بريطانيا تُقر ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز.. هل تحل الأزمة أم خطأ فادح؟
مي مجدي
- بريطانيا تُعلن فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط بنسبة 25%
- الضريبة ستتضمن خصمًا ضريبيًا جديدًا لتحفيز الاستثمارات
- وفقًا للمحللين والسياسيين القرار سيؤدي إلى تراجع الاستثمارات في بحر الشمال
- أوفغيم تعلن ارتفاع فواتير الطاقة إلى 2800 جنيه إسترليني
- تغير موقف الحكومة السابق المناهض لفرض الضريبة ناتج عن مصالح سياسية
- أسهم شركات النفط والغاز في بريطانيا تتأثر بالقرار
- ارتفاع التضخم في بريطانيا إلى أعلى مستوياته منذ 40 عامًا عند 9%
رغم حالة الشد والجذب التي شهدتها الأوساط البريطانية خلال الأشهر الماضية، أعلنت الحكومة فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز، ووعدت بمواصلة دعم الشعب البريطاني.
وفي هذا الصدد، أكد وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، فرض ضريبة على أرباح صناعة النفط والغاز، موضحًا أن الإجراءات "المؤقتة" سترفع الإيرادات بنحو 5 مليارات جنيه إسترليني (6.2 مليار دولار أميركي) خلال العام المقبل، من خلال زيادة معدل الضريبة على شركات النفط والغاز إلى 62%، من 40% حاليًا.
(جنيه إسترليني= 1.26 دولارًا أميركيًا)
وأوضح أن القرار سيدخل حيز التنفيذ، اليوم الخميس 26 مايو/أيار، مع بدء إلغائه تدريجيًا فور عودة أسعار النفط والغاز إلى مستوياتها الطبيعية.
إلى جانب ذلك، أعلنت الحكومة حزمة دعم بقيمة 15 مليار جنيه إسترليني للأسر، ضمن مساعيها للتخفيف من حدة غلاء المعيشة في البلاد.
وتأتي هذه الإجراءات وسط تزايد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات رادعة، بعدما أدى ارتفاع التضخم إلى زيادة أسعار المنتجات كافة، بدءًا من الغذاء إلى الوقود.
حل للأزمة أم خطأ فادح؟
قال وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، إن الضريبة ستسهم في اتخاذ إجراءات مختلفة، من بينها توزيع مدفوعات بقيمة 650 جنيهًا إسترلينيًا على 8 ملايين أسرة ذات دخل منخفض، فضلًا عن دفع مبالغ إضافية للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين.
كما ستشمل الإجراءات مضاعفة برنامج بقيمة 200 جنيه إسترليني لدعم الأسر البريطانية إلى 400 جنيه إسترليني، حسبما نقل موقع إنرجي فويس (Energy Voice) واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي خطابه أمام مجلس العموم، قال سوناك إن المملكة المتحدة معرضة لمخاطر تقلبات أسعار الطاقة في أوروبا، وارتفاع التضخم الذي تشهده البلاد يتسبب في زيادة معاناة المواطنين.
وتابع: "يحقق قطاع النفط والغاز أرباحًا استثنائية، ولم يكن ذلك نتيحة المجازفة أو الكفاءة، وإنما نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب الروسية".
وأشار إلى تأييده لفرض ضرائب عادلة على شركات النفط والغاز، لكن "يجب التوصل إلى حل وسط معقول".
وقال: "ستُفرض الضريبة الجديدة على شركات النفط والغاز بمعدل 25%، وستكون مؤقتة، وعند عودة أسعار النفط والغاز إلى مستوياتها الطبيعية المعتادة، ستُلغى الضريبة تدريجيًا بشرط توضيح ذلك في التشريع".
وأوضح أن الضريبة تتضمن خصمًا ضريبيًا جديدًا على الاستثمارات لتحفيزها، بمعني كلما زاد استثمار الشركات تقلصت الضريبة.
وقال: "هذا يعني أن الشركات سيكون لديها حافز جديد لإعادة استثمار أرباحها.. فإجمالي الإعفاءات الضريبية لشركات النفط والغاز سيتضاعف تقريبًا، أي أن مقابل كل جنيه تستثمره الشركة، ستسترد 91 سنتًا".
وردًا على ذلك، يرى مدير السياسات في غرفة التجارة بأبردين وغرامبيان، ريان كرايتون، أن تأثير فرض ضريبة غير متوقعة على المدى القصير لن يحقق شيئًا يُذكر، ناهيك بإبعاد المستثمرين عن منطقة بحر الشمال.
وقال إن "الاستقرار الضريبي والمالي أهم من أي شيء آخر في سوق استثمارية تنافسية على الصعيد العالمي، واليوم ارتكبنا خطأ فادحًا".
استمرار الجدل لشهور
واجهت هذه الإجراءات رفضًا شديدًا من قبل شركات النفط والغاز، وأدى ذلك إلى استمرار الجدل لأشهر.
وقالت المستشارة البريطانية في حكومة الظل، راشيل ريفز، إن القرار يأتي بعد 5 أشهر من اقتراح حزب العمال فرض الضريبة.
واسشتهدت بتعليق سابق للرئيس التنفيذي لشركة النفط البريطانية بي بي، برنارد لوني، يُشبّه النفط والغاز بـ"آلة النقود"، بعد ارتفاع راتبه السنوي بأكثر من الضعف وتزايد أرباح الشركة نتيجة أسعار النفط القياسية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صوّت أعضاء البرلمان بالرفض على فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز، ما دفع زعيم حزب العمال كير ستارمر إلى حثهم على عدم التردد وتغيير السياسات.
وفي الوقت نفسه، يتسابق السياسيون لإيجاد حلول لدعم الأسر البريطانية، خاصة من أصحاب الدخل المنخفض، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة المتواصل.
وخلال هذا الأسبوع، أعلنت الهيئة التنظيمية للطاقة في بريطانيا "أوفغيم" أنه من المقرر ارتفاع فواتير الطاقة إلى 2800 جنيه إسترليني سنويًا، أي بزيادة قدرها 800 جنيه إسترليني عن شهر أكتوبر/تشرين الأول، وسيتسبب ذلك في معاناة الملايين من نقص الوقود، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الجانب الآخر، حذرت الرئيسة التنفيذية لشركة أوفشور إنرجيز يو كيه -الهيئة التي تمثل صناعة النفط والغاز البحرية في بريطانيا- ديردري ميتشي، والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة في أبردين وغرامبيان، راسل بورثويك، من هذا الإجراء.
ويرى كلاهما أن فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز سيضر بالاستثمار، وسيشكل خطرًا على أمن الطاقة، كما سيحد من الجهود المبذولة لتحقيق تحول الطاقة.
وقالت شركة أوفشور إنرجيز يو كيه، إن الضريبة ستتسبب في فقد استثمارات مقررة في هذا القطاع بقيمة 200 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2030، والجزء الكبير منها سيذهب إلى الطاقة النظيفة.
تراجع الحكومة عن موقفها
يمثل القرار الحالي تغيرًا كبيرًا في موقف حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، التي قاومت في السابق فرض ضريبة غير متوقعة.
كما أن وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، كان من مؤيدي عدم فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز، والحجة الرئيسة التي استخدمها في ذلك الوقت هي أن الضريبة ستثبط استثمارات الشركات الكبرى في استكشاف الغاز وتحولها إلى الطاقة المتجددة.
وصرّح في فبراير/شباط الماضي بأنه يريد جذب الاستثمارات في بحر الشمال، لا سيما أن العام الماضي تراجعت الاستثمارات.
وقال: "هناك مشروعات بقيمة 11 مليار جنيه إسترليني مقرر تنفيذها، ودعمها سيعود بالنفع على البلاد وسيوفر الوظائف للبريطانيين، والحفاظ على أمن الطاقة".
ومع استمرار الضغط من السياسيين والنشطاء بعد تفاقم أزمة الغلاء، قال وزير المالية إن شركات الطاقة تحقق أرباحًا قياسية، في حين يعاني البريطانيون.
ويأتي الإعلان -أيضًا- في وقت يحرص فيه جونسون على تغيير الجدل القوي حول الحفلات غير القانونية في مكتبه بداونينغ ستريت خلال الإغلاق الصحي، حسب وكالة رويترز.
وقال حزب العمال -الذي ناضل من أجل فرض ضريبة غير متوقعة- إن التحول في موقف الحكومة كان بدافع المصالح السياسية وليس لمساعدة المواطنين.
وقالت المستشارة البريطانية في حكومة الظل، راشيل ريفز، إن حزب العمال رأى أن فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز هو الخيار الصحيح، والمحافظون يفعلون ذلك لتصدر الأخبار بعناوين جديدة.
تأثر أسهم الشركات
ومع إعلان سوناك المفاجئ، تأثرت أسهم شركات النفط والغاز في بحر الشمال.
وتحوّلت أسهم شركة "هاربر إنرجي" -أكبر منتج للنفط والغاز في بحر الشمال ببريطانيا، إلى سلبية- لكنها قللت خسائرها بسرعة.
بينما تراجعت أسهم شركة النفط البريطانية إنكيست بنسبة 3.8%، وهو أكبر تراجع يومي لها منذ أكثر من أسبوعين، وأقل من مؤشر شركات النفط والغاز الأوروبية الذي ارتفع بنسبة 0.7%، حسبما رصدت منصة الطاقة المتخصصة.
كما تأثرت أسهم شركتي النفط البريطانية بي بي وشل بعد الإعلان، لكنها تعافت وارتفعت بنحو 0.9%.
ارتفاع التضخم
في أبريل/نيسان الماضي، وصل التضخم في بريطانيا إلى أعلى مستوياته منذ 40 عامًا عند 9%، ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع.
بينما أظهرت توقعات الحكومة الشهر الماضي أن مستويات المعيشة تشهد أكبر انخفاض لها منذ أن بدأت عمليات التسجيل في أواخر الخمسينيات.
وأعلن وزير المالية، ريشي سوناك، دعمه لبنك إنجلترا لاستخدام أسعار الفائدة للسيطرة على الوضع، قائلًا "ارتفاع التضخم الذي نشهده اليوم يزيد من معاناة الشعب في هذا البلد".
ولامست العقود الآجلة للسندات الحكومية أدنى مستوى يومي لها بعد حديث سوناك، وكان أداؤها ضعيفًا مقابل قروض الحكومة الألمانية والأميركية.
وفي هذا الشأن، أوضح كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس، بول ديلز، أن الدعم المالي الإضافي للأسر الذي كشف عنه وزير المالية اليوم لن يقدر على تعويض الانخفاض في الدخل الحقيقي للأسر من ارتفاع أسعار الخدمات، لكنه سيخفف من وطأة الأزمة وسيدعم النشاط الاقتصادي.
وقال: "هناك ملايين من الأسر بحاجة إلى هذا الدعم، لكنه لن يحد من الأزمة، وقد يعني ذلك أن يرفع بنك إنجلترا سعر الفائدة للتغلب على التضخم".
اقرأ أيضًا..
- بعد اتجاهها لعقود الغاز طويلة الأجل.. حلول أوابك قد تنقذ أوروبا (تقرير)
- محطة براكة للطاقة النووية.. مشروع إماراتي غير مسبوق في الشرق الأوسط
- بالأرقام.. صادرات الغاز المسال الأميركية تحقق قفزة تاريخية بفضل حصار روسيا