أسعار النفط تتأثر بالمخاوف الاقتصادية رغم استمرار سلاسل التوريد (مقال)
فاندانا هاري - ترجمة: نوار صبح
- • يعتمد تغيّر اتجاه الأسعار صعودًا أو هبوطًا على سيناريوهات العرض الحالي والمستقبلي
- • هوامش التكرير المرتفعة تعكس استمرار الطلب القوي على المنتجات
- • مصافي التكرير الآسيوية تدفع أقساطًا ضخمة لتحميل الخام في أغسطس/آب
- • شبح الركود لن يثني البنك المركزي الأميركي عن هدف التضخم البالغ 2%
- • بدأ المستهلكون في شدّ أحزمتهم تحسبًا لأوقات عصيبة مقبلة
- • قد يؤدي تصاعد حرب الطاقة بين حلفاء الناتو وموسكو إلى استمرار تضاؤل الإمدادات
تعرضت أسعار النفط لضربة مفاجئة جرّاء المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي، ووصلت إلى أدنى مستوياتها في شهر واحد، يوم الجمعة 17 يونيو/حزيران.
وانخفضت أسعار الخام عن مستويات الدعم المتتالية الأسبوع الماضي.
وقد تنحسر عمليات البيع السريعة، التي أجّلت هبوط الأسعار في أسواق الأسهم العالمية، لمدة أسبوع تقريبًا، على الأقلّ لتمكين الاستقرار.
وتتوقف الخطوة التالية في تغيّر اتجاه أسعار النفط صعودًا أو هبوطًا، على طريقة تطور سيناريوهات العرض الحالي والمستقبلي.
في المقابل، ازدادت هيمنة مخاوف الطلب على النفط على معنويات السوق، ولكن تأثير تضاؤل العرض قد يفوق تلك المخاوف مجدّدًا.
وعلى الرغم من أن النفط دخل في وضع التصحيح، فإنه ليس في سوق هابطة، التي تعرّف بأنها انخفاض بنسبة 20% أو أكثر من الارتفاعات الأخيرة.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت وغرب تكساس الوسيط، عند التسوية يوم الجمعة، بنسبة 12% و 13% على التوالي، من أعلى مستوياتها في 14 عامًا، في 8 مارس/آذار.
مؤشرات أخرى
توجد مؤشرات أخرى على القوة المتبقية في النفط الخام، إذ ما يزال التراجع في منحنيات العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط ثابتًا، على الرغم من التراجع الأخير في أسعار النفط
كان فارق العقود الآجلة لخام برنت لشهر أغسطس/ أيلول عند 4.02 دولارًا للبرميل في إغلاق يوم الجمعة، وهو أكبر مما كان عليه في 8 يونيو/حزيران، عندما كانت أسعار الشهر المقبل أعلى بمقدار 10 دولارات.
ولا تزال هوامش التكرير آخذة في الارتفاع، ما يعكس استمرار الطلب القوي على المنتجات.
فقد اقترب هامش تكرير مزيج خام دبي في سنغافورة، كما حسبته رويترز، من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 29.96 دولارًا للبرميل عند إغلاق السوق يوم الجمعة.
بدورها، تدفع مصافي التكرير الآسيوية أرقامًا كبيرة في أسعار النفط لتحميله في أغسطس/آب، مع ارتفاع الطلب على درجات النفط الخام التي تنتج كميات وافرة من الديزل والبنزين.
وأفادت وكالة بلومبرغ أن خام مربان الغني بالديزل في أبو ظبي قفز إلى أسعار شبه قياسية بلغت 14.70 دولارًا للبرميل فوق خام دبي يوم الخميس 16 يونيو/حزيران.
وتراجعت أسعار العقود الآجلة لخام مربان 1/ ومربان 2، في بورصة أبوظبي إنتركونتيننتال، إلى مستوى قياسي بلغ 11.31 دولارًا للبرميل يوم الجمعة، مع ارتفاع عقد أغسطس/آب بنسبة 4.3% خلال اليوم.
التحول في ميزان العرض والطلب
أصبحت المعنويات الاقتصادية المتدهورة عبئًا على أسواق النفط الخام، فقد أكد رئيس مجلس مصرف الاحتياطي الفدرالي الأميركي، جيروم باول، الأسبوع الماضي، مخاوف السوق من أن شبح الركود لن يثني البنك المركزي الأميركي عن هدف التضخم البالغ 2%.
على ضوء ذلك، بدأت المؤشرات الاقتصادية الرئيسة تشير إلى تزايد وتيرة التباطؤ.
وتتعرض ثقة المستهلك على جانبي المحيط الأطلسي لانتكاسات، في حين يتباطأ النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات بشكل حادّ.
وقد بدأ المستهلكون في شدّ أحزمتهم تحسبًا لأوقات عصيبة مقبلة، خصوصًا في أصعب أوقات التحول المقبلة، إذ يمكن أن يتكيّف التضخم المرتفع مع سياسة نقدية أكثر تشددًا وتداعياته المؤكدة على أرباح الشركات وسوق العمل.
ويشير ذلك إلى أن زخم انتعاش النفط الاقتصادي الناتج عن الطلب الضئيل على السفر والسياحة والرياضة والأنشطة الترفيهية قد يكون على وشك التوقف، وستحدد السرعة التي يتوقف عندها هذا الزخم مدى حدة انخفاض الطلب على النفط.
جدير بالذكر أن الطلب وحده لن يحدد أسعار النفط الخام، وما دام الهجوم الروسي على أوكرانيا مستمرًا، فقد يؤدي تصاعد حرب الطاقة بين حلفاء الناتو وموسكو إلى استمرار تضاؤل الإمدادات، وإلى نفاد الإمدادات اللازمة لاستقرار سوق النفط.
مخاوف روسيا مستمرة
في مايو/أيار الماضي، حصلت الصين والهند معًا على نحو 1.2 مليون برميل يوميًا من الخام الروسي مقارنة بشهر فبراير/شباط، قبل بدء العقوبات الغربية ضد موسكو، وفقًا لحساباتنا من بيانات الاستيراد.
وارتفعت واردات الصين والهند مجتمعة في شهر مايو/أيار، بنحو 800 ألف برميل في اليوم، مقارنة بشهر أبريل/نيسان.
وسيحتاج العملاقان الآسيويان إلى زيادة جماعية بمقدار مليون برميل أخرى من المدخول اليومي لروسيا، خلال الأشهر المقبلة، لتعويض غياب المشترين الأميركيين والأوروبيين، يجب أن يكون كلا البلدين قادرين على القيام بذلك، من الناحية النظرية.
وما دام الخام الروسي يُعرَض بخصم كبير، فإن الصين والهند ستحرصان على شركاء كميات إضافية، باستثناء بعض الحالات الطارئة.
في المقابل، كانت شهية الصين لاستيراد الخام ضعيفة، ويعود ذلك لانخفاض استهلاك الوقود المحلي.
ويعود ذلك إلى عمليات الإغلاق نتيجة انتشار متحور وباء كوفيد، ونهج الحكومة الصارم تجاه حصص تصدير المنتجات التي تحتاجها مصافي التكرير المملوكة للدولة، وكذلك المستقلة، لبيع الوقود في الخارج.
ويمكن للصين أن تستمر في زيادة مدخول الخام الروسي لتعزيز احتياطياتها الإستراتيجية، لكن هذا لا يضمن نمط الشراء نفسه، مثل الطلب المستمر من المصافي لتلبية الاستهلاك المحلي القوي للوقود.
الهند وشراء النفط الروسي
بالنسبة للهند، قد تكون الاعتبارات الاقتصادية أساسية لتكثيف مشترياتها من الخام الروسي، مع احتمال أن تمتلك شركة التكرير الخاصة "نايارا إنرجي" 49% من حصة شركة روسنفط الروسية لديها.
وستعتمد الشهية المتزايدة من المصافي المملوكة للدولة في الهند على استمرار توفر الشحنات على أساس التسليم، إذ يتحمل المورّد اتخاذ الإجراءات اللوجستية وكذلك جميع المخاطر المرتبطة بالنقل.
وقد ظهرت بعض الشركات التجارية الصغيرة، مثل: فيتول وترافيغورا وغلينكور، التي تعمل بصفة وسطاء، في أعقاب انسحاب كبار المتداولين منذ منتصف مايو/أيار.
ولم يحاول اتحاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حتى الآن، تضييق الخناق على الطرق الجديدة وفرض عقوبات ثانوية على تلك الشركات.
على الرغم من ذلك، يناقش الحلفاء فكرة لإبرام اتفاقية "كارتل للمشترين" مع مستوردين في جميع أنحاء العالم، لفرض حدّ أقصى لسعر الخام الروسي، الذي كان من المتوقع مناقشته في قمة مجموعة الـ7 في ألمانيا نهاية هذا الأسبوع.
- 8 خبراء يحللون لـ"الطاقة" مستقبل أوبك+ وإنتاج السعودية في ظل العقوبات ضد روسيا
- أنس الحجي: حصار النفط الروسي لن ينجح.. والأوروبيون سيشترونه من الهند والصين
وفي حال فشل فكرة الحدّ الأقصى للأسعار، قد تظهر مقترحات جديدة، إذ يظل الحلفاء تحت الضغط لخفض عائدات موسكو النفطية، وما زالوا بعيدين عن بلوغ الهدف الأكبر المتمثل في إجبار روسيا على الانسحاب من أوكرانيا.
خلاصة القول: إن أيّ "استقرار" في صادرات الخام الروسية يمكن أن يكون مؤقتًا، وقد يؤدي حدوث انقطاع كبير غير متوقع في الاستكشاف والاستخراج والتكرير والتصدير في أيّ جزء من العالم إلى نقص المعروض من النفط، حتى في مواجهة انخفاض الطلب.
على هذا الصعيد، فإن موسم أعاصير المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة، الذي يُتوقع أن يكون "أعلى من المعدل الطبيعي"، يلقي بظلاله على مشهد السوق.
*فاندانا هاري، مؤسِّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- الطاقة الكهرومائية في أفريقيا تتلقى دعمًا دوليًا بـ300 مليون دولار
- خبير دولي: الغاز الإيراني والقطري إلى العراق ضرورة لاستمرار شبكة الكهرباء
- خبير أوابك: وقود الهيدروجين حل مثالي لقطاع النقل.. وتجارب رائدة للإمارات والسعودية