جدوى تصدير الهيدروجين الأخضر من المغرب والجزائر ومصر إلى أوروبا (مقال)
قبل الحديث عن تصدير الهيدروجين، أؤكد بدايةً أننا -المتخصصين في مجتمع الهيدروجين الدولي- على العموم نُرحب عادةً بأي من الدراسات التي تُجرى حول هذه الصناعة الناشئة، سواء تلك التي تُفضي إلى نتائج إيجابية أو تلك التي قد تأتي بما يمكن أن يراها البعض نتائج سلبية حول إمكان استخدام الهيدروجين في التطبيقات المحتملة فيما يخص تحول الطاقة.
في المجمل، فإن كل هذه الدراسات سوف تثري هذه الصناعة؛ فالإيجابية منها سوف تثبت وضع الهيدروجين باعتباره لاعبًا أساسيًا في تحول الطاقة، وكذلك نرى الدراسات التي تفضي إلى نتائج سلبية؛ فإنها في الأساس تقدم فرصة فريدة لتسليط الضوء على المعوقات التي تواجه هذه الصناعة، وهو ما يشجع العاملين في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي على البحث عن الحلول لهذه المشكلات أو المعوقات، وهذا في حد ذاته إضافة كبيرة لمنظومة الهيدروجين في هذه الرحلة الطويلة.
وفيما يتعلق بالدراسة التي نشرتها منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن مركز الأبحاث الهولندي ترانزناشيونال إنستيتيوت ومرصد الشركات الأوروبية، وأفادت بأن "برامج التصدير -التي وضعها المغرب والجزائر ومصر- ليست مجدية اقتصاديًا"؛ فنحن نرى الأقرب لأن يكون "تقريرًا" عن كونه "دراسة" حقيقية، لأسباب عديدة، لكن أهم ما أود إيضاحه أن التقرير في الحقيقة لم يأتِ بأي نتائج جديدة غير معلومة للمتخصصين في هذا المجال سواء على نطاق الصناعة أو حتى على نطاق البحث العلمي.
القضية الرئيسة التي أثارها التقرير واعتمد عليها في استنتاجاته، هي قضية محتوى الطاقة القليل للهيدروجين مقارنة بالغاز الطبيعي الذي يقدر بثلث قيمته، وهو ما يعني في العموم أننا نحتاج إلى 3 أضعاف كمية مماثلة من الهيدروجين للحصول على الطاقة نفسها التي يمكن أن نحصل عليها من الغاز الطبيعي.
هذه معلومة بالطبع ليست بالجديدة، بل هي أحد أسس كل التطويرات المزمع حدوثها في هذه الصناعة وفي نطاق البحث العلمي باعتبارها أحد أهم -إن لم تكن الأهم على الإطلاق- المعوقات التي تواجه هذه الصناعة.
والجدير بالذكر هنا أن العديد من الهيئات المختصة والشركات ومعاهد الأبحاث أجرت بالفعل العديد من الدراسات لتحديد السعر المناسب للهيدروجين الذي يجعله منافسًا للغاز الطبيعي؛ أخذًا في الاعتبار هذه النقطة المهمة.
وأفضت هذه الدراسات مجتمعة إلى أن هذا السعر هو في حدود 1.5 إلى 2 دولار لكل كيلوغرام من الهيدروجين، وأصبح الوصول لهذا المستوى من الأسعار الهدف الرئيس لهذه الصناعة؛ لعلمنا أنها سوف تكون الخطوة التي تُدخل الهيدروجين المنافسة التجارية الحقيقية وقودًا أو مصدرًا للطاقة حتى بعيدًا عن قصة احتياجنا له في محاربة التغيرات المناخية.
وقد أعلن العديد من الشركات في عدة دول سواء في قارة أوروبا، الولايات المتحدة الأميركية أو حتى الصين والهند خططًا بدأتها -بالفعل- للوصول لهذا المستوى من الأسعار، وهناك ميزانيات كبيرة قد أُعلنت لتحقيق هذا الهدف وإن كان من المتوقع أن يأخذ عدة سنوات كونه هدفًا ليس يسيرًا، ولكن التسارع الذي شهدته هذه الصناعة يجعلنا متفائلين في هذه المرحلة من عمر هذه الصناعة الناشئة.
تصدير الهيدروجين في أنابيب الغاز
لقد تحدث ملخص التقرير في صفحته الأولى عن خطورة الهيدروجين على خطوط أنابيب النقل، وللأسف لم يوضح أن القصد هو حالة واحدة فقط، وهي استخدام الهيدروجين في خطوط الغاز الطبيعي الموجودة الآن، وهو ما يمكن أن يسبب لغطًا عند القارئ غير المتخصص.
فبالفعل لا يمكن ضخ الهيدروجين في أنابيب الغاز الطبيعي إلا بنسب خلط لا يمكن أن تتجاوز 20%، والسبب هنا أن هذه الخطوط والمعدات المستخدمة معها غير مصممتين في الأساس لضخ غاز الهيدروجين.
موضوع استخدام الهيدروجين في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي كان ما يتمناه الكثيرون أن يكون ممكنًا لتسريع عملية انتقال الطاقة وتقليل تكلفة ذلك، ولكن الدراسات أفضت إلى أنها لا يمكن أن تتجاوز نسبة خلط الـ20% مع الغاز الطبيعي.
هذا ما حدا بالعديد من الدول بالبدء في دراسات إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل الهيدروجين بين أماكن الإنتاج وأسواق الاستهلاك، مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ووقعت الحكومة الألمانية، منذ أسابيع قليلة، مذكرة تفاهم مع الحكومة النرويجية لبناء خط أنابيب جديد لنقل الهيدروجين بين البلدين.
ومن ثَم فلا توجد أي مشكلات تقنية في عملية نقل الهيدروجين في خطوط أنابيب جديدة، بل قد تغاضى التقرير عن ذكر أن هناك بالفعل في العالم خطوط أنابيب هيدروجين عديدة تُستخدم منذ عقود طويلة دون أدنى مشكلات؛ أهمها هي الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ومجموع هذه الخطوط مجتمعة يتعدى تقريبا 5 آلاف كيلومتر؛ أي أكثر من نصف المسافة بين القاهرة وجوهانسبرغ.. كان يجب أن يكون التقرير أكثر حيادية وأن يذكر الاختلاف بين الحالتين.
تكلفة تصدير الهيدروجين
أما موضوع التكلفة المرتفعة لخطوط الهيدروجين الجديدة المقترحة؛ فبالطبع هذه حقيقة ليست خاصة بالهيدروجين فقط، ولكن بعملية إنشاء أي خطوط مماثلة عابرة للقارات والدول، ولا نتوقع أبدًا أن يتم الانتهاء من هذه المشروعات المحتملة والمقترحة في سنة أو اثنتين.
أما ما ذكره التقرير عن أن الأفضلية ممكن أن تكون لربط الشبكات الكهربائية بين شمال أفريقيا وخاصة المغرب وأوروبا؛ فهي خطوة قد بدأت بالفعل، وهناك خطوات جدية للغاية قد اتُّخِذَت في هذا المجال بين مصر واليونان من ناحية والمغرب والمملكة المتحدة من ناحية أخرى، ولكن يبقى العائق الأكبر هو تخزين الطاقة الكهربائية في حالة نزول الأحمال، وهنا يظهر الهيدروجين مرة أخرى باعتباره حلًا لهذه المشكلة.
والنقطة الأخرى هي النصيحة التي يقدمها التقرير لدول شمال أفريقيا في عدم توجيه الاستثمار في هذا المجال بغرض تصدير الهيدروجين، وهي نقطة يناقض فيها التقرير نفسه؛ حيث إنه أفرد في نهايته ملخصًا للمشروعات المعلنة في الدول الـ3، التي بالفعل أوضحت أن أغلب هذه المشروعات المبدئية المعلنة مدعومة من الشركات الأوروبية والآسيوية؛ حيث إنه ليس من المتوقع إطلاقًا أن تستثمر حكومات الدول الـ3 في هذه المشروعات الضخمة.
السؤال الذي نطرحه هنا..
لماذا ركز التقرير على تفنيد الدور الذي يمكن أن تؤديه الدول الـ3 "مصر والمغرب والجزائر" في سد احتياجات القارة الأوروبية من الهيدروجين في ظل أزمة الطاقة المتسارعة ليس في أوروبا فقط بل في العالم أجمع، في حين أن كل المعوقات التي أفرد التقرير لها الصفحات هي معوقات عامة لا تختص بدول أو منطقة عامة؟
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أنه إذا وجدت صعوبة في أن تؤدي الدول الثلاث -كونها أقرب أماكن الإنتاج المحتملة للهيدروجين- دورًا في سد احتياجات القارة الأوروبية من الهيدروجين في المستقبل؛ فهذا يعني قتلًا لصناعة الهيدروجين بالفعل عالميًا؛ حيث ستواجه الدول الأبعد مثل دول الخليج وأستراليا وتشيلي أو حتى ناميبيا وجنوب أفريقيا في القارة الأفريقية صعوبات أشد قسوة في هذا المجال، وهي الدول التي بدأت بالفعل نقاشات جدية مع العديد من الدول الأوروبية سبقت ما حدث في دول شمال أفريقيا الثلاث.
رحلة محاربة التغير المناخي والتحول الطاقي هي رحلة طويلة، ولذلك سُميت "بالتحول"؛ لأنها لن تتم بين ليلة وضحاها، ولكن محاربة التغير المناخي أصبحت ضرورة ملحّة تتعدى في أهميتها الفرص الاستثمارية أو التجارية، ولكنها أصبحت مطلبًا رئيسًا للبشرية لحماية حقوق الأجيال القادمة في العيش في بيئة نظيفة وصحية، ويجب أن يتكاتف جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف النبيل.
المهندس صلاح مهدي، عضو مجلس الهيدروجين العالمي، رئيس المجموعة الصناعية في منظمة هيدروجين أوروبا ومقرها بروكسل في بلجيكا.
ملحوظة: هذا المقال خاص لـ"الطاقة" تحليلًا للدراسة التي نشرتها المنصة حول "جدوى برامج تصدير الهيدروجين التي وضعها المغرب والجزائر ومصر"
موضوعات متعلقة..
- كيف يصبح الهيدروجين عنصرًا فاعلًا في إزالة الكربون؟ (تقرير)
- دراسة تحبط خطط المغرب والجزائر ومصر لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا
- إنتاج الهيدروجين قد يساعد الدول النفطية في رحلة تحول الطاقة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أوابك: أسعار النفط ستواصل الارتفاع.. ومنظمة أوبك بريئة مما يحدث
- قطاع المحروقات في الجزائر.. بشائر آبار جديدة واتفاقيات لزيادة الصادرات