بريطانيا.. مقترح بـ"تسعير الطرق" بعد التحول إلى السيارات الكهربائية
لمواجهة الازدحام والحدّ من الانبعاثات
نوار صبح - دينا قدري
- المقترح يسهم في سدّ عجر ضريبي بأكثر من 41 مليار دولار
- السيارات تمثّل النمط السائد لوسائل النقل في المملكة المتحدة
- السيارات توفر الراحة والحرية بحيث يتعذّر على وسائط التنقل الأخرى أن تضاهيها
- سائقو السيارات الكهربائية الجديدة يدفعون ضرائب بنسبة 71% أقلّ من مالكي سيارات البنزين
- ضريبة تسعير الطرق ترمي إلى تخفيف الازدحام والحفاظ على الإيرادات الضريبية
كشف تقرير نشرته صحيفة "ذا تايمز"، في يونيو/حزيران الماضي، أن عدد السيارات على طرق بريطانيا سيرتفع بأكثر من الربع في العقود الـ3 المقبلة، كما سيتسبّب التحول إلى السيارات الكهربائية بأزمة ازدحام مروري في البلدات والمدن.
وأفاد التقرير أن 10 ملايين سيارة إضافية ستسير على الطرق، من ذلك التاريخ وحتى عام 2050، على الرغم من مساعي الحكومة لتحقيق الحياد الكربوني، ما سيؤدي إلى زيادة بنسبة 11% في إجمالي حركة المرور.
وفي هذا الإطار، حذّرت دراسة حديثة من حاجة بريطانيا إلى المليارات من ضرائب الطرق الجديدة لسدّ العجز الضريبي الذي سينشأ نتيجة التحوّل إلى السيارات الكهربائية، بدلًا من زيادة الأعباء على السائقين.
تسعير الطرق
أصدر معهد توني بلير للتغيير العالمي، في 31 أغسطس/آب الماضي، دراسة بعنوان "تفادي الازدحام المروري الخانق في بريطانيا"، أجراها الخبيران في المعهد تيم لورد وكريستينا بالمو، تطرّقت لواقع النقل في بريطانيا والحلول المقترحة للحدّ من الاختناقات المرورية وتلوث الهواء.
ترى الدراسة أن "تسعير الطرق" ضروري لاستبدال أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني (41.35 مليار دولار أميركي) من عائدات ضرائب السيارات سنويًا.
سيؤدي ذلك إلى دفع السائقين لكل ميل أو دقيقة مقابل المسافة أو الوقت الذي يقضونه على الطرق، حسبما نقلت صحيفة "ديلي ميل".
وأفادت الدراسة أن رسوم الوقود وضريبة الطريق تُعدّ من الأدوات غير الملائمة التي لا تتعامل مع الأضرار الاجتماعية الحقيقية لقيادة السيارات مثل تلوث الهواء والازدحام.
فرصة فريدة
أوضحت الدراسة أنه توجد فرصة فريدة، في العامين المقبلين، لمعالجة هذه المشكلات من خلال إدخال ضريبة تسعير الطرق التي ترمي إلى تخفيف الازدحام، والحفاظ على الإيرادات الضريبية، وتقليل عدم المساواة؛ مما يوفر نتائج أفضل للسائقين ومستخدمي الطريق الآخرين.
ولفتت إلى أنه في حين أصبح تطبيق تسعير الطرق الآن قابلاً للتحقيق من الناحية التقنية، فإنه يترافق مع تحدّيات ضخمة، وستحتاج أيّ خطة جديد إلى تجنّب إبطاء استيعاب واستخدام السيارات الكهربائية، وهو أمر حيوي لتحقيق الأهداف المناخية.
وطالبت الدراسة الحكومة باتخاذ إجراءات الآن لتحديد شكل من أشكال تسعير الطرق في المستقبل القريب للتعويض عن فقدان رسوم الوقود، وأن تستغل هذه الفرصة لتقليل التكاليف الخارجية لقيادة السيارات، والفوائد التي سيجنيها السائقون والمجتمع.
التوازن القَلِق
أشارت الدراسة إلى أن السيارات تمثل النمط السائد لوسائط النقل في المملكة المتحدة، ويعود السبب إلى أنها توفر الراحة والحرية بحيث يتعذّر على وسائط التنقل الأخرى أن تضاهيها.
وتميز القرن الماضي، الذي يمثّل عمر السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، بأن السيارات اجتازت 84% من المسافة المقطوعة، إذ أصبحت السيارات الخاصة وما يرتبط بها من بنية تحتية أبرز ملامح البيئة الريفية والحضرية في البلاد.
وتطرّقت الدراسة لمشكلة ازدحام السيارات، إذ أدّت زيادة المسافات المقطوعة بنسبة 40% منذ عام 1990 إلى زيادة حركة المرور عبر شبكة الطرق، وخصوصًا عند التقاطعات الرئيسة وفي شوارع المناطق السكنية الحضرية.
وأضاف الباحثان أن المشكلة لم تأخذ نصيبها من اهتمام واضعي السياسات الوطنية رغم أضرار الازدحام المتمثلة في انخفاض الإنتاجية وارتفاع التكاليف التي يتحملها السائقون وزيادة الوقت نتيجة كثافة حركة المرور وتفاقم تلوث الهواء.
وذكرا أن التوازن غير المستقر يسري على الضرائب أيضًا، إذ طرح خيار زيادة رسوم الوقود طوال السنوات الـ10 الماضية، والذي جرى سحبه نتيجة الحملات المنسّقة من وسائل الإعلام وبعض المؤسسات المعنية بخدمات السيارات.
وبيّنا أن أيّ نهج شامل لسياسة النقل يتطلب الاعتراف بالدور البارز للسيارة، سواء الآن أو في العقود المقبلة، رغم أن زيادة استخدام وسائل النقل العامّ والمشي وركوب الدراجات أمر مرغوب فيه، وينبغي تشجيعه.
وأوضحا أنه بسبب الدور المركزي للسيارات في حياة الناس، وصلت الأمور إلى توازن قلق وغير مستقر في علاقتها بها، ولم يكن اعتمادهم على السيارات دون ثمن، فقد أدى إلى سلبيات ومخاطر على البيئة ونمط الحياة.
خطة الحكومة
كشفت الحكومة البريطانية، الشهر الماضي، عن خطتها لإزالة الكربون من وسائل النقل، لكنها فشلت في توضيح كيف ستسدّ الفجوة المالية الناتجة عن الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
وقالت ببساطة، إنها ستضمن "مواكبة الإيرادات من ضرائب السيارات" مع التحّول إلى السيارات الكهربائية، من أجل "ضمان استمرارنا في تمويل الخدمات العامة والبنية التحتية" في البلاد.
إلّا أن تقرير معهد توني بلير حذّر من أن التأخير لمدة طويلة يهدد أيضًا بتقويض خطة الحكومة.
خسارة هائلة
يحثّ التقرير الوزراء البريطانيين على الكشف عن خططهم لاستبدال ضرائب السيارات الحالية في غضون عام، محذّرًا من أنها قد تصبح "مستحيلة سياسيًا" إذا تأخروا لمدة طويلة.
ويُقدّر التقرير أنه بحلول عام 2040، ستخسر وزارة الخزانة ما يصل إلى 260 مليار جنيه إسترليني (357.45 مليار دولار) من الإيرادات دون أيّ ضرائب جديدة.
ويرجع ذلك أساسًا إلى الانخفاض في الإيرادات من رسوم الوقود وضريبة المركبات، وهي الرسوم التي أُعفي منها سائقو السيارات الكهربائية بالكامل.
ضرائب أقلّ
توقّع الباحثان أن يحصل تغيير وشيك في هيمنة سيارات الوقود على وسائط النقل، مشيرين إلى أن الوفاء بمستوى نشر السيارات الكهربائية، الذي أشار إليه التحليل الحكومي، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع عدد المركبات الكهربائية على الطرق من نحو 100 ألف الآن إلى 3 ملايين مركبة بحلول عام 2025، وإلى 10 ملايين بحلول عام 2030، و 25 مليونًا بحلول عام 2035.
وأوضحا أن هناك اختلافًا بسيطًا بين عدد المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات وعدد المركبات التي تعمل بالبنزين أو الديزل، مما يعني الآن حدوث تحوّل وشيك.
وأضافا أن النظام المتبَّع لفرض الضرائب على استخدام السيارات يستند على فرض ضرائب على الوقود الأحفوري، ما يعني أن تشغيل المركبات الكهربائية يكاد يكون معفى من الضرائب، ونتيجة لذلك تصبح قيادة السيارات أرخص بكثير.
ضرائب السيارات الكهربائية
بيّنا أن سائقي السيارات الكهربائية الجديدة يدفعون بنسبة 71% أقلّ من مالكي سيارات البنزين أو الديزل لقيادة سياراتهم، و 98% أقلّ في الضرائب، مما يعني أنه يمكن لسائقي السيارات الكهربائية الأكثر ثراءً تجنّب الضرائب، وسيتحمّل سائقو السيارات العادية الضرائب الكبيرة.
وينفق السائق العادي حاليًا نحو 1100 جنيه إسترليني (1512.31 دولارًا) سنويًا على الوقود وضريبة المركبات، منها نحو 750 جنيهًا إسترلينيًا (1031.12 دولارًا) ضرائب.
بينما يدفع سائقو السيارات الكهربائية 320 جنيهًا إسترلينيًا فقط (439.94 دولارًا) سنويًا، منها نحو 20 جنيهًا إسترلينيًا (28.87 دولارًا) ضرائب.
وأكدا أن التقاعس عن تسريع التغيير سيؤدي إلى أضرار تشمل السائقين والمجتمع، إذ سيتسبّب تفاقم الازدحام إلى هدر المزيد من الوقت خلال المرور على الطرق بنسبة تصل إلى 50%، كما إن عدم وجود أيّ ضرائب على السيارات من شأنه أن يشجع المزيد من المواطنين على القيادة.
وقالا، إن انخفاض عائدات رسوم الوقود السنوية يتطلب زيادات ضريبية في مجالات أخرى، وتوقّعا خسارة أكثر من 41.30 مليار دولار من الإيرادات، مما يتطلب زيادات ضريبية تصل إلى 28 سنتًا على ضريبة الدخل مع انتهاء أعمال البرلمان المقبل وحتى 83 سنتًا بحلول عام 2040.
رفض تسعير الطريق
رفضت الجمعيات المعنيّة بالسيارات في بريطانيا مخطط تسعير الطريق، إذ قالت جمعية السيارات "إيه إيه": إنه "من المحتمل أن يأتي بنتائج عكسية"، لأن العديد من السائقين سيرونه بمثابة "ضريبة على العجلات".
ودعت الجمعية إلى منح سائقي السيارات أميالًا مجانية مضمونة قبل بدء أيّ رسوم.
وقال رئيس الجمعية، إدموند كينغ: "هذا التقرير، على الرغم من حسن النية في عدم الرغبة بإبعاد السائقين، فإنه لا يزال يقع في فخّ تسعير الطرق".
اقرأ أيضًا..
- بريطانيا تُقر بأن هدفها لتحقيق الحياد الكربوني بعيد المنال
- بريطانيا تسعى للاعتماد على الوقود الحيوي في وسائل النقل
- بريطانيا تقود مجموعة الـ7 لإلغاء دعم الوقود الأحفوري