الصين تعيد توجيه مسارات الطاقة العالمية وتتحول نحو المصادر المتجددة
مزيج الطاقة الصيني يعتمد على المصادر النظيفة بنسبة 90% بحلول 2060
نوار صبح
- الاهتمام بإمدادات النفط ازداد عندما أصبحت الصين مستوردًا بحتًا للنفط
- مثلت الصين في العام الماضي ما يقرب من سُدْس استهلاك النفط العالمي
- تنويع مصادر الطاقة في الصين وزيادة الكفاءة يمثلان أهدافًا قيّمة تعود إلى أسباب جيو-إستراتيجية
- الصين ستواصل الاعتماد على توليد الكهرباء من المحطات التي تعمل بالفحم
- تحول الطاقة في الصين قد يأتي بشكل أسرع مما يتوقعه الموردون والمنافسون
يُعدّ أمن الطاقة شغلًا شاغلًا ومصدر قلق دائمًا، وهكذا حال الصين، التي مثّلت ما يقرب من سدس استهلاك النفط العالمي خلال العام الماضي.
وقد جسّدت الخطة الخمسية الصينية الـ14 والأهداف طويلة الأجل لعام 2035، التي أقرّها المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، عزم بكين الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وفي هذا السياق، نشرت وكالة بلومبرغ -مؤخرًا- مقالًا بعنوان: "الصين تعيد رسم خريطة الطاقة في العالم"، للكاتبة الصحفية كلارا فيريرا ماركيز، استعرضت فيه ملامح دور الصين على مسرح الطاقة العالمي، وتوجهات باقي اللاعبين الفاعلين في المرحلة المقبلة.
واستهلّت الكاتبة مقالها متحدثة عن المتغيرات التي حفّزت الصين، والتي رسمت سياستها الخارجية على مدى عقود انطلاقًا من احتياجاتها الضخمة من الطاقة واعتمادها على الموردين الخارجيين، للتحول من استيراد الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، اعتمادًا على الذات.
وطرحت تساؤلًا عن مدى استعداد دول العالم للتعامل مع ريادة الصين تحول الطاقة في العالم.
أمن الطاقة الصيني
قالت كاتبة المقال كلارا ماركيز إن أمن الطاقة -الذي كان مصدر قلق للصين دائمًا- حظي بمزيد من الاهتمام بعد أن أوقف الانقسام الصيني السوفيتي، في ستينات القرن الماضي، إمدادات النفط الخام السوفيتي.
وأضافت أن الاهتمام بإمدادات النفط ازداد عندما أصبحت الصين مستوردًا بحتًا للنفط في التسعينات.
ومثلت الصين، في العام الماضي، ما يقرب من سدس استهلاك النفط العالمي، وجرى استيراد ما يزيد قليلًا على 70% من تلك الإمدادات من الخارج.
وفي المقابل، استوفى النفط والغاز الوارد من الاستثمارات التي تحتفظ بها الصين في الخارج، أقل من خُمس طلبها المحلي، ويتنقل الكثير من هذا الوقود عبر نقاط الاختناق مثل مضيق ملقا، الخاضع لحصار بحري، بحسب رأي الصين.
واهتمت الخطة الخمسية الـ14، في وقت سابق من هذا العام، بالطموح الأخضر، مع التركيز على الانتعاش الاقتصادي والأمن، وألمحت إلى الاستخدام الفعال للفحم، وتوسيع مخزونات النفط والغاز، والاستكشاف في الوطن، إذ سعت بكين لبناء احتياطيها النفطي الإستراتيجي.
ويُعدّ الابتعاد عن النفط والغاز تحولًا نحو البدائل، لأن الصين تتمتع بفهم دقيق وواقعي لسلسلة التوريد، حسبما أوردته وكالة بلومبرغ.
خطة الحياد الكربوني
علاوة على ذلك، يمثّل اهتمام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على تحقيق الحياد الكربوني، بحلول عام 2060، جهدًا متميزًا في الريادة المناخية للتحول من أكبر منتج للغازات الدفيئة في العالم وإدراكًا لأهمية الأهداف البيئية.
وأوضحت الكاتبة أن تنويع مصادر الطاقة في الصين وزيادة الكفاءة يمثلان أهدافًا قيّمة تعود إلى أسباب جيو-إستراتيجية أيضًا.
ووفقًا لنشرة السياسة الصينية الصادرة عن خدمة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس، الصادرة في أبريل/نيسان، يهدف الاقتصاد الصيني -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- إلى إجراء تحول نوعي في مزيج الطاقة.
ويشمل التحول في مزيج توليد الكهرباء الانتقال من 70% تقريبًا من الوقود الأحفوري -حاليًا- إلى 90% من مصادر متجددة، مثل: الطاقة الشمسية والرياح، والطاقة المائية والنووية، بحلول عام 2060.
وتقول الكاتبة كلارا ماركيز إن هذا التحول سيؤدي إلى تقليل اعتماد الصين على مناطق النفوذ الغنية بالموارد وعلى الممرات البحرية التي تسيطر عليها دول أخرى.
وأضافت أن هيمنة بكين على مواد تصنيع البطاريات وإنتاجها قد تؤدي إلى جعل بقية دول العالم مضطرة إلى الاعتماد على الصين في الاقتصاد الأخضر.
وأشارت إلى أن رد الدول الغربية، بما في ذلك إنفاق الحكومة الأميركية على أبحاث التكنولوجيا والتعدين والمعالجة، والجهود الأوروبية لبناء سلاسل التوريد وقدرات إعادة التدوير، قد بدأ للتوّ.
وتيرة تحول الطاقة في الصين
بيّنت كلارا فيريرا ماركيز، في مقالها، أن هذا التغيير لن يكون فوريًا، فقد زاد استهلاك الصين من الطاقة العام الماضي، حتى عندما أدى تفشي الوباء إلى انخفاض في جميع أنحاء العالم، وأثبتت الصناعة الثقيلة أنه من الصعب إزالة الكربون.
وقالت إن إدارة الطاقة الوطنية تعرضت لانتقادات، كونها متساهلة للغاية في استخدام محطات الفحم الجديدة، وسيظل الوقود الأحفوري -الأكثر تلويثًا- يمثّل أكثر من نصف مزيج الطاقة في الصين في عام 2021، حسبما نشرته وكالة بلومبرغ.
وأوضحت أنه لا يمكن الحد من ذلك بسرعة، لأن الصين ستواصل الاعتماد على توليد الكهرباء من المحطات التي تعمل بالفحم طالما ظل النمو الاقتصادي على رأس أولوياتها.
وألمحت إلى أن استهلاك الصين من النفط آخذ في الارتفاع، وفي حين أنه قد يصل إلى ذروته هذا العقد، كما تتوقع شركة النفط الوطنية الصينية، فإنه لن ينخفض بسرعة عن تلك المستويات.
وستعتمد الكثير من الإجراءات على مدى سرعة الصين في تزويد سيارات الركاب وأسطول الشاحنات بالكهرباء.
وقال الباحث لدى جامعة أوكلاهوما، بو كونغ -الذي كتب على نطاق واسع عن سياسة الطاقة الصينية والأمن القومي- إن النفط سيظل ضروريًا -أيضًا- للحرب الحديثة.
وأضاف أن الغاز -الذي تعدّه بكين وقودًا انتقاليًا- سوف يستغرق وقتًا أطول حتى يستغنى عنه، ولن يكون هناك تبديل جذري في ألواح الطاقة الشمسية وتخزين الكربون.
ومع ذلك، فإن تحول الطاقة في الصين قد يأتي بشكل أسرع مما يتوقعه الموردون والمنافسون.
دور الطاقة في العلاقات الدبلوماسية الصينية
أوضحت كلارا ماركيز أن روسيا، التي يعتمد نظامها السياسي والاقتصادي اعتمادًا كبيرًا على النفط والغاز، بحاجة إلى آسيا، والصين على وجه الخصوص، لمواصلة استهلاك ما يكفي من الوقود الأحفوري لتعويض ضعف الطلب في أماكن أخرى.
وقالت إن شركة "روسنفت" -أكبر منتج للنفط في روسيا- تمتلك علاقات مع نظيراتها الصينية، وإن الاستثمار في البر الرئيس أمر بالغ الأهمية لخطط الغاز في القطب الشمالي أيضًا.
ومن ناحيتها، تهتم المملكة العربية السعودية -أيضًا- بالتوجه نحو آسيا، لأن أوروبا تحدد وتيرة إزالة الكربون، بينما تُعدّ الصين، التي تتنافس السعودية مع روسيا على أسواقها، أكبر مورد للنفط، هي أكبر سوق.
ومع أن اعتماد الصين -قصير الأجل- على الشرق الأوسط قد يزداد بشكل كبير، فإن التداعيات السياسية لتحول الطاقة بوتيرة أسرع من المتوقع ستكون دراماتيكية.
مزيج الطاقة المتجددة
قالت الكاتبة، رغم اتجاه العالم نحو مزيج الطاقة المتجددة، تستعد بكين للمطالبة بقدر أكبر من السيطرة على مفاصل المرحلة اللاحقة.
وأشارت إلى الكوبالت، الذي يُعدّ مكوِّنًا أساسيًا في تصنيع البطاريات، فقد استثمرت الشركات المملوكة للصين بكثافة في الكونغو، أكبر مصدر للمعادن في العالم، ومثلت أبرز المتصدرين لقطاع تكرير الكوبالت.
أمّا الليثيوم، فإن الصين تمتلك ما يقرب من 3 أرباع قدرة تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم، كما أن نحو نصف السيارات الكهربائية مصنوعة في الصين.
وبيّنت الكاتبة أن استهلاك الطاقة في الصين أثّر على دبلوماسيتها على مدى عقود من الزمن، وأصبحت لاعبًا مهمًا في الشرق الأوسط.
في الوقت نفسه، تمكّنت الصين من تفادي الاستقطاب السياسي، وتحقيق التوازن في العلاقات مع إيران والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وغامرت بدخول فنزويلا والسودان، ودعم تمويل التنمية الخارجية في إنتاج الوقود الأحفوري.
اقرأ أيضًا..
-
5 محاور رئيسة في خطة الصين لتحول الطاقة.. هل تحقق الحياد الكربوني؟
-
النحاس.. سلاح الصين للتحكم في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة بالعالم