النفط يعيد التعاون الاقتصادي بين السودان وجنوبه عقب 10 سنوات انفصالًا
والسودان يترقب إمدادات نفط الجنوب ومدفوعات الانفصال
هبة مصطفى
يعوّل السودان على صادرات النفط الخام من الجنوب، إلى جانب دفع تعويضات مستحقة وفق الاتفاقيات الموقعة عقب الانفصال عام 2011؛ للخروج من أزمته الاقتصادية الحالية التي تفاقمت إثر الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما ترتب عليه من مواقف دولية.
في المقابل، عانى جنوب السودان -أيضًا- آثار تبعات جائحة فيروس كورونا، وانخفاض الاستثمارات وتقلب أسعار النفط، في الوقت الذي كان يكافح خلاله لزيادة إنتاج الخام وصيانة الحقول النفطية.
ورغم مرور ما يقرب من 10 سنوات على الانفصال بين السودان وجنوبه؛ فإن الخام كان أداة عودة التقاء المصالح مرة أخرى.
النفط في جنوب السودان
يعتزم جنوب السودان بدء تصدير النفط الخام عبر خطوط أنابيب تنطلق من مدينة هيغليع الجنوبية ومنطقة بالوش إلى العاصمة السودانية الخرطوم، ومنها إلى ميناء بورتسودان.
ويملك جنوب السودان قدرات مهمة؛ إذ يضم احتياطيات مؤكدة تصل إلى 3.5 مليار برميل، وتؤهله تلك القدرات لإنقاذ السودان من عثرته الاقتصادية التي يواجهها حاليًا عقب توقف المنح الدولية له في أعقاب الانقلاب العسكري مطلع الربع الأخير من العام الماضي.
ويُشكل التكامل بين السودان وجنوبه أفقًا جديدًا للتوسع والنمو الاقتصادي بالمنطقة، في ظل اتجاه البلدين للتعاون من أجل زيادة الإنتاج وإعادة تأهيل البنية التحتية اللازمة.
ويخطط جنوب السودان لتطوير قطاع الهيدروكربونات، بينما يعول السودان على استمرار التدفقات من الجنوب عبر خطوطه باعتبارها أداة للاستقرار الاقتصادي، في ظل توقف المنح والقروض الدولية.
ويُعَد السودان مُستهلكًا مباشرًا للخام من جنوب السودان؛ إذ يُنْقَل 30 ألف برميل يوميًا للمعالجة في مصفاة الخرطوم، وتوفير الإمدادات لمحطة أم دباكر للطاقة الحرارية.
- دول الترويكا تطالب جنوب السودان بإعلان حجم العائدات النفطية
- النفط في السودان.. وزير الطاقة يدعو شركات 3 دول لزيادة استثماراتها
ماذا يقدم السودان للجنوب؟
بينما يملك الجنوب احتياطيات ضخمة، يملك السودان عدة مقومات تعزز التكامل النفطي بين البلدين، إذ يحظى بتوافر خطوط الأنابيب اللازمة للنقل، ومصافي التكرير اللازمة للمعالجة، والمنافذ البحرية وموانئ التصدير.
وسبق أن سجل السودان -قبل الانفصال- قفزة في الإنتاج وصلت إلى 483 ألف برميل/يوميًا؛ إذ كان حينها يمثل ثالث أكبر مُصدّر للنفط في أفريقيا.
ويحتاج السودان إلى توفير عائدات لميزانية العام الجاري، بعد توقف المنح الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا احتجاجًا على الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح البرهان، في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، وحل الحكومة.
ودفعت تلك الخطوات السودان لبحث إعادة العلاقات الاقتصادية وتعزيز دور النفط مع الجنوب، إلى جانب التوسع في تصدير الذهب؛ للتغلب على الأزمة الاقتصادية في ظل استمرار الدعم الحكومي لأسعار الطاقة والوقود المحلي والبنزين والديزل والكيروسين وغاز النفط المسال.
وما زال يحافظ السودان على دعم أسعار الطاقة التي تكلف الحكومة تكلفة باهظة سواء في الإنتاج أو الاستيراد.
ورغم خطوات الإنتاج أو اللجوء للتصدير؛ فإن الطلب المحلي ما زال يفوق الإمدادات المتاحة؛ ما دفعه للتفكير في الاستفادة من صادرات النفط من الجنوب لتوفير إمدادات الخام للمصافي السودانية.
مدفوعات نفطية مقابل الاتفاق المالي
حين انفصلت الدولتان في 2011، وقّعت كلتاهما اتفاقًا ماليًا تحت اسم "الترتيب المالي الانتقالي" ويتلقى السودان بموجبه مدفوعات تعويضية من الجنوب وصلت إلى 3 مليارات دولار، مقابل البراميل المُنتجة، ينفق السودان نصفها تقريبًا على إعادة بناء البنية التحتية للمنشآت النفطية التي تضررت بالانفصال.
وشمل الاتفاق المالي دفع التعويضات خلال مدة قدرها 3 سنوات ونصف السنة، غير أن مدة السداد خضعت للتمديد مرتين عامي 2016 و2019، ومن المقرر نهايتها الشهر المقبل.
ويمنح الاتفاق السودان حق الحصول على 26 دولارًا لكل برميل يُنقَل من جنوب السودان عبر خط أنابيب النيل الأكبر، و24.10 دولارًا مقابل كل برميل يمر في خط الأنابيب التابع لشركة بترودار.
وينص الاتفاق على خفض تلك المدفوعات إلى 9.10 دولارًا للبرميل المار عبر خط أنابيب النيل الأكبر، و11 دولارًا لكل برميل يمر في خط بترودار، بدءًا من مارس/آذار المقبل، في حالة عدم تمديد السداد مرة أخرى.
وخلال السنوات الماضية، وافق السودان على تلقي بعض دفعات تلك المدفوعات من الجنوب في صورة مدفوعات نفطية، في ظل معاناته الاقتصادية ونقص السيولة المالية.
لكن التوقعات تُشير لإعادة تفاوض جنوب السودان على المدفوعات التعويضية لاتفاق الترتيبات المالية؛ ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على السودان الذي يعوّل على تلك المدفوعات بجانب عوائد نقل النفط عبر خطوطه للخروج من أزمته المالية.
اتفاقات ثنائية
يتطلع البلدان إلى تفعيل الاتفاق الموقع بينهما عقب الانفصال عام 2011 حول تنظيم استخدام المرافق النفطية وخطوط الأنابيب، إلى جانب دفع الجنوب مستحقات تعويضية مقابل خسارة حصتها في عائد إنتاج النفط الخام، وما لحق بالبنية التحتية جراء الصراع الأهلي خلال وقت ما قبل الانفصال.
ولم يكن الاتفاق الموقّع قبل 10 سنوات هو الوحيد الداعم للتعاون النفطي بين البلدين طوال تلك المدة؛ إذ وقع السودان وجنوبه اتفاقًا -في يناير/كانون الثاني العام الماضي- لزيادة إنتاج النفط إلى 300 ألف برميل/يوميًا، ارتفاعًا من 170 ألف برميل يوميًا حاليًا في الجنوب، خلال السنوات الـ3 المقبلة، وفق صحيفة إنرجي كابيتال آند باور.
واستبق السودان اتفاق العام الماضي، بطرح مبادرة دعم للجنوب تسمح بزيادة الإنتاج في حقلي النفط (الوحدة، وتوما) الواقعين جنوب السودان، ودعم المربعين 3 و7 فنيًا، وإنشاء مكتب في العاصمة جوبا لتزويد الجنوب بمعدات الصناعة.
اقرأ أيضًا..
- مسؤول أميركي سابق: سياسات الولايات المتحدة تسهم في ارتفاع أسعار الطاقة
- نقل الهيدروجين عبر خطوط الغاز.. التكلفة المنخفضة هل تجعله خيارًا عالميًا؟
- محطات الفحم الأسترالية.. هل تعصف بحكومة موريسون أم تعرقل خطط تحول الطاقة؟