تمثل الزيادة في أسعار الوقود شبحًا تخشاه حكومات الدول الكبرى والصغرى؛ لقدرته على إشعال فتيل الاحتجاجات الشعبية؛ حيث يؤدي أي تحريك في وقود النقل إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات كافة، وزيادة معدلات التضخم.
ويرى محلل الطاقة، جوليان لي، أن الزيادة في أسعار البنزين والديزل يجب أن يقابلها تراجع في الطلب وليس زيادة في الدعم الحكومي أو خفض أسعار أو رسوم الوقود كما تفعل معظم الحكومات في مثل هذه الأزمات.
ومع انتعاش الطلب العالمي بعد الخروج من كبوة وباء كورونا، والمخاوف من نقص إمدادات الطاقة جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، قفزت أسعار النفط فوق مستويات 112 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت تدور في فلك 70 دولارًا للبرميل خلال عام 2021.
السياسات الخاطئة في خفض أسعار الوقود
في مارس/آذار الماضي، بعد إعلان حكومة المملكة المتحدة خفض رسوم الوقود لمدة عام، جادل المحلل المتخصص في أسواق الطاقة، خافيير بلاس، بأن الحكومات تتبع سياسات الطاقة الخاطئة في تشجيع الطلب على الوقود بدلًا من كبحه.
"لقد كان محقًا تمامًا، تتزايد الأدلة على أخطاء صانعي السياسة، ومع ذلك هم لا يفعلون شيئًا لتصحيح أخطائهم، بل يزيدون الأمور سوءًا"، بحسب جوليان لي.
ووصلت أسعار البنزين والديزل إلى مستويات قياسية في مختلف أنحاء العالم؛ ففي الولايات المتحدة تجاوز سعر البنزين 4 دولارات للغالون في جميع الولايات الـ50، الأسبوع الماضي، للمرة الأولى على الإطلاق في تاريخ أميركا، على الرغم من أن موسم ذروة القيادة لم يبدأ حتى الآن.
ووفقًا لجمعية السيارات الأميركية؛ يبلغ متوسط سعر غالون البنزين في ولاية واشنطن 5.18 دولارًا، ويتجاوز ذلك المتوسط على الصعيد الوطني البالغ 4.59 دولارًا، وهو ضعف المتوسط البالغ 2.41 تقريبًا خلال الشهر الأخير من رئاسة الرئيس السابق دونالد ترمب.
ويتجاوز متوسط الأسعار المحلية للديزل والبنزين في الولايات المتحدة الأميركية، مستوياته التي وصل إليها في ذروة الأزمة المالية العالمية في 2008.
ووصل متوسط أسعار الديزل في أميركا إلى مستوى قياسي عند 5.573 دولارًا للغالون الواحد يوم الثلاثاء 17 مايو/أيار.
نقص مخزونات نواتج التقطير
في المملكة المتحدة، تسجل أسعار الوقود أرقامًا قياسية على الرغم من خفض الرسوم بنحو 5 بنسات للتر الواحد نهاية مارس/آذار الماضي، والذي كان من المفترض أن يترجم في انخفاض الأسعار بمقدار 6 بنسات، وهو الأمر الذي تحقق لمدد قصيرة، قبل أن تضغط عوامل العرض والطلب على أسعار الوقود بنوعيه ليعود لمستويات ما قبل خفض رسوم الوقود.
وتكمن المشكلة في أن مخزونات الوقود قد وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات؛ وكانت مخزونات نواتج التقطير المتوسطة التي تشمل الديزل وزيت التدفئة ووقود الطائرات، لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند أدنى مستوياتها منذ 12 عامًا في نهاية مارس/آذار.
وفي الساحل الشرقي للولايات المتحدة، انخفضت مخزونات التقطير لأنواع الوقود نفسها إلى مستويات لم تشهدها من قبل، وتراجعت مخزونات البنزين إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2014.
يقول محلل الطاقة، جوليان لي، في مقال بوكالة بلومبرغ الأميركية، اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة: "إذا كانت الحكومات بحاجة إلى مزيد من الأدلة على شح إمدادات وقود النقل فيجب عليهم النظر إلى الفرق بين الأسعار الفورية والمستقبلية للوقود".
وأضاف أن التراجع في أسواق وقود الطرق (حيث تتجاوز الأسعار الفورية أسعار العقود الآجلة؛ الأمر الذي يشير إلى نقص فوري في الإمدادات)، أكبر مما كان عليه خلال عام 2008، حينما تجاوزت أسعار النفط حاجز 150 دولارًا للبرميل.
خفض الطلب على الوقود
بدلًا من إدراك أن الطلب على النفط يجب أن ينخفض، تبذل الحكومات في جميع أنحاء العالم قصارى جهدها لتكثيف استهلاك الوقود سواء من خلال خفض الضرائب أو الاستمرار في دعم الأسعار أو توبيخ تجار التجزئة لفشلهم المزعوم في تمرير التخفيضات الضريبية بالكامل.
وتدرس واشنطن فرض قانون يمنع رفع أسعار الوقود بصورة مبالغة في أثناء حالات الطوارئ، وفي بريطانيا، حث وزير الأعمال البريطاني، كواسي كوارتنغ، تجار الوقود على البيع بأسعار عادلة.
وصوّت مجلس النواب الأميركي، يوم الخميس 19 مايو/أيار، على تمرير مشروع قانون الديمقراطيين؛ الهادف إلى مكافحة التلاعب في أسعار البنزين.
وتحدد المملكة المتحدة سقفًا لأسعار الطاقة للمنازل؛ حمايةً للمستهلكين من الارتفاع الشديد لها، وقد قفزت الأسعار إلى مستويات قياسية في أبريل/نيسان الماضي، وبنسبة 54%؛ ما وضع ضغطًا إضافيًا على 22 مليون مستهلك.
وأكد جوليان لي، في مقاله الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، أن خفض أسعار الوقود لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع؛ حيث يرتفع الطلب على وقود النقل خلال فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، مع توقعات بزيادة جديدة في أسعار تذاكر الطيران.
وأشار محلل النفط الإستراتيجي لدى بلومبرغ: "يؤدي خفض رسوم الوقود -كما فعلت حكومة المملكة المتحدة وغيرها من الدول- إلى مدد سكون صغيرة وقصيرة الأجل للسائقين؛ فمع انخفاض التكلفة، يرتفع الطلب؛ ومن ثَم يؤدي إلى مزيد من الضغط على سلسلة التوريد التي تئن بالفعل، ثم يقذف بالأسعار في النطاق الذي كانت عليه قبل خفض الرسوم".
وأكد أن الحكومات يجب أن تترك أسعار الوقود تتحدد بناء على العرض والطلب على الرغم من كون الأمر مؤلمًا ومرفوضًا شعبيًا، مع توجيه المساعدة لمن يستحقها بشكل محدد.
وأشار إلى أن أسعار البنزين والديزل ستواصل الارتفاع إذا لم يُقَلَّص الطلب ليتناسب مع المعروض.
موضوعات متعلقة..
- بايدن يواجه أسعار الوقود بتوفير البنزين المخلوط بالوقود الحيوي
- ارتفاع أسعار الوقود يفاقم أزمات دول شرق أفريقيا (تقرير)
- أسعار الوقود تشعل الاتهامات للحكومة الهندية بمعاداة "المزارعين"
اقرأ أيضًا..
- النفط الإيراني ينافس الخام الروسي في السوق الموازية (مقال)
- ألمحت لرفض العقوبات ضد روسيا.. السعودية: على العالم تقدير أهمية أوبك+
- ألمحت لرفض العقوبات ضد روسيا.. السعودية: على العالم تقدير أهمية أوبك+