سياسات تغير المناخ في أوروبا تتلقى ضربة من هولندا
دينا قدري
تعرضت سياسات تغير المناخ في أوروبا لضربة قوية، بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الهولندية، التي أجريت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
ويريد الحزب اليميني المتطرف التخلّي عن كل الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، ما يهدد بتقويض محاولات القارة العجوز لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وزعم حزب من أجل الحرية أنّ تغير المناخ أمر طبيعي، وأن الأمة الهولندية الصغيرة لا تستطيع أن تفعل شيئًا حيال ذلك على أيّ حال.
فوز حزب من أجل الحرية، قبيل انتخابات الاتحاد الأوروبي في الصيف المقبل، يعكس أيضًا تحولًا أوسع، قد يؤدي إلى مشكلات لجهود مكافحة تغير المناخ في أوروبا في السنوات المقبلة.
ضربة قوية لتغير المناخ في أوروبا
أيّد نحو ربع الناخبين الهولنديين حزب "من أجل الحرية" الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، الذي يتضمن برنامجه الأساس الخروج من اتفاقية باريس للمناخ، وتفكيك التشريعات الخضراء المحلية، وإلغاء التدابير الرامية إلى الحدّ من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
وقد حقق الحزب -الذي ترشّح ببرنامج مناهض للمهاجرين والمسلمين- فوزًا مفاجئًا في الانتخابات، إذ فاز بـ37 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا برلمانيًا، وفقًا للنتائج الأولية التي اطّلعت عليها منصة الطاقة، نقلًا عن صحيفة "بوليتيكو" (Politico).
ويحتل تحالف حزب العمال والخضر، بقيادة رئيس الاتحاد الأوروبي السابق للمناخ فرانس تيمرمانس، المركز الثاني، بفارق كبير بحصوله على 25 مقعدًا، في حين من المتوقع أن يأتي حزب الشعب الليبرالي من أجل الحرية والديمقراطية بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك روته في المركز الثالث، بـ24 مقعدًا.
ورغم أن الساسة اليمينيين من الدول الإسكندنافية إلى إيطاليا حققوا فوزًا كبيرًا خلال العام الماضي (2022)، فإن هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها حزب يدعو صراحةً إلى إنهاء التحول الأخضر بالانتخابات الوطنية في الاتحاد الأوروبي.
ولكي يتمكن فيلدرز من الحكم، فإنه يحتاج إلى إقناع العديد من الأحزاب الأخرى بالانضمام إلى حزب "من أجل الحرية" في ائتلاف، وحتى إذا نجح، فقد لا ينتهي به الأمر إلى منصب رئيس الوزراء.
ولكن سواء في الحكومة أو بوصفهم كتلة المعارضة الأعلى صوتًا، فإن فيلدرز وحزب من أجل الحرية سيكون لهما تأثير كبير بوضع سياسة المناخ في هولندا، التي تفتخر بكونها من بين الدول الأكثر طموحًا في أوروبا في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
موقف الحزب اليميني من تغير المناخ
أكد حزب من أجل الحرية -في بيانه الانتخابي- أن "المناخ يتغير دائمًا"، متجاهلًا اتجاه الاحترار السريع الحالي الناجم عن استهلاك البشرية للوقود الأحفوري، قائلًا: "عندما تتغير الظروف فإننا نتكيف.. عن طريق رفع السدود عند الضرورة".
وعمومًا، يريد الحزب "وقف الخفض الهستيري لثاني أكسيد الكربون"، الذي يصفه بأنه غير ضروري ومضيعة للمال.
ويريد حزب من أجل الحرية تمزيق قانون المناخ الهولندي، الذي يكرّس الأهداف المناخية للبلاد في القانون، كما يريد الانسحاب من اتفاقية باريس.
وجاء في بيان الحزب: "إن قانون المناخ، واتفاق المناخ العالمي، وجميع التدابير المناخية الأخرى، تذهب مباشرةً إلى سلة المهملات".
يُذكر أن هولندا تتعرض لخطر كبير من ارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات، في حين تواجه أيضًا تزايد ندرة المياه والجفاف في السنوات الأخيرة.
ويعترف حزب من أجل الحرية بأن هذه مشكلة، لكنه يقول، إن البلاد لا يمكنها التكيف مع تلك التغييرات إلّا من خلال بناء سدود أعلى واستعادة السهول النهرية.
وقال الحزب: "لا ينبغي لنا أن نسمح لأنفسنا بالخوف بعد الآن.. إن هولندا بلد ذكي.. فلدينا أفضل مهندسي المياه في العالم".
تغير واضح في سياسات هولندا المناخية
يريد حزب من أجل الحرية بناء المزيد من محطات الطاقة النووية، لكنه يعارض طاقة الرياح وحدائق الطاقة الشمسية واسعة النطاق.
وتشمل مطالب الحزب اليميني الفائز، الإبقاء على محطات توليد الكهرباء بالفحم والغاز مفتوحة، وزيادة استخراج النفط والغاز في بحر الشمال، مؤكدًا أنه يجب إلغاء صندوق جديد للمناخ بقيمة 35 مليار يورو.
ولم يُذكر الهيدروجين، لكن الوقف الاختياري لطاقة الرياح أو الطاقة الشمسية الجديدة من شأنه أن يقوّض خطط تشغيل أجهزة التحليل الكهربائي بالطاقة المتجددة، خاصةً أن الاتحاد الأوروبي يشترط إنتاج الهيدروجين الأخضر باستعمال مرافق الكهرباء النظيفة الجديدة.
ومع ذلك، فمن غير الواضح كيف ستتوافق سياسة الطاقة هذه مع التوجيه الأوروبي المحدث للطاقة المتجددة، والذي لا يستهدف مصادر الطاقة المتجددة لتشكّل 42.5% من استهلاك الطاقة بحلول عام 2030 فحسب، بل يضع أيضًا تفويضًا صارمًا لإنتاج 42% من الهيدروجين وفقًا للقوانين المفوضة.
إذا فشلت الدول الأعضاء في تحويل التوجيهات إلى قانون، فقد يؤدي ذلك إلى معركة قانونية وغرامات.
ومع ذلك، دعا "فيلدرز" إلى إجراء استفتاء على عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي، أو "نيكسيت"، وفق ما نقلته منصة "هيدروجين إنسايت" (Hydrogen Insight).
وفي السنوات الأخيرة، كانت هولندا في صدارة تحول الطاقة، وخاصةً في مجال طاقة الرياح البحرية، إذ اتّبعت حكومة "روته" المنتهية ولايتها مسارًا عمليًا وثابتًا للتوسع، مستهدفة 21 غيغاواط في المياه بحلول عام 2030، و70 غيغاواط بحلول عام 2050.
كما وضعت أهدافًا طموحة لتوليد 4 غيغاواط من قدرة التحليل الكهربائي المحلية بحلول عام 2030، لتتضاعف إلى 8 غيغاواط بحلول عام 2032، في حين من المقرر أن يبدأ مزاد مشترك مع ألمانيا لواردات الهيدروجين المتجدد في العام المقبل (2024).
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز المحطات التاريخية للطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي:
تغير المناخ في أوروبا
يتبنى العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وجهات نظر متشككة، أو حتى إنكارية صريحة، بشأن تغير المناخ، ولكن كان هناك أيضًا تراجع كبير بشأن القضايا الخضراء بين أحزاب يمين الوسط الأوروبية خلال العام الجاري (2023).
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن البرلمان الأوروبي المقبل سيميل إلى موقف أكثر تحفظًا، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وهذا تحول صارخ عن انتخابات الاتحاد الأوروبي السابقة في عام 2019، عندما حققت الأحزاب ذات التوجهات الخضراء مكاسب، مدفوعة باحتجاجات مناخية ضخمة، مثل الإضرابات المدرسية في أيام الجمعة، من أجل المستقبل.
ومع ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي هذا الصيف أن 77% من مواطني الاتحاد الأوروبي يرون أنّ تغير المناخ يمثّل مشكلة خطيرة للغاية، بل إنه في هولندا صُنِّفَ بكونه أخطر مشكلة تواجه العالم.
إلّا إن القضايا الأخرى تبدو أكثر إلحاحًا بالنسبة للعديد من الناخبين، وهذه المرة، تجاوزت المخاوف بشأن تكاليف المعيشة والهجرة والصراعات التي تحيط بالقارة تغيرَ المناخ في تصنيف الناخبين للمشكلات الأكثر إلحاحًا.
موضوعات متعلقة..
- مسؤول بريطاني سابق يصف علاج تغير المناخ في أوروبا بالساذج
- تغير المناخ في أوروبا.. درجة حرارة بعض المناطق تلامس أعلى مستوى خلال 3 عقود
- أنس الحجي: سياسات تغير المناخ قد تقتل الناس.. أوروبا نموذجًا
اقرأ أيضًا..
- وزير البترول المصري يكتب لـ"الطاقة": التحول الطاقي والتوافق البيئي وجهان لعملة واحدة تسمى الاستدامة
- قمة المناخ كوب 28 في الإمارات.. معلومات عن الاستضافة الخامسة عربيًا
- وزير الطاقة العماني: لدينا إمكانات تعدين الكربون في الصخور.. وهذا مصير الغاز (فيديو)
- ما تكلفة السيارات الكهربائية.. وهل يسبب توقف نموها أزمة طاقة؟ (تقرير)