الحياد الكربوني في العراق والشرق الأوسط.. هل يتحقق بحلول 2050؟ (تقرير)
نوار صبح
- الاستغناء عن الوقود الأحفوري قد يضر بالموازنات الحكومية لمصدري الطاقة في الشرق الأوسط
- التوقف عن حرق الغاز الطبيعي واستخدامه لإنتاج الكهرباء أو التصدير
- منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤهلة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح
- المحطات النووية يمكن أن تساعد في معالجة قضايا المناخ وتحسين موثوقية الكهرباء
- على دول المنطقة ضمان ثقة المستثمرين الدوليين في القدرات الوطنية لتنفيذ المشروعات والبرامج
- تعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موقعًا لـ8 بلدان واقتصادات منخفضة الدخل
لن يكون تحقيق هدف الحياد الكربوني في العراق وبلدان الشرق الأوسط بحلول عام 2050 أمرًا سهلًا، ويعود ذلك إلى قِلة التمويل المخصص للاستثمار في البنية التحتية أو التغييرات التكنولوجية، وفق ما اطلعت عليه مؤخرًا منصة "الطاقة" المتخصصة.
وقد يتسبب الاستغناء عن الوقود الأحفوري بأضرار وخسائر للاقتصادات والموازنات الحكومية لمصدّري الطاقة في الشرق الأوسط.
جاء ذلك في تقرير معهد الشرق الأوسط (MEI)، في العاصمة الأميركية واشنطن ومجموعة السياسات بشأن العراق (IPG) بعنوان "التنوُّع الاقتصادي وتحول الطاقة في العراق والخليج"، ونشره مؤخرًا موقع المعهد.
وقد أدى التهديد المتزايد للتغير المناخي والتحديات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن هذه الظاهرة إلى إثارة أزمة وجودية في العراق، الذي يمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، في ظل البيئة السياسية المتقلبة التي أعقبت الانتخابات والاضطرابات الاجتماعية المستمرة.
وفي المقابل، تدعو اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن التغير المناخي إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي إلى ما لا يزيد على درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ويفضل ألا تزيد على 1.5 درجة مئوية فوق تلك المستويات.
ويتطلب تحقيق الحفاظ على حرارة كوكب الأرض دون مستوى 1.5 درجة مئوية أن تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي يتسبب فيها الإنسان، إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
الخطوات الواقعية لسياسة المناخ
يمكن للعراق وبلدان منطقة الشرق الأوسط اتخاذ خطوات واقعية قد تستفيد منها بغض النظر عما إذا كان العالم قادرًا على الوصول إلى أهداف التغير المناخي المعلنة وتشمل هذه الخطوات:
- التوقف عن حرق الغاز الطبيعي واستخدامه لإنتاج الكهرباء أو التصدير، وستساعد هذه الخطوة في توفير التمويل الحكومي الذي يُنْفَق على الوقود المستورد، وتحقيق الأهداف البيئية، وزيادة موثوقية الكهرباء.
- إنهاء دعم استهلاك الوقود الأحفوري، وستؤدي هذه الخطوة إلى تقليل الاستهلاك وتخفيف الضغط على الميزانيات الحكومية، حسب بيانات اطلعت عليها منصة "الطاقة" المتخصصة.
ومن التدابير المفيدة بغض النظر عن الأهداف المناخية:
- تحسين تقييم المشروعات وإدارتها، وسيساعد هذا في جذب تريليونات الدولارات التي من المحتمل أن تصبح متاحة للتمويل لتحقيق أهداف المناخ العالمية.
- تحديث المباني وتدريب السكان على تحقيق ذلك، ما سيؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة وتوفير فرص عمل مستقرة، بالإضافة إلى تقليل استهلاك الطاقة وتوفير فرص عمل مستقرة.
الفرص الداعمة للأهداف المناخية:
- الاستثمار في الطاقات البديلة، وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤهلة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إذ انخفضت تكلفة هذه التقنيات منذ عام 2010.
- تركيب المحطات النووية، على الرغم من كونها مرتفعة التكلفة، يمكن أن يساعد في معالجة قضايا المناخ وتحسين موثوقية الكهرباء.
الفرص المستقبلية المتاحة
يُعدّ الشروع في البحث ونشر التقنيات الجديدة، التي ستكون مطلوبة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، من أهم الفرص المستقبلية المتاحة لدى العراق وبلدان الشرق الأوسط لتحقيق الحياد الكربوني.
وتُعد هذه التقنيات الجديدة إمّا قيد التطوير وإما موجودة في مرحلة العرض أو النموذج الأولي، ولكن هناك حاجة إلى جهود ابتكار كبيرة لتقديمها إلى السوق، حسبما نشر موقع معهد الشرق الأوسط (MEI) في 16 يونيو/حزيران الجاري.
وتشمل هذه التقنيات البطاريات الفعالة، والتقاط الكربون في الهواء مباشرة، واحتجاز الكربون، وإنتاج الهيدروجين، والطاقة الشمسية الفضائية.
علاوة على ذلك، يمكن للمنطقة الانضمام إلى اتحادات الأبحاث، التي تركز على هذه التقنيات، وتمويل معاهد البحوث الوطنية أو الإقليمية، ونشر المشروعات التجريبية والتعلم منها.
وهنا تبرز الحاجة إلى التمويل للمساعدة في دفع تكاليف تقنيات الطاقة الجديدة، للمساعدة في بناء مهارات القوى العاملة التي ستعمل على التقنيات الجديدة وإعادة تدريب أو تقديم الدعم للعمال الذين قد يُسرّحون من العمل في مسار تحول الطاقة.
لهذا سيتعين على دول المنطقة ضمان ثقة المستثمرين الدوليين في القدرات الوطنية لتنفيذ المشروعات والبرامج.
وقد يتوفر مجال واسع للتعاون الإقليمي، إذ تساعد البلدان الغنية المنتجة للموارد في تمويل الجهود في جميع أنحاء المنطقة، ليس من قبيل الإيثار، وإنما بدافع المصلحة الذاتية المتمثلة في كسب عائد على استثماراتهم ودعم انتعاش منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية.
تحدي الحياد الكربوني
في أواخر عام 2021، قُدِّرت درجة حرارة الغلاف الجوي بـ1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية وكانت في طريقها لتصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، ما يسلط الضوء على التحدي الذي يهدد العالم.
وقدَّرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الوصول إلى هدف الحفاظ على حرارة كوكب الأرض دون مستوى 1.5 درجة مئوية يتطلب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يسببها الإنسان بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010.
وحددت الهيئة موعد الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
- محطة براكة للطاقة النووية.. مشروع إماراتي غير مسبوق في الشرق الأوسط
- تطورات محطة الضبعة النووية.. وتكنولوجيا تضع مصر في المرتبة الثالثة (خاص)
وبدءًا من نهاية عام 2021، قدمت 38 دولة التزامات الحياد الكربوني من خلال إعلان أو تعهد أو وثيقة سياسية أو بمقتضى القانون.
وأصدرت 112 دولة بيانات بشان الحياد الكربوني، وقدمت 75 أخرى بعض البيانات أو الالتزامات المتعلقة بالمناخ، مثل اقتراح الحياد الكربوني أو هدف كثافة الانبعاثات، أو نشر وثيقة سياسة تحتوي على هدف الحياد الكربوني.
ومن بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حددت 5 دول التزامات بتحقيق الحياد الكربوني إما في إعلان وإما في تعهد وإما في وثيقة سياسة تمتد لسنوات، وتتراوح من عام 2050 إلى عام 2060، حسب تقرير اطلعت عليه منصة "الطاقة" المتخصصة.
وتشمل هذه الدول البحرين، من خلال تعهد لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وإسرائيل بحلول عام 2050، وتركيا بحلول عام 2053، والمملكة العربية السعودية بحلول عام 2060، والإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2050.
واقترح لبنان واليمن موعد الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
سياسات مناخية واقعية
يواجه الشرق الأوسط تحديات عديدة في الوفاء بأي التزامات للحياد الكربوني. وتعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موقعًا لـ8 بلدان واقتصادات منخفضة الدخل وقد تواجه مشكلة في تمويل العمل المناخي.
وتُعد هذه المنطقة موطنًا لبعض منتجي الطاقة البارزين في العالم.
في عام 2020، استحوذت المنطقة على 51.3% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، و43.4% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، وتعتمد هذه البلدان على مبيعات المشتقات النفطية لتمويل موازناتها الحكومية وتحفيز نموها الاقتصادي.
وتواجه العديد من دول المنطقة ضغوطًا مناخية، بما في ذلك الجفاف الذي يضرب الأراضي الزراعية والمراعي ويدفع الفلاحين الريفيين إلى الهجرة إلى المدن.
وقد لخص هذه التحديات نائب رئيس الوزراء ووزير المالية العراقي، علي علاوي، والمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، بالقول: "إنه قد يكون لتحول الطاقة الذي يفشل في التعامل مع البلدان المنتجة للوقود الأحفوري واحتياجاتها آثار عميقة على الأمن الإقليمي والدولي واستقرار أسواق الطاقة العالمية".
وعندما تبدأ عائدات النفط في الانخفاض قبل أن تنجح الدول المنتجة في تنويع اقتصاداتها، فسوف تفقد سبل العيش وسترتفع معدلات الفقر.
وقد تؤدي الصعوبات الاقتصادية والبطالة المتزايدة، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتميز بسرعة نمو عدد السكان وبأنها تحتوي نسبة كبيرة من السكان الشباب، إلى حدوث الاضطرابات وعدم الاستقرار.
التدابير اللازمة لتحقيق الحياد الكربوني
يُعدّ وقف حرق الغاز الطبيعي واستخدامه في إنتاج الكهرباء أو التصدير من أهم التدابير اللازمة بغض النظر عن الأهداف المناخية في إقليم كردستان والعراق والشرق الأوسط.
في عام 2020، أطلق العراق 17.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط، ليحتل المرتبة الثانية في العالم بعد روسيا. وحلّ العراق في المرتبة الثانية بعد روسيا في عام 2019.
وأسهم حرق الغاز الطبيعي في عام 2020 بانطلاق 34.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أي نحو 20% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العراق.
ويستخدم العراق الغاز الطبيعي لتوليد بعض الكهرباء، ويحرق أيضًا النفط الخام مباشرةً في محطات توليد الكهرباء، ويأتي جزء كبير من الغاز الطبيعي من إيران.
وفي دولة العراق الاتحادية، يعني هذا الاستخدام نقصًا في الواردات وتراجع خدمة الكهرباء، لا سيما خلال أشهر الصيف.
من جانبها، أعطت وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان منتجي حقول النفط أمرًا بوقف الحرق بحلول أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيكون الأمر نافذًا.
وعلى الرغم من أن حرق الغاز يسهم في نحو 1% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، فإن إنهاءه يمكن أن يساعد في تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، حسبما نشر موقع معهد الشرق الأوسط (MEI) في 16 يونيو/حزيران الجاري.
تُجدر الإشارة إلى أنه توجد إسهامات تتجاوز مجرد إنهاء الحرق، مثل تحويل الغاز إلى إنتاج الكهرباء، الذي يمكن أن يقلل من انبعاثات الكربون من هذا الإنتاج من خلال استبدال استخدام أنواع الوقود شديدة التلويث.
ومن وجهة نظر إقليم كردستان وجميع أنحاء العراق، فإن إنهاء حرق الغاز واستخدام الغاز لتوليد الكهرباء يمكن أن يوفر الأموال المستخدمة للواردات الأكثر تكلفة ويزيد من موثوقية توليد الكهرباء، ما يُسهم في تحسين نمط حياة السكان.
وحتى في غياب المنافع البيئية، فإن العراق سيستفيد من إنهاء حرق الغاز الطبيعي واستخدامه لتوليد الكهرباء، بل وحتى في دعم الصادرات.
وبلغ دعم الطاقة الصريح -تخفيض لتكاليف التوريد- للمواد الهيدروكربونية والكهرباء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 479.7 مليار دولار، أو 33.6% من الإجمالي العالمي. ويمكن أن ينطوي هذا الدعم على آثار ضارة، وفقًا للبيانات التي جرى جمعها صندوق النقد الدولي.
في المقابل، تشكل هذه الإعانات حافزًا لزيادة استخدام الوقود الأحفوري، ولظهور عدم المساواة في المزايا الحكومية، لأنه إذا استخدم الأثرياء أنواعًا من الوقود الأحفوري أعلى من المتوسط ، فسوف يحصلون على المزيد من الإعانات، حتى لو كانوا بحاجة إلى كميات قليلة منها.
وتُعد الإعانات مكلفة للحكومات وتقلل من الموارد المتاحة لدفع تكاليف البنية التحتية أو التعليم أو دعم الأشخاص الفقراء.
إمكانات الطاقة المتجددة
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمزايا محددة تتعلق بكل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتتلقى نسبة كبيرة من دول المنطقة إشعاعًا طبيعيًا مباشرًا يوميًا من الشمس يزيد على 5 كيلوواط/ساعة، وهو المستوى الذي يكون فيه التوليد من تقنيات الطاقة الشمسية مجديًا من الناحية الاقتصادية.
ويشير أحد التقديرات إلى أن المنطقة ستكون قادرة تقنيًا، إن لم تكن قادرة اقتصاديًا، على إنتاج ما يعادل أكثر من نصف الطلب العالمي على الكهرباء عبر توليد الطاقة الشمسية.
وبالنسبة إلى توليد الكهرباء بطاقة الرياح، يلزم الحد الأدنى لمتوسط سرعات الرياح التي تزيد على 5 أمتار في الثانية على ارتفاع 50 مترًا، وهذا ينطبق على أكثر من 75% من المنطقة.
اقرأ أيضًا..
- الصفقة الخضراء الجديدة في أميركا واضطرار أوروبا للوقود الأحفوري (مقال)
- ملف الطاقة في العراق.. لؤي الخطيب يرصد الأزمة وأبرز التحديات (تقرير)
- المغرب سيكون مفتاح حل أزمة الغاز في أفريقيا مستقبلًا (دراسة)