المفاعلات المعيارية الصغيرة قد تكون الحل السحري لتركيا (مقال)
بقلم: أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • بحلول عام 2027 تريد تركيا مضاعفة قدراتها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية
- • من المتوقع حدوث نمو سنوي بنسبة 5% في الطلب على الطاقة لدى تركيا
- • أثار بعض الخبراء مسألة مخاطر سلامة وأمن المفاعلات النووية الصغيرة
- • تبلغ التكلفة الاستثمارية المقدّرة لمشروع محطة أكويو النووية نحو 20 مليار دولار أميركي
- • يمكن أن يختلف الرأي العام بشأن الطاقة النووية اختلافًا كبيرًا
- • تتمتع المفاعلات الصغيرة بالعديد من الفوائد، بما في ذلك التكاليف الأولية المخفضة
تشكل المفاعلات المعيارية الصغيرة حلًا سحريًا لتركيا، التي وضعت إستراتيجية الطاقة النووية لتعزيز أمن الطاقة لديها، بعد اعتمادها، تاريخيًا وإلى حدّ كبير، على مصادر الطاقة المستوردة.
وستُبنى محطة للطاقة النووية جزءًا من الإستراتيجية بحلول عام 2030.
وتعتزم تركيا، من خلال القيام بذلك، تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة المستوردة وتقليل انبعاثات الكربون.
بحلول عام 2027، تريد تركيا مضاعفة قدراتها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي تبلغ حاليًا 10.7 غيغاواط و 7.8 غيغاواط، على التوالي.
وأفادت وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية أن الحكومة تخطط لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 41% ورفع مساهمة الطاقة النووية في توليد الكهرباء إلى 10% بحلول عام 2030.
تلبية احتياجات تركيا المتزايدة من الطاقة
يُعَدّ إصرار الحكومة التركية على تلبية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة عاملًا حاسمًا في خطتها للطاقة النووية.
ويبلغ عدد سكان تركيا نحو 85 مليون نسمة، ومن المتوقع حدوث نمو سنوي بنسبة 5% في الطلب على الطاقة، ونظرًا للأهمية الكبيرة لأمن الطاقة التي ستنتج عن هذه الزيادة في الطلب، فإن البلاد تسعى لتحقيق ذلك.
في المقابل، سيزيد الاتفاق النووي من اعتماد تركيا على روسيا، التي تمدّ تركيا بالغاز الطبيعي مقابل محطات الطاقة النووية، فضلًا عن الوقود وتدريب الأفراد.
وهذا ينطوي على مخاطرة كبيرة؛ لأن روسيا أثبتت قدرتها على الاستفادة من تبعية الطاقة بصفتها ورقة تفاوض سياسية.
محطات الطاقة النووية الصغيرة
عادت محطات الطاقة النووية الصغيرة وسهلة البناء إلى دائرة الضوء، إذ يبحث العالم عن بدائل للطاقة الروسية خلال الصراع في أوكرانيا.
يزعم مؤيدو هذه المحطات أنها يمكن أن تكون خيارًا أكثر فعالية من المحطات الضخمة القديمة وبأسعار معقولة.
وتُعَدّ المفاعلات المعيارية الصغيرة (إس إم آر) أسرع وأرخص في بدء التشغيل من المنشآت العادية، وهي توفر نوعًا من أمن الطاقة الذي تبحث عنه العديد من الدول، وفقًا لشركة رولز رويس البريطانية المتخصصة بهذه المفاعلات.
ويأتي معظم الكهرباء في فرنسا من الطاقة النووية، بينما تمتلك ألمانيا خيار إعادة تشغيل منشأتين نوويتين ستغلقهما في نهاية العام بسبب خفض روسيا إمدادات الغاز الطبيعي.
من ناحيتها، تحاول تركيا تقليل اعتمادها على الفحم بصفته مصدرًا للطاقة، من خلال التفاوض على شراء مفاعلات نووية صغيرة مع الولايات المتحدة، وتعتمد تركيا الآن بشكل كبير على الفحم لإنتاج الكهرباء، ما يثير مخاوف بشأن تلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقد تكون تركيا قادرة على تنويع مزيج الطاقة لديها، وتقليل بصمتها الكربونية، من خلال الاستثمار في مفاعلات نووية صغيرة.
إزاء ذلك، أثار بعض الخبراء مخاطر سلامة وأمن المفاعلات النووية الصغيرة، ويعتقدون أن تركيا يمكنها دراسة جدوى خيارات أخرى لإنتاج الطاقة النظيفة.
لذلك، تدرس تركيا إمكانات الاستثمار في هذه التكنولوجيا، منذ أن زاد الاهتمام بالمفاعلات الصغيرة بصفتها بديلًا محتملًا لمحطات الطاقة النووية واسعة النطاق مؤخرًا.
بالمقارنة مع محطات الطاقة النووية التقليدية، تعدّ المفاعلات الصغيرة أكثر قابلية للتكيف وفعالية من حيث التكلفة؛ لأنها أصغر حجمًا وأكثر معيارية.
ويمكن استعمالها مصدر طاقة احتياطيًا للبنية التحتية الحيوية، أو لتزويد الكهرباء إلى خارج الشبكة، أو الأماكن النائية.
ويمكن نشر المفاعلات الصغيرة بسرعة أكبر وبتكلفة زهيدة مقارنة بمحطات الطاقة النووية الكبيرة الحجم، وهي إحدى مزاياها الرئيسة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المفاعلات الصغيرة أسهل في الاستعمال والصيانة، وقد عززت تدابير السلامة، ويمكن استعمالها لدعم مصادر الطاقة المتجددة.
وتُعَدّ محطات الطاقة النووية الكبيرة الحجم والمفاعلات المعيارية الصغيرة جزءًا من سياسة الطاقة النووية التركية، التي تهدف إلى تنويع مزيج الطاقة في البلاد وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من أن محطة أكويو تقود برنامج الطاقة النووية في تركيا، فإن تطوير المفاعلات الصغيرة قد يوفر بديلًا أكثر قابلية للتكيف وبأسعار معقولة، لتوفير متطلبات الطاقة في البلاد.
ويُعَدّ تسليم الوقود الأول إلى محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا تطورًا مهمًا في تطوير المحطة، ونظرًا لأنه سيقلل من اعتماد تركيا على الطاقة المستوردة، ويخلق فرص عمل في البلاد، فمن المتوقع أن يكون لهذا التطور تأثير كبير في قطاع الطاقة التركي.
على صعيد آخر، تشمل الإنجازات الإضافية لبناء المحطة تركيب وعاء المفاعل، والانتهاء من بناء التوربين، وبدء بناء الوحدة الثانية.
ونتيجة لاستمرار ارتفاع احتياجات تركيا من الطاقة، ستكون محطة أكويو للطاقة النووية مصدرًا مهمًا للطاقة النظيفة، ويمكن الاعتماد عليها لمساعدة تركيا في تقليل انبعاثات الكربون، ومن المتوقع أن تبلغ قدرة مشروع محطة أكويو 4800 ميغاواط.
جدير بالذكر أن مشروع أكويو النووي تبلغ تكلفته الاستثمارية المقدّرة نحو 20 مليار دولار أميركي.
اقتراح بناء مفاعلات نووية متقدمة
في فبراير/شباط الماضي، تلقّت تركيا اقتراحًا من شركة الطاقة الكهربائية الكورية الجنوبية (كيبكو) للانضمام إلى مشروع لبناء 4 مفاعلات نووية متقدمة من طراز إيه بي أر-1400، بسعة إجمالية تبلغ 5.6 غيغاواط.
وعلى الرغم من أن التكلفة التقديرية للمشروع تبلغ 32.5 مليار دولار، فإنه لم يُعلَن موقعه أو إطاره الزمني.
وطلبت الحكومة التركية من كيبكو تقديم اقتراح بعد المناقشات الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2022.
ويحتوي الاقتراح المقدّم على تفاصيل بشأن إستراتيجية إدارة المشروع في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى حقائق بشأن قدرتها على بناء محطات للطاقة النووية.
وتتوقع تركيا أن تزيد قدرتها النووية إلى 7.2 غيغاواط بحلول عام 2035، في خطتها الوطنية للطاقة، والتي نُشرت في يناير 2023.
ضمان أمن الطاقة في تركيا
يتطلب ضمان أمن الطاقة في تركيا مراعاة العوامل التالية خلال الاختيار بين محطة طاقة نووية كبيرة الحجم ومفاعل صغير:
التكلفة: تُعَدّ محطة الطاقة النووية الكبيرة استثمارًا كبيرًا يمكن أن يكلف مليارات الدولارات لبنائه والحفاظ على سلامته.
وإذا لم يجرِ تصميمها وبناؤها وتشغيلها بشكل صحيح، فإن منشآت الطاقة النووية -بغضّ النظر عن كبرها أو صغرها- يمكن أن تمثّل خطرًا على السلامة العامة، لذلك، يجب أن يراعي أيّ خيار بشأن الطاقة النووية في تركيا مخاوف السلامة أولًا.
اللوائح البيئة: قبل بناء منشأة نووية، من الضروري التأكد من أن جميع التصاريح والموافقات سارية، بسبب تعقيد البيئة التنظيمية لصناعة الطاقة النووية.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، إمكانات وأهداف محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا:
مزيج الطاقة: يمكن أن يؤثر مزيج الطاقة الإجمالي لدى تركيا في بناء محطة طاقة نووية كبيرة الحجم أو مفاعل نووي صغير، وستكون محطة الطاقة النووية واسعة النطاق خيارًا أفضل إذا أرادت البلاد تنويع مصادر طاقتها وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
الرأي العام: اعتمادًا على متغيرات، مثل مخاوف السلامة والتأثير البيئي، يمكن أن يختلف الرأي العام بشأن الطاقة النووية اختلافًا كبيرًا.
قد تجد تركيا أنه من الأفضل الاستثمار في مفاعلات صغيرة بدلًا من محطة طاقة نووية تقليدية، وتجدر الإشارة إلى أنّ المفاعلات الصغيرة تتمتع بالعديد من الفوائد، بما في ذلك التكاليف الأولية المخفضة، والتصميم الأكثر إحكامًا، والمرونة الأفضل في تحديد المواقع والقياس.
ويمكن استعمالها لتشغيل الأماكن المعزولة أو خارج الشبكة، ويمكن أن تساعد في حل المشكلات المتعلقة بالوصول إلى الكهرباء.
وتتميز المفاعلات الصغيرة بميزات أمان أفضل وتصميمات أسهل، وهي أيسر في التشغيل والصيانة من المحطات النووية التقليدية الكبيرة.
بالنظر إلى هذه المزايا، قد يكون شراء مفاعلات صغيرة وسيلة مُجديًا اقتصاديًا ومفيدًا لتلبية متطلبات الطاقة في تركيا.
لضمان أمن الطاقة في تركيا، من الضروري التفكير في العديد من القضايا، بما في ذلك متطلبات الطاقة في البلاد ، والموارد التي يمكن الوصول إليها، والمخاوف البيئية، والاعتبارات الاقتصادية. وتُعَدّ اعتبارات التكلفة والسلامة والبيئة التنظيمية ومزيج الطاقة والرأي العام من الأمور الحاسمة أيضًا.
في النهاية، سيعتمد اتخاذ القرار الأمثل على الموازنة الدقيقة لكل جانب من هذه الجوانب، وأخذ تأثيرات مسار العمل المختار في الحسبان.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- محطة أكويو النووية.. فرس الرهان التركي نحو الطاقة النظيفة (مقال)
- تركيا تدخل نادي الدول النووية وتستقبل أول حزمة وقود لمفاعل أكويو
- 4 دول تتصدر نمو الطاقة النووية في السنوات المقبلة.. من بينها تركيا
اقرأ أيضًا..
- صادرات الرقائق الإلكترونية من كوريا الجنوبية للصين تنخفض 44.5%
- نشطاء المناخ يفشلون في منع البنك المركزي السويسري من تمويل الوقود الأحفوري
- كيف تنفق إكسون موبيل وشيفرون السيولة النقدية للأرباح القياسية؟