حفر آبار النفط وهدف الحياد الكربوني.. كيف تحقق بريطانيا المعادلة الصعبة؟
أحمد عمار
- بريطانيا تناقش تدشين حقل نفط جديد قبل أشهر من قمة المناخ
- حقل كامبو من المتوقع أن ينتج 170 مليون برميل من النفط
- المملكة المتحدة ترفض إنهاء التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز
- نسبة كبيرة من عمال قطاع النفط لديهم الرغبة للعمل في الطاقة المتجددة
ما زال العالم يعاني تناقضًا صارخًا، في حين تؤكد العديد من الدول اعتزامها مواجهة تغيرات المناخ وتقليل الانبعاثات للوصول إلى هدف الحياد الكربوني، فإنها في المقابل تمتلك خططًا لحفر المزيد من آبار الوقود الأحفوري.
وتناول مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، لكبير مستشاري السياسات في المعهد الدولي للتنمية المستدامة، غريغ موتيت، اعتزام حكومة المملكة المتحدة تحديد ما إذا كانت ستوافق على إنشاء حقل نفط ضخم جديد يقع على بعد 75 ميلًا شمال غرب شتلاند، الواقعة شمال شرقي بريطانيا.
ويأتي ذلك قبل أشهر قليلة من استضافة غلاسكو -أكبر مدن إسكتلندا وثالث أكبر مدن المملكة المتحدة- قمة المناخ أو مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 والمعروف باسم (كوب26) وذلك أوائل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبحسب ما نقلته صحيفة الغارديان، فإن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ألمح إلى موافقة محتملة من قبل الحكومة على تدشين هذا الحقل الواقع شمال غرب شتلاند، في الوقت التي تتعهد فيه البلاد بالالتزام بالحياد الكربوني والتخلّص من الانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة.
نفط لا يستطيع العالم تحمّله
من المتوقع أن ينتج حقل كامبو (Cambo) -الذي طوّرته شركتا شل البريطانية وسيكار بوينت إنرجي- نحو 170 مليون برميل من النفط، وهو ما وصفه كاتب المقال بأنه "النفط الذي لا يستطيع العالم تحمله".
واعتبر غريغ موتيت أن القرار المتوقع بشأن حقل كامبو يُعدّ بمثابة أول اختبار لحكومة الممكلة المتحدة منذ التحذيرات التي أطلقتها وكالة الطاقة الدولية حول تطوير حقول جديدة للنفط والغاز.
وخلص تقرير وكالة الطاقة الدولية -الصادر في شهر مايو/أيار الماضي- إلى أنه حال التزام الدول بخفض درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، فإن الحقول العاملة بالفعل ستنتج النفط والغاز على مدى العقود المقبلة بصورة أكبر مما يمكن استهلاكه.
وبحسب المقال، فإن المملكة المتحدة كانت أول من تبنّى الالتزام بالحياد الكربوني، لكن القانون البريطاني يحتوي في طياته على بند ينص على تطوير حقل كامبو المقترح: "تعظيم الانتعاش الاقتصادي".
وبعبارة أخرى، تظلّ سياسة المملكة المتحدة ملزمة بالتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، في الوقت الذي تقود فيه مهمة مستقبل أنظف وأكثر اخضرارًا، وفقًا للمقال المنشور على موقع الغارديان الإلكتروني.
الإعفاءات الضريبية
تطرّق الكاتب إلى السياسات والإعانات والإعفاءات الضريبية في المملكة المتحدة التي تحصل عليها كبرى شركات الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن موازنتي عامي 2015 و2016 تضمنتا أكبر تخفيضات في الضرائب لمنتجي النفط بهدف استخراج كل قطرة من الخام.
وعلى سبيل المثال، فإن الضرائب المفروضة من بريطانيا على عوائد النفط تبلغ 0% الآن، بحسب ما نقلته الغارديان.
وتسابقت الشركات للاستفادة من هذه المزايا، ونتيجة لذلك، ارتفع إنتاج المملكة المتحدة من النفط بشكل سنوي منذ عام 2015 إلى 2019، فيما تسببت أزمة فيروس كورونا في خفض الإنتاج.
ومن المتوقع أن يعود إنتاج النفط في المملكة المتحدة للنمو العام المقبل، وفقًا لما ذكره المقال.
وحسب تقديرات رسمية -استعرضها المقال- من المتوقع أن يكون الإنتاج التراكمي للمملكة المتحدة من النفط منذ عام 2016 حتى 2050 أعلى بنحو 3 مليارات برميل مما كان يمكن أن يكون عليه دون التدخلات الحكومية الأخيرة.
وفي تأكيد على تعظيم استخراج النفط والغاز، رفضت حكومة المملكة المتحدة مارس/آذار الماضي، مقترحات للانضمام إلى العديد من الدول المجارة وإنهاء التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز، إذ وعدت أنها ستختار تراخيص مستقبلية تتوافق مع المناخ.
وأوضح المقال أن هناك نحو 282 حقلاً قيد الإنتاج بالفعل في مياه المملكة المتحدة، وتحتوي على احتياطيات نفط وغاز تُقدر تقريبًا بـ5 مليارات برميل من النفط المكافئ.
ووفقًا لما ذكره غريغ موتيت، فإن استهلاك هذه الاحتياطيات من النفط والغاز ستنبعث منه كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون تعادل مرة ونصف إجمالي الانبعاثات السنوية في أفريقيا بأكملها.
ومع ذلك، ترغب صناعة النفط في المملكة المتحدة في زيادة تلك الحقول إضافة إلى حقل كامبو، كما أصدرت المملكة المتحدة 113 ترخيصًا جديدًا للتنقيب عن النفط العام الماضي.
وفي الواقع، تهدف بريطانيا إلى زيادة احتياطياتها 4 أمثال، لما بين 10 و20 مليار برميل، الأمر الذي يجعل البلاد حبيسة اقتصاد كثيف الكربون في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة المناخ، وفقًا لرؤية المقال.
مبررات اقتصادية
يرى الكاتب أنه لا توجد مبررات اقتصادية لتعزيز استخراج النفط من المملكة المتحدة، مع الإشارة إلى أن البلاد تكبدت خسائر خلال المدة بين عامي 2015 و2016، نتيجة الإعانات وخفض الضرائب لحقول النفط والغاز البحرية.
وفي الوقت الراهن، لا تزال عائدات النفط في المملكة المتحدة منخفضة للغاية -بحسب تقديرات المقال- متوقعًا أن يتحمل دافعو الضرائب في السنوات المقبلة ما يقرب من نصف التكلفة، أو أكثر من 20 مليار جنيه إسترليني (27.4 مليار دولار)، لتنظيف بحر الشمال وإيقاف تشغيل منصات النفط.
ويشير المقال إلى أنه لا يزال هناك آلاف العمال في قطاع النفط في المملكة المتحدة، لكن نسبة كبيرة أصبحت لديها الرغبة في ترك صناعة الوقود الأحفوري، وتفضيلها العمل في قطاع الطاقة المتجددة.
واستشهد موتيت بدراسة استقصائية توصلت إلى أن ما يقرب من 1400 من عمال النفط العام الماضي في المملكة المتحدة -أكثر من 80%- سيفكرون في ترك الصناعة.
وخلصت كذلك إلى أن السياسات الجادة لإزالة الكربون من الاقتصاد البريطاني ستؤدي إلى إيجاد أكثر من 3 وظائف لكل وظيفة تُفقد في قطاع النفط.
ورغم ذلك، يرى الكاتب أن الحكومة لا تعمل على إيجاد هذه الوظائف، نتيجة أن عقود الطاقة المتجددة تذهب إلى خارج البلاد، كما أن الوظائف في المملكة المتحدة غالبًا ما تكون ذات عائد أقل من الحد الأدنى للأجور.
دول ألغت بالفعل عقود النفط
بهدف تحقيق الحياد الكربوني، اتجه عدد متزايد من الدول بالفعل إلى إنهاء -أو في مسار الإنهاء- تراخيص جديدة للنفط والغاز، منها فرنسا وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا ونيوزيلندا وكوستاريكا وبليز، بالإضافة إلى دولة الدنمارك التي تُعد جارة للمملكة المتحدة في بحر الشمال، وفقًا لما نقلت الصحيفة عن كاتب المقال.
وتُجدر الإشارة إلى أن كاليفورنيا كذلك -التي كانت ثالث أكبر ولاية أمريكية منتجة للنفط في الولايات المتحدة- أعلنت أنها ستوقف الإنتاج بحلول عام 2045.
وخلص المقال إلى ضرورة رفض حكومة المملكة المتحدة تدشين حقل كومبو، ووضع نهاية لسياسة تعظيم الاستخراج، ورؤية للانتقال إلى الطاقة النظيفة التي تخلق فرص عمل.
وقال الكاتب إن المملكة المتحدة بصفتها رائدة في الثورة الصناعية ساعدت في قيادة العالم لاستهلاك الوقود الأحفوري منذ أكثر من 200 عام، داعيًا إلى ضرورة قيادتها تجاه معالجة التغير المناخي.
شركات النفط لديها وجهة نظر مختلفة
في تصريح سابق، اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة رويال داتش شل، بن فان بيردن، أن حظر التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما لن يساعد بريطانيا في معالجة تغير المناخ، مؤكدًا أن الإنتاج المحلي سيكون أقل ضررًا من الواردات.
وأرجع بيردن رأيه إلى أن المملكة المتحدة لا تزال بحاجة إلى النفط والغاز في استهلاكها، ولذلك من الأفضل لمجتمعها إنتاجه على أراضيها، قائلاً: "هذا أفضل للمناخ وأفضل لميزان المدفوعات"، على حد تعبيره.
ويرى أن قيام المملكة المتحدة باستيراد النفط والغاز لن يخدم المناخ على الإطلاق.
وفي المقابل، كانت رئيسة وزراء إسكتلندا، نيكولا ستورغن، دعت الحكومة البريطانية إلى إعادة تقييم تراخيص النفط والغاز الصادرة بالفعل، بما في ذلك تطوير حقل كامبو المثير للجدل.
وقالت ستورغن إنه يتعيّن على الحكومة مراجعة تراخيص النفط والغاز الصادرة بالفعل، لكن لم يبدأ بموجبها تطوير الحقل بعد، في ضوء تقرير تغيّر المناخ الصادر عن الأمم المتحدة مؤخرًا.
اقرأ أيضًا..
- بريطانيا تنفذ محطات شمسية على أسطح المصانع والمتاجر
- الهيدروجين الأزرق.. هل تلاعبت شركات النفط بأحلام دعاة تحول الطاقة؟
- بريطانيا تخصص 125.5 مليون دولار لتمويل تكنولوجيا السيارات الخضراء