استعمال الفحم في الصين يرتفع 4.3%.. والطاقة النظيفة تسجل أرقامًا قياسية (تقرير)
نوار صبح
- نما توليد الكهرباء بالفحم بشكل طفيف بنسبة 1.4% في عام 2022.
- من المفترض أن يبدأ استهلاك الفحم في الانخفاض بين عامي 2026 و2030.
- الغاز يمثّل 8% فقط من مزيج الطاقة في الصين بينما يشكّل الفحم 56%.
- على عكس النفط والغاز والكهرباء يختلف محتوى الطاقة في الفحم على نطاق واسع.
- يُعَد احتساب التغييرات في جودة الفحم مطلبًا رئيسًا لإعداد تقارير إحصائية دقيقة.
- كان صنّاع السياسة في الصين على دراية بقضية جودة الفحم وسعوا إلى معالجتها.
سجّل استعمال الفحم في الصين زيادة كبيرة بنسبة 4.3%، وفق ما أعلنته الحكومة مؤخرًا، بعد أن ازدادت تراخيص إنشاء محطات الكهرباء الجديدة التي تعمل بهذا الوقود الملوث.
وفي الوقت نفسه سجّلت منشآت الطاقة النظيفة في البلاد أرقامًا قياسية، فيما يبدو تناقضًا سيكشف هذا التقرير عن ملابساته وأسبابه.
وعلى الرغم من أن عناوين الأخبار الأخيرة بشأن الفحم والطاقة والانبعاثات في الصين جاءت بالقليل؛ فقد نما توليد الكهرباء بالفحم في البلاد بشكل طفيف، بنسبة 1.4%، في عام 2022، وتقلص الإنتاج في القطاعات الرئيسة الأخرى التي تستعمل الفحم، مثل الصلب والأسمنت.
في خطة العمل لعام 2023، تهدف الحكومة الصينية إلى زيادة إنتاج الفحم المحلي لدعم أمن الطاقة، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبحسب الخطة الخمسية الحالية للطاقة في الصين (2021-2025)، من المفترض أن ينتقل الفحم من سند أساسي لنظام الطاقة إلى أداء دور داعم، ومن المفترض أن يبدأ استهلاك الفحم في الانخفاض في المدة بين عامي 2026 و2030.
هل زاد استهلاك الصين من الفحم في 2022؟
يرى المحللون أنه من الصعب التوفيق بين الزيادة البالغة 4.3% في استهلاك الفحم وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة بنسبة 2.2% في عام 2022، التي أبلغ عنها مكتب الإحصاء الوطني الصيني.
وستكون هذه المرة الأولى، منذ ما يقرب من 20 عامًا، التي يزيد فيها استهلاك الفحم بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي، الذي سجّل نموًا بنسبة 3%، حسبما نشرت مؤسسة تشاينا ديالوغ (China Dialogue) في 3 أبريل/نيسان الجاري.
بعد أسبوع من إصدار البيانات الحكومية الرسمية، أصدرت وكالة الطاقة الدولية أرقامها بشأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين، بناءً على بيانات أكثر تفصيلًا تم الحصول عليها من مصادر حكومية.
وفاقمت هذه الأرقام الارتباك بشأن دقة المعلومات؛ إذ أشارت إلى زيادة أقل بكثير بنسبة 2% في استهلاك الفحم، وانخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري.
وأفادت وكالة الطاقة الدولية بأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الكهرباء زادت بنسبة 3%، وهو ما لا يتوافق مع النمو المبلغ عنه بنسبة 1.4% في توليد الكهرباء بالفحم وانخفاض توليدها بالغاز.
وكان على المحطات حرق مزيد من الفحم للحصول على الكهرباء نفسها، وإنتاج الانبعاثات نفسها. ويرجع جزء من زيادة استهلاك الفحم إلى اتخاذه بديلًا عن الغاز بسبب ارتفاع أسعار الأخير.
ونظرًا إلى أن الغاز يشكّل 8% فقط من مزيج الطاقة في الصين، بينما يشكل الفحم 56%، فيما انخفض استهلاك الغاز بنسبة 1% فقط؛ فلا يمكن أن يكون هذا هو التفسير الرئيس.
ويعود السبب الأكثر ترجيحًا للبيانات المتضاربة، في ذلك الوقت، إلى استعمال مزيد من الفحم في عام 2022، لكنه كان أقل جودة.
على صعيد آخر، انخفض متوسط محتوى الطاقة ومحتوى الكربون في الفحم؛ ما يعني أنه كان على محطات الكهرباء والمصانع حرق مزيد من الفحم للحصول على الكمية نفسها من الكهرباء، وإنتاج الكمية نفسها من الانبعاثات.
ويمكن قياس استهلاك الفحم بطريقتين: كميات الفحم المستعملة، أو كمية الطاقة التي يحتويها الفحم.
محتوى الطاقة في الفحم
على عكس النفط والغاز والكهرباء، يختلف محتوى الطاقة في الفحم على نطاق واسع؛ إذ تحتوي الأنواع الأكثر كثافة للطاقة على ما يصل إلى 3 أضعاف الطاقة لكل طن مثل الأصناف الأقل جودة المستعملة تجاريًا.
لذلك، يُعَد احتساب التغييرات في جودة الفحم مطلبًا رئيسًا لإعداد تقارير إحصائية دقيقة.
وترجع التغييرات في جودة الفحم إلى أن الحكومة الصينية كانت تدفع مناجم الفحم لزيادة الإنتاج بقوة؛ استجابةً لنقص الفحم في عام 2021، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
في ذلك العام، انخفض إنتاج الفحم المحلي كثيرًا عن الاستهلاك، ونضبت المخزونات؛ ما أدى إلى تقنين توليد الكهرباء.
في الوقت نفسه، ولمواجهة الزيادة الحادة في أسعار الفحم الدولية، ضغطت الحكومة الصينية على المناجم لتوقيع عقود طويلة الأجل مع محطات توليد الكهرباء والمصانع بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق.
ولتحقيق أهداف الإنتاج وعقود التسليم، أعطت المناجم الأولوية للكمية على الجودة، واللجوء إلى استغلال احتياطيات الفحم الأقل جودة للوصول إلى الحصة، أو تقليل المعالجة التي يقومون بها عادةً لزيادة جودة الفحم المستخرج.
وظهر هذا، على سبيل المثال، في تقرير مسح سوق الفحم من جانب المحللين في شركة الخدمات المالية الصينية الرائدة سيتيك فيوتشرز، الذين زاروا، في فبراير/شباط الماضي، 8 مناجم للفحم في منغوليا الداخلية، وشنشي وشانشي. وأبلغت رويترز عن هذه المخاوف في يونيو/حزيران 2022.
ونظرًا إلى أن المستخدمين يحصلون على نوعية الفحم الرديئة، يجب عليهم حرق مزيد منه لتشغيل محطات الكهرباء والمصانع الخاصة بهم.
علاوة على ذلك، تخطئ المناجم في الإبلاغ عن جودة الفحم لجعلها تبدو وكأن أهداف الإنتاج يتم تحقيقها؛ لذلك، لا يُسَجَّل الانخفاض في جودة الفحم من خلال الإحصاءات الرسمية.
وكان صنّاع السياسة في الصين على دراية بقضية جودة الفحم وسعوا إلى معالجتها.
وفي أغسطس/آب الماضي، أصدرت هيئة التخطيط الحكومية (اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح) "إن دي آر سي" إشعارًا بشأن ضمان جودة الفحم بموجب عقود متوسطة وطويلة الأجل للفحم المستعمل في توليد الكهرباء، ردًا على "الانخفاض الأخير في القيمة الحرارية" من الفحم الذي اشترته شركات الكهرباء.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، أشار مسؤول في مجلس الكهرباء الصيني إلى "انخفاض واضح في جودة الفحم" بصفته مشكلة مرتبطة بعقود الفحم طويلة الأجل، فضلًا عن شحنات الفحم التي لا تفي بالجودة المحددة في العقود.
وعلى الرغم من وجود أدلة على انخفاض جودة الفحم؛ فإن الإحصاءات الرسمية لا تشير إلى أي تغيير في متوسط محتوى الطاقة للفحم المنتج، وهو أمر غير مرجّح إلى حد كبير نظرًا إلى الزيادة الكبيرة في الإنتاج.
ويقول المراقبون إن هذا "مؤشر آخر على أن الإحصاءات الرسمية تفشل في حساب التغيرات في جودة الفحم".
ويمكن حساب محتوى الطاقة للفحم المنتج في الصين وفقًا للإحصاءات الرسمية ضمنيًا من إجمالي الإنتاج المبلغ عنه للكهرباء الأساسية، حسبما نشرت مؤسسة تشاينا ديالوغ (China Dialogue) في 3 أبريل/نيسان الجاري.
ويوجد مؤشر آخر على أن إمدادات الفحم المحلية ليست ما يرام، هو أن واردات الفحم زادت 74% في الشهرين الأولين من عام 2023، مقارنة بالعام السابق.
وبعد زيادة بنسبة 10.5% في الإنتاج المحلي في عام 2022، لا ينبغي أن يكون هناك مثل هذا الطلب المرتفع على الواردات.
لماذا سمحت الصين بأكثر من 100 محطة فحم جديدة؟
عند ترخيص محطات توليد الكهرباء بالفحم، تسارعت عمليات الإنشاء وإعلانات المشروعات الجديدة بشكل كبير في عام 2022، مع وصول التراخيص الجديدة إلى أعلى مستوى منذ عام 2015، حتى مع تسجيل منشآت الطاقة النظيفة أرقامًا قياسية جديدة.
سُمِحَ بإجمالي 106 غيغاواط من مشروعات كهرباء الفحم الجديدة، أي ما يعادل محطتيْن كبيرتيْن أسبوعيًا، أكثر من 4 أضعاف ما كان عليه في عام 2021.
ويشير المحللون إلى عدد قليل من الدوافع وراء هذه الاستثمارات:
فقد شهدت الصين زيادة سريعة في أحمال الذروة الكهربائية في 2021-2022، مع زيادة الحمل اللحظي الأعلى المسجل بمقدار 230 غيغاواط، بسبب زيادة انتشار مكيفات الهواء وموجات الحرارة الشديدة بشكل استثنائي.
وقد أدى هذا إلى زيادة تطوير محطات توليد الكهرباء بالفحم، وهو حل مكلف ودون المستوى الأمثل، خصوصًا في مراكز الطلب على الكهرباء الرئيسة والمقاطعات المجاورة لها، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ونظرًا إلى ارتفاع أسعار الغاز المستورد بشكل كبير في عام 2022، يبدو أن المقاطعات الساحلية، التي اعتمدت على محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز لتغطية ذروة الطلب، تستبدلها أو تبني بدائل لها.
اتجاهات الصين المتضاربة بالنسبة للانبعاثات
يشير تركيز الحكومة على أمن الطاقة إلى أن الصين ستعمل، في وقت واحد، من أجل استعمال المصادر النظيفة، بدلًا من الفحم في توليد الكهرباء لدى القطاعات الصناعية والمنازل؛ والاستعاضة عن الفحم والغاز المستورد، وحتى بعض النفط المستورد، بالفحم المحلي.
ويفسّر هذا النهج الكثير من التناقضات الواضحة في تعزيز كل من الفحم والطاقة النظيفة، حسبما نشرت مؤسسة تشاينا ديالوغ (China Dialogue) في 3 أبريل/نيسان الجاري.
ونظرًا إلى النمو السريع للطاقة النظيفة وتوقع نمو أبطأ في الطلب على الكهرباء؛ فإن الإضافات الهائلة لسعة المحطات التي تعمل بالفحم لا تعني بالضرورة زيادة استعمال الفحم في الصين أو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع الكهرباء.
وسيُحَدَّد الجدول الزمني لبلوغ ذروة الانبعاثات في الصين عندما يتجاوز نمو الطاقة النظيفة نمو الطلب الإجمالي على الكهرباء، وقد يحدث هذا في عام 2024.
اقرأ أيضًا..
- حصة أوابك من احتياطيات النفط والغاز العالمية (6 رسوم بيانية)
- مصادر تكشف لـ"الطاقة": أين ذهبت أول صفقة توربينات غاز جزائرية؟
- محطة أكويو النووية.. فرس الرهان التركي نحو الطاقة النظيفة (مقال)