشوارع، جدلاً واسعًا في الأوساط المختلفة؛ لما لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية على البلاد.

وفي ظل وفرة طاقة الشمس والرياح والمحطات النووية الجديدة في بريطانيا، أصبح ممكنًا خفض الانبعاثات الكربونية، مع المحافظة على استمرار تشغيل مصابيح الشوارع وغيرها من الخدمات الأخرى الرئيسة التي لا غنى عنها للسلامة العامة.

ووفق تقديرات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لامست الزيادة في الانبعاثات العالمية في العام الماضي (2023) 410 ملايين طن، ارتفاعًا بواقع 107 ملايين طن عن إجمالي انبعاثات الكربون في بريطانيا، البالغة 303 ملايين طن.

مصابيح الإنارة

تجعل المصابيح الشوارع آمنةً من الجرائم، وتقلل كوارث الطرق، وتدعم النمو الاقتصادي عبر مساعدة المتاجر على عرض سلعها بالإضافة إلى تمديد الساعات التي يستطيع فيها الناس ممارسة التجارة.

وتوجد مصابيح الشوارع منذ العهد الإغريقي واليوناني، غير أنها ظهرت بكثافةٍ في مدن -أمثال لندن وباريس- في القرنين الـ18 والـ19، إذ كانت تُباع بصفتها وسيلة لتحسين جودة الحياة، وهو ما قد كان.

لكننا الآن نطفئ تلك المصابيح حينما تكون هناك مخاطر واضحة، وواقعيًا: يتحول الحياد الكربوني الذي أصبح شغلنا الشاغل -الآن- إلى تهديدات واضحة بالنسبة إلى الصحة والسلامة العامة، وستمضي الأمور في هذا المسار من سيئ إلى أسوأ، وفق ما ورد في مقالٍ للكاتب الصحفي البريطاني ماثيو لين بصحيفة ذا تيليغراف.

الكاتب الصحفي ماثيو لين
الكاتب الصحفي ماثيو لين - أرشيفية

وقال لين: "إذا كنت تقود سيارتك في المنطقة التي تُطلِق على نفسها لقب (نورفولك حيادية الكربون)، فلتأخذ حذرك على امتداد طريق بي1145 خارج مدينة كينجغز لين".

ويُخطط مجلس المقاطعة لإزالة مصابيح الإنارة المنتشرة على طول الطريق، حتى على الرغم من كونها تشتهر بسجل سيئ في حوادث السيارات؛ إذ وقعت حادثتان خطيرتان في أثناء الليل خلال الأشهر الـ6 الأخيرة وحدها، إلى جانب حالات وفيات عديدة على مدار الأعوام القليلة الماضية.

وأوضح لين أن سلطات مقاطعة نورفولك أزالت 1000 من إجمالي 50 ألف مصباح إنارة منتشرة في الشوارع من أجل توفير 76 طنًا من الانبعاثات الكربونية سنويًا.

وحذّر الكاتب من أن الطريق سيصبح أكثر خطورة، مضيفًا بنبرة ساخرة: "لكن لا تقلق، لأنك على الأقل ستنقذ الكوكب حينما تتعثر سيارتك طراز نيسان في حفرة".

سياسة متعصبة

تنتهج الحكومات المحلية والمركزية -حاليًا- سياسة متعصبة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، إلى الدرجة التي لا ترى فيها أي أهداف أخرى قد تكون أكثر أهمية.

وسيُترَك كبار السن وحدهم في مواجهة البرد القارس وهم في منازلهم، لا سيما أن حكومة حزب العمال تلغي -الآن- مدفوعات دعم الوقود الخاصة بالشتاء؛ لأن أسعار الطاقة لامست مستويات أعلى بكثير مما كانت عليه في السابق، وفق كاتب المقال.

بل من الممكن أن تنهار الشركات الصغيرة، كما سيكون الأطفال عرضة للخطر إذا اضطروا للمشي إلى المدرسة لعدم قدرة آبائهم على اصطحابهم بالسيارة.

ولا يقتصر الأمر على هذا الحد، بل سترتفع أسعار المواد الغذائية بسبب القيود المفروضة على الزراعة، وخفض مستويات التغذية، من بين أمور أخرى عديدة.

الموقف يتعقد

قال الكاتب الصحفي ماثيو لين إن الأوضاع ستتفاقم خلال الأعوام القليلة المقبلة، لا سيما مع ازدياد الثقة لدى الشخصيات "الخضراء" المحيطة بوزير الطاقة والحياد الكربوني البريطاني إد ميليباند.

وحذّر لين من أن مصابيح الإنارة في الشوارع ستنطفئ قريبًا في المدن -كذلك- حتى إذا كان ذلك يعني أن تلك الأماكن لن تكون آمنة بالنسبة إلى السيدات اللائي يتجولن فيها، إلى جانب ارتفاع معدلات السطو والنهب.

ولفت إلى أن سيارات الشرطة هي الأخرى ربما تلتزم بحدود السرعة القصوى بهدف تقليص الانبعاثات الكربونية، كما أن سيارات الإسعاف الكهربائية ربما تبدو فكرة نبيلة إلى أن يأخذ المرء في الحسبان ماذا يحدث حينما تنفد البطارية في أثناء عملها لإسعاف حالة مرضية طارئة.

وزير الطاقة والحياد الكربوني البريطاني إد ميليباند
وزير الطاقة والحياد الكربوني البريطاني إد ميليباند - الصورة من غارديان

ماذا بعد؟

تساءل كاتب المقال ماثيو لين متعجبًا: هل يتعيّن على المدارس أن تغلق أبوابها خلال الشتاء، لأن التدفئة تُسهم في زيادة معدلات الاحترار العالمي؟!

واسترسل لين في حديثه قائلًا إن عمال الخدمة الاجتماعية سيتوقفون عن الزيارات المنزلية، لأن الوصول إليها بسياراتهم يهدد الكوكب ويُعرّض أهداف الحياد الكربوني للخطر.

وتابع: "ربما نحتاج -كذلك- إلى تفريغ بقية السجون من نزلائها توفيرًا للطاقة"، في مقالته التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وواصل الكاتب حديثه الساخر عن إمكان إطفاء مصابيح الإضاءة المنتشرة على مدارج المطارات، والمنارات الواقعة على امتداد البحر، لأنها تُعد هدرًا للطاقة.

وواصل: "ما إن تجعل أهداف الحياد الكربوني هي القضية الوحيدة المهمة، فلن يكون هناك أي إجراءات تستحي أن تفرضها ما دامت أنها توفر ولو كمية ضئيلة جدًا من الطاقة".

وتابع: "وهذا جنون، فلا يوجد خلاف على أننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى خفض الانبعاثات الكربونية، حتى ولو كانت المملكة المتحدة تمثّل نسبة ضئيلة من إجمالي الانبعاثات العالمية".

واستطرد بقوله: "لكننا نحتاج إلى تحقيق تلك المعادلة بطريقة تحافظ على التوازن بين الأولويات المختلفة؛ وهو ما يجب أن تفكر فيه أي حكومة رشيدة".

واختتم الكاتب الصحفي ماثيو لين مقالته بالإشارة إلى أن تغير المناخ يمثّل تهديدًا خطيرًا على صحة الشعب البريطاني، لكن "الخدمات العامة مثل مصابيح الشوارع تستهدف حمايتنا في المقام الأول".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق