تطورات السوق النفطية العالمية خلال عام 2021 (مقال)
أمين عام أوابك يكتب:
تعافى أداء الاقتصادات العالمية خلال عام 2021 من تداعيات جائحة فيروس كورونا، غير أنه شهد تباينًا ملحوظًا مرتبطًا بوتيرة توزيع اللقاحات وحجم الدعم المقدّم من السياسات النقدية، كما تأثّرت وتيرة الأداء بالسلالات المتحورة سريعة الانتشار من فيروس كورونا والتصدّعات الاقتصادية المزمنة التي أحدثتها الجائحة.
وعمومًا، انعكس التعافي في أداء الاقتصادات العالمية إيجابيًا على السوق النفطية العالمية، إذ ارتفع متوسط سعر سلة خامات أوبك خلال الربع الأول من عام 2021 إلى 60 دولارًا للبرميل، بدعم من التطورات الإيجابية في أساسيات سوق النفط وأسواق العقود الآجلة.
على جانب الطلب، ارتفع الطلب على زيت التدفئة في فصل الشتاء شديد البرودة بأجزاء كبيرة من نصف الكرة الأرضية الشمالي، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وشمال اَسيا.
إمدادات النفط في 2021
على جانب إمدادات النفط الخام العالمية، واصلت دول أوبك+ إظهار مستويات توافق قوية مع تعديلات إتفاق خفض الإنتاج، وأجرت المملكة العربية السعودية خفضًا إضافيًا وطوعيًا على إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميًا على مدى شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 2021.
كما تعطّلت الإمدادات الأميركية بشكل قياسي بسبب موجة الطقس المتجمد غير المسبوقة، وتعطلت تدفقات النفط الخام العالمية بشكل مؤقت بسبب جنوح سفينة حاويات عملاقة في قناة السويس، وهو ما أدى إلى تعليق حركة الملاحة بالقناة.
تلقّت أسعار النفط الخام دعمًا من الانخفاض المستمر في المخزونات النفطية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد حدَّ من هذا الارتفاع في الأسعار، تجدُّد قيود الإغلاق في أوروبا لاحتواء موجة ثالثة من فيروس كورونا المستجد، وتعثُّر جهود توزيع اللقاحات بسبب أزمة الإمدادات الناجمة عن تأخير الشحنات، وارتفاع صادرات النفط الخام الإيرانية رغم استمرار العقوبات الاقتصادية الأميركية.
أسعار النفط
خلال الربع الثاني من عام 2021، واصلت أسعار النفط الخام ارتفاعها، ليصل متوسط الأسعار الفورية لسلّة خامات أوبك إلى 67.3 دولارًا للبرميل، بدعم من قوة أساسيات سوق النفط الفورية وأسواق العقود الآجلة، إذ ارتفعت عمليات الشراء لمصافي تكرير النفط في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، واستمر انتعاش عمليات تشغيل المصافي وتراجُع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة الأميركية، وسط توقُّع المزيد من التعافي في الطلب في قطاع النقل خلال موسم السفر والقيادة الصيفي، تزامنًا مع تسارع وتيرة حملات التطعيم ضد جائحة فيروس كورونا المستجد وتخفيف القيود على التنقل المرتبطة بتلك الجائحة.
يأتي ذلك إلى جانب البيانات الاقتصادية القوية من الولايات المتحدة الأميركية والصين، وقد حدّ من هذا الارتفاع في الأسعار، وتجدّد قيود الإغلاق بسبب ارتفاع عدد الاصابات بفيروس كورونا المستجد في أجزاء عديدة من العالم، لا سيما الهند وأميركا اللاتينية، فضلًا عن الصيانة الموسمية في بعض المصافي الآسيوية خلال شهر أبريل/نيسان 2021.
استمرت قوة أساسيات سوق النفط الفورية خلال الربع الثالث من عام 2021، على الرغم من التقلبات في الأسواق الآجلة خلال شهر أغسطس/آب، ليرتفع متوسط الأسعار الفورية لسلّة خامات أوبك 72.6 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ الربع الثالث من عام 2018.
مخزونات النفط
تقلّصت المخزونات النفطية المتراكمة، بما في ذلك في حوض المحيط الأطلسي، وسط طلب قوي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وانتعش الطلب على النفط الخام بشكل ملحوظ من مصافي التكرير في آسيا والمحيط الهادئ على خلفية تخفيف قيود التنقل المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد.
وزادت مخاطر نقص إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا واَسيا من توقعات نمو الطلب على النفط ومنتجاته، كما تلقّت الأسعار دعمًا إضافيًا من تعطّل الإمدادات في العديد من المناطق بسبب الانقطاعات المخطط وغير المخطط لها، بما في ذلك اضطرابات إنتاج النفط الخام الأميركي في خليج المكسيك عقب إعصار آيدا، وصيانة الحقول في بحر قزوين، وبرامج التحميل المنخفضة في العديد من خامات غرب أفريقيا، والتعطل المؤقت في الصادرات الليبية.
حدَّ من الارتفاع في أسعار النفط، تباطؤ عمليات الشراء القوية من المصافي الصينية خلال شهر أغسطس/آب 2021، في ظل حصص استيراد محدودة لمصافي التكرير المستقلة من النفط الخام، وانخفاض عمليات تشغيل المصافي بسبب إعادة إجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على التنقل وسوء الأحوال الجوية، فضلًا عن تراجع الطلب على وقود النقل في العديد من الدول الآسيوية الرئيسة الأخرى المستهلكة للنفط، بما في ذلك اليابان خلال الشهر نفسه.
سوق النفط في الربع الأخير
خلال الربع الأخير من عام 2021، شهد أداء السوق النفطية العالمية تذبذبًا ملحوظًا، فعقب ارتفاع أسعار النفط الخام خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، لتتعدّى مستوى 80 دولارً للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014 بدعم من توقعات ارتفاع الطلب على النفط في أشهر الشتاء بسبب التحول من استخدام الغاز مرتفع السعر إلى النفط، فضلاً عن تعزيز هوامش التكرير والانخفاض المستمر في مخزونات النفط في المناطق المستهلكة الرئيسية، وعلامات استئناف الطلب على النفط الخام من شركات التكرير التي من شأنها أن تزيد من تدفّقاتها للاستفادة من هوامش تكرير أفضل.
ومنذ منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ضعفت أساسيات سوق النفط الفورية والاَجلة، لتتراجع أسعار النفط وسط توجّه بعض الدول المستهلكه الرئيسة للنفط للسحب من مخزوناتها الإستراتيجية، وظهور متحور أوميكرون سريع الانتشار من فيروس كورونا المستجد وارتفاع حالات الإصابات بالفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما أثار المخاوف من أن إعادة إجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على التنقل قد تؤدي إلى تباطؤ الطلب على وقود النقل على المدى القريب.
وأسهمت القرارت التي اتخذتها مجموعة دول أوبك+، ومن ضمنها 5 من الدول الأعضاء بمنظمة أوابك، في تحقيق استقرار السوق النفطية العالمية (المتضررة من جائحة كورونا) خلال عام 2021، ولا سيما القرار المتّخذ في الاجتماع الوزاري الـ10 لدول المجموعة بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، مع تعديل إجمالي إنتاجها بالزيادة بمقدار 400 ألف برميل يوميًا على أساس شهري بدءًا من شهر أغسطس/آب 2021، حتى يجري التخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج البالغة 5.8 مليون برميل يوميًا، والمتوقع تحقيقه في شهر سبتمبر/أيلول 2022.
أوضاع دول أوابك
عمومًا، ألقت التطورات في السوق النفطية العالمية بظلالها على مستويات الأداء الاقتصادي في الدول الأعضاء في منظمة أوابك خلال عام 2021، إذ ارتفعت مستويات الناتج في القطاعات النفطية بشكل ملحوظ، وارتفعت إيراداتها النفطية التي تُعدّ من أهم مصادر الدخل القومي وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة إلى مستوياتها قبل الجائحة، ويعزى ذلك في الأساس إلى التعافي في نمو أداء الاقتصاد العالمي، وما صاحبه من انتعاش في مستويات الطلب على النفط.
ومن المتوقع أن أداء الاقتصاد العالمي سيواصل انتعاشه وانعكاسه الإيجابي على السوق النفطية خلال عام 2022، على الرغم من موجة التضخم الحالية واختناقات سلاسل التوريد وقضايا التجارة المستمرة وتأثيرها في متطلبات وقود الصناعة والنقل.
وفي هذا السياق، تشير أحدث توقعات منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط في عام 2022 إلى نحو 100.6 مليون برميل يوميًا، إذ سيكون تأثير متحورات كورونا ضعيفة وقصيرة الأجل، وسيصبح العالم مجهزًا بشكل أفضل لإدارة جائحة فيروس كورونا والتحديات المرتبطة بها.
* الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوابك" علي سبت بن سبت.
*مقال خاص لـ"الطاقة" بمناسبة حصاد 2021 الذي نشرته قبل أيام وحدة أبحاث الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- سوق النفط في عام 2022 من منظور كوفيد - مقال
- هل يوقف بايدن صادرات النفط الأميركية؟ - مقال
- قطاع الكهرباء في الشرق الأوسط خلال 2021 ورؤية للعام الجديد - مقال
اقرأ أيضًا..
- أفضل 10 سيارات منتظرة في 2022 (فيديو)
- كيف أصبح التعدين صناعة حاسمة في تحول الطاقة؟.. تقرير سعودي يُجيب