تعزيز الطاقة النووية في أميركا بغطاء قانوني.. مسار مناخي وضربة جديدة لروسيا
قانون خفض التضخم الأميركي يفتح المجال للاستثمار في القطاع
هبة مصطفى
تلقّت الطاقة النووية في أميركا دعمًا من إقرار قانون خفض التضخم الداعم لاستثمارات الطاقة النظيفة، والذي يفتح المجال أمام تطور الصناعة، توافقًا مع الأهداف البيئية والمناخية.
ويسمح القانون المُسَن حديثًا بالإبحار بعيدًا عن الإمدادات الروسية، لا سيما أن العقود طويلة الأجل كانت تُلزم موسكو بتوفير 16% من الطلب الأميركي على اليورانيوم و20% من الطلب الأوروبي، بحسب تقرير نُشر في مجلة فوربس (Forbes).
ومنح القانون الطاقة النووية في أميركا الامتيازات نفسها التي تتمتع بها الطاقة المتجددة، ويبدو أنّ تزامنه مع ترقّب أميركا الشمالية انتشار المفاعلات المعيارية الصغيرة يعزز طموحات الصناعة وأهدافها، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
قانون التضخم ودعم الصناعة
أكد مختبر برينستون لأبحاث الطاقة النظيفة أن قانون خفض التضخم قد يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 42% بحلول نهاية العقد (2030)، مقارنة بمستويات عام 2005.
وفي الوقت ذاته، علّق المختبر تحقيق هذه النتائج على إمكان "كهربة" الاقتصاد الأميركي بالكامل وخفض معدل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وتؤدي المفاعلات المعيارية صغيرة الحجم دورًا مهمًا لدعم الطاقة النووية في أميركا، الآونة المقبلة، لا سيما أنها تمتاز بصغر حجمها وانخفاض تكلفتها.
ومن جانب آخر، قال كبير مسؤولي معهد الطاقة النووية في أميركا، دوغ ترو، إن قانون خفض التضخم يعزز مكانة الصناعة بما يعادل الطاقة المتجددة.
وفسّر ذلك بأن القانون من شأنه جذب استثمارات، ويلقي الضوء بشدة على الطاقة النووية بما يسمح بإضافة 300 مفاعل لطاقة 90 غيغاواط في غضون 30 عامًا، حسبما ذكر في ندوة عقدتها رابطة الطاقة الأميركية.
الطاقة النووية والمفاعلات الصغيرة
تملك أميركا في الآونة الحالية 93 مفاعلًا نوويًا، تزوّد مزيج الكهرباء بنحو 20% الإمدادات الخالية من الكربون، وبالإضافة إلى ذلك تتمتع تلك المفاعلات بإمكان العمل طوال اليوم وعلى مدار الأسبوع، بخلاف مصادر الطاقة الأخرى.
ويمتدّ العمر الزمني لمفاعلات الطاقة النووية في أميركا الحالية حتى منتصف القرن (2050)، ومن زاوية أخرى يتيح قانون خفض التضخم وإعفاءاته الضريبية (السارية من عام 2024 حتى عام 2032) مساحة أكبر للمفاعلات المعيارية الصغيرة التي تتضمن وحدات يمتد عمرها 60 عامًا.
ويُقدّر باحثون الحجم الملائم للمفاعلات بقدرة تتراوح بين 50 إلى 300 ميغاواط، وقد تُشكّل تلك الوحدات محطة بطاقة 1 غيغاواط في حال دمجها.
وبالإضافة إلى ذلك، تتّسم المفاعلات المعيارية الصغيرة بمرونة أعمال الصيانة، إذ لا تتأثر بقية الوحدات بتعطُّل إحداها، كما أن اقترانها بجهاز تخزين النفايات النووية يمكنه توفير إمدادات المياه وإنتاج الهيدروجين لصناعة الصلب.
وتوفر تلك المفاعلات الصغيرة وسيلة لتلبية الطلب في ظل مؤشرات بنمو استهلاك الكهرباء خلال السنوات الـ30 المقبلة، وتذهب التوقعات إلى إمكان تلبية الطاقة النووية لـ16% من حجم الطلب بحلول منتصف القرن.
ويتواءم ذلك مع ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرّية حول ضرورة مضاعفة حجم الاستهلاك النووي لتلبية الأهداف المناخية العالمية بحلول 2050.
استثمارات متوقعة
تُشير التوقعات إلى أن قانون خفض التضخم سيعزز سوق صناعة الطاقة النووية في أميركا باستثمارات ضخمة، لا سيما أن المفاعلات المعيارية الصغيرة يمكنها العمل طوال 60 عامًا، وقد تمتد إلى 100 عام حال خضوعها لأعمال الصيانة بصورة صحيحة ودورية.
وقال الرئيس التنفيذي لمجلس الصناعة النووية الأميركي، بود أولبرايت، إن الإقبال على استثمارات الصناعة سيكون ضخمًا، خاصةً أن حجم المفاعلات وأعداد التصنيع من شأنها خفض التكلفة.
ويدعم القانون -أيضًا- الاستثمارات المعلّقة حتى الآن، ومن ضمنها مشروع "ناتريام" المشترك بين شركة "تيرا باور" و"جي إي هيتاشي نيوكلير إنرجي" منذ عام 2020، إذ تعكف الشركتان في الآونة الحالية على اختبار تقنيات المفاعل المعياري الصغير قبل طرحه بالأسواق.
وتشكّل مفاعلات "ناتريام" الصغيرة مصدرًا للكهرباء أكثر نظافة من الغاز الطبيعي في حال تراجع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وأعلنت شركة "نيوسكيل" الأميركية -أيضًا- أنها تستعد لبناء موقع بحلول عام 2029، وأن 12 وحدة بالموقع يمكنها معادلة محطة بقدرة 924 ميغاواط.
وبجانب ذلك، تعتزم شركة "أونتاريو باور" الحكومية للكهرباء لبناء مفاعل صغير نهاية عام 2024، وتخطط لدخوله حيز التشغيل عام 2028.
حرب أوكرانيا والأهداف المناخية
في الوقت الذي يؤدي خلاله قانون خفض التضخم دورًا مهمًا في حشد استثمارات الطاقة النووية في أميركا، قد تأتي المفاعلات الصغيرة برياح معاكسة لمخاوف تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي ظل مخاوف من استخدام روسيا لقدراتها النووية التي لم تعد تجد سبيلًا لها، بعدما كانت تصل صادرات روسيا من اليورانيوم إلى أميركا 16% وإلى أوروبا 20%، تحجّم المفاعلات المعيارية الصغيرة من تلك المخاوف، إذ إن قابليتها للانفجار أقلّ ضررًا.
وحتى إن كان غزو أوكرانيا وما واجهته محطات الطاقة النووية في كييف من مصاعب في بداية الحرب يثير المخاوف من توسعات المحطات، فإنه يعزز فكرة انتشار المفاعلات الصغيرة التي تعدّ أحد أدوات التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي.
ومن جانب آخر، يتوافق قانون خفض التضخم مع خطط الطاقة النووية في أميركا، إذ تعزّز إعفاءاته انتشار المفاعلات الصغيرة صديقة البيئة والخالية من الانبعاثات.
اقرأ أيضًا..
- تركيا تستعد لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر مشروع البحر الأسود
- وزير الطاقة السعودي: اتفاقية جديدة لأوبك+ بعد 2022
- الاتفاق النووي الإيراني وسوق النفط.. 3 قضايا شائكة تبدد الزخم الإيجابي (مقال)
- نقل الغاز إلى أوروبا يشعل المنافسة بين تركيا ومصر.. من يفوز؟