أنس الحجي: أسواق النفط تشهد أزمة بيانات كبيرة بسبب ثورة الصخري
أحمد بدر
يعتمد المحللون في توقعاتهم وتحليلاتهم الخاصة بأسواق النفط والغاز، حسب المعتاد، على البيانات التي تحمل أرقامًا وحقائق تدعم وجهات نظرهم، أو تكون الأساس لآرائهم، بشأن الأوضاع المستقبلية للأسواق.
ولكن، بحسب ما يوضّحه مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، فإن توقعات النصف الثاني من العام الجاري (2024) لا يمكن أن تمر دون الحديث عن النصف الأول، الذي ظهرَ فيه إشكال البيانات الكبيرة.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها الدكتور أنس الحجي عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، تحت عنوان "انعكاسات أسواق النفط والغاز على العالم العربي في النصف الثاني من 2024".
وقال الحجي، إن هناك مشكلة كبيرة في البيانات، التي بدأت نوعيتها تتدهور منذ عام 2017، وذلك عندما فشلت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في قياس حجم إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام، وهو أمر يرتبط بإشكال آخر، يتعلق بالسوائل.
وأضاف: "عند الحديث عن الطلب عن النفط، نتحدث عن الطلب على كل السوائل التي تُستَعمَل مثل الوقود والنفط الخام الذي يتحول إلى منتجات نفطية من خلال التكرير وعمليات أخرى، وهذا الجزء هو الأكبر منها، ولكن هناك سوائل نفطية أخرى، منها السوائل الغازية وسوائل الوقود الحيوي".
قياس حجم إنتاج النفط الأميركي
أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي أن الحديث عن الطلب العالمي عن النفط يشمل كل أنواع المنتجات النفطية وكل المنتجات الغازية والسائلة التي تذهب إلى أسواق النفط والغاز، وكذلك كل الوقود الحيوي، فكل شيء سائل يعدّ ضمن الطلب العالمي على النفط.
وأضاف: "هناك توجّه كبير في السنوات الأخيرة تجاه الوقود الحيوي، وأحد أسباب فشل التوقعات في العام الماضي كان وجود زيادة كبيرة في إنتاج الوقود الحيوي، وبالطبع هناك إعانات كبيرة للوقود الحيوي لإنتاجه، ويقولون، إنه وقود أخضر، لكنه بعيد كل البعد عن ذلك".
وأشار إلى إنتاج بلاد عديدة للوقود الحيوي، خاصة البرازيل وإندونيسيا وماليزيا، إذ تُحرَق الغابات التي تعدّ رئة العالم، لاستعمال الأراضي في إنتاج الوقود الحيوي، كما يُستَعمَل السماد بكثافة، الذي يأتي أغلبه من مواد نفطية وغازية، ثم يُنقل هذا الوقود الحيوي بسفن تسير بالنفط عبر العالم، ثم يقولون، إنه وقود أخضر.
وتابع الدكتور أنس الحجي: "الإشكال هنا أن البيانات المتعلقة بأسواق النفط والغاز صار بها كثير من الارتباك لأسباب عديدة، منها إدراج الوقود الحيوي ضمن الطلب على النفط، رغم أنه يأتي من الزراعة، ولا يوجد خبير متخصص في مجال الطاقة، وخاصة النفط، لديه معلومات كافية في مجال الزراعة".
ولفت إلى أن الوقود الحيوي يحتاج إلى متخصص في الاقتصاد الزراعي، ومتخصص في هذه المواد للحديث فيها، بعيدًا عن بيانات أسواق النفط والغاز، لذلك فإن أحد أسباب فشل التوقعات هو وجود الوقود الحيوي الذي يحتاج إلى متخصصين غير موجودين في قطاع الطاقة.
لكن، وفق الحجي، هناك أسباب أخرى لمشكلة سوء حالة البيانات، منها أنه -تاريخيًا- في الولايات المتحدة، ولأسباب ضريبية بحتة، قُسمت المنتجات النفطية إلى 3 أقسام، (قسم النفط الخام وقسم للغاز وقسم للسوائل الغازية)، وهي أنواع عديدة، مثل البروبين المستعمل في البوتاجاز الذي يُعدّ سائلًا غازيًا ولكنه يُصنَّف نفطًا.
وأردف: "هذا التقسيم استمرّ لأكثر من 100 عام لأسباب ضريبية، لكن عندما قررت الحكومة الأميركية تأسيس وزارة الطاقة لأول مرة في عام 1977، وأسست معها إدارة معلومات الطاقة، لم تكن لديها أيّ بيانات نهائيًا، فبدأت من الصفر، وتواصلت مع الولايات وطلبت الأنظمة التي تملكها، وكان ما تملكه الولايات نظام ضريبي، وهو ما استمر حتى عام 2010.
ثورة الصخري وأسواق النفط والغاز
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن عام2010 شهد انطلاق ثورة النفط الصخري في أميركا، وهو يختلف عن النفط التقليدي، كما سبق التنويه في حلقات سابقة، إذ إن التقليدي هو نفط مهاجر وُلد في مكان وتسرَّب إلى مكان آخر، واستُخرِجَ بالحفر العمودي المعروف.
بينما النفط الصخري، وفق الحجي، وُلد في مكان ما، ولم يتمكن من الهجرة، وظل محبوسًا في صخور كتيمة، إلى أن اكتُشِفَ واستُخرِجَ منها عبر الحفر العمودي والأفقي، ثم العمل على تكسير هذه الصخور بتقنية التكسير المائي، لإجبار المواد الهيدروكربونية على الخروج.
وأضاف: "عند التنقيب في الصخور، هناك كل الهيدروكربونات، سواء النفط والغاز والسوائل الغازية، والآن اكتُشِفَت منطقة فيها نفط، وتم الحفر وتكسير الصخور واستخراج النفط، والرخصة الممنوحة من الحكومة هي ترخيص بئر نفطية، ولكن كمية الغاز والسوائل الغازية المستخرجة كبيرة، قد تصل أحيانًا إلى 45% من إنتاج البئر، وهو أمر غير معهود في النفط التقليدي، ويمثّل مشكلة قانونية".
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن المشكلة القانونية هنا، أن النظام في الأصل ضريبي، ومصنَّف بأنه نفط خام وغاز وسوائل غازية، والتعريف الضريبي أن السوائل الغازية هي التي تأتي من آبار الغاز، لذلك وقعت وزارة الطاقة الأميركية وإدارة معلومات الطاقة في حرج شديد، لأن كميات السوائل الغازية الكبيرة جاءت من آبار النفط، فكيف يمكن تصنيف هذه السوائل؟
وأشار إلى أن الأميركيين -لأنهم موظفون يضمنون وظائفهم بالقانون ولا يريدون بذل جهد- قرروا إضافة هذه السوائل الغازية إلى قسم النفط، ومن ثم فكل معلومات النفط التي تخرج من الحكومة الأميركية تضم النفط الخام والسوائل الغازية معًا، ما أوجد مبالغة فيما يخص نوعية النفط.
وتابع: "أذكر في 2017، حدثت معنا مشكلة كبيرة، بعدما أصدرنا توقعات لأسواق النفط والغاز، أن زيادة إنتاج النفط كانت بين 800 و850 ألف برميل، فكانت النتائج بحدود 1.3 مليون برميل، فسألني رئيسي في العمل عن هذا الفرق في الأرقام، ليتّضح أنّ توقُّعي صحيح ودقيق تمامًا، ولكن الفرق كان عبارة عن السوائل الغازية، التي لم يكن من المفروض حسابها على الإطلاق".
ولفت الدكتور أنس الحجي إلى وجود مشكلة كبيرة في البيانات بسبب السوائل الغازية حتى الآن، على الرغم من أن سوقها منفصلة تمامًا عن أسواق النفط ولا علاقة لها بها، إذ إنها لها ناقلاتها الخاصة وأسواقها الخاصة وأسعارها الخاصة.
وأردف: "اكتشف بعض الأذكياء أنه لإنتاج نفط مرغوب، يمكن شراء السوائل الغازية والنفط الثقيل، ومزجهما معًا، وإنتاج نفط متوسط مطلوب دون الحاجة إلى مصفاة، وهي العملية التي زادت بشكل كبير، لدرجة أنها تجاوزت نصف مليون برميل يوميًا".
وما فاقم من سوء حالة البيانات في أسواق النفط والغاز أكثر، وفق الحجي، أن هذه الكميات بعد إنتاجها، وتصديرها خارج أميركا، صُنِّفَت جمركيًا بأنها نفط خام، ومن ثم تضاربت البيانات، وأصبحت هناك مشكلة أخرى.
موضوعات متعلقة..
- هل يؤثر قرار أوبك+ في أسواق النفط؟ محللون يجيبون
- وحدة أبحاث الطاقة: 3 تغيرات تشهدها أسواق النفط بعد عامين من الحرب في أوكرانيا
- 3 تغيرات بأسواق النفط في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا
اقرأ أيضًا..
- قطر للطاقة تنجح في تسويق 25 مليون طن غاز مسال من توسعة حقل الشمال
- معهد البحث في الطاقة الشمسية: المغرب سيكون رائدًا في تصدير الهيدروجين.. وهذه أرخص مدينة (حوار -2/2)
- نقص إمدادات النحاس يهدد أهداف السيارات الكهربائية.. والأسعار تسجل مستوى قياسيًا