قطاع الطاقة الجزائري.. هل يدخل مرحلة الخطر بعد سيطرة إيطاليا؟.. 3 خبراء يجيبون
الجزائر: عماد الدين شريف
باتت شركة إيني الإيطالية أكبر مستثمر أجنبي في قطاع الطاقة الجزائري، عقب صفقة استحواذها على أعمال شركة النفط البريطانية بي بي.
وتكشف صفقة الاستحواذ الجديدة عن مسعى عملاق الطاقة الإيطالي والرؤية التي تتبنّاها روما في تعزيز علاقاتها مع الجزائر وتأكيد تفعيل وجودها في الحقول النفطية والغازيّة بها.
ورفعت شركة إيني مستوى المنافسة مع الشركات الأجنبية الأخرى بطريقة جعلتها المستثمر الأول في قطاع الطاقة الجزائري بعد شركة النفط والغاز الوطنية "سوناطراك".
في التقرير التالي، يتحدث خبراء إلى منصة الطاقة، عن مدى خطوة تلك الخطوة أو ما تمثله بالنسبة لقطاع الطاقة في الجزائر.
إيطاليا تزيح المنافسين
عدَّ الخبير في الطاقة والمسؤول السابق في مجمع سوناطراك، عبدالرحمان مبتول، استحواذ شركة إيني الإيطالية على أعمال بي بي للتنقيب والإنتاج في الجزائر -بما فيها مصالحها بامتياز إنتاج الغاز في عين صالح وعين أميناس- مسعى يؤكد الإستراتيجية القائمة على دعم الشراكة بين الجزائر وإيطاليا، عمومًا، في مجال الطاقة.
وقال: "يدعم الاتفاق التوجّهات التي اتخذها الطرفان مؤخرًا من خلال سلسلة المفاوضات، التي أفضت إلى رفع حجم الصادرات من الغاز الجزائري نحو روما بإضافة كميات أخرى تُقدَّر بـ 4 مليارات متر مكعب".
وأضاف: "من شأن الصفقة وما سبقها من اتفاقيات جعل إيطاليا بمثابة همزة الوصل لقطاع الطاقة الجزائري مع العملاء في أوروبا، خلال هذا الشتاء الذي يبدو قارسًا على القارة العجوز، في ظل تواصل أزمة الغاز الروسي".
وتستفيد شركة "إيني" من علاقتها التاريخية مع سوناطراك خاصة والجزائر عمومًا، من أجل إتمام الصفقات الرامية لتوسيع وجودها في الحقول النفطية الجزائرية، بوقت تتحول فيه أنظار أوروبا نحو أفريقيا بصفتها الملاذ الآمن من البرد خلال الشتاء المقبل، جراء عدم تسوية أزمة الغاز الروسي وتوقّف الإمدادات إلى حدّ الآن.
الغاز يدفئ العلاقات بين روما والجزائر
أكد عدد من الخبراء في تصريحات إلى منصة الطاقة، أن موافقة السلطات الجزائرية، الضرورية لإتمام الصفقة بين إيني و"بي بي"، لن تكون حجر عثرة في موقف إيطاليا الرامي إلى تعزيز علاقات التعاون مع الجزائر.
وقال الخبراء: "في وقت اختارت فيه مدريد الاحتكام إلى السياسة بتحديد علاقتها مع الجزائر، عبر المواقف التي تتبناها من قضية الصحراء الغربية، فضلًا عن أصداء لإعادة بيع الغاز الجزائري للمغرب، ما دفع الجزائر إلى إعادة النظر في علاقاتها الطاقيّة مع إسبانيا، تستغل روما الموقف على عدّة مستويات، بطريقة تجعلها أهم عملاء الغاز الجزائري في أوروبا".
يقول مبتول: "ضمن هذا المنطق تنجح المصلحة في تحديد العلاقات الاقتصادية والاستفادة من العلاقات السياسية، عبر رفع حجم الصادرات الجزائرية نحو إيطاليا عن طريق أنبوب الغاز البحري إنريكو ماتيي "ترانسميد"، من خلال الصفقة الموقّعة مؤخرًا لاستغلال الطاقة الاحتياطية لشركة ترانسميد التي تُقدَّر بنحو 8 مليار متر مكعب، لتوفير كميات متزايدة من الغاز لإيطاليا في عام 2022، وما يصل إلى 9 مليارات متر مكعب سنويًا في 2023-2024".
وتعمل شركة إيني على تعزيز مكانتها في الحقول النفطية الجزائرية، ليس من خلال الشراكة المباشرة مع المجمع العمومي "سوناطراك" فحسب، بل عبر صفقات شراء أصول ونشاطات الشركات الأخرى، كما كان عليه الأمر بالنسبة لشركة النفط البريطانية "بي بي"، وهو ما يجعل "إيني" تعزز مكانتها في الاستثمار بقطاع الطاقة الجزائري، فضلًا على عَدّ إيطاليا الزبون الأول للغاز الجزائري.
وافقت شركة النفط البريطانية بي بي، الأربعاء 7 سبتمبر/أيلول، على بيع أعمال التنقيب والإنتاج في الجزائر إلى إيني الإيطالية، بما في ذلك أنشطتها بامتياز إنتاج الغاز في عين صالح وعين أميناس.
وكانت بي بي تمتلك نحو 33.15% و45.89% في مشروعي عين صالح وعين أميناس على التوالي، في إطار استثمارات مشتركة مع شركتي إكوينور النرويجية وسوناطراك الحكومية الجزائرية.
أهداف الخطوة الجديدة
قال مبتول، في تصريحاته إلى منصة الطاقة، إن صفقة الاستحواذ الجديدة تندرج ضمن التوجّه نحو تزويد السوق الأوروبية بالغاز الطبيعي، على خلفية التراجع الكبير في تغطيات احتياجاتها من هذه المادة، إثر توقّف الإمدادات الروسية، إذ إن الإمكانات الحالية للإنتاج لا تسمح لها بزيادة 4 إلى 5 مليارات متر مكعب إضافي إلّا من خلال العمل على رفع حجم الاستثمارات في مختلف الأنشطة المتعلقة بالمحروقات، لاسيما التنقيب والإنتاج، في إطار الشراكة مع الأجانب.
وتتطلع إيطاليا إلى زيادة واردات الغاز الجزائري للمساعدة في التحول بعيدًا عن التدفقات من غازبروم في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنها مطالبة للقيام بذلك إلى زيادة إنتاج الغاز في المنبع.
وأشار المسؤول السابق في مجمع سوناطراك إلى التأثير الكبير لارتفاع الاستهلاك المحلي من الطاقة (الغاز والكهرباء بالمقام الأول)، إذ يعدّ إحدى النقاط السوداء التي من شأنها أن تسحب حجم الصادرات الوطنية نحو الأسفل، من منطلق أن الأرقام الرسمية تكشف أن الاستهلاك الداخلي بلغ 40 مليار متر مكعب غازي، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مجمع سونالغاز ووزارة الطاقة، مع توقعات بأن يرتفع بشكل مستمر ليصل في آفاق سنة 2025 إلى 50 مليار متر مكعب، ويتجاوز في سنة 2030 حاجز 65 مليار متر مكعب، في حالة الاستمرار بالوتيرة نفسها.
تنويع الشركاء
قال الخبير في الشأن الطاقي مبتول، إن على الجزائر الاستفادة من التجربة التي تمر بها أوروبا حاليًا، في إشارة إلى التبعية الكبيرة للغاز الروسي وتورّده شركة "غازبروم" عبر أنبوب "نورد ستريم 1"، إذ إنّ توقُّف هذه الخط "بعثر" كل أوراق القارة من الناحية الطاقية ومن وراءها من الناحية الاقتصادية.
وشدد على أنّ تنويع شركاء الجزائر ضمن هذه الرؤية ضرورة لا بد منها، حتى لا يسلّم التحكم في كل دواليب نشاطات المنبع والمصب في يد شركة واحدة، موازاة مع تفعيل المنافسة بين الشركاء من عمالقة الاستثمار بمجال الطاقة في العالم، وفقًا لما ينصّ عليه قانون المحروقات في نسخته الجديدة والمعدّلة.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الخطوة تفتح الباب كذلك للتفاوض مع الشركات النفطية الأخرى، بناءً على الإستراتيجية التي تتبناها الجزائر في الوقت الحاضر، وفقًا لمبدأ "رابح/رابح"، واستبعاد تقديم التنازلات على حساب مصلحة الطرف الجزائري، على خلاف ما كان يلف بعض الشركات في السابق، تحصلت خلالها الشركات الأجنبية المستثمرة على امتيازات كبيرة.
خطوة لرفع الصادرات
من جهته، عدَّ الخبير في شؤون الطاقة مصطفى مقيداش أن صفقة بيع الشركة البريطانية "بي بي " أعمال التنقيب والإنتاج في الجزائر لصالح الشركة الإيطالية "إيني" تجسيد لما وصفه بالعلاقات الجيدة بين الشركة الإيطالية وسوناطراك ومع الجزائر بصفة عامة، ضمن محادثات جمعت الطرفين منذ مدة.
وذكر الخبير، في قراءته للاتفاق أيضًا، أن شراء "إيني" أعمال التنقيب والإنتاج في الجزائر الخاصة بالشركة البريطانية "بي بي" يدعم التوجهات التي اتخذها الطرفان مؤخرًا، من خلال رفع حجم الصادرات من الغاز الجزائري نحو إيطاليا، بالإضافة إلى السوق الأوروبية عبر إيطاليا.
وأشار إلى تواجد "إيني" في السوق الجزائرية بالعديد من الأنشطة الاستثمارية النفطية منذ نحو 30 سنة، ومن ثم فإنّ الخطوة تعبّر أيضًا عن إستراتيجية سوناطراك في تكريس الشراكة الجيدة مع الشركة الإيطالية.
وتابع: "من هذا المنطلق فإنّ الإعلان توّج المحادثات والاتفاق بين الطرفين الذي كان من المنتظر أن يتحقق خلال المدة الأخيرة".
إستراتيجية سوناطراك
قال مصطفى مقيداش، إنه في انتظار موافقة السلطات الجزائرية على الاتفاق بين "بي بي" وإيني، الذي رأى أنه يندرج ضمن مساعي سوناطراك لتكريس الشراكة مع أهم الشركات النفطية التي تربطها بها علاقات جيدة، إذ إن الصفقة من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة للاستثمار وتطوير قطاع الطاقة الجزائري، في إطار ما ينص عليه قانون المحروقات بنسخته المعدّلة، من خلال نشاطات التنقيب التي ترفع الستار عن اكتشافات جديدة.
وأضاف أن الصفقة تعمل على ترجمة الرؤية الإستراتيجية لسوناطراك بالوجود في السوق الأوروبية، بما في ذلك الشراكات أيضًا في مجال تطوير مجال الطاقات المتجددة مع الشريك التاريخي".
من ناحية أخرى، ذكر مقيداش أن الخطوة قد تدفع الشركاء الأجانب الآخرين للعمل على الوجود في مختلف النشاطات النفطية للحقول الوطنية، لا سيما ضمن ما تنص عليه بنود قانون المحروقات، الذي عدّه أكثر مرونة في التعامل مع الشركاء، ومن ثم تنويع الشركاء لقطاع الطاقة الجزائري وفقًا للإستراتيجية التي تتبنّاها المؤسسة العمومية في هذا الإطار.
حق الشفعة
على الرغم من أن "إيني" تعتمد في إتمام صفقتها مع "بي بي" على العلاقات السياسية والدبلوماسية الجيدة بين روما والجزائر، فإن قانون المحروقات الجزائري يمنح لسوناطراك استعمال ورقة "حق الشفعة"، كما أوضح الخبير الاقتصادي والطاقي عبدالرحمان عية في تصريحه لمنصة الطاقة المتخصصة.
وقال: إن "الجزائر، وبالأحرى مؤسسة سوناطراك، يمكنها استعمال هذا الحق للحصول على الأولوية في شراء أيّ أصول لشركة نفطية عند إعلانها مغادرة الجزائر".
وأبدى الخبير أسفه لمغادرة شركة النفط العالمية "بي بي" الجزائر، وعَدَّه أمرًا سلبيًا من الناحية الاقتصادية، بالنظر إلى الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها الأخيرة في مختلف الأنشطة ذات العلاقة بالمنبع (التنقيب الاستخراج والإنتاج.. الخ)، كونها منْ طورت بالشراكة مع سوناطراك الحقول النفطية الأولى في الجزائر.
وقال: "بالإضافة إلى السلبيات التي تحملها خروج بي بي، من ناحية السمعة، في سياق تحفيز الشركات النفطية الكبرى وجلبها للاستثمار في الجزائر".
عملت شركة بي بي بنجاح مع الجزائر لما يقرب من 30 عامًا، إذ طوّرت ودعمت العمليات بمشروعين رئيسين للغاز في البلاد.
وطوّر مشروع غاز عين صالح المشترك 7 حقول غاز في جنوب الصحراء، على بعد 1200 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، إذ بدأ الإنتاج في عام 2004 بمرحلة ثانية انطلقت عام 2016، في حين ينتج مشروع أميناس المشترك الغاز من حوض إليزي في جنوب شرق الجزائر، منذ الإنتاج بداية عام 2006.
موضوعات متعلقة..
- إيطاليا تهيمن على قطاع الطاقة الجزائري بصفقة استحواذ ضخمة
- مقايضة أصول النفط والغاز في الجزائر وأنغولا.. صفقة ضخمة مرتقبة بين إيني وبي بي
اقرأ أيضًا..
- إيرادات دول أوبك من صادرات النفط تتجه لأعلى مستوى منذ 8 سنوات (تقرير)
- غاز حقل أنشوا المغربي سيتدفق إلى أوروبا في "الأنبوب السابق للجزائر"