انبعاثات الكربون في الصين تسجل مستويات قياسية جديدة (تقرير)
خلال الربع الثاني من 2023
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- عوامل غير متكررة وراء زيادة الانبعاثات الكربونية في الصين.
- انخفاض الطاقة الكهرومائية بسبب ظروف الطقس والجفاف.
- ارتفاع استهلاك الفحم في توليد الكهرباء بنسبة 15%.
- طفرة في مبيعات المركبات الكهربائية خلال النصف الأول.
تمثل زيادة انبعاثات الكربون في الصين صداعًا برأس الخطط المناخية العالمية وأهداف الحياد الكربوني، التي يتوقف نجاحها على سرعة استجابة أكبر الدول المصدرة للانبعاثات عالميًا.
وتُعد الصين أكبر مصدر للانبعاثات عالميًا، بما يتجاوز ربع الانبعاثات الإجمالية، تليها الولايات المتحدة والهند؛ ما يجعل البيانات الدورية عن مستويات انبعاثاتها المحلية محط أنظار العالم، وفقًا لما ترصده وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية.
وأظهرت بيانات تحليلية حديثة زيادة انبعاثات الكربون في الصين بنسبة 10% على أساس سنوي، خلال الربع الثاني من عام 2023، متجاوزة 3 مليارات طن متري من الكربون؛ ما يزيد بنسبة 1% على مستوياتها القياسية المسجلة عام 2021، وفقًا لتقرير صادر عن منصة كاربون بريف البريطانية المتخصصة (carbon brief).
وأرجع التقرير -الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- أسباب عودة انبعاثات الكربون في الصين لهذه المستويات القياسية إلى عوامل غير متكررة لا يتوقع اجتماعها على هذا النحو مجددًا.
أسباب غير متكررة وراء الانبعاثات
يرجع السبب الأول إلى عملية المقارنة الحسابية بين الربع الثاني من عام 2023، والربع نفسه من عام 2022، عندما كانت الانبعاثات أقل بسبب استمرار توابع عمليات الإغلاق الاحترازي من كورونا في شنغهاي وأجزاء كبيرة من البلاد.
أما السبب الثاني؛ فيعود إلى موجة الجفاف المستمرة، التي أصابت إنتاج أسطول الطاقة الكهرومائية الكبير في الصين؛ ما أدى إلى زيادة توليد الكهرباء من مصادر الوقود الأحفوري المصدرة للانبعاثات بصورة كثيفة، ولا سيما الفحم.
وأسهمت ظروف الطقس وارتفاع درجات الحرارة، خلال الأشهر الماضية، في انهيار قدرة التوليد عبر الطاقة الكهرومائية مع انخفاض معدل هطول الأمطار، منذ الربع الثالث من عام 2022 حتى النصف الأول من عام 2023؛ ما أسهم في زيادة التوليد بالفحم لتعويض النقص.
وأظهرت بيانات شهر يونيو/حزيران 2023، انخفاض توليد الكهرباء عبر الطاقة الكهرومائية في الصين بنسبة 34% على أساس سنوي، بحسب تقرير مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA).
استهلاك الفحم والنفط والغاز
ارتفع توليد الكهرباء بالفحم بنسبة 15%، خلال الربع الثاني من 2023، كما زاد استهلاك النفط بنحو 18%، خاصة في قطاع النقل، وهما (الفحم والنفط) أكبر مصادر الانبعاثات خلال الربع الماضي.
وكان نمو الطلب على النفط مدفوعًا بالديزل، الذي زاد استهلاكه بصورة ملحوظة في قطاع الشحن والنقل العام، بينما ارتفع استهلاك البنزين بصورة أقل في السيارات الخاصة والمركبات الخفيفة، لكنه ما زال أقل من مستويات ما قبل الجائحة.
على الجانب الآخر، يبدو استهلاك الغاز مستقرًا منذ أواخر عام 2021، مع ارتفاع أسعاره عالميًا، نتيجة خفض روسيا للإمدادات إلى أوروبا وزيادة مخاوف أمن الطاقة بعد غزو أوكرانيا.
وتزامن ذلك مع اعتماد الصين مجموعة من السياسات غير المشجعة لتسريع التحول من الفحم إلى الغاز، إلى جانب زيادة الاستثمارات في بناء محطات فحم جديدة داخل المقاطعات التي تستعمل الغاز للتدفئة وتوليد الكهرباء.
بينما توقف نمو إنتاج الصلب خلال شهر يونيو/حزيران 2023، بعد قفزة قصيرة الأجل في وقت مبكر من العام، في حين بدأ إنتاج الأسمنت في التراجع متأثرًا بانخفاض معدلات البناء.
ويُعَد قطاع إنتاج الصلب والأسمنت من أكبر مصادر انبعاثات الكربون في الصين بعد قطاع الكهرباء؛ لاعتمادهما على الفحم بصورة أساسية، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
طفرة في مبيعات المركبات الكهربائية
استحوذت السيارات الكهربائية على 28% من إجمالي المركبات المبيعة خلال النصف الأول من عام 2023، ارتفاعًا من 22% في عام 2022 و4% عام 2020.
وارتفعت مبيعات المركبات الكهربائية بنسبة 44.1% على أساس سنوي خلال النصف الأول من 2023، لتسجل 3.75 مليون وحدة، وفقًا لبيانات صادرة عن الجمعية الصينية لصانعي السيارات في يوليو/تموز الماضي.
كما زادت مبيعات السيارات الكهربائية خلال شهر يونيو/حزيران 2023 فقط، إلى 806 آلاف وحدة، بزيادة 35.2% مقارنة بالمدة نفسها من عام 2022، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومن المحتمل أن تؤدي زيادة التوجه إلى المركبات الكهربائية إلى خفض الطلب على البنزين بنسبة 3%؛ ما قد يمكّن الصين من تسريع الوصول إلى نقطة ذروة استهلاك البنزين في عام 2023، تمهيدًا لانخفاضه في السنوات اللاحقة، وفقًا لتقديرات شركة النفط الصينية الكبرى سينوبك (sinopec).
كما يساعد التوسع في المركبات الكهربائية على خفض انبعاثات الكربون في الصين؛ حيث تُرجِّح التقديرات العلمية بقطاع النقل انخفاض انبعاثات كل كيلومتر بنسبة 40% عن السيارات التي تعمل بالبنزين على مدار العمر الافتراضي.
توقعات بموجات جديدة من زيادة الانبعاثات
رجَّح التقرير -المستند إلى أرقام رسمية صينية وبيانات تجارية مجمّعة- استقرار مستوى انبعاثات الكربون في الصين، خلال الوقت الحالي، إذا لم تحدث العوامل غير المتكررة مرة أخرى.
أما بالنسبة للمستقبل؛ فمن المتوقع حدوث موجات جديدة من زيادة انبعاثات الكربون في الصين مع تعافي النشاط الاقتصادي بعد رفع الإجراءات الاحترازية من جائحة كورونا، وإن كان مستوى التعافي حتى الآن ما زال ضعيفًا مقارنة بالتوقعات.
واستند التقرير في توقعاته المستقبلية إلى خطط الصين التوسعية في بناء محطات التوليد العاملة بالفحم منذ الصيف الماضي، إلى جانب خططها المستمرة في ضخ الاستثمارات بمشروعات الصلب القائمة على الفحم بمعدلات مرتفعة.
ومن المرجح الانتهاء من أغلب هذه المشروعات خلال مدة الخطة الخمسية الـ15 في الصين والممتدة من 2026 إلى 2030، وهي المدة نفسها التي تعهّدت فيها بكين بخفض استهلاك الفحم.
على الجانب الآخر، يستمر نمو الاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الكربون بوتيرة مذهلة؛ ما قد يمكّن الصين من الوصول إلى ذروة الانبعاثات خلال عامين، إذا استمرت السعة منخفضة الكربون في الزيادة إلى مستويات كافية لتغطية النمو المتوقع للطلب على الكهرباء، بحسب توقعات التقرير.
طفرة في تركيبات الطاقة المتجددة
تمكّن قطاع الطاقة الشمسية من إضافة 78 غيغاواط من السعة الجديدة إلى الشبكة، خلال النصف الأول من عام 2023، بينما نجحت طاقة الرياح في إضافة 23 غيغاواط؛ ما أدى إلى كبح جماح انبعاثات الكربون في الصين نسبيًا.
كما نجحت الطاقة النووية في تركيب 1.2 غيغاواط، بينما أضافت الطاقة الكهرومائية 5 غيغاواط، رغم التحديات التي تواجهها بسبب ظروف الطقس وموجة الجفاف الممتدة، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
على الجانب الآخر، زادت تركيبات الطاقة الشمسية بنسبة 150%، خلال النصف الأول من عام 2023، ما يعادل إجمالي سعة الطاقة الشمسية المركبة في ألمانيا، قائدة الاتحاد الأوروبي.
كما ارتفعت تركيبات طاقة الرياح الجديدة بنسبة 80% خلال النصف الأول من عام 2023، مع توقعات إضافات قوية إلى الشبكة خلال النصف الثاني من عام 2023، والأشهر الأولى من عام 2024، وربما يؤدي ذلك إلى خفض انبعاثات الكربون في الصين أو استقرارها خلال المدة المقبلة.
ويكفي هذا المعدل من إضافات الكهرباء منخفضة الكربون لتلبية نمو الطلب على الكهرباء في الصين بنسبة 4% سنويًا؛ حيث بلغ نمو الطلب 5% خلال النصف الأول من 2023.
ورغم طفرة النمو المتسارعة بتركيبات الطاقة المتجددة في الصين؛ فإنها تواجه تحديات ضعف الشبكات عن استيعاب عمليات الدمج الواسعة لمشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما تواجه تحديات أخرى في الحصول على الأراضي؛ ما دفع مقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين إلى تقييد نمو المشروعات الجديدة لعدم كفاية الأراضي المتاحة للطاقة الشمسية المركزية وطاقة الرياح البرية على وجه الخصوص.
كما منعت لجنة مراقبة الأصول المملوكة للدولة "SASAC" الشركات الحكومية خارج قطاعات الطاقة والكهرباء من الاستثمار في مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مؤقتًا، بحسب تقرير مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA).
على الجانب الآخر، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ، مجددًا، على تسريع اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ التزامات الصين بشأن المناخ؛ ما يرجّح زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة منخفضة الكربون خلال السنوات المقبلة.
موضوعات متعلقة..
- 4.5 مليار طن انبعاثات تطلقها 2162 شركة في الصين
- سوق الكربون الصينية قد تفشل في خفض انبعاثات شركات الطاقة (تقرير)
- هل تزيد الصين اعتمادها على اللحوم البديلة لخفض انبعاثات قطاع الغذاء؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- صادرات الغاز المسال الأسترالي تهدد الأسعار العالمية.. ما القصة؟
- انقطاع الكهرباء في مصر.. 3 توجيهات رئاسية لمنع تكرار الأزمة
- تعديلات جينية تخفّض انبعاثات الميثان من الماشية.. هل تنجح؟