علاقات الطاقة بين روسيا والصين.. شراكة إستراتيجية تتجاوز العقوبات الغربية (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- موارد الطاقة تمثّل ركيزة صادرات روسيا إلى الصين وتشمل النفط والغاز والفحم وخام النحاس
- صادرات الفحم من روسيا إلى الصين انخفضت بنسبة تزيد على 2% هذا العام
- التعاون في مجال الطاقة يُعد ركيزة أساسية للعلاقات الصينية الروسية
- إمكان التعاون المستقبلي في مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة يمثّل تحولًا إستراتيجيًا نحو التنويع.
تأثر تطور علاقات الطاقة بين روسيا والصين، إلى حدّ بعيد، بالمصالح الإستراتيجية لكلا البلدين والاعتبارات الجيوسياسية.
ويسلط التحديث الأخير لمجلس الوزراء الروسي، في أعقاب تنصيب فلاديمير بوتن رسميًا، الضوء على الاستمرارية والتحولات الإستراتيجية داخل هيكل الحكم في روسيا، التي لها انعكاسات على سياساتها في مجال الطاقة والعلاقات طويلة الأمد مع الصين.
وتشكّل موارد الطاقة ركيزة صادرات روسيا إلى الصين، وتشمل النفط والغاز والفحم وخام النحاس والأخشاب والمأكولات البحرية.
وفي المقابل، تصدر الصين في المقام الأول المعدات الصناعية والسيارات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر إلى روسيا، وغالبًا ما تمثّل بدائل للمنتجات الغربية.
وواجه نمو الصادرات الصينية في الآونة الأخيرة تحديات بسبب الضغوط الغربية التي تطالب بالامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا والتهديد بعقوبات ثانوية.
وعلى الرغم من هذه العقبات، فإن البلدين مصممان على تعزيز تعاونهما الشامل خلال أول زيارة دولية رسمية للرئيس بوتين إلى الصين، ما يعكس الشراكة الإستراتيجية العميقة مع بكين.
النفط الروسي
شهدت صادرات النفط الروسي إلى الصين زيادة قوية، مع نمو بنسبة 13% في الربع الأول من عام 2024، بقيمة 13.9 مليار دولار (بزيادة 18% على أساس سنوي).
ويؤكد هذا النمو اعتماد الصين على النفط الروسي، ما يجعل موسكو أكبر مورد للنفط إلى الصين، متجاوزة شريكًا إستراتيجيًا آخر، هو المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من العقوبات الغربية، تواصل الصين استيراد النفط الروسي عبر الناقلات الخاضعة لهذه العقوبات، ما يسلط الضوء على أولوياتها لأمن الطاقة على الامتثال للمطالب الغربية.
وعلى الرغم من أن النفط الروسي يُباع بتخفيض طفيف للعملاء المنتظمين، فقد قلّ الخفض مقارنة بالعام السابق، ما يشير إلى استقرار العلاقة التجارية.
الغاز الروسي
على صعيد آخر، بدأ تشغيل خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا" بنجاح، مع توسيع الصين نظام خطوط الأنابيب المحلية لزيادة الواردات.
وفي الربع الأول، ارتفعت قيمة إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب هذا بنسبة 13%.
تجدر الإشارة إلى أن خط أنابيب "باور أوف سيبيريا" لا يمكنه التعويض الكامل عن خسارة السوق الأوروبية، التي كانت تتلقى في السابق 170-180 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا مقارنة بـ45 مليار متر مكعب في العام الماضي.
ووصلت سعة خط الأنابيب إلى 22.7 مليار متر مكعب في عام 2023، مع إمكان زيادتها إلى 38 مليار متر مكعب.
بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يجري إطلاق خط أنابيب غاز الشرق الأقصى، الذي تبلغ قدرته 10 مليارات متر مكعب، في غضون عامين، وهو ما يمثّل نحو 5% من إجمالي استهلاك الصين من الغاز.
وتوجد إمكانات كبيرة لتوسيع إمدادات الغاز الروسي إلى الصين من خلال خط أنابيب باور أوف سيبيريا -2 المقترح، الذي يمكن أن تصل قدرته إلى 50 مليار متر مكعب سنويًا.
وعلى الرغم من وضع تصور للمشروع قبل 7 سنوات، فإنه لم يجر الاتفاق عليه بصورة كاملة بعد، إذ تهدف الصين إلى تنويع وارداتها من الغاز، ومن الممكن إحراز تقدم في هذا المشروع خلال زيارة بوتين.
وتشير التوقعات المتفائلة إلى أن خط أنابيب "باور أوف سيبيريا-2" يمكن أن يكون جاهزًا للعمل بحلول عام 2030-2033، ما يتطلب خط أنابيب بطول 3 آلاف و550 كيلومترًا، بما في ذلك 950 كيلومترًا عبر منغوليا.
ويبدو أن بكين مهتمة بتسريع هذا المشروع لتقليل الاعتماد على الغاز المسال القادم من أستراليا، الذي يمثّل ما يقرب من نصف وارداتها.
لذلك، اقترح الصينيون دمج عمليات الاستخراج والمعالجة، الأمر الذي يمكن أن يعزز كفاءة المشروع.
وبصفته إجراء إضافيًا، يمكن أن تزيد إمدادات العبور (المبادلة) للغاز الروسي إلى الصين عبر قازاخستان إلى 35 مليار متر مكعب سنويًا، وقد تنشأ تطورات إيجابية في هذا الصدد عن زيارة بوتين.
من ناحية ثانية، انخفضت صادرات الفحم من روسيا إلى الصين بنسبة تزيد على 20% هذا العام بسبب فرض الصين رسوم الاستيراد والمنافسة مع الموردين الأستراليين والمنغوليين. ومع ذلك، ما تزال هناك فرص للتفاوض لمعالجة هذه التحديات.
ويتميز التكامل الاقتصادي بين الصين وروسيا بنمو تجاري قوي، إذ تجاوز حجم التجارة 227.8 مليار دولار، وتجري معظم المعاملات بالعملات الوطنية، ما يقلل من التعرض للضغوط المالية والعقوبات الخارجية.
وتتوافق هذه الإستراتيجية الاقتصادية مع التحديثات الأخيرة في مجلس الوزراء الروسي، مع التركيز على تعزيز البنية التحتية للنقل والبنية التحتية المالية لدعم التعاون الاقتصادي المرن والمعتمد على الذات.
تعزيز العلاقات الثنائية
تتشابك ديناميكيات علاقات الطاقة بين روسيا والصين بصورة عميقة مع الإستراتيجيات الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع لكلا البلدين.
وتقدم المقابلة، التي أجراها فلاديمير بوتين مؤخرًا مع وكالة أنباء شينخوا قبل أول زيارة دولية رسمية له إلى الصين، رؤى جوهرية بشأن الوضع الحالي والاتجاه المستقبلي لهذه العلاقات الثنائية، مع التركيز على علاقات الطاقة بين روسيا والصين، والتكامل الاقتصادي، والتحالفات الجيوسياسية.
على صعيد آخر، فإن إعادة تأكيد بوتين على الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين ترسخ الاحترام المتبادل، والسيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وتوفر هذه المبادئ أساسًا مستقرًا لتعميق التعاون في مختلف القطاعات، بما في ذلك علاقات الطاقة بين روسيا والصين.
وتضمن استمرارية القيادة الروسية، حسبما رأينا في التحديثات الأخيرة لمجلس الوزراء، تضمن أن تظل هذه المبادئ الأساسية بمثابة قوة توجيهية في تنفيذ السياسات، وتعزيز شراكة متسقة وموثوقة مع الصين.
ويُعد التعاون في مجال الطاقة ركيزة أساسية للعلاقات الصينية الروسية، ويسلّط تركيز بوتين على مشروعات الطاقة الجارية على نطاق الضوء على الدور المهم الذي يؤديه هذا القطاع.
وتتوافق التعيينات الإستراتيجية في الحكومة الروسية، خصوصًا تركيز مكسيم أوريشكين على الاقتصاد والنقل، مع الحاجة إلى الإدارة الفاعلة لمشروعات الطاقة هذه.
بالإضافة إلى ذلك، يشير إشراف أليكسي ديومين على مجلس الدولة وشؤون الدفاع إلى اتباع نهج محصن لتأمين البنية التحتية للطاقة وتعزيزها.
ويمثّل إمكان التعاون المستقبلي في مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة تحولًا إستراتيجيًا نحو التنويع، ويتماشى هذا مع الاتجاهات العالمية نحو الاستدامة ويعكس نهجًا استشرافيًا يمكن أن يضمن منافع متبادلة على المدى الطويل.
ومن الممكن أن يسهّل الدور المعزز لمجلس الدولة، تحت إشراف ديومين، دمج هذه القطاعات المبتكرة في الإطار الإستراتيجي الأوسع، ودعم تنويع التعاون في علاقات الطاقة بين روسيا والصين.
الحوكمة العالمية والتعددية
من الناحية الجيوسياسية، تستفيد كلتا الدولتين من المنصات متعددة الأطراف مثل مجموعة بريكس+ ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) لتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وتعمل هذه التحالفات على مواجهة الهيمنة الغربية وتعزيز التعاون بين دول جنوب وشرق العالم، إذ يُعد دمج أعضاء مجموعة بريكس الجدد وتعزيز التعاون الإستراتيجي ضمن هذه الأطر من أولويات روسيا، ما يعزّز نفوذها الجيوسياسي ويدعم شراكتها وتعزيز علاقات الطاقة بين روسيا والصين.
ويلتزم كلا البلدين بإصلاح الحوكمة العالمية لتعزيز نظام دولي أكثر تعددية وعدالة.
ويدل دعم بوتين لجهود الوساطة الصينية في الحرب بأوكرانيا والتوافق بشأن القضايا العالمية على موقف موحد ضد الأحادية الغربية.
ويعزز هذا التوافق العمق الإستراتيجي لعلاقات الطاقة بين الصين وروسيا، إذ يتعامل البلدان مع تعقيدات سوق الطاقة العالمية ضمن إطار جيوسياسي مشترك. تتأثر ديناميكيات علاقات الطاقة بين الصين وروسيا بصورة كبيرة بالمناورات الإستراتيجية لكلا البلدين، استجابة إلى الضغوط الخارجية والأسواق العالمية المتطورة. جدير بالذكر أن هذا التحليل يدمج أحدث التطورات في الحكم الروسي، والرؤى من مقابلة فلاديمير بوتين مع وكالة أنباء شينخوا، وأنماط التجارة الأخيرة لتقديم رؤية شاملة للوضع الحالي والاتجاه المستقبلي لهذه العلاقة الثنائية المحورية.
التعيينات الإستراتيجية والحوكمة
تشير التغييرات الأخيرة في مجلس الوزراء الروسي، مثل وزير الدفاع الجديد أندريه بيلوسوف، وترقية مكسيم أوريشكين، والدور الجديد لأليكسي ديومين، إلى التركيز الإستراتيجي على السياسات الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية، والقدرات الدفاعية.
وتدعم هذه التعيينات إستراتيجيات تصدير الطاقة الروسية من خلال ضمان الإدارة الاقتصادية القوية وتأمين البنية التحتية للطاقة.
ويعكس التركيز على القيم الثقافية والأيديولوجية، مع إشراف إيلينا يامبولسكايا على القضايا الثقافية، التزام روسيا بالدبلوماسية الثقافية، التي تكمّل إستراتيجياتها الجيوسياسية.
ويشير الاحتفاظ بشخصيات بارزة في الإدارة الروسية، مثل أنطون فاينو بصفته رئيسًا للإدارة الرئاسية، ونواب مثل سيرغي كيرينكو وديمتري كوزاك، إلى الالتزام بالحفاظ على الاستقرار والاستمرارية في العمليات السياسية الداخلية والاتصالات العامة.
ويشكّل الاستقرار أهمية بالغة لضمان سياسات متسقة في مجال الطاقة، وهو أمر حيوي لدعم مشروعات واتفاقيات الطاقة طويلة الأجل مع الصين.
من جهة أخرى، فإن ترقية مكسيم أوريشكين إلى منصب نائب رئيس الإدارة الرئاسية، مع التركيز على الاقتصاد والنقل، تسلط الضوء على عزم روسيا على تعزيز سياساتها الاقتصادية.
إن خلفية أوريشكين في الأدوار الاستشارية الاقتصادية وإدارة الأزمات تضعه في موقع جيد للتعامل مع تعقيدات أسواق الطاقة الدولية والتجارة الثنائية.
ومن الممكن أن يؤدي هذا التعيين الإستراتيجي إلى تعزيز قدرة روسيا على إدارة صادراتها من الطاقة إلى الصين، خاصة في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
ويشير الدور الجديد لأليكسي ديومين بصفته مساعدًا مشرفًا على مجلس الدولة، وأوامر دفاع الدولة، والرياضة، والمجمع الصناعي العسكري، إلى التركيز الإستراتيجي على تعزيز القدرات الدفاعية والفيدرالية في روسيا.
ويمكن لهذا التركيز على الدفاع والحكم الفيدرالي أن يؤثر بصورة غير مباشرة في سياسات الطاقة، إذ إن قطاع الدفاع القوي يتطلب في كثير من الأحيان إمدادات طاقة مستقرة وآمنة.
ومن الممكن أن تعمل القدرات الدفاعية المعززة على تأمين البنية الأساسية للطاقة في روسيا، ما يضمن عدم انقطاع صادرات الطاقة إلى الصين.
ويُعد تعيين الخبير الاقتصادي والتكنوقراط، أندريه بيلوسوف، وزيرًا جديدًا للدفاع بتوجيه من رئيس الوزراء ميشوستين إشارة قوية نحو هذا الاتجاه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعيين نيكولاي باتروشيف في بناء السفن يؤكد الأهمية الإستراتيجية لهذه الصناعة بالنسبة إلى روسيا.
ونظرًا إلى أهمية الطرق البحرية لنقل الطاقة، خصوصًا طريق بحر الشمال، فإن الدور الذي سيؤديه باتروشيف من الممكن أن يسهل شحنات الطاقة الأكثر كفاءة وأمانًا إلى الصين.
ويعزز هذا التوافق مع الإستراتيجية الجيوسياسية الأوسع لروسيا نفوذها في علاقة الطاقة مع الصين.
إن تحول إيغور ليفيتين للتركيز على التعاون الدولي في مجال النقل، وتحديدًا طريق النقل الدولي بين الشمال والجنوب وطريق بحر الشمال، يؤكد كذلك الأهمية الإستراتيجية لهذه الطرق بالنسبة إلى تجارة الطاقة.
ومن الممكن أن يؤدي تحسين البنية التحتية للنقل إلى تبسيط صادرات الطاقة، ما يجعل موارد الطاقة الروسية في متناول الصين بصورة أكبر وتعزيز العلاقات التجارية الثنائية.
ويشير الدور المعزز الذي يؤديه مجلس الدولة، بإشراف أليكسي ديومين، إلى المكانة الرفيعة في صياغة الأهداف والسياسات الإستراتيجية لروسيا.
ومن الممكن أن تؤدي هذه الهيئة، التي تضم مسؤولين رفيعي المستوى مثل رئيس الوزراء ورئيسي مجلس الدوما ومجلس الاتحاد، دورًا مهمًا في تنسيق علاقات الطاقة بين روسيا والصين.
وقد يؤدي اتباع نهج موحد وإستراتيجي لإدارة الطاقة إلى تسهيل علاقات طاقة أكثر تماسكًا وفاعلية مع الصين، بما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية طويلة الأجل لكلا البلدين.
بدروه، صوّت مجلس الدوما لصالح الموافقة على تعيين حاكم كوزباس سيرغي تسيفيليف وزيرًا جديدًا للطاقة في الاتحاد الروسي، بناء على توصية لجنة الطاقة في مجلس الدوما.
وأيّدت اللجنة ترشيح تسيفيليف بعد أن قدم برنامجه الشامل إلى وزارة الطاقة، ويحدد برنامج تسيفيليف العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحديث قطاع الطاقة وتحسينه في روسيا.
وفي قطاع الطاقة الكهربائية، يخطط لمواصلة تعزيز البنية التحتية لشبكة الكهرباء وإنشاء مؤسسات الشبكة الإقليمية لتشكيل النظام في جميع مناطق الاتحاد الروسي.
ويتمثّل الاهتمام الآخر في التوسع في توليد الكهرباء باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، إذ يشمل ذلك دمج مرافق مصادر الطاقة المتجددة في نظام الطاقة الموحد وجذب الاستثمارات لمشروعات الطاقة الكهرومائية الجديدة.
ويهدف تسيفيليف إلى تحسين نموذج اختيار الطاقة التنافسي في سوق الجملة، وهذا من شأنه أن يخلق حوافز اقتصادية للطاقة وموردي الكهرباء لتعزيز الكفاءة التشغيلية.
بالإضافة إلى ذلك، يقترح تسيفيليف إنشاء إطار قانوني للعملات المشفرة، بما في ذلك متطلبات التعدين وعملية الضرائب، لتنظيم استهلاك الكهرباء من خلال أنشطة التعدين.
وفي 13 مايو/أيار الجاري، وافق مجلس الدوما على 10 نواب لرئيس الوزراء للحكومة الجديدة، مع تولي ألكسندر نوفاك دورًا موسعًا يشمل الإشراف على سياسة الطاقة والسياسة الاقتصادية.
في السابق، شغل ألكسندر نوفاك منصب نائب رئيس حكومة ميخائيل ميشوستين، إذ كان مسؤولًا عن سياسة الدولة في مجمع الوقود والطاقة وتطوير التقنيات الحيوية، والآن، صلاحياته الموسعة جعلته واحدًا من أكثر نواب رئيس الوزراء تأثيرًا في الإدارة الجديدة.
وقد عهد إليه رئيس الوزراء ميشوستين بتكتل اقتصادي كامل، يتضمن تطوير الاتجاهات الرئيسة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتنفيذ سياسة مالية وائتمانية ونقدية موحدة، وزيادة فاعلية نفقات الموازنة، وتسريع النمو الاقتصادي، وتنظيم الأسواق المالية وأنشطة التأمين والتدقيق.
وكان أندريه بيلوسوف، الذي سيتولى الآن رئاسة وزارة الدفاع، يشرف على هذه المسؤوليات في السابق. وأظهرت مدة عمل نوفاك في وزارة الطاقة، إذ خدم من عام 2012 إلى عام 2020، خبرته في إدارة النفط والغاز والاتفاقيات الدولية مثل تخفيضات إنتاج تحالف أوبك+.
إلى جانب ذلك، تمتد كفاءة نوفاك إلى ما هو أبعد من قطاع الطاقة، ما يجعله مناسبًا تمامًا لمسؤولياته الجديدة الموسعة، إذ سوف تشكّل قدرة نوفاك على تنسيق الجهود بين فريق يضم وزير المالية أنطون سيلوانوف، ووزير التنمية الاقتصادية مكسيم ريشتنيكوف، ومحافظ البنك المركزي إلفيرا نابيولينا أهمية بالغة.
ويتمتع كل من هؤلاء القادة بسجل حافل وتأثير كبير في مجالات تخصصهم، وسوف يتمثّل التحدي الذي يواجهه نوفاك في مواءمة جهودهم نحو سياسات اقتصادية متماسكة تدفع النمو والاستقرار.
ويمثّل الدور الموسع لألكسندر نوفاك خطوة مهمة في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي ومشهد الطاقة في روسيا، ومن شأن خبرته الواسعة وقيادته الناجحة في قطاع الطاقة، إلى جانب مسؤولياته الاقتصادية الجديدة، أن تجعله شخصية رئيسة في الحكومة الجديدة، قادرة على توجيه البلاد نحو التنمية المستدامة والازدهار.
زيارة الرئيس بوتين للصين
قدّم مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، تفاصيل حول الزيارة المرتقبة التي يجريها فلاديمير بوتين إلى جمهورية الصين الشعبية يومي 16 و17 مايو/أيار الجاري، بدعوة من الرئيس الصيني، شي جين بينغ. وتتبع هذه الزيارة تقليدًا نشأ عندما زار شي جين بينغ موسكو بعد 10 أيام من توليه منصبه رسميًا.
ووفقا لأوشاكوف، فإن هذا التوقيت يؤكد المستوى العالي للعلاقات الثنائية والكيمياء الشخصية القوية بين الزعيمين.
وخلال الزيارة، سيناقش بوتين وشي مجموعة من القضايا الحاسمة، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فضلًا عن التعاون داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة بريكس.
وتقدر موسكو موقف بكين المتوازن بشأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في حين تتفهم بكين وجهة نظر روسيا.
ولقد أكدت الصين باستمرار أن أي حل سلمي يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية. وبالإضافة إلى المفاوضات الرسمية، من المقرر عقد اجتماع غير رسمي بين بوتين وشي، بمشاركة وزير الدفاع أندريه بيلوسوف وأمين مجلس الأمن سيرغي شويغو (وزير الدفاع السابق).
وقد جرى إعداد عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية، بما في ذلك الصفقات التجارية، لهذه الزيارة. وستتوج الزيارة بالتوقيع على بيان مشترك لرؤساء الدول.
وستُقدم أمسية احتفالية للاحتفال بالذكرى الـ75 للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا والصين وافتتاح سنوات الثقافة في روسيا والصين.
وفي 17 من مايو/أيار، سوف يلقي بوتين كلمة أمام طلاب جامعة البوليتكنيك في مدينة هاربين، ويجيب عن أسئلتهم. وفي نهاية الزيارة سيعقد مؤتمرًا صحفيًا مع الصحفيين الروس الذين يغطون الرحلة.
نظام الدفع المستقبلي
سوف يرافق بوتين مسؤولين من ذوي الخبرة وممثلين عن البنك المركزي ووزارة المالية، الذين أداروا جهود الكرملين لخفض الاعتماد على الدولار منذ عام 2014.
وقد مكنت إجراءاتهم الإستراتيجية روسيا من الصمود في وجه الصدمة الأولية للعقوبات وتحويل اقتصادها من الدولار واليورو إلى اليوان.
ولتسهيل المعاملات والمقاصة، يستعمل كلا البلدين بنيتهما التحتية المحلية. وبعد عام 2014، أطلقت روسيا نظام نقل الرسائل المالية التابع لبنك روسيا (SPFS)، المماثل لسويفت، في حين تدير الصين نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS)، الذي يضم الآن نحو 30 بنكًا روسيًا.
وقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة المعاملات، مع ارتفاع متوسط القيمة اليومية بنسبة 50% في عام 2022، و25%أخرى في الأرباع الـ3 الأولى من عام 2023.
وتتمثّل الخطوة التالية في تطوير بنية تحتية معقدة للمدفوعات الرئيسة، وتعزيز إنشاء نظام نقدي ومالي مستقل عن الدولار.
وبحلول نهاية عام 2023، ارتفع حجم التجارة مع الصين بنسبة 23.1%، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 227.8 مليار دولار، وفقًا للبيانات الروسية، في حين تشير التقديرات الصينية إلى 240.1 مليار دولار.
وارتفعت أسعار الشحن البحري من الصين بصورة ملحوظة، حاليًا، إذ ارتفعت الأسعار من 800-1000 دولار إلى 1300-1500 دولار لكل شحنة، ويجري حجز معظم المدد الزمنية على السفن حتى أواخر مايو/أيار الجاري إلى أوائل يونيو/حزيران المقبل.
وترجع الزيادة في أسعار الشحن البحري من الصين إلى انخفاض عدد الحاويات المتاحة والاختناقات المرورية الكبيرة على الحدود مع الصين.
ومن بين المواضيع المهمة، التي من المرجح أن تهيمن على المفاوضات المقبلة بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس شي جين بينغ، سيكون الوضع المقلق المحيط بالتسويات الثنائية بالروبل واليوان.
وقد تشمل المناقشات الحلول المحتملة للمدفوعات المصرفية، مثل تطوير بريكس بديل لنظام سويفت. وتتجلى أهمية هذه القضية في إضافة وزارة الخزانة الأميركية مؤخرًا 20 شركة صينية، بما في ذلك تلك الموجودة في هونغ كونغ، إلى قائمة الأشخاص المحددين لتعاونها مع روسيا.
وردًا على ذلك، توقفت البنوك الصينية الكبرى مثل بنك تشاينا سيتيك، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك تايتشو عن قبول المدفوعات من روسيا منذ أبريل/نيسان 2024.
وقد أكد ذلك المدير العام لمجلس الأعمال الروسي الصيني، أليكسي إيغارمين، وممثلو الأعمال الروس الآخرون.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن مرسومًا يسمح لوزارة الخزانة بتسريع العقوبات ضد المؤسسات المالية التي تتعامل مع روسيا.
ونتيجة لذلك، جرى تعليق العمليات مع روسيا إلى أجل غير مسمى من قبل بنك تشجيانغ تشوتشو التجاري، وهو مركز تسوية مهم لشركاء الصين التجاريين.
من ناحيته، يدقق بنك الشعب الصيني (بنك الصين) الآن المعاملات بحثًا عن أي اتصالات بمناطق مثل شبه جزيرة القرم، وجمهورية لوغانسك الشعبية، وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ومختلف المجمعات العسكرية والصناعية الروسية، بالإضافة إلى الدول الأخرى الخاضعة للعقوبات.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تواصل المؤسسات المالية الصينية الانخراط في التجارة والاستثمار مع العديد من الأنظمة الخاضعة للعقوبات، ويبدو أنها انتقائية في تطبيقها للعقوبات "الثانوية".
وأصبحت المدفوعات مقابل السلع الصناعية معقدة، على الرغم من استمرار معاملات المنتجات الاستهلاكية بسلاسة، ما يعكس انخفاض مخاطر العقوبات على هذه العناصر.
مع ذلك، ترفض البنوك الصينية نسبة كبيرة من المدفوعات من روسيا، وتحذو البنوك الأصغر حذوها بسبب المخاوف من عقوبات ثانوية.
ويشير مدير تطوير الأعمال اللوجستية لدى شركة "إس أوه تي إيه لوجستيك" SOTA ، إيغور تشيرنيشيف، إلى أن البنوك الصينية ترفض حاليًا أكثر من 50% من المدفوعات الروسية، ما يؤثر في أحجام النقل الدولي.
وقد يستوجب أحد الحلول المحتملة للتسويات الروسية الصينية استعمال دولار هونغ كونغ وباتاكا ماكاو، وكلاهما قابل للتحويل بحرية إلى اليوان والعملات الأجنبية الأخرى، ولكن ليس الروبل.
رغم ذلك، فإن المؤسسات المالية في هذه المناطق تشعر بالقلق من العقوبات الثانوية، ولذلك، قد تكون هناك حاجة إلى نظام جديد للمدفوعات المتبادلة بهذه العملات، ما قد يؤدي على الأرجح إلى زيادة تكاليف المعاملات وأوقاتها.
وحتى في غياب المنصات الرسمية، من الممكن أن تنشأ سوق معاملات "موازية"، ووفقًا لمستشار سلسلة التوريد في بكين، دونالد غاو، فإن المدفوعات اللامركزية عبر منصات أصغر، ووسطاء، وبنوك الظل بالقرب من الحدود الروسية قد تسد الفجوة.
ويمكن لغرف الأعمال المحلية والجمعيات الصينية في روسيا أن تؤدي دورًا في التكيف مع هذه الظروف التجارية الجديدة، وربما استعمال العملات الرقمية أو دول ثالثة مثل بيلاروسيا أو أوزبكستان لإجراء المعاملات.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- أكثر 10 دول توليدًا للكهرباء بالغاز.. السعودية ومصر في القائمة (إنفوغرافيك)
- هل تنتهي هجمات الحوثيين على ناقلات النفط بانتهاء حرب غزة؟ أنس الحجي يجيب
- وزير الصناعة المغربي: ننتج 100 ألف سيارة كهربائية في 2025.. وهذه تطورات المصانع الجديدة (حوار)