تقرير لأوابك يفضح معاداة أوروبا للنفط.. وسر النفاق البيئي
أحمد بدر
كشف تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول، أوابك، موجة من المعاداة في أوروبا للنفط والوقود الأحفوري، وما يمارسه قادة ورؤساء الدول والحكومات من نفاق بيئي.
وقال التقرير، الذي حصلت منصة الطاقة المتخصصة على نسخة منه، اليوم الإثنين 13 مارس/آذار، إن جذور السياسة البيئية أوروبية إلى عام 1972، عندما عقد المجلس الأوروبي في باريس اجتماعًا، أعلن خلاله رؤساء الدول والحكومات الحاجةَ إلى سياسة بيئية مجتمعة، ترتبط بالتوسع الاقتصادي.
ولفت تقرير أوابك، الذي أعدّه المهندس تركي حمش، إلى أن المؤتمر -الذي جاء بعد مؤتمر الأمم المتحدة الأول حول البيئة- شهد تقديم القانون الأوروبي الموحد لعام 1987، بعنوان بيئي جديد، وفّر الأساس القانوني الأول لسياسة بيئية مشتركة في أوروبا، تهدف إلى الحفاظ على جودة البيئة، وحماية صحة الإنسان، وضمان الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية.
وأضاف: "عززت التعديلات اللاحقة للقانون الالتزام بحماية البيئة، وجعلت معاهدة "ماستريخت" في عام 1993 من البيئة مجالًا رسميًا لسياسة الاتحاد الأوروبي، وتلتها معاهدة أمستردام عام 1999، التي أسست لدمج حماية البيئة في جميع السياسات القطاعية للاتحاد الأوروبي، لتعزيز التنمية المستدامة، وأصبحت مكافحة تغير المناخ هدفًا محددًا مع توقيع معاهدة لشبونة في 2009".
معاداة النفط في أوروبا
اهتمت السياسات الجديدة -حينها- بتأثير النفط في أوروبا، والوقود الأحفوري عمومًا، في البيئة، وضرورة الحدّ من استعماله، إلّا أن هذا الاهتمام لم ينعكس على أرض الواقع، وفق ما جاء في تقرير منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك.
وأوضح التقرير أن استهلاك النفط في أوروبا ارتفع بين عامي 1984 و2006، بأكثر من 20%، وذلك من 13.9 مليون برميل يوميًا، إلى 16.8 مليون برميل يوميًا، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ويوضح الرسم البياني التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، حجم الطلب على النفط في أوروبا من عام 2019 حتى العام الماضي 2022:
وبعدها، وفق التقرير، بدأ يتراجع الطلب إلى مستوى 14 مليون برميل يوميًا في 2014، ثم ارتفع مجددًا إلى 14.9 مليون برميل يوميًا حتى عام 2019، قبل أن يشهد عام جائحة كورونا تراجعًا للاستهلاك بشكل ملحوظ، إذ سجل نحو 12.8 مليون برميل يوميًا، ثم عاد ليرتفع في عام 2021 إلى أكثر من 13.5 مليون برميل يوميًا.
في الوقت نفسه، لم تؤثّر القرارات البيئية بإنتاج النفط في أوروبا، إذ ارتفع الإنتاج من 871 ألف برميل يوميًا في عام 1972، إلى 4.7 مليون برميل يوميًا في 1987، ثم إلى 5.4 مليون برميل يوميًا في 1993، ووصل إلى ذروته عام 1999، بمعدل بلغ نحو 7.6 مليون برميل يوميًا.
يشار إلى أن أوروبا، المتعطشة إلى شحنات إضافية من النفط خلال الأشهر الأخيرة، تواجه حالة من الفزع حاليًا، على خلفية ارتفاع الطلب على النفط في الصين، الأمر الذي يهدد بتحول الشحنات إلى الدولة الآسيوية، في ظل العقوبات المفروضة على إمدادات الطاقة الروسية، وفق ما نشرت وكالة بلومبرغ.
إنتاج أوروبا النفطي
كشف تقرير أوابك أن إنتاج النفط الأوروبي بدأ يتراجع تدريجيًا، حتى بلغ 3.4 مليون برميل يوميًا في 2021، إذ جاء 92% من هذا الإنتاج من 5 دول، هي الدنمارك، ورومانيا، وإيطاليا، والنرويج والمملكة المتحدة، بنسب متفاوتة.
ولكن الواقع أن ما يصل إلى 85% من الإنتاج الأوروبي يأتي عمليًا من النرويج بنسبة 59%، والمملكة المتحدة بنسبة 26%، إذ ارتفع إنتاج الدولتين بعد إضافة حقول جديدة على خطوط الإنتاج، وهي حقول صدرت الموافقة على تطويرها في عام 2012.
في الوقت نفسه، تراجع إنتاج الدنمارك، بينما شهد إنتاج رومانيا تراجعًا منذ عام 1977، من 313 ألف برميل يوميًا، إلى 69 ألف برميل يوميًا في 2021، وفي إيطاليا تراجع متوسط الإنتاج بين 85 و100 ألف برميل يوميًا بين عامي 2000 و2021.
وبالنسبة لبقية دول أوروبا، تراجع إنتاجها بشكل مستمر من 684 ألف برميل يوميًا في 1986 إلى 286 ألف برميل يوميًا في 2021، على الرغم من وجود اكتشافات وعمليات تطوير، لم تنجح في تعزيز احتياطيات هذه الدول، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ولفت تقرير أوابك إلى أن بعض الأحزاب الأوروبية أدّت دورًا في معاداة النفط، من خلال الترويج لنفسها عبر التوجهات البيئية، إذ أعلنت الدنمارك -على سبيل المثال- وقف إنتاج الهيدروكربونات بحلول 2050، وهو أمر يبدو رسميًا وإعلاميًا متعلقًا بالبيئة والتوجه إلى الطاقة المتجددة.
ولكن لغة الأرقام، وفق التقرير الذي أعدّه المهندس تركي حمش، تقول شيئًا مختلفًا، إذ إن آخر اكتشاف مهم للهيدروكربونات في الدنمارك كان عام 2014، ومنذ ذلك الوقت لم تحقق عمليات التنقيب المحدودة أيّ نجاح.
كما تشير البيانات إلى تراجع إنتاج النفط في الدنمارك باستمرار منذ 17 عامًا، من 389 ألف برميل يوميًا في 2014 إلى 74 ألف برميل يوميًا في 2020، أي إن إنتاج النفط في الدولة الأوروبية بطريقِه إلى التوقف عام 2050 في كل الحالات.
حرب أوكرانيا وأمن الطاقة
قال تقرير منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك، إن رؤية أوروبا للطاقة والبيئة تغيرت بعد الحرب في أوكرانيا، إذ تأجلت عدّة قرارات متعلقة بوقف تشغيل المفاعلات النووية أو محطات توليد الكهرباء بالفحم.
وكانت المملكة المتحدة، حسب التقرير، قد رفعت إنتاجها من الغاز في النصف الأول من عام 2022 بنحو 26% مقارنة بالمدة نفسها من عام 2021، كما سرّعت عدّة دول حول العالم في مطلع 2023 نشاطات الاستكشاف والإنتاج وما يرتبط بها من أعمال، خاصة محاولات تسريع إرساء تراخيص الاستكشاف.
على سبيل المثال، شهدت النرويج في 11 يناير/كانون الثاني 2023 إرساء 47 ترخيصًا على 25 شركة، سبق إعلانها في يونيو/حزيران 2022، وحُدد الموعد النهائي لتقديم العروض في 12 سبتمبر/أيلول 2022، أي إن الإرساء جرى خلال أقلّ من 4 أشهر من انتهاء التقديم، وهو زمن قياسي.
يشار إلى أن أوروبا تعوِّل على إمدادات النفط النرويجية، بالإضافة إلى الغاز، لإخراجها من أزمة الطاقة التي خلّفتها الحرب في أوكرانيا وتبعاتها، المتمثلة في العقوبات ضد إمدادات النفط والغاز الروسية، وردّ موسكو بوقف عمدي لشحناتها المتوجهة إلى الدول الأوروبية.
وتعدّ أوسلو شريكًا تجاريًا لدول الاتحاد الأوروبي، لذلك رفعت حصة الصادرات النرويجية، لتشكّل 24% من واردات أوروبا من الغاز في 2022، ومن المتوقع زيادة الصادرات لتشكّل 30.25% بحلول عام 2028.
وعلى الرغم من عداء أوروبا للنفط، الذي يكشف عنه تقرير أوابك، فإن الحوافز الضريبية المقدمة من الحكومة النرويجية بعد تفشّي جائحة كورونا شجعت على إقرار 35 مشروعًا للنفط والغاز منذ منتصف 2020 وحتى 2022.
كانت النرويج قد أقرّت، في يونيو/حزيران 2020، نظامًا ضريبيًا مؤقتًا موجهًا لقطاع النفط، ويهدف إلى تحفيز وجذب الاستثمارات وتأمين الإنفاق على الجرف القاري النرويجي في المستقبل، لا سيما مع الانهيار الذي شهده القطاع خلال مدة الجائحة.
التحول إلى الدفاع عن النفط
قبل أيام، وفق تقرير أوابك، أعلنت السويد -التي ترأس الاتحاد الأوروبي حاليًا- بشكل مفاجئ تأجيل موعد التصويت على مشروع قانون يحظر بيع السيارات التقليدية في 2035، بعد تردّد ألمانيا في هذا المجال، نتيجة ضغط الشركات المصنّعة، التي تشكّل سياراتها نحو 20% من الواردات الصناعية الألمانية.
ولفتت أوابك إلى أن منظور الطاقة والبيئة في أوروبا يواجه صعوبة بتقبّل حقيقة أن الوقود الأحفوري سيظل مصدرًا رئيسًا للطاقة لمدة طويلة، خاصة أن قطاع المركبات العالمي يستهلك نحو 20% فقط من إنتاج النفط الخام عالميًا، في حين تستهلك الكميات الباقية قطاعات صناعية وبتروكيماوية لا تستغني عن النفط.
كان مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة، الدكتور أنس الحجي، قد كشف في حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها في أول مارس/آذار الجاري، عن فضح الحرب في أوكرانيا حقيقة أن الدول الداعمة للوقود الأحفوري في الوقت الحالي، والتي تقدّم له الحوافز والمخصصات المالية، كانت أكثر محاربيه شراسة.
وقال الحجي، إن الأزمة كشفت عن أمر مهم يرتبط بأن المثالية التي تعلنها دول أوروبا والغرب بشكل مستمر، يُستغنى عنها عند الحاجة، وهو ما تجلّى واضحًا في تقديم إعانات بمليارات الدولارات إلى شعوبها، لتخفيف عبء ارتفاع أسعار الطاقة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح خبير اقتصاديات الطاقة أن دول أوروبا خاضت حربًا ضد الإعانات المقدّمة للوقود الأحفوري على مدار 30 عامًا، بادّعاءات متباينة، كان في مقدّمتها محاربة تداعيات تغير المناخ والانبعاثات المؤدية إليه، إذ خاضت حربها أمام جميع المحافل الدولية، ولكنها الآن تقدّم بنفسها الإعانات لشعوبها لتستهلك هذا الوقود الأحفوري.
وأشار الدكتور أنس الحجي إلى الاحتفاء بانخفاض الطلب على الغاز من جانب بعض دول أوروبا، مثل ألمانيا، في وسائل الإعلام، رغم أن هذه المعلومات غير حقيقية، والواقع أن دول أوروبا تمكنت من تخفيف حدة الأزمة بخفض مستويات شعوبها المعيشية.
موضوعات متعلقة..
- أوابك: مزيج الصحراء الجزائري الأعلى سعرًا بين النفوط العربية في 2022
- مقال - بيانات التلوّث العالمية تكشف تعصّب الأوروبيين ضدّ النفط
- بدعوى مكافحة تغير المناخ.. الأغنياء يحرمون الفقراء من الطاقة الرخيصة (مقال)
اقرأ أيضًا..
- موثوقية الطاقة النووية وجدواها الاقتصادية تفوق مصادر الشمس والرياح (تقرير)
- صناعة الوقود الأحفوري في إندونيسيا تحارب الانبعاثات بتقنيات احتجاز الكربون
- الطاقة الشمسية العائمة.. تصور جديد يتغلب على الظروف البحرية الصعبة (صور وفيديو)
- هل تصبح إيران من مصدري الغاز المسال على المدى القريب؟ (مقال)