نفطتقارير النفطرئيسية

عقوبات النفط الروسي والإيراني تغيّر قواعد لعبة التجارة في آسيا

ودول الخليج تدخل المنافسة

رجب عز الدين

أسهمت عقوبات النفط الروسي والإيراني في تغيير قواعد لعبة التجارة النفطية المستقرة في آسيا منذ عقود، وسط تدفقات هائلة من خامات موسكو وطهران في الأسواق الآسيوية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية العام الماضي (2022).

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات متسلسلة على إيران منذ سنوات طويلة بسبب برنامجها النووي، في حين تفرض عقوبات على النفط الروسي منذ ديسمبر/كانون الأول (2022)، والمشتقات الروسية منذ مطلع فبراير/شباط (2023)، ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وأدت عقوبات النفط الروسي والإيراني المفروضة من قبل الكتلة الغربية إلى زيادة تدفقات الوقود الرخيص إلى أكبر الاقتصادات الآسيوية التي اعتادت شراء مصادر الطاقة بأسعار أعلى من الغرب لعقود من الزمن، وفقًا لوكالة رويترز.

العلاوة الآسيوية تتضاءل

اشتهرت تجارة النفط في آسيا، خلال العقود الماضية، بما يُسمى "العلاوة الآسيوية"، التي تعني الزيادة السعرية التي كان يدفعها الآسيويون مقابل شراء النفط من كبار المصدرين، مثل أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".

وأصبحت آسيا تستقبل كميات كبيرة من النفط الروسي والإيراني بأسعار وخصومات مغرية مقارنة بالأسعار العالمية، ما جعل الآسيويين ينظرون إلى هذه الخصومات كونها حافزًا اقتصاديًا قويًا لبلدانهم.

في المقابل، دفع الأوروبيون ثمنًا باهظًا مقابل شراء الغاز الطبيعي من الأسواق العالمية، بسبب عقوبات النفط الروسي.

الهند والصين أكبر الفائزين

عقوبات النفط الروسي
مصفاة نفط في الهند - الصورة من وكالة رويترز

قال رئيس قسم إستراتيجية السلع في مصرف ساكسو بنك، أولي هانسن، إن الهند والصين هما أكبر الفائزين بثمار عقوبات النفط الروسي والإيراني المفروضة من قبل القوى الغربية.

وباعت موسكو أكثر من ضعف كميات النفط الخام إلى آسيا، خلال العام الماضي (2022) وحتى أول شهر في 2023، وفقًا لبيانات شركة كبلر المتخصصة في تتبع السفن.

كما زادت صادرات إيران النفطية إلى أعلى مستوياتها في 3 سنوات، مدفوعة بزيادة الواردات من الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني رغم العقوبات الغربية.

خصومات موسكو

تقدّم موسكو وطهران خصومات مغرية على مختلف خاماتها المبيعة إلى كبار المستوردين الآسيويين، إذ بلغ متوسط الخصم المقدم على خام الأورال الروسي قرابة 13 دولارًا للبرميل في عقود تسليم مارس/آذار 2023.

كما بلغت الخصومات المقدمة على خام إسبو المفضل لدى مصافي التكرير الصينية قرابة 8.5 دولارًا للبرميل تسليم مارس/آذار 2023، ثم تقلصت إلى 7.5 دولارًا لتسليم أبريل/نيسان 2023، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وباعت روسيا خام الأورال الرئيس إلى آسيا بخصومات أعلى في أوقات سابقة وصلت إلى 24 دولارًا على البرميل، أقل من خام برنت القياسي المعتمد عالميًا، وفقًا لبيانات منصة ريفينتيف إيكون المتخصصة.

ويُستعمل خام برنت معيارًا لتسعير قرابة 70% من إنتاج النفط العالمي، خاصة في الأسواق الأوروبية والأفريقية، ويُباع بسعر أعلى من سلة نفط أوبك بفارق دولار للبرميل، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

نوعيات النفط الروسي

كان خام الأورال الروسي يُباع إلى الأوروبيين قبل حرب أوكرانيا، بخصومات خفيفة لم تتجاوز دولارات معدودة للبرميل، في حين يُباع الآن إلى الآسيويين بأسعار لم تخطر على بال قادة الاتحاد الأوروبي المحرضين على تشديد العقوبات.

وتعتمد روسيا على إنتاج نوعيات مختلفة من النفط إلى جانب خام الأورال الرئيس، مثل مزيج شرق سيبيريا والمحيط الهادئ، ومزيج سوكول، ومزيج سخالين، ومزيج فاراندي بلند، ومزيج نوفي بورت، ومزيج إسبو، ومزيج أركو الثقيل الحامض.

ويتيح هذا التنوع في سلة إنتاج نوعيات النفط الروسي قدرًا من المناورة السعرية لدى الشركات الروسية، عبر تقديم خصومات مختلفة لكل نوعية، في إطار جذب العملاء الآسيويين على وجه الخصوص.

وبدأت مصافي التكرير الهندية والصينية شراء نوعيات جديدة من الخامات الروسية القطبية، مثل خام فاراندي بلند، منذ يناير/كانون الثاني 2023.

توفير 3 ملايين دولار يوميًا

تستفيد مصافي أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم (2.7 مليار نسمة)، من الخصومات بصورة مغرية، نظرًا إلى شرائها كميات ضخمة من النفط يوميًا.

وتستطيع مصفاة هندية بطاقة تكرير 200 ألف برميل يوميًا توفير 3 ملايين دولار يوميًا، مقارنة بأي مصفاة تكرير أوروبية في الوقت الحالي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويقدر وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري، حجم التوفير الذي سيعود على بلاده من شراء النفط الروسي المخفض بما يعادل مليار دولار سنويًا على الأقل.

وصرّح الوزير الهندي في مطلع شهر فبراير/شباط 2023، بأن بلاده ستواصل شراء النفط الروسي، إذا استمرت الأسعار العالمية في الارتفاع.

دول الخليج تدخل المنافسة

عقوبات النفط الروسي
أحد مهندسي شركة أرامكو السعودية - الصورة من سي إن بي سي

أسهمت العقوبات الغربية على موسكو في تضاؤل العلاوة الآسيوية التي كان الآسيويون مضطرين إلى دفعها لشراء النفط من دول الخليج والشرق الأوسط وأعضاء منظمة أوبك.

واعتمدت أكبر الاقتصادات في آسيا منذ ثمانينيات القرن الماضي على الواردات بصورة كبيرة، إلا أنهم نجحوا في تعزيز قدرات التكرير المحلية خلال العقود الماضية، ما أدى إلى تحسن قوتهم التفاوضية في الشراء.

واضطرت السعودية، وغيرها من المصدرين الرئيسين في منظمة أوبك، إلى خفض أسعار البيع إلى آسيا خلال الأشهر الـ3 المنتهية فبراير/شباط 2023، في محاولة لموازنة الإغراءات الروسية لأكبر الاقتصادات الآسيوية.

وخفّضت السعودية بيع أسعار النفط العربي الخفيف المفضل لدى الآسيويين في عقود تسليم مارس/آذار، وأبريل/نيسان 2023، رغم زيادتها أسعار النفط الخام المتجه خارج آسيا.

وبلغ مستوى الخفض السعودي في أسعار النفط العربي المبيع إلى آسيا قرابة 3.35 دولارًا للبرميل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مقارنة بزيادة السعر على الأوروبيين بـ10 سنتات للبرميل خلال المدة نفسها.

كما خفّض العراق والكويت -وهما من الدول المصدرة الرئيسة في منظمة أوبك- أسعار البيع إلى آسيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

الأوروبيون في مأزق

يتوقع رئيس قطاع إستراتيجية السلع في مصرف ساكسو بنك أولي هانسن، أن تواصل دول الشرق الأوسط خفض أسعارها في ظل المنافسة الشرسة من إيران وروسيا، للاستحواذ على حصص أكبر لدى كبار الآسيويين المستهلكين للنفط عالميًا.

كما يرجح هانسن أن تتضرر أوروبا نسبيًا من هذه المنافسة السعرية بين موسكو وطهران والخليج، عبر اضطرارها إلى شراء النفط العربي بأسعار أعلى من الآسيويين خلال الأشهر المقبلة.

وزادت عقوبات النفط الروسي من معاناة أوروبا، إذ تعاني الدول في الوقت الحالي فقدان الخام الروسي بعد فرض حظر منذ 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، فضلًا عن دخول حظر المشتقات الروسية حيز التنفيذ في 5 فبراير/شباط 2023.

ويحتاج الأوروبيون إلى تعويض كميات الخام الروسي عبر سحب الإمدادات من مناطق أبعد، أو اللجوء إلى شراء كميات أكبر من الشرق الأوسط لحين انتهاء الحرب الأوكرانية على الأقل.

وإذا استمرت الحرب طويلًا فستعاني أوروبا تكاليف التعويض كثيرًا، أما إذا انتهت خلال عام 2023، فربما تعود الأمور إلى نصابها بعد أن ترفع عقوبات النفط الروسي، ومن ثم توازن الأسعار مجددًا، وفقًا لكبير الباحثين في ساكسو بنك.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق