خط الأنابيب الفرنسي الإسباني لن يحلّ أزمة الطاقة في أوروبا (تقرير)
نوار صبح
- تنص الاتفاقية على تطوير سعة ربط جديدة للغاز بين إسبانيا والبرتغال
- عواصم الاتحاد الأوروبي سارعت لإيجاد بدائل لتوريد الغاز الروسي منذ غزو روسيا لأوكرانيا
- مشروع خط أنابيب ميدكات شهد معارضة شديدة من نشطاء البيئة على جانبي الحدود
- أوروبا تواجه أزمة طاقة تميزت بارتفاع الأسعار وخطر نقص إمدادات الغاز
من المقرر أن يحل خط الأنابيب الفرنسي الإسباني "بارمار" محل خط أنابيب "ميدكات" المتوقف منذ مدة طويلة بوصفه طريقًا جديدًا لواردات ألمانيا من الغاز الطبيعي المسال، الذي أصبح الآن أكثر إلحاحًا ليحل محل الغاز الروسي، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبعد عدة أشهر من الجمود، اتفق قادة إسبانيا وفرنسا والبرتغال على المضي قدمًا في "ممر الطاقة الخضراء" الجديد الذي سيربط شبه الجزيرة الإيبيرية بفرنسا من أجل نقل الهيدروجين الأخضر، والغاز الطبيعي من الجنوب الى الشمال، خلال مدة انتقالية.
والتقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش قمة المجلس الأوروبي، وأيّد الاتحاد الأوروبي "تسوية أسعار" ديناميكية مؤقتة بشأن معاملات الغاز الطبيعي والمشتريات المشتركة للغاز.
ويتكوّن مشروع خط الأنابيب الفرنسي الإسباني الجديد من خط أنابيب يربط بين مدينتي برشلونة ومرسيليا.
وقال القادة الـ3، في بيان مشترك، إن خط أنابيب بارمار "يجب أن يتهيّأ فنيًا لنقل الغازات المتجددة الأخرى، فضلًا عن نسبة محدودة من الغاز الطبيعي بصفته مصدرًا مؤقتًا وانتقاليًا للطاقة"، حسبما نشر موقع "إنرجي مونيتور" (Energy Monitor).
بالإضافة إلى خط الأنابيب الجديد، تنص الاتفاقية على تطوير سعة ربط جديدة للغاز بين إسبانيا والبرتغال وتسريع تطوير الربط الكهربائي في خليج بسكاي الواصل بين إسبانيا وفرنسا.
إيجاد بدائل لواردات الغاز الروسي
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، سارعت عواصم الاتحاد الأوروبي لإيجاد بدائل لواردات الغاز الروسي.
وبالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة قد حدد هدفًا للتخلص الكامل من الغاز الروسي بحلول عام 2027، فمن المتوقع أن يتدفق المزيد من الغاز من الغرب إلى الشرق.
وفي غضون ذلك، حدثت تطورات مهمة في مجال الهيدروجين "الأخضر" (المتجدد)، إذ ضاعفت خطة المفوضية الأوروبية "ري باور إي يو" إلى 10 ملايين طن من طموح إنتاج الهيدروجين الأخضر في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، استجابة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.
ويرى محللون أن مشروع خط الأنابيب الفرنسي الإسباني لن يفعل الكثير لمعالجة النقص الحالي في إمدادات الغاز وأزمة أسعار الطاقة.
خط أنابيب بارمار
تمثّل اتفاقية خط أنابيب بارمار المسمار في نعش ما يُسمّى مشروع خط أنابيب "ميدكات" (ميدي-كاتالونيا)، وهو خط أنابيب غاز إسباني فرنسي نُوقش منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21.
وكان من المفترض أن يكون مشروع خط أنابيب ميدكات، الذي يبلغ طوله 200 كيلومتر، خط أنابيب بريًا بين مدينة هوستالريك في كاتالونيا الإسبانية وبلدتيْ لابيرثوس وباربايرا في جنوب فرنسا.
وبدأ بناء خط أنابيب ميدكات في عام 2013، وبُنيت 86 كيلومترًا بين مدينتي مارتوريل وهوستريتش الكاتالونيتين، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
في عام 2019، قام منظمو الطاقة في إسبانيا وفرنسا بتقييم سلبي للجدوى الاقتصادية لمشروع خط أنابيب ميدكات، تكاليف تقديرية تصل إلى نحو 3 مليارات يورو (2.98 مليار دولار)، واعتبروا أن الربط البيني لم يكن ضروريًا.
ولم يُدرح المشروع في قائمة المفوضية الأوروبية للمشروعات ذات الاهتمام المشترك (بي سي آي) في عام 2019 أو 2021 (وتُصدر القائمة مرة كل عامين).
وشهد مشروع خط أنابيب ميدكات معارضة شديدة من نشطاء البيئة على جانبي الحدود، الذين عارضوا إنشاء بنية تحتية إضافية للغاز، وحذروا من الإضرار بالتنوع البيولوجي في المنطقة.
وظهر مشروع خط الأنابيب الفرنسي الإسباني من جديد هذا العام استجابة إلى أزمة أسعار الطاقة، وصادق عليه المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي رأى في خط أنابيب ميدكات فرصة لشحن الغاز الطبيعي المسال المعاد تغويزه في إسبانيا والبرتغال إلى ألمانيا وأوروبا الوسطى عبر فرنسا.
وقال مدير شركة "بي بارتليت" الاستشارية ومقرها مدريد، رامون ماتيو: "إنه بالعودة إلى عام 2019، لم يكن للمشروع أي قيمة إستراتيجية على ما يبدو".
وأوضح أن المشروع لم يكن منطقيًا إذا كانت إسبانيا وفرنسا تستثمران في مصادر الطاقة المتجددة وكان بإمكان ألمانيا الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص.
ويبدو مشروع ميدكات المهجور ومشروع خط الأنابيب الفرنسي الإسباني "بارمار" متشابهين، للوهلة الأولى، وكلاهما كان يهدف إلى ربط إسبانيا وفرنسا، وإلى نقل الهيدروجين الأخضر، والغاز الطبيعي في مدة انتقالية، من شبه الجزيرة الإيبيرية نحو ألمانيا وأوروبا الوسطى عبر فرنسا.
وقال رئيس الشؤون الأوروبية لدى"معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية" (آي دي دي آر آي) الفرنسي، نيكولاس بيرغمانز: "بالنظر إلى البنية التحتية للهيدروجين طويلة المدى، يمكن لخطوط أنابيبه أن تكون منطقية إذا ساعدت في تلبية احتياجات المناطق الصناعية".
وأوضح أن خط الأنابيب الفرنسي الإسباني "بارمار" سوف يربط بين مجموعتين صناعيتين مثل برشلونة ومرسيليا، مشيرًا إلى أن "الهيدروجين يهدف إلى حد كبير إلى تلبية الاحتياجات الصناعية".
موقف نشطاء المناخ
يخشى نشطاء المناخ أن يمنح مشروع خط الأنابيب الفرنسي الإسباني صناعة الغاز الطبيعي شريان الحياة.
وفي بيان مشترك في 21 أكتوبر/تشرين الأول، أفاد ائتلاف من المنظمات البيئية غير الحكومية بما في ذلك الفروع الإسبانية لأصدقاء الأرض و"غرين بيس" والصندوق العالمي للحياة البرية "دبليو دبليو إف"، بأن "البنية التحتية المقترحة لا تستجيب إلى احتياجات المواطنين لمواجهة أزمة الطاقة".
وأضاف البيان أن "الصعوبات على المستوى الفني تكشف عن أن هذا مشروع يروج له قطاع الغاز"، في إشارة إلى تعقيد بناء خط أنابيب بحري، حسبما نشر موقع "إنرجي مونيتور" (EnergyMonitor) في 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
تفاصيل خط أنابيب بارمار
سيلتقي رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مجدّدًا، في 9 ديسمبر/كانون الأول، في مدينة أليكانتي الساحلية الإسبانية، لتحديد تفاصيل خط أنابيب بارمار.
ومن المفترض أن تطرح هذه القمة الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام بشأن خط الأنابيب الفرنسي الإسباني، بما في ذلك التوقيت والسعة ومقدار وكيفية تمويله.
بدوره، يسبب التاريخ الذي من المفترض أن يكتمل فيه المشروع بعض التوتر بين مدريد وباريس.
وقالت وزيرة البيئة الإسبانية، تيريزا ريبيرا، إن المشروع يمكن أن يكتمل في غضون 4 إلى 5 سنوات فقط، ويصر الفرنسيون على أنه لن يكون جاهزًا حتى عام 2030 على الأقل.
وقالت وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية، أغنيس بانييه روناتشيه، يوم الجمعة 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إنه من المرجح ألا يكتمل بناء خط أنابيب بحري للغاز يربط بين برشلونة ومرسيليا قبل 2030، لأنه ما يزال في مرحلة أولية للغاية.
وأضافت أن الهدف هو "أن يصبح خط الأنابيب جاهزًا لنقل الهيدروجين بصفة أساسية، بدلًا من تطوير بنية تحتية للغاز الطبيعي يمكن تحويلها لاحقًا إلى الهيدروجين"، وفقًا لما أوردت وكالة رويترز (Reuters) في 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
تُجدر الإشارة إلى أن المشروع المشترك بين إسبانيا والبرتغال وفرنسا يُعد أساسًا لضخ الهيدروجين "الأخضر" والغازات المتجددة الأخرى في الشبكة الأوروبية، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه القارة أزمة طاقة تميزت بارتفاع الأسعار وخطر نقص إمدادات الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت مبكر من هذا العام.
اقرأ أيضًا..
- الطاقة المتجددة في السعودية.. مشروعات جديدة بـ5 مدن (إنفوغرافيك)
- إيرادات صادرات النفط العراقي تواصل الصعود رغم تراجع الأسعار بالربع الثالث (إنفوغرافيك)