منوعاتتقارير منوعةرئيسية

علاقات مباشرة قد تقلب سوق النحاس رأسًا على عقب.. ما القصة؟

أسماء السعداوي

توقّع مراقبون لسوق النحاس العالمية حدوث تغيرات في آلية وصول الإمدادات الشحيحة حاليًا إلى أيدي المستهلكين النهائيين مباشرة دون وسطاء.

والنحاس معدن أساسي في صناعات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية التي يُعوَّل عليها لخفض انبعاثات الكربون، تحقيقًا لأهداف حماية كوكب الأرض من الاحتباس الحراري.

وإذ تواجه السوق توقعات بشحّ الإمدادات بحلول عام 2030، حسب متابعة دورية لهذا القطاع من جانب منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أشار مديرون تنفيذيون إلى تحوّل من جانب كبار المستهلكين -مثل مصنّعي خطوط الكهرباء- إلى الشراء من المناجم نفسها، سعيًا لخفض الأسعار التي تحلّق عاليًا في الآونة الحالية.

أثار ذلك الاتجاه الجديد حالة من الجدل بشأن الطريقة التي سيكون بها ذلك التغيير، سواء كان بصورة اندماج مع "القوى العظمى" في سوق النحاس، أو الانفتاح على الشراكة لبناء مشروعات تعدين مليارية، أو زيادة تكامل سلسلة التوريد.

وفي المقابل، قلّل آخرون من التوقعات المتشائمة في ضوء توافر بدائل لاستبدال النحاس بمعادن أخرى، أو إعادة تدوير النفايات، أو خفض استعماله.

أزمة سوق النحاس العالمية

تواجه سوق النحاس رياحًا معاكسة أثارت خوف صنّاع الصناعات النظيفة من تفاقم أزمة نقص الإمدادات، ومن ثم ارتفاع الأسعار، لترتفع التكاليف، وتفشل مستهدفاتهم الموضوعة سلفًا.

ويتوقع بنك أوف أميركا (مصرف استثماري) أن يبلغ حجم المعروض من النحاس بحلول نهاية العقد (2030) نحو 5 ملايين طن، وهو ما يقلّ بنسبة 15% عن الطلب.

في مقابل ذلك النقص، يقول البنك، إن انتشار الطاقة المتجددة ومرافق البنية الأساسية لشبكة الكهرباء والسيارات الكهربائية على مستوى العالم سيُضاعف نمو الطلب السنوي على النحاس من 2% (المتوسط التاريخي) إلى 4% سنويًا.

منجم نحاس في زامبيا
منجم نحاس في زامبيا- الصورة من صحيفة "لوساكا تايمز" المحلية

ومن أبرز العوامل التي تعرقل تقدّم المشروعات الكبرى بسوق النحاس، تدهور طبيعة التربة وطول أوقات استخراج التراخيص وارتفاع التكاليف نتيجة للقفزة بمعدلات التضخم واعتبارات مرتبطة بالاستدامة.

ومما يثير المشكلات لشركات التعدين أيضًا هو تفضيل المستثمرين لتحقيق أرباح على حساب النمو، وكذلك انخفاض أسعار النحاس.

وعن هذا، يقول خبير السلع الإستراتيجي في بنك أوف أميركا مايكل ويدمر، إن القاعدة تقول، إن الزيادة بأسعار السلع تخفّض معدل العائد الداخلي للمستثمرين بمشروعات الطاقة المتجددة بواقع 1%.

وشهدت السوق مؤخرًا فشل استحواذ شركة بي اتش بي الأسترالية (BHP) على شركة أنغلو أميركان (Anglo American) في عرض بقيمة 39 مليار جنيه إسترليني (50.4 مليار دولار أميركي)، والذي لو كان قد تمّ لتأسست أكبر شركات إنتاج النحاس في العالم.

(الجنيه الإسترليني= 1.29 دولارًا أميركيًا).

وسجلت أسعار النحاس أعلى مستوى لها على الإطلاق في مطلع العام الجاري (2024) عند أكثر من 11 ألف دولار للطن.

ورغم استمرار ارتفاع الطلب على تقنيات الطاقة المتجددة وتطوير شبكات الكهرباء والسيارات الكهربائية، وهو ما سيتطلب مزيدًا من إمدادات النحاس بسعر معقول، أصبح بناء مناجم جديدة أصعب من ذي قبل، كما يستغرق بناؤها 15 عامًا.

وأغلقت الحكومة في بنما منجمًا ضخمًا لشركة "فيرست كوانتوم" ( First Quantum) بعد اندلاع احتجاجات مناهضة.

علاقات مباشرة

تتوقع كبرى شركات تعدين النحاس في العالم، لجوء المستهلكين النهائيين إلى النحاس، وعلى رأسهم صنّاع السيارات والمرافق، لإرساء تعاون أوثق، ما سيقلب سلسلة التوريد رأسًا على عقب، وفق تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" (Fainancial Times).

يؤكد ذلك مديرون تنفيذيون بمجموعات تعدين رائدة؛ إذ يرون دلائل على حدوث تحول باتجاه إبرام عقود مباشرة مع مصنّعي خطوط الكهرباء وكبار المشترين الآخرين لتأمين إمدادات النحاس بسعر معقول.

ومن جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لشركة "تيك ريسورسيز" الكندية المعنية بإنتاج النحاس والزنك (Teck Resources) جوناثان برايس: "في نهاية المطاف سيبدأ أولئك الذين يستعملون النحاس -سواء كان لأغراض بناء محطات الشحن أو الشبكة أو المركبات- بالاهتمام أكثر بطريقة حصولهم على النحاس".

وأضاف: "سنبدأ برؤية المزيد من الاهتمام بإقامة علاقات مباشرة بين شركات التعدين والمستهلكين النهائيين".

وكانت شركة السيارات ستيلانتس (Stellantis)، المالكة لعلامات جيب وفيات وبيجو، هي الوحيدة التي أبرمت اتفاق تمويل كبيرًا مع شركة مكوين كوبر الأرجنتينية التي تواجه مشكلة في تدبير النقد الأجنبي.

عامل داخل مصنع للنحاس في فيتنام
عامل داخل مصنع للنحاس في فيتنام- الصورة من شبكة "سي إن بي سي" الأميركية

وفي ضوء ظهور ذلك التحول، يحتدم النقاش داخل سوق النحاس بشأن ما إذا يجب على شركات التعدين الاندماج مع "قوى عظمى" أو أن يصبحوا أكثر انفتاحًا على الشراكة في بناء مشروعات معقّدة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات (وهو ما سبق أن شهدته صناعة النفط).

وثمة خيار آخر مطروح، هو زيادة تكامل سلسلة التوريد، من أجل تهدئة مخاوف المستهلكين النهائيين بشأن ارتفاع الأسعار الناجم عن التكامل والشركات الوسيطة المعرّضة للاستحواذ عليها من قبل العمالقة مثل "بي اتش بي" وجلينكور (Glencore) و"فريبورت -مكموران" (Freeport-McMoRan) وريو تينتو (Rio Tinto).

ويقول مديرون، إن سوق النحاس قد تتبع خطوات أسواق الليثيوم والنيكل والكوبالت في الحصول على تمويل من شركات تصنيع السيارات للمناجم، في مقابل الحصول على الإمدادات، أو إبرام اتفاقيات طويلة الأجل.

وقد يمثّل ذلك حلًا بالنسبة لمطوري مشروعات الطاقة المتجددة؛ إذ إن تقلّبات أسعار السلع تشكّل الفارق بين النجاح والكارثة.

لا حاجة للتغيير

على الناحية الأخرى من التوقعات المتشائمة لإمدادات السوق، حمل مسؤولون ومراقبون وجهة نظر متفائلة تجاه توافر النحاس، بما لا يستدعي الحاجة لإقامة علاقات مباشرة بين شركات التعدين والمستهلكين النهائيين للمعدن الأحمر.

ويتملك بعضهم ثقة في أن الإمدادات السنوية البالغة 35 مليون طن كافية دون تدخُّل مباشر، كما أن تراجع الطلب خلال العام الجاري، وخاصة في الصين، خفّض الأسعار بنسبة 15%.

ويقول كبير مسؤولي العمليات في شركة نيكسانز (Nexans)، إن هناك ما يكفي من النحاس في العالم، لكن قدرات استخراجه لا تزيد بالسرعة المكافئة للاستهلاك.

وأضاف أن زيادة إعادة تدوير النفايات المحتوية للنحاس من 5% إلى 30% هي الحل لأزمة نقص المعروض.

كما يرى النائب الأول للرئيس ومدير المشتريات في شركة "إن كيه تي" الدنماركية لتصنيع خطوط الكهرباء (NKT) أن السنوات المقبلة لن تسجل شحًا في المعروض، مشيرًا إلى توقعات سابقة في عام 2013 بحدوث فجوة بالمعروض في 2023، لكنها لم تتحقق.

وإذا واصلت أسعار النحاس مسارها الصعودي، من المحتمل أن يلجأ المنتجون إلى خفض استعماله أو استبداله بمعادن أخرى، كما فعلت الصين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق