بعد قفزة 93%.. أسعار الغاز تنذر بخطر يهدد الاقتصاد العالمي
في الشتاء المقبل
أحمد عمار
- أسعار الغاز الطبيعي تشهد ارتفاعًا تاريخيًا منذ بداية الصيف الجاري
- أوروبا من الأسواق الرئيسة التي تواجه مشكلة في نقص إمدادات الغاز
- تحركات أسعار الغاز ستعتمد على مدى طول فصل الشتاء وظروف الطقس
- ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ذو عواقب اقتصادية ومردود سلبي على الصناعات
- شركات أوروبية تحذر: أزمة الغاز قد تجبرها على رفع الأسعار وخفض الإنتاج
وسط محاولات الدول للخروج من التداعيات السلبية الناجمة عن فيروس كورونا، يواجه الاقتصاد العالمي تحديًا جديدًا يتمثل في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، والذي يثير المخاوف من تسبُّب ذلك في تقويض التعافي الاقتصادي وتهديد الصناعة، وخصوصًا الشتاء المقبل.
وتشهد أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا تاريخيًا منذ بداية الصيف الجاري، إذ صعدت بنحو 5 أمثال مستواها منذ عامين، نتيجة وجود أزمة في الإمدادات العالمية، وفقًا لتحليل نشرته وكالة بلومبرغ.
وكانت الأسعار في بورصة نيويورك تبلغ 2.54 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بداية هذا العام، قبل أن تصل لنحو 4.91 دولارًا بنهاية تعاملات أمس الأربعاء (8 سبتمبر/أيلول) -مع حقيقة أنها تجاوزت حاجز 5 دولارات وسط التعاملات لمدة وجيزة- ما يعني تسجيل مكاسب تصل لنحو 93.3% فيما يزيد قليلًا عن 8 أشهر.
ورجّحت بلومبرغ استمرار ارتفاع تكلفة الوقود -والتي وصلت إلى مستويات قياسية بالفعل في معظم الأسواق الرئيسة-، وهو الأمر الذي يهدد بعرقلة التعافي من جائحة كورونا.
وفي السياق نفسه، ارتفعت أسعار النفط بشكل حادّ منذ أواخر العام الماضي، مسجلة أعلى مستوى في عدّة سنوات فوق حاجز 75 دولارًا للبرميل خلال يوليو/تموز المنقضي.
وتُعدّ أوروبا من الأسواق الرئيسة التي تواجه مشكلة في نقص إمدادات الغاز وارتفاع سعره، نتيجة صعوبة تخزينه بالكمية الكافية استعدادًا لفصل الشتاء.
المستهلكون تحت رحمة الطقس
ترجع أسباب اضطراب إمدادات الغاز لأوروبا إلى قيام روسيا -أكبر مورّد للقارّة العجوز- بالحدّ من صادرات الغاز نتيجة ارتفاع الطلب المحلي وانخفاض مستويات الإنتاج، فضلًا عن الاتفاق على نقل كمية أقلّ من الوقود عبر أوكرانيا.
ويرى الرئيس التنفيذي لشركة "أو إم في" للنفط والغاز في النمسا، ألفريد ستريد، أن تحركات أسعار الغاز ستعتمد على مدى برودة الشتاء، قائلًا: "إن المستهلكين في أوروبا أصبحوا الآن تحت رحمة الطقس"، نقلاً عن بلومبرغ.
وأصبحت أسعار الغاز في أوروبا أعلى من النفط، وعلى الرغم من ذلك لم تعمل الدول الأوروبية على احتواء هذه المشكلة.
وأكد الرئيس التنفيذي لشركة المرافق الإيطالية (إنيل)، فرانشيسكو ستاراشي، في مقابلة تلفازية مع بلومبرغ يوم الجمعة الماضي، أن أسعار الغاز المرتفعة تمثّل مشكلة لأوروبا، وربما تكون مشكلة كذلك لآسيا".
ورغم أن تراجع صادرات روسيا من الغاز لا يؤثّر بشكل مباشر لدى المستهلكين في آسيا، فإن عليهم التنافس مع أوروبا على شحنات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحرًا، وهو ما يدفعهم إلى إنفاق أسعار أعلى على تأمين عمليات التسليم.
وفي الولايات المتحدة، صعدت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في نيويورك لتصل لأعلى مستوياتها منذ 2018، لكنها لا تزال أقلّ بكثير مما كانت عليه في الأسواق العالمية الرئيسة الأخرى، وفقًا لبلومبرغ.
ويُعدّ تخزين الغاز المشكلة الأبرز التي تواجه كل من أوروبا والولايات المتحدة، خصوصًا مع اقتراب فصل الشتاء، إذ إن هناك شكوكًا ومخاوف بشأن الكميات المخزّنة إذا كان الطقس أكثر برودة من المعتاد، وذلك مقارنة بالحجم المتوقع لصادرات الغاز الطبيعي المسال.
صناعات متضررة
من شأن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي أن يكون ذا عواقب اقتصادية ومردود سلبي على الصناعات في جميع أنحاد العالم، وهو الأمر الذي بات واضحًا.
ونقلت وكالة بلومبرغ تحذيرًا أطلقته شركة تيريوس -أكبر منتج للسكّر في فرنسا- الشهر الماضي، من أن سعر الوقود يؤثّر سلبًا في معالجة السكر في أوروبا، وهو ما يؤدي لارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل هائل.
كما أكد مسؤول في روكيت فريرس -وهي شركة تصنيع أغذية بشمال فرنسا- باسكال ليروي، أن ارتفاع أسعار الطاقة يخلق ضغوطًا تضخمية على التكاليف الأخرى، وهو سيتحمّله العملاء.
واضطرت مصانع السيراميك في الصين -أكبر مستورد للغاز في العالم- إلى خفض الإنتاج؛ بسبب ارتفاع أسعار الوقود في مقاطعتي قوانغدونغ وجيانغشي، حسب تقارير محلية نقلتها وكالة بلومبرغ.
وفي باكستان، تسبّب ارتفاع أسعار فواتير الخدمات في التأثير السلبي لدى شركة موغال ستيلز، إذ تساءل رئيس العمليات بالشركة، شيكل أحمد: "نحن نستهلك الغاز أولًا ثم نحصل على فاتورة عالية فيما بعد.. كيف يمكن مطالبة العميل بإضافة تكلفة جديدة على المنتج المباع له؟".
وفي السياق نفسه، انخفض مؤشر جيه بي مورغان تشيس لرصد النشاط الصناعي عالميًا لأدنى مستوى في 6 أشهر خلال أغسطس/آب الماضي، لكنه مازال يشير إلى التوسع في النشاط.
وبحسب استطلاع أجرته بلومبرغ، فإن بعض البلدان الفقيرة مثل بنغلاديش لا تستطيع شراء إمدادات كافية من الطاقة اللازمة للحفاظ على ازدهار اقتصاداتها.
وفي الولايات المتحدة، لم تتعرض الشركات المصنّعة لضربة قوية حتى الآن جراء ارتفاع تكلفة الغاز، وذلك لأن العديد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل مصانع الصلب والبتروكيماويات شهدت زيادة في أسعار منتجاتها المبيعة، وفقًا لما نقلته بلومبرغ عن محلل في شركة إنرجي أسبكتس للاستشارات.
مخاوف تفاقم الضغوط التضخمية
ربما يؤدي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى تفاقم الضغوط التضخمية الناتجة عن سلاسل التوريد المتوترة.
ويرى تحليل بلومبرغ أن الأزمة التي تشهدها الصناعات الثقيلة في أوروبا وآسيا نتيجة ارتفاع أسعار الغاز، يمكن أن تنتقل قريبًا إلى الساحة السياسية وكذلك الاقتصاد الكلي.
ووفق رؤية التحليل، فإنه حال ملاحظة الأسر والشركات ارتفاع فواتير الخدمات، سوف يسعون إلى رفع الأجور أو أسعار السلع التي يبيعونها، مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط التصخمية.
وتسارع التضخم في منطقة اليورو لأعلى مستوى في عقد خلال شهر أغسطس/أب الماضي عند 3%، وهو ما عدّه مسؤولو البنك المركزي الأوروبي أنه مؤقت في مدة ما بعد وباء كورونا.
فيما يرى الخبير الاقتصادي في شركة مجموعة إي إن جي، كارستن برزيسكي، أن احتمال تمرير المنتجين التكاليف للمستهلكين مرتفع للغاية، وهو ما يعني أن تسارع التضخم قد لا يكون مؤقتًا إلى هذا الحدّ.
الصناعة في أوروبا تحت تهديد الأزمة
تناول تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز تحذيرات لبعض الشركات الأوروبية تؤكد أن أزمة إمدادات الغاز الحالية قد تجبرها على رفع الأسعار وخفض الإنتاج، في فصل الشتاء.
وبحسب التقرير، حذّرت شركة سنتريكا -المالكة لشركة بريتيش غاز- من ارتفاع الأسعار الناتج عن أزمة في الإمدادات العالمية للغاز، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يتسبّب في ارتفاع الفواتير على الأسر، ويجبر كذلك الشركات كثيفة استهلاك الكهرباء في المملكة المتحدة وأوروبا على تخفيض الإنتاج خلال الشتاء المقبل.
ومن جهته، يتوقع مدير تجارة الطاقة في سنتريكا، قاسم مانجيرا، بتصريحات مع صحيفة فايننشال تايمز، ارتفاع أسعار الغاز إذا كان فصل الشتاء طويلاً أو يصاحبه طقس شديد البرودة بشكل خاص، مما يضع الشركات كثيفة استهلاك الكهرباء أمام خيار محدود، وهو كبح الإنتاج.
ووصف مانجيرا ارتفاع الأسعار بأنه غير مسبوق، محذرًا من أنه حال عدم التمكن من زيادة إمدادات الغاز، فإن البديل الوحيد أمام الشركات هو خفض الطلب لتحقيق التوازن في السوق.
وتابع: "أوروبا والمملكة المتحدة لديهما ما يكفي من الغاز في الوقت الحالي لتلبية الطلب، ولكن في المقابل، ليس هناك ما يكفي للتخزين، ومع استمرار الشتاء لفترة أطول، أو جاء مصحوبًا بالطقس شديد البرودة، فسيمثّل ذلك مشكلة".
وضع أسوأ للإمدادات
يرى المحلل في شركة استشارات الطاقة آي سي آي إس، توم مارزيك مانسر، أن إمدادات الغاز في وضع أسوأ، وليس أفضل، بالنسبة للمملكة المتحدة وأوروبا خلال الصيف، ونتيجة لذلك تستمر الأسعار في الارتفاع.
وفي المقابل، أكدت وزارة الأعمال والطاقة في الممكلة المتحدة، أن البلاد لديها مصادر متنوعة لإمدادات الغاز، ولكن تعرّضها لأسعار الغاز العالمية المتقلبة يشير إلى أهمية خطط المملكة المتحدة لبناء قطاع محلي قوي للطاقة المتجددة.
وتتعرض روسيا -والتي تُعدّ أكبر مصدّر للغاز إلى أوروبا- لانتقادات؛ بسبب تراجع إمداداتها للغاز العام الجاري، قبل بدء تشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2.
ونقلت الصحيفة عن شركة غازبروم الروسية، أن موعد بدء تشغيل نورد ستريم 2 في وقت لاحق خلال العام الجاري لن يؤدي إلى زيادة الإمدادات المخطط لها إلى أوروبا.
وأرجع تقرير فاينانشال تايمز زيادة الطلب على الغاز في بعض الأوقات إلى الارتفاع الحادّ في أسعار الكربون، والذي أدى لزيادة تكلفة المرافق والصناعة باستخدام الوقود الملوث.
وتقف أسعار الكربون في الاتحاد الأوروبي عند مستويات ضعف ما كانت عليه قبل وباء كورونا، كما أعرب كبار المصنّعين عن قلقهم من ارتفاع الأسعار، مؤكدين أن الأشهر الأخيرة شهدت زيادة هائلة في أسعار الكهرباء، وفق التقرير.
اقرأ أيضًا..
- توقف الرياح يقفز بأسعار الكهرباء في بريطانيا إلى مستويات قياسية
- أسعار توليد الكهرباء تشهد ارتفاعًا قياسيًا في أوروبا
- بعد ارتفاع أسعار الغاز المسال.. باكستان تدرس التحول لزيت الوقود