تمويل التحول الأخضر.. الصين تُقدم آليات مبتكرة (تقرير)

يتطلب تمويل التحول الأخضر أن يسير معه بشكل متوازٍ تحول اقتصادي عميق، يوفر آليات استثمارية مبتكرة ومتنوعة في سبيل تحقيق الأهداف المناخية المستهدفة.

ويبدو أن الحياد الكربوني يسير في عكس الاتجاه -حتى الآن-، بعد أن سجلت انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية رقمًا قياسيًا وصل إلى 57.4 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وفقًا لما جاء في أحدث تقرير صادر من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، واطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).

وسجل العام الماضي درجات حرارة هي الأعلى على الإطلاق، إذ بلغ متوسط الاحترار العالمي 1.45 درجة مئوية (مع هامش عدم يقين قدره ± 0.12 درجة مئوية) فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية.

وتزداد أهمية إزالة الكربون من سلاسل القيمة الصناعية من أجل خفض الانبعاثات، وخاصة أن سلاسل التوريد الخاصة بالخدمات المهنية والأغذية والأزياء والبناء والسلع الاستهلاكية والسيارات والإلكترونيات، تمثّل أكثر من 50% من الانبعاثات العالمية.

تقنيات منخفضة الكربون

بحلول 2030، يحتاج العالم إلى استثمارات في البنية التحتية للطاقة لا تقلّ عن تريليون دولار من أجل تحقيق الحياد الكربوني، بحسب ما جاء في تقرير حديث صادر من منتدى الاقتصاد العالمي.

كما يحتاج إلى استثمارات تتراوح بين 3 إلى 6 تريليونات دولار سنويًا في مختلف القطاعات بحلول منتصف القرن الحالي، للحدّ من آثار التغير المناخي، وفق ما اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.

ولكي يحدث تمويل التحول الأخضر على نطاق واسع؛ فإن العالم يحتاج إلى تقنيات منخفضة الكربون، والتي تتطلب الابتكار لتوافر رأس مال وميزانيات كبيرة وآليات مالية للتمويل.

وعمومًا، فإن شركات التقنيات الخضراء في أيّ سوق، فضلًا عن كونها تحتاج إلى دفع سلاسل القيمة الصناعية التي تعزز التقدم التقني، واتّباع معايير الإبلاغ عن الاستدامة، ووضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات، فإنها -أيضًا- تحتاج إلى فهم المستثمرين لتحقيق الأهداف المستدامة، والتأكد من وضعهم المالي وأدائهم وتوقعاتهم المستقبلية.

ومن أجل بناء تفاهم متبادل بين شركات التقنيات الخضراء وأيّ مستثمر، فإن الأخير يحتاج إلى فهم التقنيات منخفضة الكربون والتعرف على الفرص والمخاطر التي تواجه التدفقات النقدية الخاصة به؛ من أجل النجاح في توسيع نطاق التقنيات الخضراء وتجنّب عمليات الغسل الأخضر.

الصين نموذجًا في تمويل التحول الأخضر

تعدّ الصين مثالًا حيًا على إمكان العمل لتنفيذ تقنيات منخفضة الكربون على نطاق واسع، والتحكم في سرعة التحول الأخضر بسلاسل التوريد العالمية، وتعزيز الابتكار في الاقتصادات الناشئة والنامية؛ نظرًا لشراكتها التجارية مع أكثر من 140 دولة.

وبدأ العمل في الصين بمسار تمويل التحول الأخضر، فقد قدّم بنك الشعب الصيني تسهيلات بقيمة 500 مليار يوان (70.47 مليار دولار أميركي) من أجل تجديد المعدات ودعم التحول التقني بفائدة سنوية تبلغ 1.75%.

ومن المتوقع أن تستثمر الصين نحو 6 تريليونات دولار لدعم الاقتصاد الأخضر والرقمي، وفقًا للخطة الخمسية الوطنية الـ14.

كما أعلنت 800 من كبرى الشركات الصينية، لاسيما في قطاعات الاتصالات والتصنيع والمنسوجات وتكنولوجيا المعلومات، هدفها للوصول للحياد الكربوني بحلول 2060.

وتحتاج الصين إلى استثمارات من أجل تمويل التحول الأخضر تُقدَّر بـ26 تريليون دولار بحلول منتصف القرن الحالي، وفق التقرير، الذي اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.

آليات مبتكرة في تمويل التحول الأخضر

من بين الآليات المبتكرة التي تتّبعها الصين، استعمال المشتريات الخضراء -التي يُقصد منها شراء السلع والخدمات التي تستهدف الحدّ الأدنى من التأثير البيئي السلبي- لتوفير الفرص للشركات التي لديها تقنيات خضراء.

ويقود بنك ماي بانك (MYbank) -وهو بنك صيني إلكتروني مدعوم من شركة علي بابا (Alibaba)- مسار الابتكار في تمويل التحول الأخضر من خلال منصة تضم 6.23 مليون شركة صغيرة الحجم ومتناهية الصغر.

وقدّم البنك الصيني، منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، فوائد مميزة على القروض لـ420 ألف مؤسسة؛ ما أسهم في تعزيز المشروعات الخضراء، مع تقديم خدمات مالية أخرى شاملة لهذه المؤسسات، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وطوّر ماي بانك منتجات التمويل الأخضر الجديدة وفقًا لما يحتاج إليه العملاء، وشكّل نموذجًا لمنتجات تمويل سلسلة التوريد الخضراء والرقمية، متضمنة قروض المشتريات الخضراء، كما أدرج البنك الصيني الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر في سلاسل التوريد الخضراء ضمن سياساته المرتبطة بالتمويل الأخضر والشامل.

القروض الخضراء أو المرتبطة بالاستدامة

تُعدّ القروض الخضراء، أو القروض المرتبطة بالاستدامة، ضمن الآليات المبتكرة التي تقودها الصين والمناسبة لتمويل التحول الأخضر، خاصة مشروعات التنقل الأخضر.

وفي سياق الحديث عن القروض الخضراء، قدّم بنك سيتيك الصيني (CITIC) حل تمويل الدفع المسبق لإحدى الشركات الرائدة في صناعة البطاريات وسط سلسلة التوريد المتخصصة، من خلال قرض مشترك مدّته 10 سنوات، يضمن توريدًا مستقرًا للمواد الخام.

في مثال آخر، قدّم بنك "سوسيتيه جنرال الصين" في يونيو/حزيران 2023، تسهيلات مرتبطة بالاستدامة، بقيمة 700 مليون يوان صيني (97 مليون دولار أميركي)، لعدد من الشركات الصينية التابعة لشركة فورفيا (Forvia) الفرنسية، الرائدة في قطع غيار السيارات.

ومن الآليات الأخرى التي قدّمتها الصين في طريق تمويل التحول الأخضر، سوق الأوراق المالية الخضراء لتسهيل التقدم للاكتتابات العامة للمؤسسات الخضراء، بالإضافة إلى تأسيس قنوات خضراء لإمداد وتخليص الأعمال لهذه المؤسسات.

موضوعات متعلقة..

• التحول الأخضر يكلف 9 تريليونات دولار سنويًا.. هل توفرها الضرائب؟
• محطات الفحم المغلقة كنوز مخفية لتسريع التحول الأخضر.. كيف تستغلها أوروبا؟
• فواتير الطاقة في بريطانيا قد ترتفع 36 مليار دولار بسبب التحول الأخضر

اقرأ أيضًا ..

• وزير الصناعة المغربي: ننتج 100 ألف سيارة كهربائية في 2025.. وهذه تطورات المصانع الجديدة (حوار)
• قطاع التعدين في الجزائر يوقع 3 صفقات استثمار بالحديد والرصاص والزنك
  
• توقعات أسواق النفط.. أنس الحجي يكشف مفاجأة محتملة بشأن "أوبك"