الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.. قدرات غير مستغلة لتنويع مزيج الكهرباء
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار
- السعودية تستطيع إضافة 1 غيغاواط من الطاقة الحرارية الأرضية في 2035
- آبار النفط والغاز المستنفدة توفر الحرارة المطلوبة لاستخراج الطاقة الحرارية الأرضية
- لم تجد الطاقة الحرارية في السعودية الاهتمام نفسه بالطاقة الشمسية والرياح
- الطاقة الحرارية الجوفية توفر حلًا مكملًا ثابتًا ومنخفض التكلفة للمصادر الأخرى
تبرز الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية ضمن المصادر غير المستغلة التي يمكن أن تسهم بصورة أساسية في تنويع مزيج الكهرباء للمملكة وتقليل الانبعاثات.
وتستهدف السعودية، بحلول عام 2030، التخلص من استعمال الوقود السائل في مزيج توليد الكهرباء، والاعتماد على الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي بنسبة 50% لكل منهما.
ورغم أن نسبة الطاقة المتجددة تبلغ 1% بمزيج الطاقة السعودي حاليًا، فإن سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة قفزت بنهاية العام الماضي إلى 2.689 غيغاواط، مقابل 0.843 غيغاواط في 2022، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
ومنذ عقود يعتمد قطاع الكهرباء في السعودية على الهيدروكربونات لتوليد الكهرباء، بدعم من وفرتها وتكلفتها الرخيصة، وسط تصدُّر أنظمة التكييف ومحطات تحلية المياه أكثر القطاعات استهلاكًا للكهرباء.
محاولات تجريبية للطاقة الحرارية الأرضية
أدى الاعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء إلى تداعيات بيئية كبيرة جعلت القطاع مُسهِمًا رئيسًا في انبعاثات الكربون، وهو ما دفع البلاد منذ عام 2016 إلى تنفيذ إصلاحات تهدف للتحول إلى مستقبل مستدام منخفض الكربون.
ويرى تقرير حديث صادر عن مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك" أن تحقيق أهداف المملكة المدرجة في برنامج الاقتصاد الدائري للكربون يتطلب تحولًا هيكليًا في أنظمة الطاقة، خصوصًا في قطاعَي الكهرباء والنقل.
ويستلزم ذلك نشر العديد من تقنيات توليد الكهرباء منخفضة الكربون، ومنها الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، وكذلك احتجاز الكربون وتخزينه واستعماله.
ورغم إمكانات الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، فإنها لم تجد الاهتمام نفسه الذي حظيت به تقنيات الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، إذ لم تشهد البلاد -حتى الآن- إلّا محاولتين لاستكشافها.
وكانت البئر الأولى بالقرب من حرة رهط شرق المدينة المنورة التي أشارت إلى وجود منطقة مثالية ومحتملة لإنتاج الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
بينما شهد فبراير/شباط 2024 بدء حفر بئر استكشافية ثانية للطاقة الحرارية الأرضية في حرم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ضمن مشروع تجريبي للاستفادة منها.
عامل يساعد على انتشارها في السعودية
ما تزال الطاقة الحرارية الجوفية غير مستغلة بصورة كبيرة عالميًا -0.36% فقط من مزيج الطاقة العالمي- رغم إمكاناتها، واحتواء لُب الأرض على طاقة حرارية هائلة تضاهي حرارة الشمس معزولة بواسطة صخور صماء.
ومن أبرز العوامل المهمة التي قد تسهم في دعم نشر الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية هو أن الأساليب والتقنيات المطلوبة لاستكشافها واستخراجها هي المستعملة نفسها في قطاع النفط والغاز الذي تتميز به المملكة، وتمتلك فيه خبرة تمتد لعقود.
ومنذ عام 2016، كان هناك اهتمام متزايد من قطاع النفط والغاز العالمي بتطوير الطاقة الحرارية الأرضية، بالتزامن مع تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، إذ يمكن استعمالها في توليد الكهرباء والتدفئة.
ويؤكد كابسارك أن الطاقة الحرارية الأرضية تتنافس مع الطاقة المتجددة الأخرى في توفير مصادر طاقة محلية منخفضة الكربون وفاعلة من حيث التكلفة؛ الأمر الذي يجعلها خيارًا جذابًا لمبادرات إزالة الكربون من قطاع الطاقة.
وتأتي كينيا من أبرز الدول التي عملت على استغلال مواردها من الطاقة الحرارية الجوفية، لترتفع حصتها في القدرة المركبة لتوليد الكهرباء إلى 30% عام 2022، مقابل 6% عام 2000.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- قائمة أكبر الدول المنتجة للطاقة الحرارية الأرضية عالميًا:
إمكانات الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية
يشير تقرير كابسارك إلى أن المنطقة الغربية في السعودية تتمتع بخصائص جيولوجية تدلّ على وجود موارد للطاقة الحرارية الجوفية، ترتبط بأنشطة زلزالية وبركانية تتكون من 11 منطقة.
وتُعرف تلك المناطق باسم "الحرَّات"، وبها أكثر من 2500 بركان خامد والعديد من الينابيع الحارة، التي سجّل بعضها متوسط درجات حرارة 80 درجة مئوية، كما تتميز المنطقة الممتدة من جازان إلى الجنوب بمعدلات تغيّر أعلى في درجات الحرارة.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن السعودية تستطيع إضافة 1 غيغاواط من الطاقة الحرارية الجوفية بحلول عام 2035؛ الأمر الذي يساعدها على الوفاء بالتزامها بإنتاج 50% من الكهرباء عبر المصادر المتجددة.
ورغم تلك التقديرات، لم تصل حملات الاستكشاف والحفر في السعودية، التي اقتصرت حتى الآن على محاولتين، إلى أرقام دقيقة وموثوقة للموارد الحرارية الجوفية والاحتياطيات.
ومن المقرر -بحسب التقرير- في حالة نجاح المشروع الاستكشافي بجامعة الملك عبدالله والتقييمات الأخرى، حفر سلسلة من آبار الإنتاج والحقن للوصول إلى درجات حرارة 150 و175 درجة مئوية، لتقييم أنظمة الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.
وفي السياق نفسه، توفر آبار النفط والغاز -خصوصًا المستنفدة والمتروكة- درجة الحرارة المطلوبة لاستعمالات الطاقة الحرارية الجوفية، وهو ما تتميز به المنطقة الشرقية في السعودية التي تتكون من تشكيلات رسوبية تعرف باسم "الصفيحة العربية".
السبب وراء عدم الاهتمام
لم تجد الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية -حتى وقت قريب- ما تستحقه من اهتمام، مقارنة بالتقنيات الأخرى من مصادر الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وغيره، وهو ما أرجعه التقرير إلى عوامل عديدة، في مقدّمتها الفهم المحدود للطاقة الحرارية وفوائدها ومزاياها.
ويؤكد التقرير -الذي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة- أن التقييم الدقيق لموارد السعودية من الطاقة الحرارية الأرضية ووضع خرائط دقيقة لها غير ممكن حاليًا، بسبب البيانات القليلة المتوفرة.
ويمكن الاعتماد على الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية بصفتها حلًا واعدًا ومكملًا للطاقة الشمسية والرياح في الحالات التي يمكن أن يكون توليد الكهرباء منهما منخفضًا وقت ارتفاع الطلب.
ورغم زخم مشروعات الطاقة المتجددة في السعودية التي يجري تطويرها، ومعظمها بمجال الطاقة الشمسية والرياح بقدرة تصل إلى 23.7 غيغاواط، فإن تلك المشروعات تؤثّر في استقرار الشبكة بسبب طبيعتها المتقطعة؛ ما يتطلب معها استعمال تقنيات تخزين الكهرباء.
وحتى تقنيات تخزين الكهرباء ما تزال قيد التطوير، وتواجه تحديات تشمل ارتفاع التكلفة الأولوية ومشكلات أخرى متعلقة بالتقنية المستعملة والعمر الافتراضي وكفاءة طرق التحزين.
ومن هناك تبرز الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية حلًا مكملًا ثابتًا ومنخفض التكلفة، يمكن استعماله -على سبيل المثال- في محطات تحلية المياه التي تعدّ أحد القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة في المملكة.
توصيات التقرير
دعا كابسارك إلى دراسة برامج نشر الطاقة الحرارية الأرضية الناجحة في الأسواق الناشئة -مثل إندونيسيا وكينيا وتركيا-؛ بهدف توفير رؤية قيمة لتطوير إستراتيجيات وطنية لهذا المصدر وقياس الأداء.
ويؤكد كابسارك أن الاستثمار في البحوث الاستكشافية وحملات الحفر ضروري لفهم الإمكانات الكاملة لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، مشددًا على ضرورة السعي لتطوير التقنيات المبتكرة لاستخراج هذا النوع من الطاقة واستهلاكها محليًا.
ويمكن أن تسهم خبرات عملاقة النفط السعودية شركة أرامكو في مجال الحفر بتعزيز عمليات التنقيب عن الطاقة الحرارية الجوفية وتسريعها وتطويرها، ومع ذلك فإن هناك ضرورة لإشراك العديد من الأطراف الفاعلة في السوق، وليس الاعتماد على أرامكو فقط.
وأرجع التقرير ذلك إلى تعزيز القدرة التنافسية بدلًا من مخاطر تركيز السوق الناتجة عن الاعتماد على شركة واحدة؛ الأمر الذي يقلل التكلفة الإجمالية المستوية للكهرباء المستمدة من الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.
كما دعا إلى تشريع اللوائح وتقديم الحوافز لتشجيع الشركات على إدخال التقنيات للسوق المحلية، وتسهيل اعتماد المستهلكين النهائيين لها؛ بهدف حوكمة البيئة والموارد.
ويشير التقرير إلى أن التطورات الأخيرة في التشريعات التعدينية يمكن الاستفادة منها في توفير بيئة مواتية لاستكشاف الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، والاستثمار فيها، وتسريع نشرها على نطاق واسع.
موضوعات متعلقة..
- قفزة ملحوظة بسعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في السعودية (رسم بياني)
- هل يمكن توليد الطاقة الحرارية الأرضية من مكامن البراكين؟ أيسلندا تبدأ التجربة
- هل تجذب صناعة الطاقة الحرارية الأرضية استثمارات شركات النفط والغاز؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أكبر الدول المصدرة للنفط إلى إسرائيل في 2024.. دولتان أفريقيتان بالقائمة
- أكبر 10 دول في انبعاثات الميثان من مناجم الفحم (إنفوغرافيك)
- موعد بدء إنتاج الغاز من حقل ضخم في مصر (خاص)
- تصدير الصلب الأخضر.. دولة عربية ستكون الأرخص بالنسبة لأوروبا