وكالة الطاقة الدولية تتوقع الوصول لذروة استهلاك الوقود الأحفوري هذا العقد
وسط تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا
وحدة أبحاث الطاقة
تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن غزو روسيا لأوكرانيا من شأنه أن يغير مشهد الطاقة عالميًا لعقود مقبلة، مع احتمال أن يساعد في تسريع عملية التحول نحو الطاقة النظيفة وكذلك الوصول لذروة استهلاك الوقود الأحفوري.
وبحسب التقرير السنوي بشأن آفاق الطاقة عالميًا، الصادر اليوم الخميس (27 أكتوبر/تشرين الأول) عن وكالة الطاقة؛ فإن أسواق الطاقة وسياساتها آخذة في التغير بشكل عميق جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويشير تقرير وكالة الطاقة الدولية، الذي اطلعت وحدة أبحاث الطاقة على تفاصيله، إلى أن الأزمة الراهنة في أسواق تَعد بأن تكون نقطة تحوُّل تاريخية نحو نظام طاقة أنظف وأكثر أمانًا.
ذروة استهلاك الوقود الأحفوري
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يُسهِم الغزو الروسي لأوكرانيا في تسريع الوصول إلى ذروة استهلاك العالم للوقود الأحفوري.
ومن المرجّح أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي، جنبًا إلى جنب مع استهلاك النفط والفحم إلى ذروة الاستهلاك مع قرب نهاية هذا العقد (2030).
وأكدت وكالة الطاقة الدولية أن الإسراع في نشر مصادر الطاقة المتجددة وتطبيق كفاءة الطاقة من شأنه أن يؤدي إلى خفض الطلب على الغاز الطبيعي والنفط في الاتحاد الأوروبي بنسبة 20% والفحم 50% خلال العقد الجاري.
أزمة طاقة معقّدة
تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن العالم يمر بأول أزمة طاقة عالمية ذات اتساع وتعقيد غير مسبوقين.
وقالت إن الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، حوّل التعافي الاقتصادي السريع من وباء فيروس كورونا الذي تسبب في مشكلات بجميع أنواع سلاسل التوريد العالمية، إلى اضطراب في سوق الطاقة بشكل كامل.
واعتبرت الوكالة أن العقوبات الأوروبية على واردات النفط والفحم الروسي، مع تقليص موسكو إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، تسببا في انقطاع إمدادات أحد الشرايين الرئيسة لتجارة الطاقة العالمية.
ورغم تأثر جميع أنواع الوقود الأحفوري بالأزمة الراهنة؛ فإن المشكلة الكبرى تقع في سوق الغاز؛ إذ ترى الوكالة أن روسيا تدفع المستهلكين لفواتير طاقة أعلى ونقص في الإمدادات.
وسجّلت أسعار الغاز الفورية مستويات غير مسبوقة مع تجاوزها ما يعادل 250 دولارًا لكل برميل نفط، كما سجلت أسعار الفحم مستويات قياسية، وارتفع سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل منتصف العام الجاري قبل تراجعه مؤخرًا.
وتسببت تلك الأزمة في ضغوط تضخمية مع خطر يلوح في الأفق حول تعرّض الاقتصاد العالمي لحالة ركود.
في المقابل، حقّقت الدول المنتجة للوقود الأحفوري مكاسب ضخمة وغير متوقعة وصلت إلى تريليوني دولار، وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.
الأمن الغذائي مهدد
أكد تقرير وكالة الطاقة، الذي اطلعت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه، أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي في العديد من الدول النامية.
وتوقع التقرير أن يفقد نحو 75 مليون شخص القدرة على دفع أسعار الكهرباء المرتفعة مؤخرًا، وهو ما يعني أن العدد الإجمالي للأفراد الذين لا تتوافر لديهم الكهرباء آخذ في الارتفاع.
وبحسب بيانات الوكالة، التي تتخذ من باريس مقرًا لها، يعتمد ما يقرب من 100 مليون شخص على الحطب في الطهي بدلًا من المصادر الأكثر نظافة وصحة.
ولمواجهة ذلك، تعهّدت الحكومات، خصوصًا في الدول المتقدمة، بأكثر من 500 مليار دولار لحماية المستهلكين من نقص الطاقة وارتفاع الأسعار.
وتسرع الدول الأوروبية، في الوقت الراهن، في تأمين إمدادات وقود بديلة وتخزين الغاز بشكل كافٍ، مع إجراءات أخرى قصيرة الأجل؛ منها زيادة توليد الكهرباء من النفط والفحم وإطالة عمر بعض محطات الطاقة النووية وتسريع مشروعات الطاقة المتجددة.
هل الأزمة انتكاسة أم دفعة؟
تشير وكالة الطاقة إلى أن الأزمة الراهنة تؤكد هشاشة وعدم استدامة نظام الطاقة الحالي، ولذلك هل ستكون الأزمة بمثابة انتكاسة لتحولات الطاقة النظيفة أم أنها ستسهم في اتخاذ إجراءات أسرع؟
وترى وكالة الطاقة الدولية أنه لا توجد أي أدلة كافية على أن أزمة الطاقة الراهنة وارتفاع الأسعار سببها سياسات المناخ والتزامات حيادية الكربون كما يعتقد البعض.
واستدلت الوكالة، في رأيها، بأن المناطق التي تستحوذ فيها الطاقة المتجددة على حصص أكبر في توليد الكهرباء، تشهد أسعارًا منخفضة.
ويتخذ العديد من الحكومات حاليًا خطوات طويلة المدى؛ منها سعي بعض الدول إلى زيادة إمدادات النفط والغاز أو تنويعها.
ووفقًا للوكالة؛ يفترض سيناريو التعهدات المناخية المعلنة (APS) أن جميع الأهداف المناخية للحكومات التزمت بها في الوقت المحدد بالكامل.
وتُسهِم السياسات الجديدة في أسواق الطاقة الرئيسة -بحسب التقرير- في دفع الاستثمار السنوي بالطاقة النظيفة إلى أكثر من تريليوني دولار بحلول 2030.
ارتفاع الفحم مؤقت
اعتبرت الوكالة أن الاتجاه الصعودي في استخدام الفحم نتيجة أزمة الطاقة الراهنة "مؤقت"، مرجعة ذلك إلى أنه مع إعادة التوازن للسوق تشهد مصادر الطاقة المتجددة المدعومة بالطاقة النووية مكاسب مستدامة.
وقالت إن زيادة توليد الكهرباء من المصادر المتجددة تُعَد سريعة؛ ما يؤهل إلى إمكانية خفض مساهمة الوقود الأحفوري في الطاقة.
وأضافت أن الأزمة الراهنة أدت إلى زيادة استخدام الفحم في توليد الكهرباء، ولكنها لا تجتذب استثمارات في إنشاء محطات جديدة.
وجاءت زيادة استخدام الفحم بشكل أساسي من الهند وجنوب شرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
وفي ظل الأزمة الراهنة، تخضع تجارة الطاقة الدولية لإعادة توجيه، مع اختلال في التدفقات الروسية الأوروبية التي يُفترض أنها دائمة.
وبحسب التقرير؛ لا تجد جميع التدفقات الروسية، التي كانت من المفترض أن تستقبلها الأسواق الأوروبية، أي موطن جديد في الأسواق الأخرى؛ ما يتسبب في انخفاض إنتاج روسيا وتراجع المعروض العالمي.
شتاء محفوف بالمخاطر
تتعرض أسواق النفط الخام والمشتقات وخاصة الديزل لمدة مضطربة مع بدء الحظر الأوروبي على واردات روسيا من النفط والغاز.
وتواجه دول نصف الكرة الشمالي شتاءً محفوفًا بالمخاطر؛ ما يمثّل اختبارًا لتضامن دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأزمة، ووصفت وكالة الطاقة شتاء 2023-2024 بأنه أكثر صعوبة.
ونوهت وكالة الطاقة الدولية بأن هناك منافسة شرسة على شحنات النفط والغاز المتاحة في الوقت الحالي؛ حيث يرتفع الطلب الصيني على الواردات.
المناخ
رغم جهود خفض الانبعاثات؛ فإن وكالة الطاقة الدولية ترى أن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا بنسبة 13% حتى عام 2050 ليس كافيًا لتجنب آثار تغيرات المناخ.
وشددت على أن تنفيذ جميع التعهدات المتعلقة بالمناخ من شأنه أن يدفع العالم نحو أرض أكثر أمانًا، ولكن ما زالت هناك فجوة كبيرة بين الطموحات المعلنة وتحقيق الاستقرار عند 1.5 درجة مئوية.
وقالت إن العالم يمر بعقد حاسم لتقديم نظام طاقة أكثر أمنًا واستدامة وبأسعار معقولة.
وبحلول 2030، إذا أوفت الدول بتعهداتها المناخية؛ فإن كل سيارة تُباع في الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة ستكون كهربائية.
واعتبرت وكالة الطاقة الدولية أن سلاسل إمدادات الطاقة النظيفة مصدر هائل لتوفير فرص عمالة؛ إذ تتجاوز وظائف الطاقة النظيفة تلك الموجودة في الوقود الأحفوري.
وتوقّعت الوكالة أن تنمو وظائف الطاقة النظيفة من 33 مليون فرصة عمل إلى 55 مليون فرصة عمل بحلول 2030.
كفاءة الطاقة
تدل أسعار الطاقة المرتفعة حاليًا على أهمية زيادة كفاءة الطاقة، كما تؤدي إلى تغييرات سلوكية وتقنية في بعض الدول لتقليل استخدام الطاقة.
وقد تؤدي كفاءة الطاقة إلى نتائج إيجابية هائلة؛ فمثلًا المصابيح الكهربائية أكثر كفاءة بـ4 مرات من تلك التي كانت تُباع قبل عقدين من الزمن، ومع ذلك هناك الكثير الذي ينبغي القيام به.
وفي المقابل، هناك العديد من مكيفات الهواء تخضع لمعايير كفاءة ضعيفة، وخمس الطلب على الكهرباء للتبريد في الاقتصادات الناشئة والنامية لا تُطبق عليه أي معايير على الإطلاق، وفقًا للتقرير.
تجارة الهيدروجين
أدت المخاوف من أسعار الوقود وأمن الطاقة والانبعاثات إلى البحث عن أنواع وقود منخفضة الانبعاثات.
ومن المقرر -بحسب التقرير- أن يرتفع الاستثمار في الغازات منخفضة الانبعاثات بشكل حاد في السنوات المقبلة.
وتوقعت أن يرتفع إنتاج الهيدروجين العالمي منخفض الانبعاثات إلى أكثر من 30 مليون طن سنويًا في عام 2030، وهو ما يعادل أكثر من 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
ورغم توقعات الارتفاع الكبير في إنتاج الهيدروجين؛ فإنه لن يكون بديلًا لاستخدام الغاز الطبيعي.
وأكدت وكالة الطاقة الدولية أن هناك زخمًا دوليًا متزايدًا نحو التجارة في الهيدروجين.
الاستثمار أمر ضروري
تؤكد وكالة الطاقة الدولية -بموجب التقرير الذي تابعت تفاصيله وحدة أبحاث الطاقة- أن ارتفاع استثمارات الطاقة أمر ضروري للحد من مخاطر ارتفاع الأسعار وتقلبها في المستقبل.
وحذرت من أن أوجه النقص الأكبر في الاستثمار بالطاقة النظيفة تقع في الاقتصادات الناشئة والنامية، وهو مؤشر مقلق مع النمو السريع والمتوقع في الطلب على الطاقة.
ودعت وكالة الطاقة الدولية إلى بذل جهد دولي لتكثيف التمويل المتعلق بالمناخ ومعالجة مختلف المخاطر على مستوى الاقتصاد ككل.
وحال عدم الإسراع بتنفيذ استثمارات الطاقة النظيفة؛ ستكون هناك حاجة إلى زيادة الاستثمار في النفط والغاز لتجنب تقلبات الأسعار، وهو ما يعرّض الأهداف المناخية للخطر.
وترى الوكالة أن هناك حاجة إلى نموذج جديد لأمن الطاقة للحفاظ على الموثوقية والقدرة على تحمل التكاليف وتقليل الانبعاثات.
موضوعات متعلقة..
- وكالة الطاقة الدولية: العالم ما يزال في حاجة للنفط الروسي.. وقرار أوبك+ "مؤسف"
- وكالة الطاقة الدولية: قرار أوبك+ يهدد بدفع الاقتصاد العالمي للركود
اقرأ أيضًا..
- التدافع الأوروبي على الغاز المسال يهدد أمن الإمدادات الآسيوية في 2023
- حقل الجافورة السعودي يحوي أكبر طبقة غاز صخري في الشرق الأوسط (إنفوغرافيك)