أزمة الكهرباء في الوطن العربي.. هل الحل في الطاقة المتجددة؟ (تقرير)
أنس الحجي: الدول الغنية تعاني أيضًا.. وجيسيكا عُبيد: الدعم أبرز المشكلات
أحمد بدر
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي إن هناك أزمة تتعلق بالكهرباء في الوطن العربي، وهي أن بعض الدول العربية تواجه عجزًا في الإمدادات، ضمن أزمة طاقة خانقة، بالإضافة إلى عجز في إمدادات الوقود.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة" على موقع تويتر، تحت عنوان "أزمات الكهرباء في الوطن العربي.. هل الحل في الطاقة المتجددة؟"، استضاف خلالها مستشارة سياسات الطاقة والمتخصصة في الكهرباء والطاقة المتجددة، جيسيكا عُبيد.
وأضاف الحجي أن بعض الدول العربية تعاني ارتفاع تكلفة واردات الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى عبء الإعانات (والمقصود هنا دعم الوقود) على ميزانيات هذه الدول.
وتابع: "بالنسبة إلى الدول العربية الغنية، فهي تعاني مشكلتين، الأولى تتعلق بمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء مستقبلًا، والمشكلة الثانية هي كيفية القيام بذلك بما يتناسق مع سياسات التغير المناخي والحياد الكربوني".
الكهرباء والتنمية والاقتصاد
قال الدكتور أنس الحجي إن هناك رابطًا كبيرًا بين الكهرباء والتنمية، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما، وهو الأمر الذي يمنح أهمية إضافية لموضوع حلقة اليوم، فبجانب رصد الأزمة في الدول العربية هناك حاجة إلى ربطها بموضوع التنمية.
من جانبها، قالت الخبيرة الدولية جيسيكا عُبيد إن موضوع الكهرباء يُعد أمرًا إنمائيًا متعلقًا بالاقتصاد، فلن يكون هناك اقتصاد منتج إذا كانت تكلفة الكهرباء باهظة مثلما نشهد في بعض الدول العربية، ولكن في المجمل فإن أولى المشكلات التي تواجهها بعض الدول العربية هي الدعم.
وأضافت: "دعم الكهرباء يسبب عجزًا كبيرًا لدى الشركات المسؤولة عنها وللحكومات، وهو أمر لا يشعر به المواطن العادي، ولكنه يشكل عائقًا أمام الاستثمارات في قطاع الكهرباء في العديد من الدول، وغياب هذه الاستثمارات يؤدي إلى وجود مشكلات كثيرة وكبيرة في الشبكات، التي تصبح قديمة ومتهالكة وعرضة لكثير من التحديات، من بينها مواجهة الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح".
ولفتت إلى أن كثيرًا من الدول العربية لديها مشكلة في إمكان تأمين التغذية الكاملة للكهرباء، فهناك طلب مرتفع للغاية على الكهرباء، وهذا الطلب لدى بعض الدول يتزايد بصورة سنوية، حتى إن بعضها يزيد المحطات الكهربائية بمعدل 7-10% سنويًا، وهو معدل مرتفع للغاية يفوق المعدل العالمي البالغ 5%.
وشددت على أن ارتفاع الطلب على الكهرباء يشكل حاجزًا وعائقًا لكل الدول العربية، ومن بينها المغرب ولبنان.
الطلب على الكهرباء في المغرب
قالت مستشارة سياسات الطاقة، جيسيكا عُبيد، إن الطلب على الكهرباء في المغرب يحتاج إلى زيادة تصل إلى 1000 ميغاواط سنويًا، وهو ما يتعارض مع إستراتيجية الطاقة المغربية بزيادة نسبة الطاقة البديلة والمتجددة بنسبة 52% بحلول عام 2030، خاصة أن مواجهة الطلب المرتفع تتطلب زيادة اللجوء إلى الوقود الأحفوري والفحم.
وأضافت أن المغرب حقق إنجازًا كبيرًا بتوصيل الكهرباء إلى أغلب المناطق الريفية، إذ ارتفعت نسبة وصول الكهرباء إلى الريف من 20% في عام 1997 إلى 99% في عام 2017، موضحة أن الإنجازات شملت أيضًا الشراكة مع القطاع الخاص والدعم المؤسساتي.
وأوضحت أن المغرب يُعد أكبر دولة عربية من حيث استخدام الطاقة البديلة، لذا ارتفع الطلب على الكهرباء هناك من جانب الأوروبيين، الذين يبحثون حاليًا عن مصادر بديلة لتأمين الغاز والكهرباء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولفتت إلى أن بريطانيا تحاول استيراد الكهرباء من المغرب، الأمر الذي يتطلب زيادة الخطوط المارة تحت البحر من المغرب إلى إسبانيا، من 700 كيلومتر إلى 3 آلاف كيلومتر لتصل إلى المملكة المتحدة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى موارد مالية وتقنية ضخمة، وقد يستغرق أكثر من عامين.
وتوجه الدكتور أنس الحجي بسؤال حول إمكان استخدام صحراء شمال أفريقيا، من جانب دول مثل المغرب والجزائر لإنشاء محطات للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء من المصادر النظيفة، وتصدير هذا الإنتاج إلى أوروبا.
وقالت عُبيد إن أوروبا قد تحصل على الكهرباء النظيفة من هذه الدول، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى أن تكون المصادر كلها نظيفة، وهو أمر يرتبط بتحول الطاقة في دول شمال أفريقيا.
مضيفة: "الأمر يحتاج إلى استثمارات كبيرة في نقل الكميات الكبيرة، والإنتاج من المصادر المتجددة والنظيفة، بجانب تشريعات ومؤسسات قوية وتنظيمية ترعى الطاقة البديلة".
وعلقت مستشارة شؤون الطاقة على سؤال آخر للدكتور أنس الحجي، يتعلق بإمكان بناء المغرب محطات توليد بالغاز تكفي احتياجاته وأكثر، ومن ثم تصدير الفائض من هذه المحطات إلى دول أوروبا. وقالت إن المغرب تلقى عروضًا، بأن يأتيه الغاز ليحوله إلى كهرباء قبل تصديره إلى أوروبا مرة أخرى.
أزمة الكهرباء في لبنان
قالت مستشارة الطاقة الدولية جيسيكا عُبيد، إن أزمة الطاقة في لبنان عمرها أكثر من 3 عقود، لأن الطلب على الكهرباء في لبنان يرتفع سنويًا خلال الـ30 عامًا الماضية مثلما يحدث في الدول العربية كافّة، ولكن لبنان لا تزيد محطات التوليد لديه لمواجهة هذا الطلب، إذ إن آخر محطة أسّست عام 1999.
وأوضحت أنه خلال أكثر من 20 عامًا، لم يزد لبنان سوى 270 ميغاواط في الشبكة من المولدات، لافتة إلى أن البلاد تحتاج إلى 3 آلاف و600 ميغاواط في أوقات الذروة، ولكنها لا تملك في الوقت الحالي سوى أقل من 1600 ميغاواط، أي أن هناك حاجة إلى 2000 ميغاواط ولا توجد زيادات منذ سنوات.
وتابعت جيسيكا عُبيد: "هناك أيضًا أزمات مالية، لأن تكلفة إنتاج الكهرباء في لبنان باهظة، لأنه لا ينتج الوقود اللازم لتوليد الطاقة، ويلجأ إلى استيراد الديزل والغاز من الخارج بأسعار باهظة، لذا فإن تكلفة الإنتاج هناك تتخطى 16 سنتًا لكل كيلوواط/ساعة".
وأضافت: "بالإضافة إلى ذلك، هناك إهدار فني وغير فني، فالهدر الفني في الشبكة، في حين غير الفني يتمثل في عدم الجباية وعدم الفوترة (تحصيل الفواتير) من جانب الشركات، كما أن نسبة التعديات على الشبكة تصل تقريبيًا إلى نحو 40%".
وأشارت إلى أن كل هذه الممارسات أدت إلى أزمة كبيرة لشركة الكهرباء، المملوكة للدولة، التي أشارت آخر الإحصائيات إلى أن الحكومة اللبنانية كانت تدعمها بما يعادل 40 مليار دولار، منذ أواخر عام 1992 وحتى عام 2021 الماضي.
وقالت جيسيكا عُبيد إن لبنان في حاجة إلى 2.5 مليار دولار لتحسين قطاع الكهرباء وتغييره بنسبة 180 درجة، ولكن ما أُنفق (40 مليار دولار) يتجاوز هذا الرقم بكثير، وذهب في تغطية التكلفة الباهظة للإنتاج والدعم، بالتزامن مع انخفاض التعرفة، لا سيما أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في زيادة سعر التعرفة.
ولفتت إلى أن المواطن اللبناني كان يعتمد على المولدات في توفير التيار لمدة 6 ساعات أو وقت النهار، ولكن حاليًا يعتمد المواطن على المولدات لتوليد التيار لمدة تصل إلى 20 ساعة، لأن الشركة الحكومية لا تغطي أكثر من ساعتين يوميًا.
حلول أزمة الكهرباء في لبنان
أشارت جيسيكا عُبيد إلى أن هناك حاجة إلى خطة لتحسين قطاع الكهرباء في لبنان لتجاوز الأزمة الحالية، يبدأ بتحسين الحوكمة في هذا القطاع، لأن الحلول التقنية موجودة وبوفرة، والحلول المالية يمكن توفيرها في حالة وجود حوكمة صحيحة وإدارة أفضل.
- كيف تأثرت الدول العربية بأزمة الطاقة؟.. صندوق النقد العربي يكشف بالأرقام
- هل يحل الهيدروجين محل الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء؟
وأضافت: "هناك حاجة إلى هيئة تنظيمية، لا سيما أن لبنان لديه منذ عام 2002 قانون لتأسيس هذه الهيئة، والآن بعد 20 عامًا لا توجد هيئة كهذه"، بجانب تحفيزات للمواطنين للاستثمار في هذا القطاع.
وأوضحت أنه على المدى البعيد يجب أن يكون الهدف هو تأمين الكهرباء بأسعار معقولة في متناول يد المواطن اللبناني، وعلى المدى القريب والمنظور يجب أن يكون هناك تأمين للكهرباء لأكثر من الساعتين الحاليتين، وهو أمر يتطلب وجود لامركزية للطاقة البديلة.
اقرأ أيضًا..
- تقرير أوابك عن 6 دول عربية أبرزها السعودية والجزائر ومصر.. وإنجاز لسلطنة عمان
- الطاقة النووية في أستراليا خارج المنافسة.. التكلفة ووفرة الموارد المتجددة أبرز الأسباب
- لتوسعة حقل الشمال.. من يفوز بمشروع الغاز القطري العملاق؟ (تقرير)