أسواق الكربون الطوعية.. فرصة الشركات لتعزيز خفض الانبعاثات
باعتبارها ملاذًا أخيرًا لتحييد الانبعاثات
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
تُعدّ أسواق الكربون الطوعية حلًا مهمًا لتحقيق الحياد الكربوني في الشركات، التي لا تندرج تحت مظلة أنظمة تداول الانبعاثات الإلزامية.
ويُنظر إلى تعويض الكربون الطوعي على أنه ملاذ أخير لتحييد الانبعاثات المتبقية للشركات، حتى يصبح البديل التكنولوجي متاحًا في السوق أو قابلًا للتطبيق من الناحية المالية، بحسب تقرير حديث صادر عن بنك الاستثمار الهولندي، آي إن جي.
وائتمانات الكربون الطوعية أو تعويضات الكربون هي أدوات مالية صادرة عن مطوري المشروعات لتفادي أو إزالة انبعاثات غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، ويجب أن يوضح كل تعويض أن طنًا واحدًا من ثاني أكسيد الكربون -أو ما يعادله من غازات الدفيئة- قد جرى إزالته.
وتسمح ائتمانات الكربون الطوعية لمصدري الانبعاثات بالتعويض عن انبعاثاتهم التي لا مفر منها، عن طريق شراء أرصدة الكربون الصادرة عن مشروعات تستهدف إزالة أو تقليل انبعاثات غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.
أهمية تعويضات الكربون
رغم تزايد زخم أنظمة تداول الانبعاثات الإلزامية، مثل نظام الاتحاد الأوروبي، فإن معظمها ينطبق على قطاع الكهرباء والتصنيع، ما يعني أن هناك العديد من الشركات خارج هذه البرامج؛ مثل تجار التجزئة وتجار الجملة وغيرهم.
وفي بعض هذه الصناعات، قد تكون تكلفة تقليل الانبعاثات باستخدام التقنيات الحالية باهظة التكلفة أو مستحيلة، في ظل سعي عدد كبير من هذه الشركات إلى تحقيق الحياد الكربوني، بحسب التقرير.
وهنا يمكن أن تؤدي المشاركة في أسواق الكربون الطوعية دورًا كبيرًا لهذه الشركات في تحقيق الاستدامة، وجذبت هذه السوق عددًا من شركات النفط وشركات أخرى؛ مثل آبل وديزني، وفق تقرير آي إني جي.
وتسمح أسواق الكربون الطوعية للشركات بتعويض انبعاثات الكربون التي تكون تكلفة خفضها عالية، أو التي يصعب عليها تقليل انبعاثاتها، وتتميز بأنها غير إلزامية وتبتعد عن تدخلات رفع الأسعار.
وتعمل هذه الأسواق عن طريق شراء أرصدة الكربون التي تهدف إلى تجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو إزالتها نهائيًا من الغلاف الجوي، عادةً عن طريق زراعة الأشجار، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا في مشروعات تعويضات الكربون.
ويُحدد سعر ائتمان الكربون في الأصل من خلال تكلفة المشروع المقابل، وإلى حد كبير من خلال العرض والطلب، وفق التقرير.
المصداقية.. التحدي الرئيس
تواجه أسواق الكربون الطوعية -منذ بدايتها في أعقاب بروتوكول كيوتو- مخاوف بشأن جودة برامج تعويضات الكربون وسلامتها، وهو ما يجعلها تواجه انتقادات بأنها لا تقدم الفوائد البيئية التي تتعهد بها وإنما تقدم ترخيصًا إلى الشركات بالتمادي في الأنشطة كثيفة الكربون.
وأمام ذلك، فإن أسواق الكربون الطوعية قادرة على جلب تدفقات رأس المال إلى جنوب الكرة الأرضية، إذ تشتد الحاجة إليها، كما تمثل أدوات إضافية للشركات لتعويض المزيد من الانبعاثات عما أوجدته تاريخيًا.
ويُعدّ معيار "الإضافة" حاسمًا لمصداقية تعويضات الكربون، وتعني أن مشروع التعويض لا يمكن أن يمضي قدمًا دون الإيرادات الإضافية الناتجة عن بيع أرصدة الكربون.
وهذا عكس المشروعات الأخرى، التي يتوافر بها معيار الإضافة، وهي الاستثمارات التي تقلل الانبعاثات لمجرد أنها مربحة، دون أي اعتبار لأرصدة تعويض الكربون، فمثلًا الاستثمار في الإضاءة الموفرة للكهرباء، يمكن أن يدفع ثمن تشغيله بنفسه من خلال تجنب تكاليف الطاقة.
كما أن "الدوام" معيار رئيس آخر لضمان أن الأنشطة التعويضية، مثل زراعة الأشجار، ستستمر إلى الأبد، بحسب التقرير.
عاملان لنمو أسواق الكربون الطوعية
رغم التوقعات بأن الطلب العالمي يمكن أن يرتفع 15 مرة بحلول عام 2030 ونحو 100 مرة في منتصف القرن الحالي، فإن أسواق الكربون الطوعية لا تزال هامشية، إذ تغطي أقل من 1% من غازات الاحتباس الحراري العالمية في عام 2020.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن تجاهل زخم السوق، مع ارتفاع حجم التعويضات المبيعة إلى ما يزيد على مليار دولار لأول مرة في عام 2021، بحسب آي إن جي.
ويوجد عاملان مهمان لقيادة نمو أسواق الكربون الطوعية، أولهما: أنْ تقدم المبادرات التي يقودها المجتمع المدني إرشادات لإبلاغ الشركات حول متى وكيف يمكن استخدام أرصدة الكربون بوصفها جزءًا من التزامات مناخية للشركات ذات مصداقية.
وباختصار، يجب استخدامها فقط للتعويض عن حجم صغير من التلوث المتبقي الذي لا يمكن القضاء عليه بطريقة أخرى.
أما العامل الثاني الذي يدفع أسواق الكربون الطوعية إلى مزيد من النمو، فهو ضمان جودة ائتمانات التعويضات وتوسيع كميتها.
المادة 6 من اتفاقية باريس
من المرجح أن تعزز المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ -التي جاء التوافق عليها أخيرًا في كوب 26- معاملات الكربون بين الحكومات؛ إذ تسمح للبلدان شراء تخفيض الانبعاثات في الخارج واستخدامها لتحقيق أهدافها الخاصة.
كما تتيح هذه المادة للكيانات بخلاف الحكومات القيام بذلك، بما في ذلك أسواق الكربون الطوعية، بحسب التقرير.
وتضع المادة 6 إطارًا لضمان أن أي وحدات لخفض الانبعاثات الناتجة عن المشروعات في الخارج يمكن استخدامها فقط في الإسهامات المحددة وطنيًا للدولة إذا كانت هناك تعديلات مقابلة.
ومع ذلك، لا تجعل المادة 6 التعديلات المقابلة إلزامية لجميع مبادرات السوق الطوعية، هذا يعني أنه لا يزال من الممكن استخدام التعويضات الطوعية دون تعديلات مقابلة من قبل الشركات التي تدعي حيادية الكربون، ما يترك الباب مفتوحًا أمام الغسل الأخضر، وفق التقرير.
لذلك هناك حاجة إلى إرشادات إضافية من مبادرات المجتمع المدني والهيئات التنظيمية للتصدي لهذه الظاهرة.
سعر الكربون
يمكن للشركات التي تشتري أرصدة الكربون في الأسواق الطوعية اختيار الائتمانات الناشئة عن مشروعات تجنب الانبعاثات أو إزالتها من خلال الحلول القائمة على الطبيعة أو الحلول القائمة على التكنولوجيا.
ويختلف حجم سعر تعويضات الكربون ومتوسطه حسب فئة المشروعات؛ بسبب الاختلافات في الجودة، إذ تُعد مشروعات الغابات واستخدام الأراضي والطاقة المتجددة إلى حد بعيد الفئات الأكثر شيوعًا للتعويض، مع تداول مشروعات استخدام الأراضي بأسعار أعلى 5 مرات من الطاقة المتجددة، بحسب آي إن جي.
ومن المرجح أن تظل الأسعار أقل بكثير مقارنة بأسواق الكربون الإلزامية التي تركز على خفض مستويات انبعاثات الشركات، بحسب التقرير.
ووفقًا للتقرير، فإن معظم تعويضات الكربون متاحة بأقل من 5 يورو (5.6 دولارًا)، وهي أرخص بكثير من تكلفة تقليل طن من الكربون باستخدام التقنيات الحالية.
وفي المقابل، يبلغ سعر الكربون في إطار نظام تداول الانبعاثات في أوروبا 90 يورو للطن (100.8 دولارًا) من ثاني أكسيد الكربون.
وهذا أقل بكثير من السعر العالمي للكربون المطلوب، ليكون متسقًا مع أهداف اتفاقية باريس، إذ يجب أن يتراوح بين 100 يورو (112 دولارًا) و150 يورو (168 دولارًا) لكل طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030.
موضوعات متعلقة..
- تجارة الكربون.. هل تستفيد الأسواق الناشئة من قواعد خفض الانبعاثات؟
- تعويضات الكربون.. الطلب المتزايد من الشركات يهدد السوق باضطرابات كبيرة
اقرأ أيضًا..
- الكهرباء في تركيا.. أبرز تداعيات أزمة الغاز الإيراني (إنفوغرافيك)
- السيارات الكهربائية.. 3 عوامل تعوق نمو مبيعاتها في 2022 (تقرير)