هل استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل خيار مكلف أم حل سحري؟
مي مجدي
- المضخات الحرارية الكهربائية أكثر كفاءة بنحو 5 أضعاف
- تحظى فكرة استخدام الهيدروجين في تدفئة المنازل برواج في الولايات المتحدة وأوروبا
- المملكة المتحدة تستعد لمزج الهيدروجين مع الغاز في شبكاتها لتقليل الانبعاثات من أنظمة التدفئة
- استخدام الهيدروجين في التدفئة يحتاج إلى تعديلات تقنية ضخمة وسيزيد من التكلفة على المواطنين
- النظر في البدائل كافّة يضمن مستقبلًا آمنًا لبريطانيا
ألقت دراسة جديدة بظلال من الشك حول آفاق استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل، ودحضت الأقاويل المترددة حول مدى إمكان أن توفر هذه التقنية مصدرًا موثوقًا للتدفئة مقارنة بالبدائل الأخرى.
واستبعدت الدراسة -المنشورة في مجلة غول العلمية- أن يؤدي الهيدروجين، الذي عادة ما يُوصف بأنه بديل صديق للبيئة، دورًا مهمًا في في إزالة الكربون من المنازل، إما بصفته بديلاً كليًا للغاز في التدفئة وإما مزيجًا مع الغاز الطبيعي.
فخلال فعاليات أسبوع المناخ في مدينة نيويورك مؤخرًا، زعمت شبكة الكهرباء الوطنية في المملكة المتحدة "ناشيونال غريد" -التي تخدم نيويورك وماساتشوستس- أن مزارع الرياح قبالة شاطئ لونغ آيلاند يمكنها تغذية منشآت لإنتاج الهيدروجين.
ويمكن لهذا الوقود أن يمد السفن والشاحنات والطائرات بالطاقة، ويدعم إمدادات الكهرباء الإقليمية عند توقف هبوب الرياح، فضلًا عن استخدامه لتدفئة المنازل، حسبما نشرت مجلة تايم (Time).
وفي الوقت الراهن، تعتمد أغلب المنازل في التدفئة على الوقود الأحفوري، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
زيادة الأعباء
حللت الورقة البحثية أكثر من 30 دراسة تناولت مدى إمكان استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل.
ووجدت كل تلك الدراسات أن الهيدروجين كان أقل كفاءة وأكثر تكلفة مقارنة بالبدائل، مثل المضخات الحرارية.
ويقول الخبراء إن تدفئة المنازل مباشرة بالكهرباء النظيفة يجعلها أكثر كفاءة وأرخص في التكلفة، مقارنة باستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين من أجل تدفئة المنازل.
وهذا لا يعني أن الهيدرجين ليس حلًا لانتقال الطاقة، لكنه مناسب لقطاعات الاقتصاد التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، مثل الشحن والطيران.
ووفقًا للدراسة، يبدو أنه من غير المنطقي استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل مع وجود حلول أكثر فاعلية، مثل تركيب المضخات الحرارية الكهربائية أو ربط المباني بأنظمة التدفئة المركزية.
ويعود جزء كبير من سبب التفاوت إلى الديناميكية الحرارية، إذ يُهدر جزء من الطاقة عند استخدام الكهرباء لفصل الماء إلى أكسجين وهيدروجين، الذي يمكن استخدامه بعد ذلك وقودًا، وعند حرقه في غلاية مصممة خصيصًا لهذا الغرض يُهدر المزيد من الطاقة -أيضًا-.
وفي المقابل، يمكن أن تكون المضخات الحرارية الكهربائية أكثر كفاءة بنحو 5 أضعاف، ويرجع ذلك -جزئيًا- إلى أن عمليات تحويل الطاقة المطلوبة أقل.
مشكلة التكلفة والكفاءة
قال المؤلف المشارك في الدراسة جان روزينو إن التكلفة والكفاءة مشكلتان رئيستان.
وأوضح أن العالم ينتج -حاليًا- أكثر من 95% من الهيدروجين باستخدام الغاز الطبيعي أو الفحم، ويمكن أن تساعد تقنية احتجاز الكربون وتخزينه في تقليل الانبعاثات الناتجة عن عملية الإنتاج، لكنّ صانعي السياسات يتفقون على أن الهيدروجين الأخضر -الناتج عن عملية التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء المتجددة- هو الحل الأفضل.
وتابع: "يتطلب استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل قرابة 5 أضعاف الكهرباء مقارنة بالمضخات الحرارية".
ووفقًا لدراسة حديثة، ستكون تكلفة استخدام الهيدروجين في تدفئة المنازل أعلى بنسبة 73% مقارنة بالأنظمة التي تعتمد على التدفئة المركزية أو المضخات الحرارية في بريطانيا.
بالإضافة إلى ذلك، توجد شكوك حول جدوى تحويل شبكات الغاز الحالية إلى هيدروجين، كما إن البنية التحتية للهيدروجين تفوق بكثير تلك اللازمة للمضخات الحرارية، ما يزيد من الآثار البيئية.
أخبار سيئة للحكومات
في عام 2021، استهلكت المنازل في الولايات المتحدة أكثر من 4 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وأدى ذلك إلى إنتاج قرابة 250 مليون طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويُعد استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل، خاصة الناتج عن المياه والطاقة المتجددة، جزءًا من حل المشكلة، وفقًا لشركات الغاز مثل ناشيونال غريد.
وهذه الفكرة لا تحظى برواج ضخم في الولايات المتحدة فحسب، وإنما هي منتشرة في أوروبا -أيضًا-، إذ تحاول بعض جماعات الضغط تعزيز استخدام الهيدروجين من خلال التشكيك في قدرة المضخات الحرارية الكهربائية الشائعة.
إلا أن الدراسات الأخيرة تحمل أخبارًا سيئة للحكومات، مثل المملكة المتحدة، التي تأمل استخدام الهيدروجين بديلًا لغلايات الغاز الحالية.
ويستعد الوزراء للسماح بمزج الهيدروجين مع الغاز في شبكات الغاز بالمملكة المتحدة، في محاولة لتقليل انبعاثات الكربون من أنظمة التدفئة المنزلية.
كما يفكر الوزراء في إمكان بدء تنفيذ مشروعات الهيدروجين على نطاق واسع لتغذية غلايات الغاز في المنازل بدءًا من عام 2026.
ووعد وزير المالية البريطاني كواسي كوارتنغ بتعزيز 5 مشروعات تهدف إلى تطوير البنية التحتية للهيدروجين، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وسبق أن وصف وزير الطاقة البريطاني جاكوب ريس موغ الهيدروجين بأنه حل سحري، قائلًا: "نصنع الهيدروجين من مصادر متجددة.. ويمكن من خلال بعض التعديلات أن يمر عبر الأنابيب إلى منازل المواطنين لتدفئتها خلال فصل الشتاء".
وفي غضون ذلك، تأمل جماعات الضغط المعنية بالهيدروجين إقناع حكومة المملكة المتحدة بالمضي قدمًا في طرح فكرة استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل ليحل محل الغاز داخل أغلب البيوت البريطانية.
ويرى مؤيدو الهيدروجين أنه سيجنّب الأسر استبدال المضخات الحرارية بغلايات الغاز، التي تُعَد المنافس الرئيس بين تقنيات تدفئة المنازل منخفضة الكربون.
ضربات متتالية لمؤيدي الهيدروجين
قال المؤلف المشارك في الدراسة جان روزينو إن هناك الكثير من التحديات التقنية التي يجب التغلب عليها لجعل الهيدروجين وقودًا مجديًا اقتصاديًا وقابلًا للتطبيق ومنخفض الكربون عند استخدامه في تدفئة المنازل.
وتمثّل الدراسة -التي نُشرت يوم الثلاثاء في مجلة غول العلمية- ثالث ضربة قوية يتلقاها مؤيدو استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل في أسبوع.
ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي، خلصت دراسة منفصلة أجرتها شركة كورنوال إنسايت إلى أن تكلفة استخدام الهيدرجين في التدفئة ستكون أغلى بكثير من الغاز الطبيعي.
ومن الآن وحتى عام 2050، عندما تكون المملكة المتحدة ملزمة قانونيًا بتحقيق الحياد الكربوني، فإن استخدام الهيدروجين سيضيف قرابة 70% إلى فواتير الطاقة المنزلية مقارنة باستخدام الغاز.
وكشفت صحيفة الغارديان البريطانية قبل 3 أسابيع تقريبًا عن مشكلات في مشروع تجريبي للهيدروجين بإسكتلندا.
وفي هذا الشأن، أوضح روزينو أن الهيدروجين لم يكن بديلًا للمضخات الحرارية كما تدعي جماعات الضغط.
وقال: "بالنسبة إلى واضعي السياسات، يبدو استخدام الهيدروجين في التدفئة فكرة جذابة، لأن تنفيذها سهل.. فما عليك سوى استبدال الهيدروجين بالغاز دون أي تأثير في المنازل".
واستطرد موضحًا: "الحقيقة ستكون هناك حاجة إلى إجراء تعديلات تقنية ضخمة، التي تتضمن الأنابيب في المنازل، كما إنه سيكلف المواطنين الكثير من الأموال للتدفئة".
النظر في البدائل كافّة
في الوقت نفسه، قال مؤسس شركة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس مايكل ليبريتش إن الورقة البحثية جاءت في الوقت المناسب، إذ أظهرت الدور الهامشي للهيدروجين في أنظمة التدفئة.
وأضاف أن أوروبا بحاجة إلى التوقف عن استخدام الغاز الطبيعي في التدفئة، وإنهاء هذا الجدال بالاعتماد على أنظمة التدفئة المركزية والمضخات الحرارية والكهربة.
ويعتقد مدير قسم الغاز في اتحاد شبكات الطاقة بالمملكة المتحدة جيمس إيرل أن اعتماد بلاده على نظام تدفئة واحد لن يحقق أهداف الحياد الكربوني، مشددًا على حاجة البلاد إلى النظر في العديد من التقنيات، منها الهيدروجين والكهرباء.
وأشار إلى تكلفة الهيدروجين المرتفعة في الوقت الحالي، لكنها تتراجع بوتيرة سريعة، ومن المتوقع انخفاضها لتصبح مماثلة لتكلفة الغاز الطبيعي بحلول عام 2030.
وقال: "يحتاج العملاء إلى الاختيار والحصول على مجموعة مختلفة من التقنيات، مثل المضخات الحرارية وأنظمة التدفئة المركزية والتدفئة الهجينة وغلايات الهيدروجين، إذا أردنا توفير نظام طاقة مستدام في المستقبل".
ورغم هذا الخلاف، هناك العديد من الاستخدامات الأخرى للهيدروجين كونه وقودًا، ومن المتوقع أن يؤدي دورًا حاسمًا في إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة والشحن.
اقرأ أيضًا..
- تكاليف شحن النفط الروسي ومدة نقله للأسواق البديلة تتضاعف خلال 8 أسابيع
- مسؤول: الجزائر تكثف التنقيب عن النفط والغاز.. وأوروبا أكبر أسواقنا للتصدير
- أول رد من السعودية على تهديد أميركا بمقاضاة دول أوبك (فيديو)
- أنس الحجي: لا لأوبك قد يصبح قانونًا.. وبايدن سيستخدمه لمساومة الخليج