حرق الفحم في الصين يضعها بين مطرقة أزمة الطاقة وسندان الانبعاثات
أمل نبيل
تسببّت أزمة الطاقة العالمية وارتفاع أسعار الوقود بزيادة معدلات حرق الفحم في الصين لمواجهة موجات الحر في صيف شديد السخونة، مما أثار المخاوف من أن سياسات بكين قد تعوق مكافحة تغير المناخ.
وتعتمد بكين على محطات الفحم في توليد ما يزيد عن نصف احتياجات البلاد من الكهرباء، وفق ما رصدته منصّة الطاقة المتخصصة.
وتعَدّ الصين أكبر مصدّر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، وتعهّد الرئيس شي جين بينغ بتقليل استخدام الفحم بدءًا من عام 2026، جزءًا من حزمة واسعة للوعود المناخية، وفقًا لموقع ذا جورنال (the journal).
التوسع في حرق الفحم
التزمت بكين بزيادة انبعاثات الكربون إلى ذروتها بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وسجلت الصين في شهر مايو/أيار (2022) خفضًا للانبعاثات الكربونية للربع الرابع على التوالي، نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي تعرضت له البلاد، مع إغلاق العديد من المقاطعات لمكافحة فيروس كورونا، لكن في الوقت ذاته، أدى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى اعتماد السلطات على صناعات المداخن في محاولة لتعزيز الاقتصاد.
وأثار التوسع بحرق الفحم في الصين -الذي يشّكل معظم إمدادات الكهرباء في البلاد- قلق المحللين، الذين يحذّرون من صعوبة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في نهاية المطاف.
وخوفًا من نقص إمدادات الطاقة الخريف الماضي، أمرت السلطات الصينية، في الربيع، منتجي الفحم بإضافة 300 مليون طن من طاقة التعدين هذا العام (2022)، أي ما يعادل شهرًا إضافيًا من إنتاج الفحم في البلاد.
وزادت عمليات تعدين وحرق الفحم في الصين خلال الأسابيع الأخيرة، من أجل تلبية الطلب المتزايد على أجهزة تكييف الهواء، والتعويض عن تقلّص إنتاج الطاقة الكهرومائية خلال الصيف الأكثر سخونة في الصين.
وسجلت بكين أعلى وتيرة تراجع على أساس سنوي من بين دول العالم في إنتاج الطاقة الكهرومائية خلال العام الماضي (2021)، بانخفاض 14% على أساس سنوي.
وتأتي الصين في صدارة أكبر 10 دول منتجة للطاقة الكهرومائية عالميًا، إلّا أن إنتاجها تراجعَ إلى 1300 تيراواط/ساعة خلال 2021، مقابل 1321.7 تيراواط/ساعة في 2020.
الانبعاثات الكربونية في الصين
دعا رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للفحم لتلبية الطلب المتزايد على استهلاك الكهرباء في البلاد، وتوقيع عقود توريد طويلة الأجل لتأمين إمدادات إضافية.
وحذّر مُتتبّع العمل المناخي المستقل من أنه حتى الأهداف المناخية "الأكثر إلزامًا" التي وضعتها بكين، ستكون متوافقة مع الاحترار العالمي بين 3 و4 درجات مئوية قبل نهاية القرن، وهو أعلى بكثير من هدف "اتفاقية باريس" للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج الصين إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في أقرب وقت ممكن قبل عام 2030، وتقليل استهلاك الفحم والوقود الأحفوري بمعدل أسرع بكثير مما هو مُخطّط له حاليًا.
ويرجع التمسك بحرق الفحم في الصين -جزئيًا- إلى عدم كفاءة شبكة الكهرباء التي تعوق نقل الطاقة الفائضة عبر المناطق المختلفة.
وقال الباحث في مجال الطاقة لوري ميليفيرتا، يمنح (الفحم والغاز) المسؤولين المحليين في الصين مصدرًا جاهزًا لتوليد الكهرباء، وتجنّب نقص الإمدادات.
حققت الصين تقدمًا حقيقيًا في بناء قدرات الطاقة المتجددة، وتمثّل الطاقة الشمسية التشغيلية الحالية في البلاد ما يقرب من نصف الإجمالي العالمي، وفقًا لمنظمة غلوبال إنرجي مونيتور (منظمة بحثية غير ربحية معنية بمشروعات الطاقة في أنحاء العالم) التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها.
ولكن على عكس الرياح أو ضوء الشمس، يمكن الاحتفاظ بمخزونات الفحم والغاز لأوقات طويلة من الوقت واستهلاكها حسب الحاجة، مما يمنح السلطات المحلية إحساسًا بالأمان.
الإنتاج المحلي للفحم
تستحوذ الصين على نصيب الأسد من صناعة الطاقة الشمسية، بفضل إنتاجها الضخم من الخلايا والألواح الشمسية.
وأضاف الباحث في مجال الطاقة لوري ميليفيرتا، أن التوسع في بناء منشآت حرق الفحم في الصين يعني تركيزًا أقلّ على إصلاح مشكلات الشبكة.
وقال كبير مستشاري السياسات في مركز أبحاث المناخ (إي 3 جي)، بيفورد تسانغ، تريد الحكومة الصينية تجنّب انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، كما حدث الشتاء الماضي في المقاطعات الشمالية الشرقية؛ خلال عام حاسم سياسيًا للرئيس شي جين بينغ.
ومن المتوقع أن يضمن الرئيس شي جين بينغ مدة ولاية ثالثة -غير مسبوقة-، خلال اجتماع كبير للحزب الشيوعي، أكتوبر المقبل (2022).
وأضاف تسانغ أن الارتفاعات القياسية في أسعار الطاقة العالمية، التي دعمتها الحرب الروسية على أوكرانيا، دفعت بكين -أيضًا- إلى دعم إنتاج الفحم المحلي، مشيرًا إلى انخفاض بنسبة 17.5% بواردات الفحم في النصف الأول من العام الجاري (2022) مقارنة بالعام السابق (2021).
ومن المتوقع أن يرتفع حرق الفحم في الصين -كونه أرخص أنواع وقود الطاقة- بنسبة 3.3% خلال عام 2024، بحسب معلومات اطّلعت عليها منصّة الطاقة المتخصصة.
وقال محللو غلوبال إنرجي مونيتور، إن التوسع بحرق الفحم في الصين يتعارض مع أهداف خفض الاستهلاك السنوي الذي تدعو إليه الأمم المتحدة والمنظمات البحثية الرائدة.
ويمكن أن يسهم بناء المناجم الجديدة المقترحة في الصين بإصدار أكثر من 6 ملايين طن من انبعاثات غاز الميثان المسببّة للاحتباس الحراري سنويًا، بمجرد تشغيلها، وهو ما يعادل -تقريبًا- انبعاثات الميثان السنوية في النمسا، وفقًا لبيانات البنك الدولي.
وقال رئيس وحدة المناخ والطاقة بمنظمة السلام الأخضر في شرق آسيا، وو جينغهان: "كلما زاد حجم الفحم الذي تصنعه الصين الآن، أصبح من الصعب تمويل مشروعات الطاقة المتجددة وتنفيذها لاحقًا".
موضوعات متعلقة..
- حوادث مناجم الفحم في الصين تحصد أرواح 129 عاملًا في 2022
- دعوات رسمية إلى زيادة إنتاج الفحم في الصين
- سياسات الفحم في الصين تنبئ بقلب موازين الأسواق العالمية
اقرأ أيضًا..
- نيودلهي ترفع إنتاج الطاقة الشمسية إلى 500 ميغاواط بحلول 2030
- كيف وفرت مصر الغاز الطبيعي داخليًا لتصديره؟ وزير البترول يجيب
- محطة أمين للطاقة الشمسية في سلطنة عمان تحقق إنجازًا عالميًا