فرص الطاقة المتجددة في أفريقيا مهددة بأنانية القارة الأوروبية في حل أزماتها (تقرير)
دعم سياسي ومالي للتوسع في الوقود الأحفوري
عمرو عز الدين
- ارتفاع الدعم الأوروبي لمشروعات الغاز الطبيعي المسال الجديدة في أفريقيا
- تنصح المفوضية الأوروبية بالاكتفاء بعقود الغاز الحالية والتوقف عن تجديدها بعد عام 2030
- بعض الدول الأوروبية لم تتورع عن العودة إلى الفحم بسبب انقطاع الغاز الروسي
- مشروعات التنقيب الحالية في أفريقيا أمامها 8 سنوات لبدء تشغيلها وتصدير إنتاجها إلى أوروبا
تبدو فرصة الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة في أفريقيا مهددة بالخطر والإرجاء لمدة 30 عامًا على الأقل، بسبب أنانية تفكير القارة الأوروبية في حل معضلة الطاقة الحالية منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
وحذّر تقرير بحثي حديث من سحب البساط من تحت أقدام المشروعات النظيفة في أفريقيا، مع زيادة استثمارات أوروبا في مشروعات التنقيب الجديدة عن الغاز في دول أفريقيا شمال وجنوب الصحراء، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وقال التقرير -الصادر عن مركز "ثنك ريسرش آند أدفيزوري"-، إن تزايد الطلب الأوروبي على الغاز الأفريقي يتناقض مع إلحاح القادة الأوروبيين على تحول القارة السمراء إلى مصادر الطاقة المتجددة، وفقًا لموقع إنرجي فويس (energy voice).
7 سنوات في انتظار الرجل الأبيض
تعهّدت أوروبا والدول المتقدمة في قمة المناخ بباريس 2015، بدعم خطط الدول النامية في الانتقال إلى مشروعات الطاقة المتجددة برقم تمويلي يعادل 100 مليار دولار سنويًا، وذلك في إطار برنامج عالمي لمواجهة آثار التغيرات المناخية، لكن ما مُنح للدول النامية حتى الآن لا يرقى إلى مستوى إيفاء التعهد.
في المقابل، لاحظ التقرير ارتفاع الدعميْن الاستثماري والسياسي لمشروعات الغاز الطبيعي المسال الجديدة في أفريقيا، ضمن خطط أوروبية للتخلي عن الغاز الروسي في الأمديْن القصير والمتوسط.
ويعمل مركز "ثنك ريسرش آند أدفيزوري" المستقل، في مجال تقديم الأبحاث والاستشارات الإستراتيجية لدعم صناع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بهدف مساعدتهم على فهم تطورات المشهد العالمي المعقد في مجالات الطاقة والجغرافيا السياسية والاقتصاد الكلي والإعلام، وفقًا لموقع المركز الإلكتروني.
مشروعات الغاز في تزايد
يرجّح المركز أن تحصل الدول الأفريقية الغنية بموارد الغاز الطبيعي على تمويلات أوروبية أكبر لدعم مشروعات التنقيب الجديدة عبر الشركات الأجنبية.
ويمكن لهذه الاستثمارات أن تكون مفيدة على المدى القصير بالنسبة إلى أوروبا، لكنها ستضر أفريقيا والعالم على المدى الطويل من زاوية الفرص البديلة المهدرة في مشروعات الطاقة المتجددة، بسبب استمرار تركيز الاستثمارات على مشروعات الوقود الأحفوري.
وتنصح المفوضية الأوروبية منذ سنوات بالاكتفاء بعقود الغاز الحالية والتوقف عن تجديدها بعد عام 2030، في إطار تحقيق شروط التحول المناخي والوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
لكن يبدو أن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير/شباط (2022)، قد أربكت أغلب دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية المتسارعة في تبني اتجاهات التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وتكفي الإشارة إلى أن بعض الدول الأوروبية لم تتورع عن العودة إلى الفحم، أسوأ أنواع الوقود الأحفوري، بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسي وما خلّفه من تداعيات كارثية على أمن الطاقة في أوروبا، ما أدى إلى غلبة التفكير العملي على أذهان الحكومات الأوروبية المرتبكة.
إضعاف فرص تمويل الطاقة المتجددة
يخشى تقرير المركز نشوب تنافس شرس بين مشروعات التنقيب الجديدة عن الغاز الطبيعي، ومشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا، ما قد يؤدي إلى تقاسم حزم التمويل والاستثمارات المرصودة من الدول والشركات الأوروبية أو يميل بالكفة إلى صالح مشروعات الغاز.
ويرجح التقرير تفضيل المستثمرين الأجانب التوسع في مشروعات الغاز في الدول الأفريقية على الدخول في مشروعات الطاقة المتجددة التي لن تخدم إلا الطلب الأفريقي الأقل فائدة بالنسبة إليهم، في حين تخدم مشروعات الغاز، الطلب الأوروبي الأعلى فائدة من حيث العوائد والتوقعات.
وتشير توقعات مستقبلية إلى أن الطلب الأوروبي على الغاز يمكن أن ينخفض بصورة ملحوظة بحلول 2030، ما يعني أن مشروعات التنقيب الحالية في أفريقيا أمامها 8 سنوات فقط لبدء تشغيلها وتصدير الناتج عنها إلى أوروبا.
وتخالف هذه التقديرات الطبائع الفنية لمشروعات التنقيب عن الغاز الطبيعي، من حيث استغراقها سنوات ليست بالقصيرة في عمليات البحث والاستكشاف والتكرير والمعالجة.
أفريقيا قد تتأخر 20 عامًا
تخالف طبيعة التعاقدات طويلة المدى التي توقعها الشركات مع الحكومات في هذا المجال، والتي يصل مداها إلى 20 و25 عامًا، ما يعني أن البدء في مشروع غاز جديد الآن يتضمّن قبولًا مستترًا بانتهاء آثاره في عام 2045 أو عام 2050 على أقل تقدير.
ودفع هذا التناقض مؤلفي التقرير البحثي إلى القول بأن أوروبا تفكر بعقلية الإصلاح قصير المدى ولا يهمها غيرها، في إشارة إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أمن الطاقة في أوروبا.
وتنعكس آثار عقلية الإصلاح الأوروبي قصير المدى، على أفريقيا بالسلب، ما يعنى أن القارة السمراء الفقيرة ماليًا، ربما تتأخر عن ركب الانتقال العالمي لمصادر الطاقة المتجددة لعقود أطول من باقي قارات العالم، لا سيما أوروبا والأميركتين.
وتأمل أوروبا في أن تساعد إمدادات النفط والغاز الأفريقية في تعويض خُمس واردات الغاز الروسي على الأقل بحلول عام 2030، وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع أن تصل الإمدادات الأفريقية إلى أوروبا إلى 30 مليار متر مكعب سنويًا.
وتتوافق هذه التقديرات مع توقعات شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي" زيادة الإنتاج الأفريقي من الغاز الطبيعي إلى ذروته التاريخية بحلول عام (2030)، ليصل إلى 500 مليار متر مكعب، مقارنة بنحو 260 مليار متر مكعب في عام 2022.
وأدت العقوبات الأوروبية المفروضة على واردات النفط والغاز الروسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم بصورة قياسية لم تشهدها بعض البلدان الأوروبية منذ 40 عامًا.
شركات ترصد 100 مليار دولار
أسهمت الأزمة الأوروبية في دفع حالة التنافس بين الشركات العالمية، لضخ مزيد من الاستثمارات في مشروعات الوقود الأحفوري، ما يؤثر على مشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا بالسلب.
وتقدّر وكالة رويترز حجم الاستثمارات المرصودة من قبل شركات الطاقة العالمية في مشروعات النفط والغاز الأفريقية بنحو 100 مليار دولار.
وتتركز هذه الاستثمارات في دول أفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما ناميبيا وجنوب أفريقيا وأوغندا وكينيا وموزمبيق وتنزانيا، كما تمتد إلى دول أفريقية أخرى مثل نيجيريا وليبيا ومصر والمغرب والجزائر.
وتستثمر شركة توتال إنرجي الفرنسية في مشروع ضخم للغاز الطبيعي المسال في دولة موزمبيق بتكلفة استثمارية قدرها 20 مليار دولار، كما تعمل في مشروع مماثل في نامبيا.
وفي السياق نفسه، وقّعت تنزانيا في يونيو/حزيران (2022) اتفاقية مشتركة مع شركتي إكوينور النرويجية، وشل الأنغلو-هولندية، لتطوير محطة تصدير غاز طبيعي مسال بقيمة 30 مليار دولار.
أنصار المناخ غاضبون
يثير تضاعف استثمارات أوروبا في مشروعات الوقود الأحفوري في أفريقيا غضب أنصار البيئة والمناخ في وقت تتسارع فيه الجهود العالمية للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة أملًا في تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
ونشرت 30 منظمة غير حكومية في (15 نوفمبر/تشرين الثاني) تقريرًا عن تمويل الوقود الأحفوري في أفريقيا، على هامش قمة المناخ كوب 27 المنعقدة في مصر بمدينة شرم الشيخ.
وألقى التقرير -الذي نشرته منظمة أورغولد الألمانية- مسؤولية مشروعات الوقود الأحفوري الجديدة في أفريقيا على عاتق 20 شركة طاقة متخصصة، من بينها 13 شركة أجنبية من خارج القارة السمراء.
توتال الأكثر انتقادًا
اختص التقرير شركة توتال إنرجي الفرنسية بشيء من التفصيل، بوصفها أكبر الشركات العالمية انخراطًا في مشروعات النفط والغاز الجديدة بأفريقيا.
ورصد التقرير -الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- استحواذ مشروعات توتال إنرجي في أفريقيا على 25% من إجمالي انبعاثاتها الكربونية خاصة في دول أنغولا ونيجيريا وليبيا والجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
كما توقع التقرير ارتفاع إنتاج توتال إلى 2.27 مليار برميل إضافية من النفط المكافئ -بعد إضافة مشروعاتها المستقبلية- ما يجعلها مسؤولة عن 14% من توسعات الوقود الأحفوري في القارة السمراء على المدى القصير.
وسيؤدي استخراج هذه الكميات من باطن الأرض والبحر واحتراقها إلى انبعاثات تعادل حجم ما يخرج من فرنسا لمدة 3 سنوات على الأقل، وفقًا للتقرير.
كما رصد التقرير ارتفاع تخصيصات الأراضي الأفريقية لصالح مشروعات التنقيب عن النفط والغاز إلى 886 ألف كيلومتر مربع، ما يعادل المساحة الإجمالية لفرنسا وإيطاليا على الأقل.
حبس القارة السمراء
تُسهم قارة أفريقيا -حاليًا- بنحو 3% فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا، إلا أن أنصار المناخ يخشون تزايد هذه النسب بحلول عام 2030، ما يؤدي إلى حبس أفريقيا في مصادر الطاقة الأكثر تلويثًا، بحسب عمر الماوي أحد النشطاء المساهمين في التقرير.
وتحتاج أفريقيا إلى مشروعات الطاقة المتجددة لتوفير الكهرباء النظيفة لأغلب سكانها الذين يعانون نقص الكهرباء، خاصة القاطنين في دول جنوب الصحراء الكبرى.
وتشير تقديرات خاصة بالقارة الأفريقية عن عام 2021 إلى أن 46% من سكان دول أفريقيا جنوب الصحراء ليست لديهم القدرة على الوصول إلى مصادر الطاقة.
وتوفر الطاقة المتجددة فرصة لمعالجة المشكلات التاريخية لتوليد الكهرباء من مصادر الوقود الأحفوري في البلدان الأفريقية التي تعتمد على الفحم والأخشاب والغاز والنفط وغيرها بصورة مركزة لتوفير الطاقة.
وغالبًا ما تركز المرافق المملوكة للدول في أفريقيا على بناء محطات طاقة كبيرة الحجم وتوزيع ما ينتج عنها من كهرباء على شبكة توزيع مركزية.
سكان أفريقيا بلا كهرباء
يقترح مركز "ثنك ريسرش آند أدفيزوري" التركيز على دعم مشروعات الشبكات الصغيرة لتوليد الكهرباء من المصادر المتجددة لا سيما الشمسية لتوافرها في أغلب بلدان أفريقيا بصورة محفزة خلافًا لقارات أخرى.
ويمكن لمشروعات الشبكات الشمسية المصغرة الإسهام في تقليل مخاطر انقطاع التيار في أماكن العمل والمنازل النائية التي تقع في مناطق الأطراف البعيدة عن المركز في أغلب بلدان أفريقيا.
ويعيش أكثر من 733 مليون إنسان حول العالم دون كهرباء، وأغلبهم يتركزون في دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء.
وتتفق اقتراحات مركز ثنك مع توصيات البنك الدولي الذى يعلق آمالًا واسعة على مشروعات الطاقة الشمسية الصغيرة، لإنقاذ ملايين الفقراء حول العالم ممن يفتقرون إلى الكهرباء، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار كتيب صادر عن البنك في أكتوبر/تشرين الأول (2022) إلى قدرة شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة على توفير احتياجات الكهرباء لأكثر من مليار شخص في العالم بحلول عام 2030، إذا تضافرت الجهود الحكومية والخاصة لدعم هذا القطاع.
موضوعات متعلقة..
- مدير بمؤسسة التمويل الدولية: لا يمكن الاستغناء عن الوقود الأحفوري
- طفرة متوقعة في استثمارات الوقود الأحفوري لمواجهة نقص الإمدادات (تقرير)
- استثمارات الطاقة المتجددة في أفريقيا تهبط إلى أقل مستوى خلال 11 عامًا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قمة المناخ.. مدير آيرينا لـ"الطاقة": دول شمال أفريقيا لديها فرصة أكبر لتطوير الطاقة المتجددة
- 4 اكتشافات للغاز في المغرب باحتياطيات ضخمة خلال 2022 (إنفوغرافيك)
- تقرير: الجزائر ومصر أكبر منتجي الغاز في أفريقيا.. وفرص واعدة للتصدير إلى أوروبا