ناقلات النفط الروسي المتقادمة تنذر بكارثة عالمية.. ما القصة؟
الناقلة "توربا" تعيد للأذهان كارثة التسرب النفطي عام 2002
هبة مصطفى
تشكّل ناقلات النفط الروسي المتقادمة جانبًا مظلمًا لم ينتبه إليه الكثيرون في خضم أزمة الطاقة العالمية، إذ تعتمد موسكو على أسطول من بينه ناقلات أوشك عمرها الافتراضي على الانتهاء، وأخرى تحتاج إلى التقاعد الفوري، قبل أن تتسبب في كارثة بيئية.
ودفعت زيادة مسافة نقل الشحنات بحرًا إلى آسيا وغيرها من الوجهات البديلة -بعدما أغلقت أوروبا أبوابها أمامها- نحو إضافة أعباء جديدة على أداء الناقلات، ما يهدد بكارثة بيئية، وفق ما تطرّق إليه تحليل أجرته وكالة بلومبرغ.
فبينما تنشغل موسكو بسبل الالتفاف على العقوبات، وتركّز مجموعة الدول الـ7 على فرض المزيد من القيود عليها، يشكّل مسار الناقلات ومروره بالمياه الإقليمية لدول عدّة قبيل وصوله إلى وجهاته الآسيوية كارثة مرتقبة، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
ناقلات مصدر خطر
خلال الأشهر من مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي (2022) حتى مطلع فبراير/شباط 2023، زاد معدل نقل شحنات النفط الروسي إلى الهند والصين في آسيا.
وتفتقر 40 ناقلة من أسطول الناقلات الذي تعتمد عليه موسكو إلى قواعد التأمين الدولية، إذ لم تتقدم بشهادات السلامة خلال إبحارها، بحسب بيانات مؤسسة "إكواسيس" المطورة من قبل المفوضية الأوروبية والإدارة البحرية الفرنسية.
ووفق المعلومات المتاحة، تضمَّن أسطول ناقلات النفط الروسي 3 ناقلات غير مُصنّفة طبقًا لمعايير سلامة الإبحار، من بينها الناقلة توربا.
وعلى مدار العام الماضي (2022)، بيعَ ما يزيد عن 100 ناقلة للنفط والوقود عبر سماسرة مجهولين، ومقابل ذلك لم يشهد أسطول ناقلات النفط العالمي تخارجًا للناقلات المتقادمة والمتهالكة وفق المعتاد، حسبما أوردت سمسار السفن "كلاركسون" للأبحاث والخدمات.
ويشير المسار البحري لنقل شحنات النفط المتعارف عليه إلى مرور الناقلات بالمياه الدولية قبالة السواحل اليونانية، ومدينة سبتة الإسبانية الواقعة شمال أفريقيا.
الناقلة توربا نموذجًا
دفعت العقوبات المفروضة على روسيا نحو تخلّيها عن قواعد الشحن والتأمين المتعارف عليها، بعدما لجأت إلى ناقلات يُطلق عليها "أسطول الظل"، قد يفتقر بعضها إلى قواعد السلامة والأمان.
وتعدّ الناقلة "توربا" الحاملة لعلم الكاميرون نموذجًا لذلك، إذ تعكف على نقل الوقود الثقيل من ميناء "سانت بطرسبرغ" الروسي، تمهيدًا لتوزيع الشحنات على الوجهات البديلة للدول الأوروبية.
بُنيت الناقلة عام 1997، ما يشير إلى أن عمرها الحالي يصل إلى 26 عامًا، ولم تُفحَص السفينة منذ 6 سنوات لاختبار استجابتها لقواعد السلامة.
وبجانب ذلك، لا تتمتع الناقلة بوسائل التأمين الصناعية المعتادة من قبل شركات الشحن البحري الدولي، وزاد انتمائؤا إلى الكاميرون -إحدى دول القائمة السوداء للشحن الآمن والحاملة لتصنيف عالي المخاطر- من المخاوف حول وقوع كارثة بيئية خلال نقلها للنفط الروسي.
وتواصل الناقلة حمل شحنات النفط الروسي وتفريغها بعد وصولها المنافذ الآسيوية، بدلًا من بدء تفكيكها قبالة سواحل بنغلاديش أو الهند أو باكستان، على سبيل المثال.
كارثة بيئية
يمثّل الأسطول العالمي لناقلات النفط المتقادمة -البالغة من العمر ما يُقدَّر بنحو عقدين من الزمان "20 عامًا"- مصدر قلق قد يهدد بوقوع كارثة بيئية في عرض البحر، لا سيما أنها لا تخضع لأعمال الفحص والصيانة بصورة دورية.
وجرت العادة ببدء تقاعد الناقلات عند عمر 15 عامًا، مع الاتجاه لتفكيكها وبيعها في أسواق الخردة عند بلوغها 20 عامًا.
وتزداد المخاوف مع الناقلة توربا بمعدل أكبر، إذ يخشى محللون تكرارها لكارثة الناقلة "بريستيج"، التي قادت أسوأ حادث تسرب نفطي في أوروبا، بعدما انشقّت إلى نصفين أمام السواحل الإسبانية عام 2002.
وأدى التسرب النفطي الكارثي حينها إلى ضخّ آلاف الأطنان من زيت الوقود على ساحل إسبانيا، وامتدت آثاره إلى البرتغال أيضًا، مخلّفًا وراءه تدميرًا واسع النطاق للطيور البحرية وصناعة صيد الأسماك.
ويعدّ العمر الزمني لناقلة النفط الروسي "توربا" المقارب لعمر الناقلة الكارثية "بريستيج" مصدر القلق من تكرار السيناريو ذاته خلال نقل الشحنات إلى آسيا، لا سيما أنها تحمل الشحنات نفسها من الميناء الروسي الذي سبق أن انطلقت منه "بريستيج" قبل 21 عامًا، بحسب بيانات تحليلات الشحن من شركة "كبلر".
ضرورة التقاعد
مع فرض السقف السعري على شحنات النفط الروسي المنقولة بحرًا الذي تبنّته (دول مجموعة الـ7، الاتحاد الأوروبي، أستراليا) ودعمه بقيود على الشحن والتأمين، اتجهت روسيا إلى "ناقلات الظل"، ومن بينها الناقلات المتقادمة والمتهالكة.
وفي حالة استمرار قيود التأمين والشحن على ما هي عليه حاليًا، من المتوقع أن يزداد اعتماد موسكو على مثل هذه الناقلات.
ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تطور صادرات روسيا من النفط، خلال المدة من يناير/كانون الأول 2022 حتى الشهر ذاته من العام الجاري (2023):
ويتطلب الضغط المتوقع على الناقلات "تنقية" الأسطول من الناقلات التي تهدد بكارثة بيئية، إذ إن الناقلات فوق الـ20 عامًا تحتاج إلى إجراء عمليات صيانة وضمانات سلامة بتكلفة باهظة، ويوفّر تقاعدها هذه التكلفة.
وحتى إن توافرت تكلفة الصيانة، فإنّ تعرُّض الناقلات للأمواج والمياه المالحة يسبّب تآكلًا في هياكلها وأنظمة الدفع والسلامة.
ولنجاح "توربا" في نقل النفط الروسي وخام الأورال وزيت الوقود الثقيل إلى الهند، تحتاج الناقلة إلى العبور ببحر البلطيق والسواحل الأوروبية لتصل إلى وجهتها في آسيا.
ويُشير ذلك إلى أن ناقلات النفط الروسي المتهالكة والمتقادمة قد تشكّل تهديدًا لدول القارة العجوز والسواحل الأخرى، أي إن العقوبات التي اضطرت موسكو لاتّباع مسار أطول نطاقًا قد "تحفر حفرة لأصحابها".
فحص دولي
رأى مختصّون بالأمر أن استمرار تزايد ناقلات النفط الروسي المتقادمة يعدّ رسالة تهديد مع بلوغ الناقلة "توربا" عمر الـ26 عامًا، وتزايد الضغط عليها بعدما غيّرت موسكو مسار وجهات شحناتها إثر العقوبات الغربية.
وتفتقر الناقلة "توربا" -المصنّفة ضمن نماذج "أفراماكس" العملاقة- إلى وسائل الاتصال مع شركة "سكوت" المالكة لها، غير أن هناك مطالبات في الآونة الحالية لإخضاعها إلى الفحص من قبل هيئة دولية للتيقن من حالة هيكلها وأنظمة الدفع والسلامة.
وبدوره، قال مدير شركة "سوري كلين إنرجي" للاستشارات، أدي إمسيروفيتش، إن الناقلات المتهالكة التي كان يُخطط لتفكيكها وتقاعدها تقوم حاليًا بتحميل شحنات النفط بنظام النقل من سفينة إلى أخرى، بهدف نقل ملايين البراميل النفطية دون تأمين.
وحذّر محللون من تزايد عدد ناقلات النفط الروسي المفترض إحالتها للتقاعد بعد بلوغها العمر الافتراضي، إذ قدّرت شركة "دي إتش تي هولدينغ" عمر ما يقرب من ثلث أسطول الناقلات بما يزيد عن 15 عامًا.
اقرأ أيضًا..
- سلطنة عمان تطرح 3 مناطق امتياز للتنقيب عن النفط والغاز
- رئيس أرامكو: ندعم أمن الطاقة الصيني عبر 3 إستراتيجيات رئيسة
- أنس الحجي: أوبك+ يتأثر بسوء بيانات النفط.. ما دور الشائعات؟ (تقرير)