تكاليف الرياح البحرية في الدنمارك تعصف بأحلام الحكومة.. وتحذير من فشل ذريع
أسماء السعداوي
حذّرت شركة استشارات من انهيار مستقبل صناعة الرياح البحرية في الدنمارك، جراء تحديات مالية تهدد بهروب الاستثمارات وفشل خطط الحكومة الطموحة.
ووضعت الحكومة هدف بناء مزارع رياح بحرية بقدرة 9 غيغاواط بحلول عام 2030 ضمن مساعي زيادة إنتاج الكهرباء النظيفة من مصادر متجددة؛ تحقيقًا لأهداف خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وتحقيق الحياد الكربوني، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ومقارنة بوقت وضع الخطط، ارتفعت التكاليف نتيجة تضاعف أسعار المكونات وتكاليف التمويل بسبب التضخم والقيود على سلاسل التوريد، إضافة إلى الشكوك بشأن أسعار الكهرباء والتأخيرات؛ ما يجعل المشروعات غير مجدية اقتصاديًا بالنسبة للمطورين.
ولذلك، هناك مطالب بتدخُّل الحكومة التي عليها ألّا تتوقع أن تدرّ المشروعات الجديدة على خزينتها أموالًا ضخمة، كما كان مستهدفًا قبل عامين ونصف.
خطر يقترب
كشفت شركة الاستشارات العالمية "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC) النقاب عن تقديرات جديدة تشير لارتفاع تكاليف مشروعات الرياح البحرية في الدنمارك نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار؛ ما ينذر بخسائر بالمليارات تلوح في الأفق.
وبحسب تحليل الشركة لصالح 6 مؤسسات رائدة بالقطاع، تتضمن خطة الحكومة 6 مزارع رياح بحرية طُرحت في مناقصات مؤخرًا، بالإضافة إلى أول جزيرة اصطناعية لإنتاج الكهرباء في العالم في بورنهولم.
وفي غضون عامين فقط من وضع الخطط، ارتفعت تكاليف البناء بمقدار 46 مليار كرونة دنماركية (6.6 مليار دولار).
(الكرونة الدنماركية = 0.14 دولارًا أميركيًا).
وأرجعت شركة الاستشارات السبب إلى ارتفاع أسعار المواد والقيود على سلاسل الإمدادات وارتفاع تكاليف التمويل بسبب صعود أسعار الفائدة، والشكوك بشأن أسعار بيع الكهرباء، ما يتطلب زيادة في إيرادات المستثمرين، وهو ما يجعل المشروعات غير منطقية من الناحية المالية.
ووفق تقديرات الشركة، سيتكبد مطور مشروع رياح بحرية بقدرة 1 غيغاواط في المتوسط ما إجمالية 3.2 مليار كرونة، وبالمقارنة بالتكلفة ذاتها قبل عامين، كان متوقعًا أن يحقق أرباحًا تصل إلى 10.1 مليار كرونة.
وتعليقًا على النتائج، طالب مدير شركة دي آي إنرجي (DI Energi) ترولز رانيس الحكومة بعدم توقُّع تحقيق إيرادات كبيرة من وراء مناقصات الرياح البحرية، موضحًا أن التكاليف ارتفعت كثيرًا لدرجة تحول دون جعل المشروعات مجدية.
وفي الوقت الذي لفت فيه إلى أن المناقصات الأخيرة في الدول المجاورة "تتطلب الدعم"، قال، إن المواقع البحرية الدنماركية جذابة للغاية لإقامة مشروعات الرياح دون الحصول على إعانات، لكنه أبدى تشكّكه بأن تتلقى جميع تلك المواقع مناقصات.
وكان إنشاء مشروعات الرياح البحرية في الدنمارك يكلّف الحكومة مبلغًا كبيرًا من المال، ثم قدّمت السلطات نموذجًا جديدًا من المناقصات لا يحصل فيها المطورون على دعم الدولة، وإنما تتنافس الشركات على دفع أكبر مبلغ ممكن للدولة للسماح بإقامة مشروع.
لن نغمض أعيننا!
حذّر مراقبون من أن حلم تحقيق إيرادات من وراء مشروعات الرياح البحرية "يتبخر" نتيجة لـ"الحقيقة القاسية" الخاصة بالتكاليف.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة التأمين "فورسكرينغ آند بنشو" (Forsikring & Pension) كنت دامسغارد: إنه "لا طائل من وراء هذا.. الأرقام توضح ذلك"، ما لم تكن هناك تغييرات جذرية في السوق أو قفزة تقنيّة مفاجئة.
وحثّ دامسغارد السياسيين على أخذ الوضع بمحمل الجد، محذرًا من الأخطار الناجمة عن تخلّي المستثمرين وشركات الطاقة عن مشروعات الرياح البحرية في الدنمارك، لينتهي الحال بخطط الحكومة إلى "فشل ذريع".
وأوضح: "ينبغي ألّا تستثمر المال بطريقة تجعلك تخسره.. ربما مازال يمكنك النجاح في إقامة مشروع بإيرادات معقولة، لكنك ستحتاج فيما بعد إلى إيجاد بعض الميزات الخاصة في المشروعات الفردية.. لكن -بالأساس- يبدو من الصعب أن تجعل ذلك مجديًا اقتصاديًا"، وفق ما جاء في تقرير لمنصة "إنرجي ووتش" (energy watch).
وأشار إلى أن صناديق التقاعد الدنماركية كانت راغبة كثيرًا باستثمار أموالها في قطاع الرياح البحرية، لكن هذا الاستثمار سيكون مبرَّرًا إذا حققت المشروعات إيرادات تتناسب مع المخاطر التي يتحملها المستثمرون.
وأكد أن ذلك الموقف ليس تهديدًا بأن صناديق التقاعد لن تستثمر في التحول الأخضر، ولكن -على العكس تمامًا- "سنبذل كل ما في وسعنا.. لكن ليس بوسعنا تغيير الأرقام، ولا يمكننا أن نطلب ممن يدّخرون أموالهم بصناديق التقاعد الدنماركية إغماض أعينهم، بينما نجرّب حظنا في بعض مشروعات الرياح البحرية الدنماركية".
ودعا السياسيين إلى الحذر من "الرياح المعاكسة" التي ضربت سوق توربينات الرياح البحرية بأكملها، مشيرًا إلى "التحول بالسوق العالمية"؛ إذ تدعم الصين والولايات المتحدة الصناعة بالمليارات، في حين تركّز الدنمارك على توريد المزيد من الأموال إلى الخزانة العامة.
وبحسب المسؤول، فقد أضاع السياسيون فرصة حاسمة لتحسين اقتصادات المشروعات، وبدأت "البيضة الذهبية بالتصدع".
ردّ الوزير
عُرِضت تقديرات شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" الاستشارية بشأن مشروعات الرياح البحرية في الدنمارك على وزير الطاقة والمناخ لارس أغارد، الذي أكد أن أساس إستراتيجية الرياح البحرية هو البناء من غير دعم.
وفي الوقت نفسه، لفت إلى أن العالم يتغير، وظروف الرياح البحرية تتبدل؛ فالأسعار وأسعار الفائدة والتضخم في زيادة، وفي المقابل يتراجع الطلب على الكهرباء النظيفة والهيدروجين.
وأشار إلى أن الصناعة كانت مستعدة لبناء مزارع رياح بحرية بقدرة 20 غيغاواط دون إعانات في العام الماضي 2023، لكن الآن يتساءلون بشأن إمكان بناء مزارع بقدرة 6 غيغاواط بحلول 2030.
وفي هذا الصدد، أكد إقامة حوار مطول بين رُوّاد السوق والحكومة بشأن إطار عمل مناقصات الرياح البحرية.
موضوعات متعلقة..
- مشروعات الرياح البحرية في الدنمارك معلقة بقرار حكومي
- أكبر مشروعات طاقة الرياح البحرية في الدنمارك يدخل حيز التنفيذ
- المفوّضية الأوروبية تموّل مشروع الرياح البحرية في الدنمارك
اقرأ أيضًا..
- خبراء: كوب 29 على الأبواب دون جديد في ملف التمويل المناخي
- العراق يحدد الموعد النهائي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البنزين (فيديو)
- أكبر محطات الطاقة الشمسية عالميًا.. دولتان عربيتان في القائمة (إنفوغرافيك)