بالأرقام.. تكلفة نقل الهيدروجين "صادمة".. وهذه تفاصيل أول دراسة من نوعها
ياسر نصر
تُعد تكلفة نقل الهيدروجين من العوامل الرئيسة التي ستحدد حجم تجارة الوقود النظيف في المستقبل، وسط توقعات أن يصل الطلب على الهيدروجين سنويًا من 95 مليون طن عام 2022 إلى 150 مليون طن بحلول 2030، حسب دراسة حديثة تنشرها منصة الطاقة حصريًا.
فقد أكدت الدراسة التي أعدها خبير الصناعات الغازية في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، أن القدرة على نقل الهيدروجين من مناطق إنتاجه بكميات كبيرة إلى مراكز الطلب المختلفة حول العالم بمرونة عالية ودون قيود فنية، تُعد شرطًا أساسيًا للاعتماد عليه بصفته وقودًا في منظومة الطاقة العالمية في المستقبل، كما هو الحال مع النفط والغاز.
وقال خبير أوابك في دراسته، التي تُعد الأولى من نوعها في هذا السياق، إن تجارة الهيدروجين ستسمح بنقل الطاقة النظيفة إلى أي منطقة حول العالم، الأمر الذي سيعزّز من الأمن الطاقوي والتعاون الدولي في تقليل الانبعاثات والحد من تغير المناخ.
وشدد على أنه لتحقيق الأهداف الرامية إلى التوسع في استعمال الهيدروجين لا بد من إنتاجه ونقله بتكلفة ميسورة، حتى يمكن الاعتماد عليه في مزيج الطاقة.
وأوضح عبدالمعطي أن تكلفة نقل الهيدروجين مرتفعة للغاية في الوقت الراهن، وتصل في بعض المسارات المقترحة للتجارة إلى أكثر من ضعف تكلفة إنتاج الهيدروجين نفسه، كما هو الحال مع الهيدروجين المسال، إلا أن هذه التكلفة مرشحة للتراجع مع مرور الوقت.
عوامل تحدد تكلفة نقل الهيدروجين
أشارت دراسة أوابك التي تنشرها حصريًا منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن تكلفة نقل الهيدروجين وفق المسارات المختلفة للتجارة تعتمد على عاملين رئيسين هما: الكمية المراد نقلها، والمسافة بين منطقة الإنتاج ومركز الطلب أو الاستهلاك.
وتتضمّن مسارات نقل الهيدروجين 4 طرق رئيسة، عبر خطوط الأنابيب بعد ضغطه (هيدروجين مضغوط)، أو إسالته إلى هيدروجين مسال عند -253 درجة مئوية وإرساله عبر الناقلات، أو تحويل الهيدروجين إلى أمونيا سائلة وإرسالها بالناقلات، أو تحويله إلى مركبات عضوية سائلة وإرسالها بالناقلات مثل مادة الميثيل سيكلوهكسان.
وأوضح المهندس وائل عبدالمعطي، أنه كلما ارتفعت السعة التصميمية للتسهيلات المستعملة في نقل الهيدروجين، قلّت التكلفة الإجمالية لوحدة الحجم، وهو ما يُعرف باسم اقتصاد الحجم، حتى يتم الوصول إلى السعة التصميمية القصوى للوحدة المستعملة، ومن ثم يمكن إضافة وحدات أخرى تباعًا، للوصول إلى الطاقة التصميمية الإجمالية للمشروع.
وضرب خبير أوابك مثالًا بما هو قائم حاليًا في صناعة الغاز المسال، إذ تبدأ عادة محطة الإسالة بوحدة إنتاج أو أكثر في المرحلة الأولى التي يجري تصميمها، إذ تكون بأعلى طاقة ممكنة لتقليل التكاليف لوحدة الحجم أو السعة التصميمية (دولار لكل طن في السنة)، ومن ثم يمكن إضافة وحدات إسالة أخرى في مراحل توسعية لرفع الطاقة التصميمية للمشروع إلى الإنتاج المستهدف، كما هو الحال في محطة سابين باص (Sabine Pass) في الولايات المتحدة، التي بدأت التشغيل عام 2016 بوحدتي إسالة طاقة، كل منهما 5 ملايين طن سنويًا، وأُضيفت وحدات أخرى في المشروع، ليصل العدد إلى 6 وحدات بطاقة إجمالية 30 مليون طن سنويًا.
أفضل خيار لنقل الهيدروجين
يقول المهندس وائل حامد عبدالمعطي، إنه عند مقارنة مسارات تجارة الهيدروجين المختلفة التي من المتوقع أن تكون سائدة بحلول عام 2050، تبرز الأمونيا بصفتها خيارًا فعالًا عند نطاق واسع من عوامل المسافة والكميات المراد نقلها.
وأضاف: "يمكن استعمال سفن الأمونيا بصورة تجارية لنقل كمية بداية من 0.4 مليون طن سنويًا من الهيدروجين، وحتى مسافات تصل إلى 15 ألف كيلومتر".
وأشار، في دراسته التي تنشرها حصريًا منصة الطاقة، إلى أنه بالنسبة إلى نقل الهيدروجين عبر إنشاء خطوط أنابيب جديدة، يبدو خيارًا فعالًا بالنسبة إلى المسافات القصيرة نوعًا ما حتى 2000 كيلومتر، مع إمكان نقل أي كمية من الهيدروجين، سواء كانت صغيرة بداية من 0.1 مليون طن سنويًا، أو كبيرة حتى 1.5 مليون طن سنويًا.
وأوضح أنه حال إعادة استعمال خطوط أنابيب النفط والغاز القائمة إن كانت متاحة ومؤهلة للعمل بحلول عام 2050، فيمكنها نقل الهيدروجين إلى مسافات أبعد قد تصل إلى 8 آلاف كيلومتر، وبكميات متنوعة، لتكون أكثر تنافسية مع مسار نقل الهيدروجين بعد تحويله إلى أمونيا.
وأكدت دراسة أوابك، أن نقل الهيدروجين باستعمال المواد العضوية السائلة الحاملة للهيدروجين يُعد فعالًا للكميات الصغيرة التي يمكن نقلها إلى مسافات قد تصل إلى أكثر من 11 ألف كيلومتر، في حين يبدو نطاق الهيدروجين المسال محدودًا بالنسبة إلى عامل المسافة الملائمة له التي تتراوح بين 2000 و3 آلاف كيلومتر، حتى لا تزداد الخسائر الناتجة عن التبخر في أثناء النقل، وبكميات لا تقل عن 0.7 مليون طن هيدروجين سنويًا وحتى 1.5 مليون طن هيدروجين سنويًا.
حساب تكلفة نقل الهيدروجين
أكدت الدراسة، التي أعدها خبير أوابك، أن المسافة تُعد العامل الرئيس المؤثر في تكلفة نقل الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب، إذ كلما زادت المسافة ارتفعت تكلفة الخط المراد تنفيذه بعلاقة تكون شبه طردية.
وأوضحت أنه "بالنسبة إلى المسارات الأخرى لنقل الهيدروجين، تزداد تكلفة النقل، لأنها تتطلب عمليات تحويل للحصول على الهيدروجين في صورة منتجات أخرى مثل عملية الإسالة للحصول على الهيدروجين المسال، أو التفاعلات الكيميائية للحصول على الأمونيا أو الميثيل سيكلوهكسان، وعادة تمثل تكلفة محطات التصدير والاستقبال، الحصة الأكبر في سلسلة القيمة لنقل الهيدروجين عبر هذه المسارات".
وشدد خبير أوابك على أن هناك تفاوتًا كبيرًا في حساب تكلفة نقل الهيدروجين ومشتقاته من منطقة إلى أخرى، بسبب دخول عدة عوامل مؤثرة في التكلفة مثل حجم الكمية المراد نقلها ومدى بعدها عن السوق المستهدفة، ومدى وجود بنية تحتية يمكن استغلالها، وطبيعة الاستعمال النهائي هل سيكون للهيدروجين أم لمشتقاته مثل الأمونيا، وبالتالي لا يمكن الحكم بصورة دقيقة على الخيار الأنسب لنقل الهيدروجين وتطبيقه على كل المشروعات.
وقال: "تُعد تكلفة نقل الهيدروجين وتخزينه عبر خطوط الأنابيب الأقل مقارنة بباقي الطرق الأخرى، التي تتراوح قيمتها بين 0.66 و0.72 دولارًا/كغم من الهيدروجين المراد نقله، يُضاف إليها 0.06 دولارًا/كغم من الهيدروجين تكلفة لعمليات رفع الضغط، لتصل التكلفة الإجمالية لهذا المسار إلى نحو 0.78 دولارًا/كغم من الهيدروجين".
وأوضح أنه حال استعمال الهيدروجين المسال، فقد تتراوح تكلفة نقل الهيدروجين وتخزينه بين 6.3 و6.9 دولارًا/كغم، يُضاف إليها تكلفة الإسالة التي قد تتراوح بين 1.7 و3.6 دولارًا/كغم من الهيدروجين، وتكلفة تحويل الهيدروجين المسال إلى الحالة الغازية التي يجري احتسابها على الطاقة المستهلكة في العملية لتبلغ 0.25-0.5 دولارًا/كيلوغرام، لتصل التكلفة الإجمالية لنقل الهيدروجين المسال بجميع العمليات المطلوبة إلى 8.25-11دولارًا/كغم.
وبالنسبة إلى الأمونيا، فرغم انخفاض تكلفة النقل والتخزين مقارنة بالهيدروجين المسال، إذ تُقدر بنحو 1.06-1.32 دولارًا/كغم هيدروجين، فإن التكلفة الإجمالية ترتفع بسبب إضافة تكلفة تصنيع الأمونيا التي تتراوح بين 2.95 و3.7 دولارًا/كغم هيدروجين، وتكلفة تكسير الأمونيا التي تُقدّر بنحو 0.3-1.6 دولارًا/كغم، لتصل التكلفة الإجمالية لنقل الأمونيا بكل عمليات التحويل وإعادة التحويل إلى 4.31-6.62 دولارًا/كغم، إذ إن تكلفة عمليات التحويل وإعادته أعلى من تكلفة نقل الأمونيا عبر الناقلات.
قال خبير أوابك المهندس وائل عبدالمعطي، إنه حال استعمال الميثيل سيكلوهكسان بصفته مادة عضوية سائلة حاملة للهيدروجين، تصل تكلفة النقل إلى 1.37-2.07 دولارًا/كغم هيدروجين، ويضاف إليها تكلفة عملية الهدرجة نحو 1.35 دولارًا/كغم، وتكلفة نزع الهيدروجين 0.54-1.22 دولارًا/كغم، لتصل التكلفة الإجمالية إلى 3.26-4.64 دولارًا/كغم، أي أن عمليات التحويل وإعادته تشكل أكثر من 50% من تكلفة النقل الإجمالية.
الأنفوغرافيك التالي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة يستعرض توقعات تكلفة نقل الهيدروجين وفق مسارات النقل المختلفة.
تكاليف نقل الهيدروجين
عرضت دراسة أوابك عدة توقعات لتكلفة نقل الهيدروجين، سواء كان في حالته الغازية أو بعد تحويله إلى الحالة السائلة، والمواد الحاملة له (الأمونيا، والمواد العضوية السائلة)، إذ تشير كل التوقعات إلى إمكان حدوث تراجع في التكاليف التشغيلية لنقل الهيدروجين مع انطلاق مرحلة التشغيل التجاري بسعات كبيرة.
وكشفت الدراسة عن أن هناك تباينًا بين التوقعات حول القيمة التي ستبلغها تكلفة نقل الهيدروجين ومشتقاته، إذ إن توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" تفترض حدوث تراجع في تكاليف نقل الهيدروجين ومشتقاته بقيم أعلى من التكلفة المتوقعة التي قدرتها وكالة الطاقة الدولية.
وتبرز خطوط الأنابيب على قمة الخيارات الأقل في تكلفة نقل الهيدروجين في المدى المتوسط بحلول عام 2030، بصفتها خيارًا فعالًا لنقل كميات من الهيدروجين لمسافات متوسطة في حدود 2000-2.5 ألف كيلو متر، وبمعدلات 600 ألف طن سنويًا، إذ يمكن أن تكون تلك الخطوط برية أو بحرية حسب حالة كل مشروع.
وقال خبير أوابك المهندس وائل عبدالمعطي، إنه على الرغم من إمكان استعمال خطوط أنابيب لنقل الهيدروجين لمسافات أطوال (أعلى من 2500 كم) بتكلفة أرخص من مسارات النقل الأخرى، فإن ذلك سيتطلب نقل كميات أكبر من الهيدروجين لتحقيق الجدوى الاقتصادية من الاستثمار في بناء خط أنابيب بسعة كبيرة، وربما يكون من الصعب في المدى المتوسط خلق طلب كبير على الهيدروجين ضمن الرقعة الجغرافية التي سيمر عبرها خط الأنابيب.
وأضاف: "يمكن إعادة تهيئة خطوط الأنابيب القائمة المستعملة في نقل الغاز الطبيعي لنقل الهيدروجين، التي ستكون خيارًا يقلل من تكلفة بناء خطوط أنابيب جديدة، خاصة أن ذلك سيضمن الاستفادة من خطوط الغاز بصفتها بنية أساسية في إطار عملية تحول الطاقة التي تتبناها عدة دول".
وتوقعت دراسة أوابك أن تكون تكلفة نقل الهيدروجين حتى مسافة 2000-2500 كيلومتر عبر خطوط الأنابيب الجديدة قطر 20 بوصة، أعلى من 2 دولار/كغم هيدروجين في أفضل السيناريوهات، وتقل إلى 0.5-1.25 دولارًا/كغم من الهيدروجين بالنسبة إلى الخطوط القائمة المقرر استعمالها لنقل الهيدروجين.
أما للخطوط الجديدة قطر 48 بوصة، فمن المتوقع أن تكون التكلفة في حدود 0.5-1 دولار/كغم هيدروجين، وترتفع بعلاقة طردية مع المسافة، في حين تقل التكلفة حال استعمال خطوط قائمة قطر 48 بوصة، لتصبح أقل من 0.5 دولارًا/كغم هيدروجين.
وتشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة آيرينا (IRENA)، إلى أن تكلفة نقل الهيدروجين عبر تحويله إلى أمونيا، ستتراجع إلى 2.5-4.5 دولارًا/كغم هيدروجين في المدى المتوسط بحلول عام 2030، في حين تضع وكالة الطاقة الدولية سيناريو أكثر تفاؤلًا يفترض تراجع تكلفة نقل الأمونيا إلى 1.9-2.2 دولارًا/كغم هيدروجين بحلول عام 2030.
أما بالنسبة إلى المواد العضوية السائلة الحاملة للهيدروجين، فتشير توقعات آيرينا إلى إمكان تراجع تكلفة نقلها إلى 2.5-3.9 دولارًا/كغم هيدروجين بحلول عام 2030، في حين تفترض وكالة الطاقة الدولية تراجع التكلفة إلى 2-2.5 دولارًا/كغم بحلول عام 2030.
وتؤكد جميع التوقعات، أن الهيدروجين المسال سيظل المسار الأعلى في التكلفة بحلول عام 2030، ليسجل 2-3.7 دولارًا/كغم من محتوى الهيدروجين المنقول حسب وكالة الطاقة الدولية، ونحو 4-7.5 دولارًا/كغم حسب تقديرات آيرينا.
وتوصلت دراسة أوابك إلى أن خياري الأمونيا والمواد العضوية السائلة الحاملة للهيدروجين سيكونان الأقل في التكاليف بنسبة قد تصل إلى أكثر من 60%، مقارنة بالهيدروجين المسال الذي سيظل في حاجة إلى مزيد من التطوير في سلسلة القيمة الخاصة به، حتى يصل إلى النضوج المطلوب.
وعلى المدى البعيد بحلول 2050، يتوقع أن تشهد تكلفة نقل الهيدروجين مزيدًا من الانخفاض مع تحقق صناعة الهيدروجين النضوج الكافي، والتحول إلى الحالة التجارية الكاملة، إذ من المتوقع أن تسجل أقل من 1 دولار/كغم من الهيدروجين بالنسبة إلى الأمونيا والهيدروجين المسال، ونحو 1.2 دولارًا/كغم في حالة المواد العضوية السائلة.
موضوعات متعلقة.
- الأمونيا الخضراء تنافس خطوط الغاز لنقل الهيدروجين.. من يحسم السباق بتكلفة أقل؟
- التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين ينقذ محطات الطاقة النووية
اقرأ أيضًا..
- خبير: مصر تعاني بعد وقف الغاز الإسرائيلي.. وهذه تقديرات "شرق المتوسط"
- أرباح شركات النفط الكبرى في الربع الثالث 2023 (إنفوغرافيك)
- سعة استيراد الغاز المسال في أوروبا تواصل الارتفاع رغم تراجع الطلب (تقرير)