كيف تأثرت الدول العربية بأزمة الطاقة؟.. صندوق النقد العربي يكشف بالأرقام
كشف صندوق النقد العربي عن تأثير أزمة الطاقة العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية في الدول العربية، خاصة مع ارتفاع التضخم وتسجيله مستويات قياسية، بدعم من ارتفاع السلع وفي مقدمتها أسعار النفط والغاز.
وتوقع صندوق النفط العربي ارتفاع معدل نمو الدول العربية المصدرة للنفط التي تُسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، في حين تؤدي التطورات العالمية الراهنة إلى تأثر التوازنات الداخلية والخارجية في الدول المستوردة للنفط.
وأشار صندوق النفد العربي إلى أن الأثر الاقتصادي الأعمق للتطورات الراهنة يأتي من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، المرشحة لمزيد من الارتفاع بدعم من 3 حالات تشمل طول أمد التطورات الراهنة، واتساع نطاق العقوبات الغربية الموجهة ضد موسكو، وتأثر إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وأوضح أن الاقتصادات العربية المصدرة للنفط ستستفيد من الارتفاعات الحالية في أسعار النفط، التي ستدعم موازناتها العامة وموازين معاملاتها الجارية، فوفق تقديرات معهد التمويل الدولي يؤدي كل ارتفاع في أسعار النفط العالمية بنحو 10 دولارات للبرميل إلى زيادة في نسبة فائض ميزان المعاملات الجارية إلى الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال بنحو 3% في السعودية، ونحو 2.2 نقطة مئوية في الإمارات.
كما ستفوق الأسعار العالمية المسجلة للنفط مستويات أسعار برميل النفط المحددة لتعادل الموازنات اللازمة لغالبية الدول المصدرة للنفط، ما سيقوي من أوضاع المالية العامة ويساعد على دفع النمو الاقتصادي.
أسعار الفائدة
أوضح التقرير أن التطورات الراهنة سرّعت مسارات رفع الفائدة بما يؤثر في وتيرة التعافي الاقتصادي في الدول العربية، غير أن تدخلات السياسة النقدية غير التقليدية وحزم التحفيز النقدي من المتوقع أن تخفف نسبيًا من الأزمة.
وتوقع صندوق النقد العربي أن تؤدي التطورات العالمية الراهنة إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بما يتراوح بين 0.5 و1.0 نقطة في عام 2022، وارتفاع معدل التضخم العالمي بما يقدر بنحو 2.5 إلى 3 نقاط مئوية وفق التقديرات الدولية.
ويكمن الأثر العميق لتطورات الأوضاع في أوروبا على الاقتصاد العالمي في تأثيراتها في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، نتيجة مخاوف نقص الإمدادات لعدد من السلع الأساسية، بما يشمل السلع الزراعية والمعادن وسلع الطاقة، واستمرار تأثيرها في سلاسل الإمدادات العالمية التي لا تزال تعاني تبعات فيروس كورونا.
الاقتصادات العربية
توقع صندوق النقد العربي أن يكون للتطورات الراهنة تأثيرات متباينة على معدل نمو الاقتصادات العربية التي سجلت نموًا بنسبة 2.9% خلال 2021، في أعقاب انكماشها بنسبة 5.5% في 2020 بسبب كورونا.
وقال: من جهة سوف تؤدي الارتفاعات المسجلة في أسعار النفط العالمية إلى دعم موازنات الدول العربية المصدرة للنفط، وستعزز قدرتها على المزيد من الإنفاق الداعم للنمو الاقتصادي، ولكن من جهة أخرى، ستؤدي تلك التطورات وما نتح عنها من ارتفاعات متزايدة للأسعار العالمية للنفط والغذاء إلى ضغوطات كبيرة على موازنات الدول العربية المستوردة للنفط والغذاء.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من تبني عدد من الدول العربية إصلاحات لنظام الدعم السلعي، لا يزال عدد منها يدعم استهلاك الغذاء، وبعض منتجات الطاقة وأهمها وقود الديزل، حرصًا على تحجيم الضغوطات التضخمية المحتملة لارتفاع أسعار تلك المنتجات التي تمس شريحة من المواطنين من ذوي الدخل المنخفض.
ورغم تباين تأثير التطورات الراهنة في الاقتصادات العربية المصدرة والمستوردة للنفط، فإنه سوف يكون لها تأثير في مستويات القوة الشرائية في الدول العربية كافّة، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة أن هناك 11 دولة عربية يقل فيها متوسط نصيب الفرد من الناتح المحلي الإجمالي إلى ما دون المستوى العربي والعالمي.
النمو الاقتصادي
ستؤخر التطورات الراهنة آجال تعافي بعض الاقتصادات العربية من تداعيات جائحة كوفيد-19، فتقديرات صندوق النقد العربي قبل انتشار الجائحة كانت تشير إلى تمكّن 4 دول عربية فقط من تجاوز التداعيات الناتجة عن الجائحة في عام 2021، في حين كان یتوقع تعافي 8 دول عربیة أخرى من تداعیات جائحة كورونا بصفة كاملة في عام 2022، وامتداد أجل التعافي في باقي الدول العربية إلى ما بعد 2022.
فعلى مستوى الدول العربیة كمجموعة یتوقف أثر التطورات الراهنة على طبيعة تأثيراتها في معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية المصدرة للنفط (التي تُسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية بالأسعار الثابتة)، مقابل تأثيراتها في معدل نمو الدول العربية المستوردة للنفط (التي تُسهم بنحو 30% من الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة)، والتي تواجه تحديات ارتفاع مستويات العجز الداخلية والخارجية ومن ثم ضعف قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو مقارنة بالدول المصدرة للنفط.
التضخم في الوطن العربي
تأتي التطورات في الوقت الذي تشهد فيه بعض الدول العربیة ضغوطات تضخمیة نتيجة تداعیات انتشار متحورات فيروس كوفيد-19، والتحديات التي تواجه سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات الطلب الكلي، وعدد من العوامل التضخمیة الأخرى التي تتباين من دولة عربیة إلى أخرى.
وأشار تقرير صندوق النقد العربي إلى أن التطورات الراهنة أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسیة في عدد من الدول العربیة خاصة السلع الغذائیة والمشروبات التي تمثل المكون الأكبر من سلة السلع المكونة للرقم القياسي للأسعار، سواء على مستوى الدول النفطیة أو المستوردة للنفط.
كما تأثر المستوى العام للأسعار بارتفاع أسعار المحروقات نظرًا إلى الأهمیة النسبية الملموسة لمواد الطاقة وخدمات النقل في سلة إنفاق المستهلكين، بما یعكس التغيرات في أسعار المنتجات النفطية، علاوة على ارتفاع أسعار بعض الخدمات مثل الكهرباء والمیاه التي تتأثر بارتفاع أسعار الطاقة.
صادرات النفط العربية
أكد تقرير صندوق النقد العربي أن التطورات الراهنة سيكون لها تأثيرات ملموسة في مستويات التجارة الدولية للمنطقة العربية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الذي سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الصادرات العربية بفعل الزيادة المسجلة في أسعار النفط خلال العام الجاري، التي سجلت زيادة بنحو 40% خلال الربع الأول من 2022، في ظل الأهمية النسبية الكبيرة لصادرات النفط من مجمل هيكل صادرات الدول العربية، إذ تمثل نحو 55% من إجمالي الصادرات العربية.
ومن جهة أخرى، ستؤدي التطورات الراهنة إلى ارتفاع قيمة واردات الدول العربية من السلع الزراعية والمواد الخام، ومن ثم ارتفاع متوقع للعجز في موازين الحسابات الجارية للدول المستوردة للنفط، وفي المقابل ارتفاع الفائض المسجل في هذه الموازين للدول العربية الرئيسة المصدرة للنفط.
أسواق الطاقة
أشار تقرير صندوق النقد العربي إلى أنه على صعيد التداعيات في أسواق الطاقة على الاقتصادات العربية يمكن النظر إلى انعكاسات الأوضاع الراهنة في أسواق الطاقة العالمية على عدد من الأصعدة، سواء من حيث أثر تلك التطورات في إمدادات الطاقة وإنتاج الدول العربية الرئيسة للنفط والغاز، أو من حيث تأثيراتها في تطورات الأسعار العالمية للنفط، وانعكاس ذلك على الدول العربية المصدرة للنفط والغاز.
وقال: من حيث إمدادات الطاقة وإنتاج الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، يُشار إلى الدور المهم الذي تقدمه منظمة أوبك على صعيد ضمان استقرار سوق النفط العالمية من خلال قراراتها التي تسعى إلى المواءمة بين مستويات الطلب على النفط، والمعروض منه عالميًا.
وأشاد تقرير صندوق النفد العربي بالدور الذي أدته أوبك خلال أزمة كورونا، التي شهدت تراجع كميات الطلب على النفط بنحو 9 ملايين برميل يوميًا، ومن ثم إبرام دول أوبك والدول المصدرة للنفط اتفاقًا -في إطار ما يُعرف بإعلان تعاون أوبك+- يقضي بتعديل كميات الإنتاج بداية من شهر أبريل/نيسان 2020 للحد من تقلبات السوق، وتأكيد التزام الدول باستقرار سوق النفط، بما يضمن تعديلات طوعية للإنتاج هي الأكبر والأطوال في تاريخ قطاع النفط.
خطط أوبك
بحسب خطة التعديل الموضوعة مسبقًا لكميات الإنتاج النفطي، حتى نهاية عام 2022، وقبل التطورات الراهنة، قررت أوبك عقب اختتام كل من اجتماعاتها في نهاية فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين الالتزام بزيادة مستويات الإنتاج النفطي بنحو 400 ألف برميل يوميًا، وفي شهر أبريل/نيسان نحو 432 ألف برميل.
وتوافق أعضاء تحالف أوبك+ على أن الأساسيات الحالية لسوق النفط تشير إلى سوق متوازنة بصفة جيدة، وأن التقلبات الحالية غير ناتجة عن التغيرات في أساسيات السوق، وإنما ترجع إلى التطورات الجيوسياسية الجارية.
وبحسب بيان أوبك، يمثل إنتاج الدول العربية الأعضاء في المنظمة نحو 77.6% من إجمالي إنتاج المنظمة من النفط الخام البالغ 21.7 مليون برميل يوميًا، وفق بيانات الإنتاج عن شهر فبراير/شباط، ومن المتوقع وفق اتفاق تعديل كميات الإنتاج أن ترتفع كميات الإنتاج للدول العربية المتضمنة في اتفاق أوبك+ وعددها 8 دول إلى 22.6 مليون برميل يوميًا.
وقال تقرير صندوق النقد العربي إن الدول العربية تستحوذ على نحو 55.7% من الاحتياطي المؤكد للنفط عالميًا، وتُسهم بنحو 22% من إجمالي إنتاج النفط الخام، ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في توفير نحو 27% من واردات النفط، كما تمثل إمدادات النفط العربية كذلك أهمية كبيرة بالنسبة إلى القارة الأوروبية، بصفتها ثاني أهم مصدر للنفط الخام، بنسبة 25.3% من واردات النفط الأوروبية.
أسواق الغاز
تطرّق تقرير صندوق النقد العربي إلى أسواق الغاز، مشيرًا إلى أن إمدادات الغاز الروسية تُسهم بنحو 41.1% من إمدادات الغاز الأوروبية، في حين تُعد كل من الجزائر وقطر من بين أهم مصدري الغاز إلى أوروبا، بأهمية نسبية تُقدر بنحو 7.6%، و5.2% على التوالي.
وأوضح التقرير أن الدول العربية تمتلك نحو 26.5% من الاحتياطي المؤكد من الغاز، ومسؤولة عن 15% من الغاز المسوق عالميًا، مؤكدًا فرص استفادة عدد من الدول العربية المصدرة الرئيسة للنفط من جهود الاتحاد الأوروبي خلال المدى المتوسط لتنويع مصادر الإمدادات النفطية، التي عززت من أهميتها التطورات الراهنة، بما يشمل كلًا من قطر والسعودية والإمارات والجزائر ومصر التي تُسهم بنحو 72% من طاقات إنتاج الغاز الطبيعي المسوق على مستوى الدول العربية.
وشدد تقرير صندوق النقد العربي على أنه من أجل أن تؤدي الدول العربية دورًا في خريطة إمدادات الغاز الأوروبية في المدى المتوسط، فإن ذلك يتطلب استثمارات تؤهلها لتخزين طاقات إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره، بما يساعد على الإسهام في سد جانب من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي التي تتخطى 200 تريليون وحدة حرارية سنويًا.
ودعا صندوق النقد العربي إلى ضرورة وضع رؤية وطنية للاستفادة من الفرص التي يتيحها توجه أوروبا نحو تنويع مصادر الإمدادات من الطاقة على المدى المتوسط من خلال الاستثمار في مشروعات النفط والغاز، والتفاوض مع الدول الأوروبية لعقود طويلة المدى لتأمين إمدادات الطاقة.
وطالب صندوق النقد العربي بالاستفادة من الموقع الإستراتيجي لعدد من الدول العربية، لا سيما مصر والسعودية والإمارات لتطوير شبكة من سلاسل الإمداد الإقليمية وإنشاء مدن لوجستية داعمة للتجارة الدولية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة بالاستفادة من التقدم المحقق على مستوى عدد من الدول العربية في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
موضوعات متعلقة..
- هل تخفف زيادة إنتاج النفط والغاز حدة أزمة الطاقة العالمية؟ (تقرير)
- أزمة الطاقة تعيد النفط والغاز إلى طاولة استثمارات شركات التمويل
اقرأ أيضًا..
- النفط الروسي يتعرض لأكبر نكسة عقب الحرب الأوكرانية (تقرير)
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع انكماش الطلب العالمي على الغاز في 2022