هل تسبّب الليثيوم في جفاف أكبر بحيرة للمياه المالحة بالشرق الأوسط؟ (مقال)
أومود شوكري – ترجمة: نوار صبح
- لم يُنشر أيّ معلومات وافية حول الكمية الدقيقة لموارد الليثيوم في إيران
- تعدين الليثيوم يمكن أن يلوّث مصادر مياه الشرب بإدخال المذيبات
- استخراج طن واحد من الليثيوم يتطلب ما يعادل مليوني لتر من الماء
- إيران واجهت أزمة تغير المناخ وجفّت العديد من البحيرات في السنوات الأخيرة
- تعدين الليثيوم بعد جفاف بحيرة أورمية يمثّل فرصة اقتصادية كبيرة للمنطقة
اكتسب الليثيوم أهمية خاصة واكبت التطور التقني، وأدى الاهتمام المتزايد بالسيارات الكهربائية، في الآونة الأخيرة، إلى سطوع نجم هذا المعدن لكَوْنه المادة الرئيسة لوحدات تخزين الطاقة التي تحتاجها هذه الآلات.
وتفيد بعض وسائل الإعلام أن ارتفاع الطلب على هذا المعدن، جرّاء الانتشار الواسع للبطاريات طويلة العمر وتصنيع السيارات الكهربائية، قد زاد من المخاوف بشأن نهاية هذا المورد الطبيعي.
وتشير بعض التقارير إلى إمكان نفاد الليثيوم في أوائل عام 2025.
في المقابل، فإن اكتشاف مكامن جديدة في أفريقيا وكندا وأوروبا، واعتماد تقنيات جديدة ومتقدمة لاستخراج هذا المعدن وإعادة تدويره بديلًا، في غضون السنوات الـ10 القادمة، يمثّل نافذة أمل لاستبداله.
الآثار البيئة لاستخراج الليثيوم
في عام 2015، اكتشفت إيران موارد الليثيوم من بحيرة نَمَكْ في محافظة قم، وأُخِذَت 40 إلى 50 عينة من البحيرة.
جدير بالذِّكر أن 40 غرامًا لكل طن من الليثيوم يُعدّ مجديًا اقتصاديًا، ووجدت إيران الليثيوم بما يزيد على 200 غرام للطن في بحيرة نَمَك؛ ولم تُنشَر أيّ معلومات وافية حول الكمية الدقيقة لموارد الليثيوم في إيران.
تجدر الإشارة إلى أن استخراج الليثيوم ينطوي على آثار ضارّة بالبيئة.
من الأمثلة على الأضرار البيئية الناجمة عن استخراج الليثيوم، تسرب المواد الكيميائية خلال تعدين الليثيوم في التبت، ما أدى إلى تلوث الأنهار و"القتل الجماعي للأسماك"، ويمكن لهذه العملية أن تلوث مصادر مياه الشرب لدى إدخال المذيبات.
ووفقًا للخبراء، يتطلب استخراج طن واحد من الليثيوم نصف مليون غالون من الماء (ما يعادل مليوني لتر من الماء).
ينطبق هذا على تشيلي، إذ يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي "نصف بوصة" (ما يعادل 12.7 ملم)، ويستهلك استخراج الليثيوم "نحو 65% من موارد المياه في المنطقة، ويزيد من مشكلات سكان المنطقة من خلال التسبّب في الجفاف.
الليثيوم في إيران
في السنوات الأخيرة، واجهت إيران أزمة تغير المناخ، إذ جفّت العديد من البحيرات، ومنها بحيرة أورمية، التي بدأت تجفّ تدريجيًا.
تُعدّ بحيرة أورمية أكبر بحيرة داخلية في إيران، وأكبر بحيرة للمياه المالحة في الشرق الأوسط، وسادس أكبر بحيرة للمياه المالحة في العالم.
وبدأت هذه البحيرة، بكل عظمتها وأهميتها، في الجفاف منتصف العقد الأول من القرن الـ21، وأصبحت هذه المشكلة أكثر تعقيدًا في السنوات الأخيرة.
في الأسابيع القليلة الماضية، نُشِرت أخبار على مواقع الإنترنت بشأن الجفاف الكامل للبحيرة.
في سبتمبر/أيلول الماضي 2022، قال عضو هيئة التدريس بجامعة أورمية، البروفيسور ناصر آغ، إن بحيرة أورمية آخذة في الجفاف، وإذا كانت السنة المائية القادمة مثل سابقتها، فمن المحتمل جدًا أن يتبخر الماء المتبقي، وتجفّ البحيرة.
السياسة الحكومية
في ظلّ تمييز منهجي ضد المقاطعات الحدودية، حتى الآن، لم تنجح خطط حكومة جمهورية إيران الإسلامية لإنعاش بحيرة أورمية.
في الأشهر القليلة الماضية، أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن وجود الليثيوم في بحيرة أورمية يُعدّ سببًا لتأخّر حكومة الجمهورية الإسلامية في إحياء البحيرة.
على ضوء ذلك، تُظهر الدراسات أنه على الرغم من أن الجفاف وبناء السدود قد تسبّب في جفاف البحيرات الداخلية، فإن هذا الجفاف يجلب معه العديد من الموارد المالية (لاستخراج الليثيوم).
وبالنظر إلى الاستخراج المتخصص والصعب لهذا المعدن، يُحصَل عليه في الغالب من المياه المالحة للمحيطات وقاع البحار.
أمّا في إيران، يمكن الحصول على الليثيوم بسهولة بعمق نصف متر، وفي بعض الحالات من سطح البحيرات الجافة بطريقة مريحة للغاية وخالية من المتاعب ومنخفضة التكلفة.
على المدى الطويل، ستنطوي هذه الطريقة على الكثير من التأثيرات في النظام البيئي، وموت العديد من البحيرات والأراضي الرطبة، ما يعني موت الطبيعة وهجرة السكان من هذه المناطق.
في عام 2019، تحدّث الرئيس السابق لمؤسسة حماية البيئة الإيرانية، عيسى كلانتري، عن الآثار الأمنية والهجرة لجفاف بحيرة أورمية، قائلًا: إذا لم نتمكن من التعامل مع هذه المشكلة، فيجب علينا نقل سكان تبريز والمنطقة المحيطة إلى أماكن أخرى، وستبلغ التكلفة تريليون دولار".
فرصة اقتصادية
يُزعم أن تعدين الليثيوم بعد جفاف بحيرة أورمية يمثّل فرصة اقتصادية كبيرة للمنطقة التي يواجه شبابها معدلات عالية من البطالة والفقر.
من ناحية أخرى، فإن الآثار السيئة للغبار السامّ الناجم عن جفاف بحيرة أورمية تسبّب في الكثير من المعاناة لهذه المنطقة.
ويمكن أن يكون لهذا تأثيران مهمان: الأول هو منع هجرة الشباب وإنعاش المجتمعات المحلية، والثاني هو كسب رضا دعاة حماية البيئة من خلال استعادة البحيرة.
بالنظر إلى أن تطوير المحافظات الحدودية لم يكن أبدًا من أولويات الحكومات في إيران قبل الثورة وبعدها، وأن معظم الاستثمارات الصناعية والاقتصادية الكبرى تمّت في المحافظات المركزية الإيرانية، فإن هذا الادّعاء ليس إلّا لتبرير جفاف بحيرة أورمية.
ولم تكن التنمية المستدامة للمحافظات الحدودية من أولويات طهران لما أسموه "أسباب أمنية".
بسبب استمرار العقوبات وحقيقة أن تحوّل الطاقة والحدّ من تأثير تغير المناخ ليس من أولويات حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لا يوجد مستقبل واضح لإنعاش بحيرة أورمية.
العواصف الملحية
أشار أستاذ العلوم البيئية في جامعة طهران، الدكتور إسماعيل كهروم، إلى أنه إذا جفت بحيرة أورمية تمامًا، تشير التقديرات إلى أنه ستُدَمَّر 6 إلى 8 مدن، مغطاة بطبقات كثيفة من الملح.
وأضاف أنه يوجد من 4 إلى 14 مليون شخص يجب تهجيرهم لتجنّب عاصفة الملح داخل تلك المنطقة.
وأشار الدكتور كهروم إلى أن العواصف الملحية بدأت منذ اختفاء أكثر من نصف سطح البحيرة وظهور طبقة سميكة من الملح.
وأوضح أن "عاصفة الملح يمكنها الانتقال لمسافة تصل إلى 500 كيلومتر".
بالعودة إلى عام 2016، ذُكِر وجود موارد الليثيوم في بحيرة أورمية والجدوى الاقتصادية لاستخراجها، يمكن توقُّع أنه مع جفاف بحيرة أورمية، ستبدأ المجموعات المهتمة في استخراج الليثيوم من البحيرة.
يمكن أن يكون الأمر كذلك لأن هذه المقاطعة شهدت أعلى معدل بطالة في العقود الـ4 التي تلت الثورة.
وذكر الرئيس السابق لمؤسسة حماية البيئة الإيرانية، عيسى كلانتري، أن منطقة شرق أذربيجان هي الخاسر الرئيس من جفاف بحيرة أورمية، وستؤثّر معظم الأضرار والدمار الناجم عن جفاف بحيرة أورمية على هذه المقاطعة.
وأكد أن تبريز ستتحول إلى مدينة مهجورة، وأن كارثة بيئية أخرى ستحدث.
في السنوات القادمة، ستعاني منطقة خاورمیانه الأذربيجانية من تلك الكارثة، إذا لم تقم جمهورية إيران الإسلامية بإنعاش بحيرة أورمية، وسَعَتْ لاستخراج موارد الليثيوم في بحيرة أورمية من أجل جماعات المصالح.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الجفاف وبيتكوين يزيدان انقطاعات الكهرباء في إيران
- تصدير الغاز الطبيعي أم المنتجات البتروكيماوية.. أيهما أولوية لإيران؟ (مقال)
- الربط الكهربائي بين إيران وروسيا يشهد تحركات جادة لبدء تبادل الطاقة
اقرأ أيضًا..
- انفراجه في أزمة ناقلات النفط بالبحر الأسود.. وتركيا تستجيب للضغوط الدولية
- انخفاض أسعار النفط لم يقلل فواتير الوقود في الهند (تقرير)
- محطات الطاقة الشمسية في كينيا تتلقى تمويلًا بقيمة 2.7 مليون دولار