الصفقة الخضراء وتحول الطاقة في أوروبا.. رؤية واقعية أم رهان خاسر؟
محمد عبد السند
- أوروبا تراهن على الصفقة الخضراء في أن تصبح القارة الأولى المحايدة مناخيًا.
- صعود التيارات اليمينية في البرلمان الأوروبي يهدد تنفيذ الصفقة الخضراء.
- تُظهر التيارات اليمينية موقفًا عدائيًا إزاء سياسات الطاقة النظيفة.
- يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استثمارات جديدة قدرها 282 مليار دولار أميركي سنويًا.
تقف الصفقة الخضراء التي يُنظَر إليها على أنها الضمانة الرئيسة لإنجاز تحول الطاقة في أوروبا والانتقال إلى اقتصاد حديث أكثر فاعلية في استغلال الموارد، عند مفترق طرق بسبب التحديات الأيديولوجية والجيوسياسية المحيطة بها.
ولا تراهن أوروبا على الصفقة المذكورة في أن تصبح القارة الأولى عالميًا المحايدة مناخيًا بحلول 2050 فحسب، بل في بناء نموذج اقتصاد دائري جديد -كذلك-.
غير أن صعود التيارات اليمينية والشعبوية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت خلال يونيو/حزيران 2024 قد يحوّل أهداف التحول الأخضر في أوروبا إلى مجرد "حبر على ورق" حال لم تكن هناك رؤية موحدة للمصالح الوطنية، ولا سيما فيما يتعلق بالطاقة النظيفة.
وكثيرًا ما أظهرت تلك التيارات موقفًا عدائيًا إزاء سياسات تحول الطاقة في أوروبا؛ وهو ما يغذي خطر التشرذم في عملية صنع السياسات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي في المستقبل، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).
دور حاسم
تؤدي الصفقة الخضراء دورًا حاسمًا في تسريع وتيرة تحول الطاقة بالاتحاد الأوروبي، وفق ما ورد في نتائج تقرير حديث نشره المرصد الأوروبي للحياد المناخي المعروف اختصارًا بـ"إي سي إن أو" (ECNO) التابع للاتحاد الأوروبي.
والصفقة الخضراء هي حزمة معقّدة من القوانين التي أقرّها التكتل لتنظم انبعاثات غازات الدفيئة من كل قطاعات الاقتصاد تقريبًا.
وتواصل دول الاتحاد الأوروبي المضي قدمًا في مسار تحقيق الأهداف المناخية خلال العام الحالي (2024) وإن كان بوتيرة بطيئة للغاية، بحسب التقرير الذي حصلت عليه منصة الطاقة.
وأشار التقرير إلى أن سياسات الصفقة الخضراء تَعِد بتسريع وتيرة التقدم المُحرَز في جهود التحول الأخضر بالاتحاد الأوروبي؛ وهو ما ستعكسه الأرقام والبيانات بمرور الوقت إذا نُفذت تلك السياسات وفق الخطة المقررة.
وتسهم الحلول الرئيسة لتغير المناخ في تحقيق مزيد من الاستقلالية بمجال أمن الطاقة، بالإضافة إلى إتاحة مرونة أكبر للشبكة وخفض الأسعار على المدى الطويل.
تقدم ملحوظ
على مستوى القطاعات، أحرزت سياسات الاتحاد الأوروبي تقدمًا ملحوظًا -حتى الآن- وخاصة في مجالات الكهرباء والصناعة والنقل، وأظهرت التقنيات النظيفة والتحول العادل والحوكمة التقدم الأكثر إيجابية على مستوى سياسات التكتل.
ويدعم مواطنو الاتحاد الأوروبي أهداف الحياد الكربوني والإجراءات ذات الصلة، غير أنهم يرون أن الإجراءات الحكومية ليست كافية.
ويتطلب هذا تنفيذًا سريعًا وطموحًا لسياسات الصفقة الخضراء في كل الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي بهدف تسريع تحول الطاقة العادل والشامل.
وتشتمل السياسات التي يتعين على التكتل تنفيذها خلال المدة من عام 2024 إلى عام 2029 على ما يلي:
- تحديث السياسات الوطنية لدعم مصادر الطاقة المتجددة وتكاملها بشكل أفضل والاستمرار في إزالة العراقيل، ولا سيما بشأن التصاريح الضرورية لتنفيذ المشروعات ذات الصلة.
- تطبيق التشريعات الوطنية بشأن تطوير البنية التحتية؛ بما في ذلك خُطة عمل الشبكة.
- تطبيق قانون الصناعة حيادية الكربون.
- إتاحة بيانات أفضل من خلال تنفيذ قوانين المراقبة الجديدة للغابات والتربة.
- تعزيز المساعدات التنموية الرسمية الوطنية المخصصة للعمل المناخي.
محنة ومنحة
بدت الصفقة الخضراء التي كشفت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في ديسمبر/كانون الأول (2019)، برنامجًا متكاملًا وأكثر طموحًا للإصلاح والاستثمار والبحث، يستحدثه الاتحاد الأوروبي على الإطلاق.
وقد طُورت تلك المبادرة -خصيصًا- للتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية، بل تحويل تلك المحنة المستقبلية إلى منحة.
فالبلدان الأوروبية لا ترغب في التصدي لظاهرة الاحترار العالمي فحسب، بل تتطلع إلى قيادة المعركة واستثمارها بوصفها فرصة لتحقيق النمو الاقتصادي -كذلك-.
ومع أخذ تلك الأهداف في الحسبان، وضع الاتحاد الأوروبي خطة عمل مدتها 30 عامًا تركز على التحول في مجال الطاقة، والاقتصاد الدائري، وحماية التنوع البيولوجي، ووقف التلوث.
وقبل الكشف عن الصفقة الخضراء، كانت دول الاتحاد الأوروبي تستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 60% عن مستويات عام 1990 وذلك بحلول أواسط القرن الحالي (2050).
لكن بعد خروج الصفقة إلى النور أصبح هدف التكتل هو تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
خُطة استثمارية
يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استثمارات جديدة قدرها 260 مليار يورو (282 مليار دولار أميركي) سنويًا؛ ما يعادل قرابة 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي في عام 2018، وفق تقديرات كشفت عنها المفوضية الأوروبية في عام 2019.
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا).
وروجعت تلك التقديرات بالرفع عدة مرات خلال السنوات اللاحقة، بعد تغير قواعد اللعبة في أعقاب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
ففي يناير/كانون الثاني (2020) كشفت المفوضية الأوروبية عن الخطة الاستثمارية للصفقة الخضراء والتي تتيح استثمارات بما لا يقل عن تريليون دولار على مدار العقد المقبل؛ ممولة من موازنة الاتحاد الأوروبي وبرنامج ذا إنفيست إي يو (The InvestEU) ومصادر أخرى.
تحديات قائمة
لن تكون المرحلة التالية من التحول الأخضر في أوروبا بمنأى عن التحولات الأيديولوجية من اليسار إلى اليمين فحسب، بل بالتطورات الجيوسياسية وزيادة الوعي بإدارة الآثار الصناعية والاجتماعية لهذا التحول كذلك.
وظلت قوانين وسياسات المناخ التي تبلورت خلال الأعوام الـ5 الماضية وتطالب بتسريع وتيرة تحول الطاقة في دول القارة، مصدر إزعاج للأحزاب والتكتلات السياسية اليمينية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وبناءً عليه فإن صعود حكومات اليمين المتطرف عبر دول الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى انقسام في الرؤى السياسية بل قد يعوق تطبيق الحلول المشتركة للتكتل، ولا سيما القضية الحاسمة الخاصة بتمويل تحوّل الطاقة.
ولذا سيعتمد نجاح التحول الأخضر في أوروبا على مدى فاعلية تنفيذ بنود الصفقة الخضراء على المستوى الوطني.
موضوعات متعلقة..
- هل تتحول أحلام التحول الأخضر في أوروبا إلى كابوس؟
- الصفقة الخضراء تواجه تهديدًا بعد فوز اليمين بالانتخابات الأوروبية.. وآخرون: لن تموت
- الصفقة الخضراء تشعل غضب مزارعي أوروبا
اقرأ أيضًا..
- 230 مليون برميل ورافعة عملاقة.. قصة تطوير حقل نفط لاستمراره 40 عامًا (صور وفيديو)
- تقرير صادم.. أهداف المناخ في الاتحاد الأوروبي على المسار الخطأ
- هل تتحول أحلام التحول الأخضر في أوروبا إلى كابوس؟