سياسات تحول الطاقة تعرقل تمويل مشروعات النفط والغاز في أفريقيا
ضغوط التغير المناخي تفوت على القارة السمراء الاستفادة من ثرواتها النفطية
نوار صبح
- كانت دول شمال أفريقيا متحمسة للاكتشافات الجديدة في البحر الأبيض المتوسط
- التقدم التكنولوجي وتغيرات السياسة العالمية غيرت مشهد الطلب على النفط والغاز
- لم يجرِ تطوير أيّ من منتجات النفط والغاز تقريبًا للتصدير في شرق أفريقيا
- المصارف التجارية ستتوقف في البداية عن تمويل الاستثمارات في الأسواق النامية
عقدت الدول الأفريقية آمالًا كبيرة على استثمار ثرواتها الهائلة من النفط والغاز، الذي كانت شركات الطاقة الدولية الكبرى تتسابق قبل نحو عامين لاغتنام فرص الحصول على حقوق الاستكشاف والإنتاج في الأسواق النامية غرب أفريقيا.
حينذاك، عُدَّ الغاز الطبيعي مصدر طاقة انتقاليًا طويل الأجل، من شأنه خلق فرص جديدة للدول قليلة الدخل مثل تنزانيا وموزمبيق، وكانت دول شمال أفريقيا متحمسة للاكتشافات الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، حسبما أورد موقع "إنرجي فويس" المعني بشؤون الطاقة العالمية.
واعتقد العديد من المحللين أن التطورات ستجلب عائدات كبيرة للحكومات، وتعزز طموحات ملايين الأشخاص في جميع أنحاء القارّة الذين عاشوا حياتهم كلها في فقر، مما يوفر الاستثمار الأساس في التعليم والبنية التحتية، ويكون له تأثير جذري في اقتصادات القارّة.
لكن تداعيات تفشّي وباء كوفيد-19 والمخاوف العالمية المتزايدة بشأن التغير المناخي والتقدم التكنولوجي وتغيرات السياسة العالمية قد غيرت الآن مشهد الطلب على النفط والغاز بشكل أساس ولا رجعة فيه، وبذلك تضاءلت الفرص أمام الدول الأفريقية النامية للاستفادة من مواردها الطبيعية.
تبدّل سياسات شركات النفط
أعلنت شركات نفطية كبرى مثل "شل" و"بي بي"، في الأشهر الأخيرة، أنها ستقلل بشكل كبير من أنشطة التنقيب عن النفط والغاز، وستبيع العديد من أصولها الأولية وتنتقل إلى أسواق الطاقة المتجددة.
وصرّحت المملكة المتحدة ودول مجموعة الـ7 الأخرى، في مناسبات عديدة، أنه لن يكون هناك دعم حكومي دولي لمشروعات الوقود الأحفوري الجديدة في المستقبل، كما أوصت وكالة الطاقة الدولية بعدم وجود حقول نفط وغاز جديدة جرت الموافقة عليها للتطوير المستقبلي.
في المقابل، كان لسياسات تحوّل الطاقة تأثير طفيف في ناتج النفط والغاز للدول الغنية التي تنتج الهيدروكربونات تقليديًا (دول إنتاج النفط والغاز الطبيعي)، لأن بنيتها التحتية ومواردها الهيدروكربونية متطورة بالفعل.
ومع أن الأحواض في غرب أفريقيا بدأت، مؤخرًا، في جذب استثمارات التنمية، لم يجرِ تطوير أيّ من منتجات النفط والغاز تقريبًا للتصدير في شرق أفريقيا، على الرغم من الموارد الهائلة التي حُدِّدَت على مدار الـ15عامًا الماضية.
- نقل المشتقات النفطية عبر تنزانيا يثير مخاوف كينيا
- أولويات أفريقيا نحو الحياد الكربوني.. النقل النظيف قبل مشروعات الطاقة المتجددة
- 32 مليون دولار لإنشاء محطة إنتاج الطاقة الشمسية وتخزينها في موزمبيق
ويتوقع المراقبون أن يجعل تحوّل الطاقة معظم -إن لم يكن جميع- هذه الأسواق النامية في أفريقيا غير قابلة للاستثمار، إذا صدقت تصريحات مجموعة الـ7 وحكومة المملكة المتحدة.
ويعود ذلك إلى أن المصارف التجارية ستتوقف، في البداية، عن تمويل الاستثمارات في الأسواق النامية، لأن الاستثمارات الأولية ضخمة وتتطلب معظم الأصول عائدًا يزيد عن 20 عامًا، وهو أمر غير مضمون إذا انخفض الطلب على النفط والغاز بشكل كبير.
ونتيجة الضغوط السياسية العالمية، ستتوقف مصارف التنمية، مثل: بنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، وغيرها، عن تقديم الضمانات اللازمة واستثمارات التمويل في استكشاف وإنتاج قطاعات النفط والغاز.
تجدر الإشارة إلى أن مصارف التنمية أسهمت تقليديًا في تمكين الاستثمارات واسعة النطاق في أفريقيا، ودون دعمها سيتعذّر جذب الاستثمار الخاص بقطاع الهيدروكربونات في أفريقيا.
ونظرًا للتكاليف الأولية المرتفعة لاستكشاف وإنتاج عن النفط والغاز، والقيود المفروضة على الميزانية الحكومية، سيكون من المستحيل، تقريبًا، على الحكومات وشركات النفط الوطنية تطوير استثمارات الاستكشاف والإنتاج بمفردها.
التوقعات المستقبلية
تشير التحليلات إلى أن الصين، بصفتها حالة استثنائية، ستستمر في الاستثمار بأسواق الاستكشاف والإنتاج النامية، مما يخلق ثروة جديدة في القارّة الأفريقية.
ومن المرجح أن تحصل الصين على تراخيص النفط والغاز من شركات النفط العالمية الخارجة، لكن ذلك سيحدث بتكلفة منخفضة، إذ تتنافس الحكومات مع بعضها على الاستثمار، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في قيم الأصول.
ويتوقع المحللون أن تحتفظ الصين بأيّ أصول حالية تمتلكها بصفة خيارات، ليجري تطويرها عند الاقتضاء، فقط.
فرص الاستفادة من تحوّل الطاقة
تشير التوقعات إلى أن تحوّل الطاقة سيخلق فرصًا جديدة للدول الأفريقية في قطاعات خارج قطاع النفط والغاز، وستكون هذه الفرص محدودة.
ويجري توظيف استثمارات ضخمة، حاليًا، في التقنيات المتجددة في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، وسيستمر هذا في النمو على مدى العقود المقبلة، مما يضعها في موقع رئيس بصفة مصدّرين عالميين للطاقة.
وسيجري إنتاج الطاقة الشمسية وغيرها من الطاقات المتجددة بالقرب من أسواق التصدير الخاصة بهذه الدول، مما يمنح الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط (وبعض دول شمال أفريقيا).
- 3 مصارف فرنسية تنسحب من تمويل خط أنابيب النفط الخام لشرق أفريقيا
- النفط في أفريقيا يترنح مع حرب الأسعار وكورونا
وسيُنتَج الوقود الأخضر المتطور مثل الهيدروجين أولًا في بلدان مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، من المواد العضوية والغاز الصخري الموجود المحتمل؛ لهذا يبدو أن لدى أفريقيا فرص محدودة للاستفادة من هذه التطورات.
ومع أن التخلص التدريجي من الهيدروكربونات يجري وفقًا لجدول زمني متصاعد، لا بدّ من إعطاء الأولوية للاستثمار في الهيدروكربونات المنتجة في أفريقيا.
وعلى الرغم من فرض حظر عالمي على الاستثمارات الهيدروكربونية في مناطق أخرى، ينبغي على مصارف التنمية أن تلتزم بمواصلة تمويل استثمارات المنبع في أفريقيا.
كما إن الجمع بين هذين النشاطين سيفسح المجال للاستثمارات الأولية، التي ستتيح للبلدان الأفريقية الغنية بالنفط والغاز إنقاذ سكانها من الفقر، في الوقت الذي تواصل الدول المتقدمة فيه تطوير البنية التحتية الصحيحة لإمداد العالم بالطاقة المتجددة بنسبة 100%.