8 أسباب تجعل قضية التغير المناخي عصية على الحل (تحليل)
يرى العديد من الخبراء أن هناك عدم اتساق بين هدف معالجة التغير المناخي من خلال الحد من انبعاثات الكربون، والسياسات الحالية التي سمحت بمسار تصاعدي للانبعاثات؛ إذ بموجب خطط السياسات الحالية، تتجه انبعاثات الكربون لمواصلة الارتفاع بمقدار 100 مليون طن سنويًا لمدة 20 عامًا أخرى على الأقل.
ويرى المعنيون أن تكلفة التقاعس في كبح جماح التغير المناخي تفوق بكثير تكلفة الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
غالبًا ما يرجع التقدم البطيء في معالجة التهديد المناخي المتزايد إلى نقص التمويل أو الإرادة السياسية أو القبول العام بالتغييرات في نمط الحياة؛ ما يعكس أنماط إدراك الناس المخاطر.
ويؤكد خبراء أنه لو تصرفت الأطراف بجدية قبل 10 سنوات، باعتبار قضية المناخ ملحّة؛ لكان عليها تقليل الانبعاثات بنسبة 3.3% سنويًا، مقارنةً بـ7% حاليًا.
ويقولون إنه في كل عام نفشل في اتخاذ إجراءات جادة لمعالجة التغير المناخي، وترتفع مستويات الصعوبة والتكلفة لخفض الانبعاثات.
8 أسباب للأزمة
أرجع الخبراء عدم قدرة البشر الجماعية على وقف انبعاثات الاحتباس الحراري، والتي تستمر في الارتفاع على الرغم من التعهدات بخفضها، إلى 8 أسباب رئيسة، تتمثل في صعوبة فصل النمو الاقتصادي والغذاء عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من خلال التخلي عن مستوى رفاهية المعيشة القائم.
كما تشمل الأسباب الفشل في ابتكار أنظمة بديلة تستطيع المحافظة عليه، فضلًا عن الإخفاق في تصدي المجموعات البشرية للمخاطر بشكل فعّال، والفشل في حل مشكلة "العمل الجمعي"؛ كون آلية المفاوضات متعددة الأطراف والمستويات معوقة لاتخاذ قرارات راشدة وفعالة، وغياب القيادة القوية، واختطاف البيئيين لقضية التغير المناخي.
في التقرير التالي تستعرض منصة الطاقة، بالتفصيل الأسباب الرئيسة التي تعرقل خطط مواجهة التغير المناخي، وهي كالتالي:
صعوبة فصل النمو الاقتصادي عن الانبعاثات
يؤكد الخبراء أن هناك علاقة عكسية وثيقة نشأت بين تقدم البشرية وجودة البيئة؛ إذ أدى النمو الاقتصادي غير المستدام منذ الثورة الصناعية إلى زيادة ضغوط الأنشطة البشرية على الأنظمة البيئة، وكان تغيير المناخ إحدى هذه الإرهاصات.
عادةً ما يجري فصل النمو الاقتصادي والغذاء عن تخفيض جودة البيئة على مستويات مختلفة؛ من بينها فصل استهلاك الموارد أو فصل التأثير في الأنظمة البيئية بشكل عام؛ إذ يمكن النظر إلى التغيير المناخي على أنه التأثير في الموارد البيئية الذي يؤدي في النهاية إلى خلل في الأنظمة البيئية.
ويبدو أن صعوبة فصل النمو الاقتصادي والغذاء عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالتضحية لأجل الأجيال القادمة عن طريق التخلي عن أنماط الاستهلاك المرتبطة بمستوى رفاهية المعيشة القائم، يعود إلى الفشل في ابتكار أنظمة استدامة بديلة لا تقلل مستوى الرفاهية القائم بشكل جوهري.
ويُعَد عدم قدرة الجنس البشري على ابتكار أنماط استهلاكية مستدامة تحافظ على مستوى رفاهية المعيشة القائم دون التسبب في خلل الأنظمة البيئية والانتقاص من رفاهية الأجيال القادمة السبب الأساسي وراء تفاقم التغير المناخي.
هذا ما حدا ببعض البيئيين المتشددين للتضحية بمستوى الرفاهية القائم، كونه حلًا أوحد، في السياق نفسه، هناك كثير من الاستثمارات والأصول التي تكون جانبًا مهمًا من الاقتصاد الوطني لا يمكن إلغاؤها بين يوم وليلة، وهو ما يطلق عليه قفل الكربون.
الإخفاق في تصدي المجموعات البشرية للمخاطر
تكمن مشكلة الإخفاق في التصدي للمشكلات المناخية، في سد الفجوة بين ما يجمع عليه ويؤكده علماء المناخ وما يصل إلى إدراك الجمهور.
لم يعد هناك شك في أن تغير المناخ يحدث، وأنه يحدث بسرعة بالمعيار الجيولوجي، إلا أن تغير المناخ يسير ببطء بمعيار الإنسان الفرد؛ لذلك فهو يفشل في ملاحظته؛ إذ إن التغير المناخي هو مصدر قلق طويل الأجل يمس -بشكل أكبر- الأجيال القادمة.
وغالبًا ما يحتاج البشر إلى علامات واضحة تمسهم للتثبت من التغيير؛ ففي العرف الإنساني، يخفف التغير البطيء من الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات سريعة؛ فالتردد في الحل هو الظاهر، لكن الجوهر يعود إلى الفطرة البشرية.
وعادة ما يعوق التردد اتخاذ القرار الجمعي، والذي قد ينشأ من نقص المعلومات، وصعوبة التقييم، وعدم اليقين في نتائج الحل؛ ما يؤدي إلى سلوكيات مرتبطة بالقرار السلبي مثل التأخير، والرؤية المنحازة إدراكيًا عند الحكم على الأمور، وصعوبة اتخاذ القرار بوجود قلق وخوف من النتائج السلبية، يقود هذا إلى إبقاء الحال على ما هو عليه.
الفشل في حل مشكلة "العمل الجماعي"
نظرًا لأن مناخ الكرة الأرضية من المشاعات الدولية؛ فإن فوائد خفض الانبعاثات من عدمها التي تُجرَى في دولة واحدة ستؤثر في بقية الدول، وهو ما يجعل الحلول الدولية المنسقة ضرورية، لكن تعدد المصالح المتنافسة والنطاق العالمي للمشكلة يجعل الحل أصعب.
وعادة ما تعمل الدول لأجل مصلحتها الذاتية بتقليل جهود كبح الانبعاثات والاستفادة المجانية من جهود الدول الأخرى.
في جانب المسؤولية الجماعية لقضية التغير المناخي، تُعَد مشكلة "العمل الجمعي" مشكلة أخلاقية معقّدة وحساسة؛ لما لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ إذ إن الحل يتطلب استجابة منسقة تقوم على التضحية الإيجابية على طول التركيبة الاجتماعية تبدأ من الأفراد وتنتهي بالدول.
مشكلة العمل الجماعي أو "المعضلة الاجتماعية" هي حالة يكون فيها جميع الأفراد أفضل حالًا في التعاون، ولكنهم يفشلون في القيام بذلك بسبب تضارب المصالح بين الأفراد؛ ما يثبط العمل المشترك.
وتنشأ مشكلة "العمل الجماعي" من صعوبة بناء مسار خطوات عملي مشترك واضح ومتناسق ومتوافق عليه، يحدد المسؤوليات وقابل للتطبيق لأفق زمني طويل، وتستمر على طول مدة تطبيق المسار.
إذا كانت المشاركة في عمل جماعي مكلفة؛ فلن يضطر الأفراد للمشاركة حالًا، وإذا كانوا يعتقدون أن العمل الجماعي يمكن أن يحدث دون مساهمات فردية؛ فقد يسعون لإنفاذ "الركب المجاني".
وتنبع حل مشكلة الركب المجاني من تغيير "منظومة الحوافز" كتفعيل ضرائب الكربون أو "نظام تداول حقوق إطلاق الكربون" أو إنشاء تشريعات تنظيمية لإطلاق الانبعاثات.
ويُعَد الغرض الرئيس من تغيير "منظومة الحوافز" هو تحفيز مطلق الانبعاثات على تبني نموذج أعمال منعدم الانبعاثات، وليس للامتناع عن استهلاك الوقود الأحفوري من حيث المبدأ.
كما أن هناك بُعدًا يتعلق بالعلاقة بين الأجيال؛ فمن الصعب إقناع الأفراد أو الدول بتحمل تكاليف قصيرة الأجل الآن مقابل الفوائد التي ستتراكم لمصلحة الأجيال القادمة، وهذا يفسر صعوبة فرض ضرائب الكربون.
وتثير مشكلة الركب المجاني أيضًا هواجس حول عدالة المناخ؛ لأن العديد من البلدان التي يُحتمل أن تعاني أكثر من غيرها تغيرَ المناخ هي عادةً الأقل مسؤولية عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
المفاوضات متعددة الأطراف معوقة لاتخاذ قرارات راشدة
تمارس اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عملية صنع القرار بتوافق الآراء؛ ومن ثَم فإن قراراتها تعكس القاسم المشترك الأصغر أو إرادة المتقاعسين.
وتُعَد آلية المفاوضات متعددة الأطراف والمستويات معوقة لاتخاذ قرارات راشدة وفعالة؛ إذ يبدو اتخاذ القرار بالإجماع في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في غاية البساطة، لكن الآليات الكامنة وراء القرار بالإجماع معقدة وتستوعب مصالح بعض الدول الفاعلة على حساب قضية التغير المناخي.
الإجماع باعتباره مفهومًا، على الرغم من أنه ينبئ بالعدالة؛ فإن عملية الوصول إليه معقدة للغاية، وهناك فرق بين الحصول على موافقة جميع الأطراف، والاستماع لاعتراضات من أي منهم.
من بين الأمور الدالة على هذه الحقيقة، هو أن مؤتمر الأطراف السنوي يحظى بأعلى نسبة حضور من بين المؤتمرات الأخرى متعددة الأطراف بمشاركين وصلوا في مؤتمر كوبنهاغن إلى 45 ألف مشارك، لكن ما يجب عدم نسيانه هو متاهة أحكام وإجراءات المعاهدة ونصوصها.
فعادة ما يكون النظام بأكمله مبنيًا على البشر الذين يحاولون تمثيل مصالح دولهم ومنظماتهم؛ إذ دائمًا ما يراعي المفاوض ما يخدم الأفضل لبلده؛ فعملية التفاوض تبنى على العلاقات بين مختلف وفود الدول، وعلاقة هذه الوفود مع جمهورها.
كما أن تدخُّل الهيئات والمنظمات غير الحكومية سلاح ذو حدين؛ فمن الممكن أن نرى هذه الأطراف تضغط نحو قرار راشد وواقعي وفعال، وقد تضغط نحو النقيض في تبني قرارات غير واقعية وعصية على التحقيق، كما تفعل المنظمات التي تحمل أجندات غير بنّاءة.
لذلك؛ فمخرجات المفاوضات مطاطة وغير واضحة وتؤسس للتقاعس وعدم أخذ التغير المناخي بصفته قضية ملحّة.
غياب القيادة القوية
في عالم يتسم بالفوضى، تعد قيادة كبح التغير المناخي ضرورية؛ إذ يحتاج التعاون إلى قيادة تخلق الظروف التي بموجبها ستكون الدول المعنية على استعداد لتبني قواعد مشتركة، ووضع معايير ومؤسسات مشتركة.
وبتعبير آخر، هناك حاجة إلى القيادة لتشجيع الدول على نقل مواقفها التفاوضية إلى طاولة المفاوضات والتسليم، في نهاية المطاف، بالمقايضة البنّاءة.
تنبع أهمية قيادة جهود كبح التغير المناخي بسبب طبيعة قضية المناخ وصعوبة حلها، وتُعَد القيادة علاقة غير متكافئة يسعى فيها عنصر ضمن الجماعة للتأثير في الآخرين بتوجيه سلوكهم نحو هدف معين خلال مدة زمنية معينة.
كما أن القيادة تعتمد على القائد، وطبيعة الهدف؛ فهي تعتمد أيضًا على التابعين، وما نشهده الآن يمكن وصفه بأنه "مشهد قيادة اجتزائي" بتنازع الأطراف الفاعلة من جهة وانتهازيتها للقضية؛ فهو غير موجه لحل تغير المناخ.
ومع عدم وجود القيادة الخلاقة؛ فإنه كلما طال الوقت الذي يستغرقه الفرقاء في التقدم بوضع شيء ملموس على طاولة المفاوضات؛ قل الوقت المتاح للدبلوماسية.
الأقوال غير المقترنة بالأفعال
تبحث الحكومات دائمًا عن مسارات أقل مقاومة لسياساتها دون الالتفات إلى تأثيرها على المدى البعيد، أو تدابير ذات تكاليف محدودة، أو تكاليف غير شفافة لا يمكن بسهولة التنبؤ بعبئها على كل فرد، وهذا النهج فشل إلى حد كبير.
هناك مشكلتان رئيستان، وهما طموح لا يرقى لحل التغير المناخي باعتباره قضية ملحّة، ومشكلة تحقيق الطموح؛ فغالبية التعهّدات بخفض انبعاثات الكربون لعام 2030 التي قدمتها 184 دولة بموجب اتفاق باريس للمناخ ليست كافية تقريبًا للحفاظ على الاحتباس الحراري العالمي أقل بكثير من 2 درجة مئوية.
وقال عدد من الخبراء إن اتفاق باريس غير تقليدي بعدم تضمينه العناصر الرئيسة التي يُفتَرض عادةً أنها ضرورية لاتفاقات ذات مغزى؛ إذ لا يوجد هدف عالمي متفق عليه للانبعاثات مقسم إلى مسؤوليات فردية؛ إذ تتمتع الدول بالاستقلالية والمرونة في تحديد وتلبية كبح الانبعاثات في سياق أولوياتها الوطنية وظروفها وقدراتها.
وتُعَد المشاركة والامتثال غير ملزمين بشكل أساسي بالتوقعات المعلنة، بينما توفر المراجعة العامة الضغط الاجتماعي باعتباره آلية إنفاذ ناعمة، وبتعبير آخر، اتفاق باريس يحقق "اتفاقًا متبادلًا" ولكن دون "إكراه".
تمرير الأجندات العقيمة
سيكون العدل والإنصاف ومراعاة الظروف الوطنية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح اتفاقية التغير المناخي؛ نظرًا لاختلاف قابلية الأطراف للعمل المشترك.
في حين أن الإنصاف أساس نجاح الاتفاقيات وديمومتها، إلا أن الاتفاقية المهادنة والمقايضة الأقل عدلًا قد تسرع الوصول للاتفاقية، وقد تكون أفضل بكثير من عدم الوصول إلى أي اتفاقية على الإطلاق.
ويرجع أحد أسباب عدم التقدم في حل مشكلة التغير المناخي في المواقف المتطرفة لرؤى أيديولوجية مثالية بعينها وكذلك التطاحن على المقايضات غير الراشدة مع عدم الاستعداد للتنازل.
على سبيل المثال، يعارض بعض المدافعين عن الطاقة المتجددة، الطاقة النووية واستخدام الوقود الأحفوري بشكل تام، على الرغم من أن كليهما ما زال ضروريًا لكبح تغير المناخ.
من جانب آخر، يتدخل البيئيون في عالم الأعمال بمناهضة الشركات عن طريق التأثير الاجتماعي، على الرغم من أن أي خطة لكبح الانبعاثات لن تكون قابلة للتطبيق إلا إذا استندت إلى تغيير "منظومة الحوافز"، وإلا فسيلجأ قادة الأعمال للغسل الأخضر.
التناقض بين متطلبات الحكومة والفطرة البشرية
النزعة البشرية لجودة الحياة قد تتجلّى في أنانية ضد الأجيال اللاحقة، وهذا ما تعكسه الحكومات عند صنع السياسات.
ويتجلّى هذا حاليًا في عدم قدرة الأوروبيين، وهم الأكثر مناداة بالاستدامة لخير الأجيال اللاحقة، على تحمل الشتاء المقبل بالصمود في وجه نقص كمية الغاز الطبيعي الروسي المتدفق، الذي يُعَد عندهم وقودًا مثيرًا للانبعاثات الكربونية ويجب التخلص منه.
ولقد سعت الحكومات الأوروبية لسد النقص عن طريق بناء مشروعات إعادة إسالة الغاز، وهي مشروعات ذات استثمار طويل الأجل.
موضوعات متعلقة..
- مكافحة التغير المناخي تتيح فرصة استثمارية قيمتها 130 تريليون دولار
- التغير المناخي.. كيف تستطيع الدول النامية مواجهة تحديات خفض الانبعاثات؟
- التغير المناخي.. أفريقيا تدفع فاتورة انبعاثات الدول المتقدمة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- بالأرقام.. صادرات النفط تنعش خزينة السعودية خلال 6 أشهر (إنفوغرافيك)
- أكثر الدول حرقًا للغاز الطبيعي عالميًا.. العراق والجزائر في القائمة والسعودية الأقل