التخلص من الفحم في جنوب شرق آسيا.. هل يهدّد أمن الطاقة؟
وحدة أبحاث الطاقة - حسين فاروق
- لعقود طويلة هيمن الفحم في دول رابطة آسيان على مزيج الكهرباء
- من الضروري إعادة النظر في دور الفحم لدى جنوب شرق آسيا
- دمج المزيد من مصادر الطاقة المتجددة في شبكة الكهرباء وسيلة لضمان شبكة أكثر أمنًا
- إغلاق محطات الفحم في جنوب شرق آسيا يسير بآليات تضمن الانتقال التدريجي
لطالما هيمن الفحم في جنوب شرق آسيا على مزيج الكهرباء، ولكن تبيّن أن الادعاءات الأخيرة التي تزعم أن الاستغناء التدريجي عن هذا الوقود الأحفوري قد يهدد أمن الشبكة تستند إلى افتراضات خاطئة.
وتتجاهل هذه الادعاءات حقيقة أن محطات الكهرباء المعتمدة على الفحم في دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) ليست آمنة بطبيعتها؛ إذ يمكن أن تشكّل تقلبات أسواق السلع الأساسية وخسائر التشغيل الناتجة عن هذه المحطات تحديات أمام تحمّل التكاليف وتقلّل من أمن الشبكة، بحسب تقرير حديث اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
وتبالغ هذه المفاهيم الخاطئة في تقدير موثوقية الفحم في جنوب شرق آسيا لتوليد الكهرباء بدعم من تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه والحرق المشترك للأمونيا، وتربط بصورة خاطئة بين نشر الطاقة المتجددة وعدم استقرار الشبكة.
ومع تحرك المنطقة نحو مستقبل طاقة أكثر استدامة، فمن الضروري إعادة النظر في دور الفحم بمزيج الكهرباء واستكشاف الحلول البديلة التي تعطي الأولوية لأمن الطاقة والنمو الاقتصادي.
تقلبات الأسعار تفنّد الادعاءات
على الرغم من وفرة إمدادات الفحم في جنوب شرق آسيا فإن قطاع الكهرباء في عدد من بلدان المنطقة قد تأثر بشدة بتقلبات السوق في أثناء أزمة الطاقة الأخيرة، إذ تضاعفت أسعار الفحم العالمية 3 مرات في 2022، بحسب تقرير صادر عن معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي (IEEFA).
وفي فيتنام، أدى تضاعُف أسعار الفحم المستورد 4 مرات إلى خسارة بلغت 31 تريليون دونغ فيتنامي (1.2 مليار دولار أميركي) بالنسبة إلى المرافق الوطنية، إذ تجاوزت تكلفة تشغيل الكهرباء أسعار التجزئة.
*(الدونغ الفيتنامي = 0.00004 دولارًا أميركيًا)
أما في الفلبين فقد تضاعفت تكلفة توليد الكهرباء بالفحم؛ ما أدى إلى زيادة تعرفة الكهرباء، إذ رفعت شركة مانيلا إلكتريك (Manila Electric) أسعارها من 8.75 بيزو فلبينيًا إلى 11.60 بيزو فلبينيًا (0.15 دولارًا أميركيًا إلى 0.20 دولارًا أميركيًا) لكل كيلوواط/ساعة منذ عام 2021.
*(البيزو الفلبيني = 0.017 دولارًا أميركيًا)
وبالمثل، توقفت خطط كمبوديا لخفض تعرفة الكهرباء بسبب ارتفاع تكاليف التوليد بالفحم، بحسب التقرير الذي اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
وما تزال التأثيرات المتبقية لأزمة الطاقة واضحة في سوق الفحم؛ إذ تتداول الأسعار بزيادة كبيرة تبلغ 61 دولارًا للطن فوق متوسطها الذي استمر عقدًا من الزمن، مع سعر يصل إلى 144 دولارًا للطن حاليًا.
وعلى الرغم من ادعاءات مؤيدي الفحم في رابطة آسيان بأن الغاز المسال يشكل تهديدًا لأمن الطاقة واستقرار الأسعار، فمن المهم الإشارة إلى أن الفحم يواجه -أيضًا- نقاط ضعف مماثلة قد تتفاقم مع توقعات أن تصبح دول المنطقة مستوردًا صافيًا للفحم في العقد المقبل.
ومع ذلك، هناك طريقة لضمان مستقبل أكثر أمانًا للطاقة في المنطقة، من خلال دمج مزيد من مصادر الطاقة المتجددة في شبكة الكهرباء، والبدء في التخلص التدريجي من الاعتماد على الفحم في جنوب شرق آسيا.
نمو الطاقة المتجددة واستقرار الشبكة
يمكن نشر الطاقة المتجددة دون المساس بموثوقية الشبكة، شريطة أن يأخذ أصحاب المصلحة في الحسبان تأثير زيادة حصة طاقتي الشمس والرياح على أداء شبكة الكهرباء الوطنية.
وبينما المستوى الحالي لحصة الطاقة المتجددة في جنوب شرق آسيا ليس كبيرًا بما يكفي ليكون له تأثير ملموس في الشبكة، لكنه يَعد بمزيد من النمو.
وطوّرت وكالة الطاقة الدولية تصنيف البلدان بناءً على حصتها من طاقتي الشمس والرياح في مزيج الكهرباء لديها، فضلًا عن الخصائص الأخرى الخاصة بالشبكة.
ويُصنف هذا الإطار البلدان إلى 6 مراحل، وتمثل المرحلة الأولى مستوى منخفضًا من حصة الطاقة الشمسية والرياح (أقل من 5%)، إذ يكون التأثير في شبكة الكهرباء ضئيلًا.
ومع انتقال البلدان إلى المرحلتين الثانية (5%-15%) والثالثة (15%-25%)، يصبح التأثير أكثر وضوحًا، وتمثّل المراحل الأعلى تحديات أكبر.
وبحسب التقرير، توجد معظم دول جنوب شرق آسيا في المراحل الأولى من تكامل الطاقة المتجددة مع الشبكة، باستثناء فيتنام، التي أحرزت تقدمًا كبيرًا.
ويشير هذا إلى أن النشر المحدود للطاقة الشمسية والرياح في المنطقة لم يكن له تأثير كبير في أمن الشبكة، ومع ذلك، فإن هذا يمثّل -أيضًا- فرصة كبيرة لزيادة القدرة المتجددة دون المساس بموثوقية الكهرباء.
ومن المتوقع أن تحتاج المنطقة إلى 1.63 ألف تيراواط/ساعة من توليد الكهرباء بحلول عام 2030، وإذا تضاعفت قدرة طاقتي الشمس والرياح في المنطقة 3 مرات فمن المحتمل أن تلبي أكثر من 10% من هذه الكمية المطلوبة، أو 163 تيراواط/ساعة، ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى تأثيرات طفيفة في موثوقية شبكة الكهرباء.
التخلص التدريجي من الفحم
دحض التقرير الفكرة القائلة بأن إغلاق محطات الفحم في جنوب شرق آسيا يهدد أمن الطاقة بالمنطقة، مشيرًا إلى أن هذه الادعاءات تتجاهل فوائد التحول إلى الطاقة المتجددة.
ويمكن أن يؤدي الانتقال السريع نحو مصادر الطاقة المتجددة إلى تحسين أمن الطاقة، والحد من عدم استقرار الشبكة، وانخفاض أسعار الكهرباء.
وقد صُمّمت آليات إغلاق محطات الفحم في جنوب شرق آسيا لضمان الانتقال التدريجي؛ ما يسمح باستبدال مصادر الطاقة النظيفة بها.
وفي الوقت الحالي هناك مساحة كبيرة لتطوير قدرات الطاقة المتجددة ودمجها، وإنشاء البنية التحتية للتخزين، وتكييف أنظمة إدارة الشبكة، ولن يؤدي تأخير عملية الانتقال إلا إلى ضغط هذه المهام في إطار زمني أكثر تعقيدًا وصعوبة.
موضوعات متعلقة..
- أسعار الفحم في جنوب شرق آسيا تشهد ارتفاعات قياسية
- تحول الطاقة في دول آسيان أمام تحديات التمويل.. هل يستمر الفحم؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- لأول مرة.. الأردن يكشف 4 مصادر يتلقى منها الغاز ومتى تنتهي العقود
- حقل الخرسانية السعودي.. حكاية اكتشاف للنفط والغاز عمره 68 عامًا
- مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تنخفض 14 مليون برميل
- واردات إسبانيا من الغاز في يوليو تنخفض 12.5%.. وتغيرات بشحنات الجزائر