قناة السويس.. 152 عامًا من الإرادة والتحديات والأهمية الإستراتيجية (تقرير)
إيرادات قياسية تحققت لمصر من رسوم عبور السفن
محمد فرج
في مثل هذا اليوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1869 بدأت مراسم افتتاح قناة السويس، بطلقات المدافع المصرية في مدينة بورسعيد، وفي حفل عالمي شهده أهم ملوك وأمراء وسفراء العالم في ذلك الوقت.
ومرت أول قافلة بحريّة في القناة منذ 152 عامًا، في مقدمتها اليخت "إيجل" الخاص بإمبراطورة فرنسا "أوجيني"، تلاه يخت إمبراطور النمسا، ثم يختا أمير هولندا، وولي عهد روسيا.
وتضمّنت أجندة ذلك الاحتفال الكبير العديد من الفقرات الترفيهية، واستغرقت عدة أيام، بدءًا من يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني في منطقة بورسعيد في أثناء استقبال الملوك والأمراء في البحر مرورًا بمنطقة الإسماعيلية.
وأشاد ملوك وأمراء العالم -آنذاك- بالاحتفال، ووصفوه بـ"المبهر"، ولتخليد هذه الذكرى حرص الخديوِ إسماعيل على إهداء ملوك العالم مجموعة رسومات لتوثيق الاحتفال العالمي بقناة السويس.
واشترك في حفر القناة قرابة مليون مصري، في حين كان تعداد مصر -آنذاك- نحو 5 ملايين نسمة، واستشهد في أثناء الحفر قرابة 100 ألف مصري، نتيجة عدم توافر الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب ومأوى وانتشار الأمراض وقسوة الصحراء.
ولإيقاف السُّخرة واسترداد بعض الأراضي التي سبق أن وهبتها مصر إلى الشركة، دفعت مصر ثمنًا باهظًا بلغ 8.4 فرنك فرنسي، واستفادت شركة القناة من ذلك التعويض الكبير واستقدمت الشركات العالمية المتخصصة في الحفر، التي ابتكرت الكرَّاكات والآلات التي لم يرَ العالم مثيلًا لها.
ورغم أن القناة حُفرت بأيدٍ مصرية وفي أرض مصرية، فإن عائداتها كانت تصب في البنوك الأجنبية حتى صارت شركة القناة دولة داخل دولة.
ماذا فعلت مصر؟
أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، وظلّت القناة تعمل بكامل طاقتها وكفاءتها حتى شنّت إسرائيل عدوانها الغاشم على مصر في 5 يونيو/حزيران عام 1967، وتوقفت الملاحة في قناة السويس نحو 8 سنوات، خسر العالم خلالها ما يزيد على 13 مليار دولار، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة آنذاك.
وخسرت مصر 1.5 مليار جنيه تمثّلت في رسوم عبور وقيمة ما دمرته الحرب من معدات ومهمات وشبكات الاتصال والمنشآت.
واتخذ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات قرار الحرب على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1973، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.
وعقب انتصار مصر كان أول قرار سياسي هو عودة الملاحة إلى القناة، وبدأت أعمال التطهير بقناة السويس وإزالة ما بها من ألغام وقذائف وسفن غارقة، وفي 1975 احتفلت مصر بعودة الملاحة من جديد، ثم توالت مشروعات تطوير المجرى الملاحي وأحدثها مشروع قناة السويس الجديدة عام 2015.
أهمية قناة السويس
تُعرف قناة السويس بأنها ممر مائي صناعي بمستوى البحر يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس، ليصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهي تفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، وتُعدّ أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ، وهي أكثر القنوات الملاحية كثافة من ناحية الاستخدام.
وتقع قناة السويس في مستوى سطح البحر ويتغيّر مستوى سطح الماء تغيرًا طفيفًا، ويبلغ ارتفاع المد في الشمال نحو 65 سنتيمترًا، ويتسبب ذلك في إحداث تيارات بحرية بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة التمساح. ويبلغ ارتفاع المد في الجنوب نحو 1.9 مترًا، ويتسبب ذلك في إحداث تيارات بحرية بين خليج السويس والبحيرات المرة.
وعند افتتاح القناة الملاحة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869، كان طولها 164 كيلومترًا، وعرضها عند مستوى سطح المياه 52 مترًا، وعمقها 7 أمتار ونصف المتر، وكان غاطس السفن المسموح به للعبور لا يزيد على 22.5 قدمًا، وكانت الملاحة لا تجري في القناة إلا نهارًا فقط.
واستمرت الملاحة نهارًا في قناة السويس طوال 18 عامًا متصلة، حتى أدخلت شركة القناة نظام الملاحة الليلية في 1 مارس/آذار من عام 1887.
تأميم قناة السويس
أمّمت مصر قناة السويس في عام 1956، ونفّذت العديد من برامج تحسين قناة السويس وتطويرها.
وكان من نتائج هذه المشروعات زيادة عمق القناة إلى 13.5 مترًا، وزيادة عرضها عند القاع من 22 مترًا إلى 42 مترًا، وزيادة القطاع المائي من 304 أمتار مربعة إلى 1250 مترًا مربعًا، والغاطس المسموح به من قدمين وربع إلى 35 قدمًا.
ومع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر في الحجم والحمولة، ظهر الاحتياج إلى تطوير قناة السويس.
ونفّذت الحكومة المصرية مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 آلاف طن، ووصل الغاطس إلى 62 قدمًا، ومساحة القطاع المائي إلى 4 آلاف و800 متر مربع، وطول القناة إلى 191.80 كيلومترًا في عام 2001.
كما حُفرت تفريعة جديدة تبدأ من جنوب بورسعيد شمالًا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بورفؤاد، لتسمح للسفن المحملة والمتجهة شمالًا بالوصول إلى البحر دون الدخول إلى ميناء بورسعيد.
ووصل غاطس السفن المسموح لها عبور القناة إلى 66 قدمًا، ليستوعب جميع سفن الحاويات حتى حمولة 17 ألف حاوية تقريبًا، فضلًا عن عبور جميع سفن الصب من جميع أنحاء العالم، بعد التطويرات التي أُجريت، أصبحت القناة قادرة على استقبال السفن الضخمة حتى حمولة 240 ألف طن.
إيرادات قياسية
طوال الأعوام الـ152 كانت مصر تتجاوز التحديات والصعوبات لاستكمال عمل الهيئة دون مشكلات، وظهر ذلك واضحًا في العام الماضي، إذ اجتازت هيئة قناة السويس حزمة من التحديات في ظل أزمة تفشي وباء كورونا.
وسجّلت إحصائيات الملاحة بقناة السويس إيرادات بلغت 5.61 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو ثالث أعلى إيراد سنوي في تاريخ القناة، وذلك نتاج عبور 18.8 ألف سفينة، بإجمالي حمولة صافية قدرها 1.17 مليار طن، وهي ثاني أعلى حمولة سنوية صافية في تاريخ القناة.
وعكفت هيئة قناة السويس خلال عام 2020 على تنفيذ حزمة مشروعات حيوية لتطوير المجري الملاحي من ناحية العمق والأبعاد الهندسية، لاستيعاب أعداد السفن المتزايدة وحمولاتها.
زيادة الرسوم
قررت هيئة قناة السويس زيادة رسوم العبور لجميع أنواع السفن بنسبة 6% خلال عام 2022.
وقال رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، إن الزيادة المُقررة ستُطبق بداية من شهر فبراير/شباط المقبل، مع استثناء السفن السياحية وناقلات الغاز الطبيعي المسال من هذه الزيادة، إذ ستثبت رسوم عبورها على ما كانت عليه خلال عام 2021.
إنشاء قناة السويس الجديدة
قررت مصر إنشاء قناة جديدة موازية، لتعظيم الاستفادة من القناة وتفريعاتها الحالية، بهدف تحقيق أكبر نسبة من الازدواجية لتسيير السفن في الاتجاهين دون توقف.
ويرجع الهدف الأساسي إلى إنشائها، لاحتياج مصر إلى مشروعات اقتصادية، وتوفير فرص عمل للشباب في جميع المحافظات، مع تأسيس كيانات ومجتمعات عمرانية جديدة في المنطقة، لجذب الكثافة السكانية لإعادة التمركز في منطقة القناة وسيناء.
كما تهدف القناة الجديدة إلى الاستفادة من النمو في حجم التجارة العالمية، خاصة في وجود كيانات اقتصادية عملاقة منها الصين والهند، التي من الممكن أن تغزو السوق الأوروبية والولايات المتحدة في المدة المقبلة والتي ستمر حتمًا من خلال قناة السويس.
وتتعاظم أهمية القناة بقدر تطور النقل البحري والتجارة العالمية وتناميهما، إذ يُعد النقل البحري أرخص وسائل النقل، ولذلك يُنقل ما يزيد على 80% من حجم التجارة العالمية عبر الطرق والقنوات البحرية.
ويتضمّن العائد والنتائج من مشروع قناة السويس الجديدة زيادة القدرة الاستيعابية للقناة، لتكون 97 سفينة عام 2023 بدلًا من 49 سفينة عام 2014، وكذلك تحقيق العبور المباشر دون توقف لنحو 45 سفينة في كلا الاتجاهين، مع إمكان السماح لعبور السفن حتى غاطس 66 قدمًا في جميع أجزاء القناة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..