المغرب والطاقة المتجددة.. مكانة عالمية وجهود متواصلة لمكافحة تغير المناخ
مليونا مواطن يحصلون حاليًا على كهرباء نظيفة
ترجمة وتحرير - أحمد عمار
استطاع المغرب أن يوجد لنفسه مكانًا متقدمًا في مجال الطاقة المتجددة على المستوى العالمي منذ سنوات عديدة، إذ استغلّت البلاد تميّزها بشعاع شمسي قوي في التوسع نحو الطاقة النظيفة.
ويعدّ فقر الطاقة الذي يعاني منه المغرب واحتياجه إلى استيراد معظم متطلباته من الوقود الأحفوري، العامل الرئيس وراء اتجاه البلاد لاستغلال إمكاناتها الطبيعية في مجال الطاقة المتجددة؛ لتقليل التكلفة، بالإضافة للإسهام في مواجهة التغير المناخي.
وتُشكّل الطاقة المتجددة في المغرب -إحدى الدول المعرّضة للآثار السلبية لتغيّرات المناخ- نحو خُمسي سعة توليد الكهرباء التي تحتاجها البلاد، ما يسهم في تحقيق سعيها نحو إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري، مع التوجّه للتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، وفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
تحدي الموقع الجغرافي
رغم أن المغرب يأتي ضمن قائمة الدول الأبرز التي تبذل جهودًا لتحقيق الحياد الكربوني عبر الطاقة المتجددة، فإنه يواجه تحديات أهمها موقعه الجغرافي الذي يجعل البلاد عرضة لتأثيرات تغيّرات المناخ.
ومع سعي البلاد نحو استغلال موقعها الجغرافي في منطقة ساخنة وتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، يبرز تحدي تأثير استمرار ارتفاع درجات الجرارة الذي يجعلها عرضة لتغيرات المناخ.
ويعود توجّه المغرب نحو الطاقة المتجددة إلى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، إذ اتخذت البلاد قرارًا بأن تصبح رائدة في مجال الطاقة النظيفة ومواجهة تغيرات المناخ.
بدوره، أرجع العضو المنتدب لشركة أفريقيا كلايمت سوليوشن، محمد علوي، توسّع المغرب في مجال الطاقة المتجددة للعمل على زيادة تنافسية اقتصاد البلاد، ووقف نزيف فاتورة استيراد الوقود الأحفوري، مع ضمان أمن إمدادات الطاقة، وفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية.
وفي عام 2009، أطلق المغرب خطة تستهدف رفع نسبة الطاقة المتجددة في مزيج قدرة توليد الكهرباء المركبة في البلاد إلى 42%، بحلول 2020.
ورغم توسّع المغرب في مشروعات الطاقة الشمسية منذ ذلك الوقت، فإن البلاد لم تستطع تحقيق هدف الـ42%، إذ بلغت نسبة الطاقة المتجددة نحو 37% بنهاية 2020.
وبحلول 2020، نجحت البلاد في زيادة سعة الخلايا الشمسية الكهروضوئية بمقدار 16 ضعفًا، وزيادة قدر الرياح 6 أضعاف؛ ما يعني أن المغرب قطع شوطًا كبيرًا في مجال الطاقة المتجددة، رغم الإخفاق في تحقيق النسبة التي استهدفها قبل عقد من الزمن تقريبًا.
ويمتلك المغرب مجمع نور ورزازات الذي يوصف بأنه أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.
الطاقة المتجددة في المغرب
في الوقت الراهن، يسعى المغرب إلى رفع نسبة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 52% بحلول 2030، مقسمة بين 20% من الطاقة الشمسية، و20% من طاقة الرياح، و12% من الطاقة المائية.
وبحسب تحليل لمجموعة كلايمت أكشن تراكر للأبحاث، تعدّ سياسات وتعهدات المغرب متماشية إلى حدّ كبير مع اتفاقية باريس للمناخ للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وخفضها إلى 1.5 درجة مئوية.
في يونيو/حزيران الماضي حدّث المغرب تعهداته بشأن المناخ، إذ ستعمل البلاد على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ما بين 17 إلى 18% بحلول عام 2030.
وبالتوازي، بذلت البلاد جهودًا حثيثة لخفض الدعم الحكومي للوقود الأحفوري مع انخفاض أسعار النفط عامي 2014 و2015، وإعادة ضخّها في قطاعي التعليم والصحة، ولكن ما يزال دعم المنتجات النفطية في المغرب يُقدَّر بنحو 3.4 مليار دولار، أي ما يمثّل ثلثي العجز السنوي لموازنة المغرب.
الفحم
يستورد المغرب معظم احتياجاته من الطاقة لتلبية الطلب المحلي المتزايد، مع اعتماده أكثر على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء.
ويُقدَّر أن نحو 40% من الكهرباء في المغرب يجري توليدها عبر حرق الفحم، ومع ذلك التزمت البلاد بعدم بناء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم.
وترى نائبة اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، فاطمة درويش، أنه ما يزال هناك إمكان تجنّب العديد من تأثيرات تغيّر المناخ في العديد من البلدان -ومنها المغرب- في حالة التحرك بالوقت المناسب، حسبما نقله التقرير.
ولدعم خطط تقليل الاعتماد على الفحم، طالب علوي، المغرب بتنظيم قطاع الطاقة للأفراد والصناعات، ووضع قوانين تسمح للأفراد والقطاعات الصناعية بتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بسهولة.
دول أخرى تستفيد من جهود المغرب
على الطرف الآخر، يرى بعضهم أن مبادرات الطاقة النظيفة في المغرب -كمشروع نور للطاقة الشمسية- استفاد منها دول أخرى، وليس السكان المحليين، وفقًا لتقرير بي بي سي.
وبالفعل، يمتلك المغرب خطّي كهرباء يربطان البلاد مع إسبانيا، كما ينوي مدّ خط تحت سطح البحر للربط الكهربائي مع المملكة المتحدة، لتكون البلاد مركزًا للطاقة النظيفة قادرًا على التصدير إلى أوروبا.
وفي سياق مختلف، يرى الناشط في منظمة السلام الأخضر بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محمد التزروتي، أن المشروعات الضخمة التي ينفّذها المغرب -مثل محطة نور- تتطلب استخراج كميات كبيرة من المياه في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من ندرة المياه، حسب التقرير.
يشار إلى أن محطة نور للطاقة الشمسية تستهلك كميات كبيرة من الماء للتبريد وتنظيف المرايا.
مشكلات المياه في المغرب
بدأ المغرب يشعر بآثار تغيّرات المناخ، إذ من المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة السنوية في البلاد لما بين 1.1 و3.5 درجة مئوية بحلول 2060.
ونقل تقرير بي بي سي، عن معهد ماكس بلانك للكيمياء، توقّعه بأن ترتفع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرتين أسرع من المتوسط العالمي.
وخلال عامي 2018 و2019، كان المغرب -بحسب ما رصده التقرير- ثامن أكبر متلقٍّ للتمويل المناخي من البلدان الغنية، إذ تلقّى نحو 600 مليون دولار.
ورأى العضو المنتدب لشركة أفريقيا، كلايمت سوليوشن، أن المياه هي أكبر مصدر قلق بيئي للمغرب، مؤكدًا أن هناك حاجة إلى خطط ومساعدات مالية دولية لمساعدة البلدان الفقيرة المعرّضة للخطر.
ودعا علوي المغرب إلى ضرورة إصدار سياسات لإدارة المياه وإعادة استخدامها وتدويرها، قائلًا: "هناك حاجة لمواجهة حالات الجفاف والحرائق المتكررة.. وإلى زراعة مستدامة وذكية".
وحذّر معهد الموارد العالمية من تعرّض الموارد المائية للمغرب لضغوط كبيرة، إذ يُستخدم معظمها للزراعة وللصناعة، والذي يأتي مع توقعات انخفاض هطول الأمطار بحلول نهاية القرن ما بين 20 إلى 30%.
وتعرّض المغرب خلال السنوات الأخيرة لنقص المياه، في الوقت الذي تعتمد فيه البلاد على الزراعة بشكل كبير، وهو ما دفع سكان المناطق التي شهدت نقص المياه للاحتجاج والاعتراض.
من جانبها، ترى عالمة البيئة المغربية، هاجر خمليشي، أن التكيف مع تغيّرات المناخ وحل مشكلة المياه أمر ممكن، إذ وصفت البرامج المغربية نحو استخدام محطات الصرف الصحي لمعالجة مياه للري وبناء سدود جديدة مع تحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة بأنها خطوات مشجعة في الاتجاه الصحيح، وفقًا للتقرير.
في الوقت نفسه، ترى عالمة البيئة أن هناك الكثير من العمل الذي يتعين على المغرب القيام به لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة التي تواجهها البلاد.
كما رأى العالم البيئي المغربي، رشيد الناصري، أن المغرب لا يمكنه متابعة خطّته الأولية نحو التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، قائلًا: "عام 2009 ليس كعام 2021.. فهناك إصلاحات كبيرة يجب تنفيذها من أجل زيادة مصادر الطاقة المتجددة".
أرقام عن الطاقة المتجددة في المغرب
يمدّ المغرب في الوقت الراهن نحو مليوني مغربي بالكهرباء المولّدة عبر الطاقة النظيفة، مع تجنّب انبعاث نحو مليون طن سنويًا من غازات الاحتباس الحراري بفضل مشروعات الطاقة المتجددة في البلاد، وأبرزها محطة نور.
ويتوقع المغرب أن ينتج نحو 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030، إذ نجحت البلاد في توليد 37% من الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة.
وخصصت المغرب استثمارات بقيمة 14.5 مليار درهم (1.56 مليار دولار) لمشروعات طاقة الرياح، إذ يستهدف برنامج طاقة الرياح المغربي زيادة قدرة طاقة الرياح إلى 20% من إجمالي السعة المركبة بحلول 2030.
وعزّزت البلاد محطة إنتاج الطاقة من الرياح في مدينة تطوان بـ200 ميغاواط، والتي تعدّ أول محطة رياح في أفريقيا.
وحلّ المغرب في المركز الثامن بين دول العالم في مؤشر أداء تغيّر المناخ لعام 2022، إذ يصنَّف في صدارة مجموعة الدول التي تبذل أكبر قدر من الجهود للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.
موضوعات متعلقة..
- المغرب ينجح في زيادة إنتاج الكهرباء بدعم من مصادر الطاقة المتجددة
- الطاقة المتجددة.. المغرب يواصل تعاونه مع إسرائيل
- المغرب.. إس دي إكس البريطانية تطلق المرحلة الثانية للتنقيب عن الغاز
اقرأ أيضًا..
- وزير الطاقة السعودي يتحدث عن تطورات أوبك+ وميزة غير مسبوقة عالميًا في أرامكو (فيديو)
- تحوّل الجزائر إلى الطاقة المتجددة يواجه صعوبات.. وذروة النفط في هذا الموعد (تقرير)
- أسعار النفط.. أكبر 10 انخفاضات تاريخيًا (رسوم بيانية)