تاريخ صناعة النفط في إيران.. أنس الحجي يكشف خدعة البريطانيين ببلاد فارس
أحمد بدر
تؤدي إيران دورًا مهمًا، ومثيرًا للجدل كذلك، بالنسبة إلى صناعة النفط والأسواق العالمية، التي تسهم فيها طهران بحصّة لا بأس بها، سواء في شكل تجارة النفط المباشرة، أو التجارة غير المباشرة التي فرضتها العقوبات.
ويقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه بالنظر إلى تاريخ صناعة النفط في عصرها الحديث، منذ اكتشافه في باكو بدولة أذربيجان قبل 170 عامًا، يتضح أن طهران كانت الأكثر تأثيرًا في أسواق النفط.
وأضاف، خلال حلقة من برنامجه "أنسيات الطاقة"، قدّمها بمنصة "إكس" (تويتر سابقًا) بعنوان "آثار مقتل الرئيس الإيراني في أسواق النفط والعلاقات مع دول أوبك وأوبك+"، أنه لا توجد دولة أخرى تضاهي إيران في التأثير بأسعار النفط وأسواقه عمومًا.
ولفت إلى أن الاستعراض السريع لتاريخ صناعة النفط يمكن أن يكشف الأثر الكبير لطهران في الأسعار والأسواق، لذلك كانت هناك توقعات بأن تؤدي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى إحداث تغيرات في أسواق النفط، وذلك بناءً على هذا التاريخ.
بريطانيا وصناعة النفط في إيران
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، الدكتور أنس الحجي، إن أول لقاء لمسؤولين بريطانيين مع الفارسيين، كان في بداية عام 1900 تقريبًا، بينما وقّع الطرفان أول عقد بينهما في عام 1901، وذلك مع بريطاني يدعى "ويليام نوكس دي آرسي".
وأضاف: "أيّ شخص يدرس تاريخ النفط يجب أن يدرس تاريخ ويليام نوكس دي آرسي لأهميته، إذ إنه حصل على امتياز لمدة 60 عامًا، للتنقيب عن النفط في جزء من بلاد فارس.. والحديث هنا عن فارس والفارسيين، لأن المنطقة كان اسمها فارس حتى عام 1935، قبل أن يتغير إلى إيران".
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن دي آرسي حصل على العقد للتنقيب عن النفط لمدة 60 عامًا مقابل 20 ألف جنيه إسترليني، و20 ألفًا حصص في الشركة الجديدة، على أن تحصل الحكومة الفارسية في ذلك الوقت على 16% من صافي الأرباح.
ولفت إلى أن كلمة صافي الأرباح هنا مهمة، إذ إن الصافي هو الريع، والريع هو عائد مالك المورد، وهنا إشكال كبير، هو الأرباح والعائد على الريع نفسه، إذ سيتضح لاحقًا أن هذه كانت إحدى المشكلات الأساسية في تأسيس منظمة أوبك، وهي فصل الريع عن الأرباح، ولكن هذه كانت من ألاعيب البريطانيين على الدول المنتجة في ذلك الوقت.
وتابع: "لكن الملاحَظ وقتها أن دي آرسي حصل على امتياز للتنقيب في كل أرض فارس، ما عدا 5 أقاليم، وهذه الأقاليم ستؤدي دورًا كبيرًا لاحقًا، وهي تقع شمال شرق إيران، وبالطبع لم يكن لديه أموال كافية للاستمرار في التنقيب بعد 7 سنوات من التنقيب والفشل، فاضطر لبيع حصصه لشركة اسمها الشركة البريطانية البورمية للنفط".
وعن هذه الشركة، يقول الدكتور أنس الحجي، إن البريطانيين كانوا يركّزون بشكل كبير على شركة الهند الشرقية بصفتها شركة بريطانية تدير شؤون المستعمرة الهندية والمناطق المجاورة، لذلك تأسست شركة بريطانية للتنقيب عن النفط في بورما، فكانت الأقرب إلى إيران، ومن ثم اشترت حصص دي آرسي.
وأردف: "حاولت هذه الشركة أن تجد النفط في إيران، ولم يحصل ذلك، فجاء قرار رسمي بوقف العمليات هناك تمامًا، وخروج الشركة من البلاد، لكن في اللحظة الأخيرة -على غرار ما حدث في بعض الدول، بما فيها السعودية وسلطنة عمان- اكتُشِف النفط".
اكتشاف النفط للمرة الأولى في إيران
قال الدكتور الحجي، إن اكتشاف النفط للمرة الأولى في إيران حدثَ في منطقة اسمها "مسجد سليمان"، وهنا بالطبع يجب تأسيس شركة محلية، لأن الشركة الموجودة أجنبية، وسيكون على الشركة المحلية بدء الإنتاج.
لذلك، وفق الحجي، تأسست شركة محلية بصفتها فرعًا من "الشركة البريطانية البورمية"، وأسموها "الشركة الأنغلو-فارسية للنفط"، وهذه الشركة لها أسهم يجري تداولها، فكانت شركة عامة، وبناءً على قانون الشركات، تحصل إيران على 16% من صافي الأرباح.
وأضاف: "ما حدث أن اكتشاف النفط حدث في عام 1908، ولكن في عام 1912 حدث تغير تاريخي غيّر صناعة النفط إلى الأبد، وهو قرار البحرية الملكية البريطانية بأن تُغير الوقود الذي تستعمله السفن من الفحم إلى استعمال النفط".
وأرجع الدكتور أنس الحجي هذه الخطوة إلى أن المنافسة حينها أصبحت قوية جدًا مع ألمانيا في مجال الأساطيل البحرية الأسرع، وللحصول على السرعة كانت هناك حاجة إلى التحول إلى النفط، لأن الفحم غير مُجدٍ في موضوع السرعة، وهذا قرار تاريخي غير صناعة النفط للأبد.
لكن، وفق الحجي، أصبحت هناك مشكلة كبيرة تتمثل في أنّ تحول البحرية البريطانية إلى النفط بشكل مفاجئ جعله سلعة إستراتيجية، إذ إن التوسع البريطاني وحماية المستعمرات ضرورة للأمن القومي، وضرورة إستراتيجية، فأصبح النفط ضرورة إستراتيجية بالنسبة إلى بريطانيا.
ومن ثم، قررت الحكومة البريطانية شراء الشركة الأنغلو فارسية، والسيطرة على حصة الأغلبية فيها، ومنذ ذلك الوقت أصبح النفط بالمفهوم الإستراتيجي الذي نراه اليوم، وكان قائد سلاح البحرية الملكية البريطانية حينها ونستون تشرشل، الذي أصبح رئيس وزراء فيما بعد.
السيطرة على كل امتيازات إيران
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن عام 1914 شهد قرارًا من الحكومة البريطانية بشراء 51% من الشركة الأنغلو فارسية، ومن ثم أصبحت الأغلبية ملكًا للحكومة البريطانية، وهذه الملكية ستؤدي دورًا كبيرًا في المستقبل.
وفي عام 1923، وفق الحجي، لم يكن لونستون تشرشل عمل، وأرادت الشركة السيطرة على الولايات الـ5 التي لا يشملها الامتياز، فوظّفته الشركة مستشارًا، ليقنع الحكومة الإيرانية لكي يمتد الامتياز ويشمل هذه الولايات الإستراتيجية، وقد نجح في ذلك بالفعل.
وبعد نجاحه في هذه المهمة، أصبحت هناك فرصة لإعادة تقييم الامتياز، وتوقيع امتياز جديد، وفي عام 1933 وقّعت الشركة الأنغلو فارسية امتيازًا جديدًا مع الحكومة الفارسية لمدة 60 عامًا، ولكن هذا الامتياز كان مجحفًا لإيران، وكانت هناك ضجة كبيرة من قبل السياسيين والملالي وغيرهم من المثقفين.
وأوضح أن هذا الاتفاق كان عبارة عن سرقة لموارد النفط في إيران من جانب البريطانيين، إذ كان من ضمن شروطه أنه لا سيطرة للحكومة على الإنتاج والصادرات، لذلك بدأ الضجيج حول هذه العقود منذ عام 1933.
وأضاف مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن): "لكن، في عام 1935، قرر شاه إيران رضا بهلوي تغيير الاسم من فارس إلى إيران، وكان اسم الشركة الأنغلو فارسية، فتغير إلى الأنغلو إيرانية".
موضوعات متعلقة..
- تطور إنتاج النفط الإيراني وصادراته في عهد إبراهيم رئيسي.. قفزة قوية قبل رحيله
- إنتاج النفط الإيراني ينمو 60%.. وإيرادات صادراته تتجاوز 35 مليار دولار
- أنس الحجي: العقوبات على روسيا وإيران "وهمية".. وهذه قصة الناقلات الشبح
اقرأ أيضًا..
- رحلة قطاع الطاقة في المغرب.. وزراء ومسؤولون يتحدثون (ملف خاص)
- الطاقة النظيفة في أميركا تترقب انتخابات الرئاسة.. و4 تشريعات في خطر
- حقل أبوماضي.. حكاية اكتشاف غاز في مصر عمره 57 عامًا