مقالات التغير المناخيالمقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةسياراتمقالات السياراتمقالات النفطنفط

مقال - ماذا يعني قرار بايدن بشأن السيارات الكهربائية؟

ومستقبل الطلب على النفط

أنس الحجي

اقرأ في هذا المقال

  • أثر خطة بايدن في أسواق النفط وتخفيض الانبعاثات منخفض جدًا
  • الأثر الحقيقي في أسواق النفط سيكون في تحسُّن كفاءة محركات سيارات البنزين والديزل
  • الطلب الأميركي والطلب العالمي على النفط سيستمران بالنمو ولكن بمعدلات أقل من ذي قبل
  • متطرفو المناخ من حزب بايدن أكبر عدو لخطة الرئيس الأميركي
  • الربط بين إنتاج السيارات والنقابات العمالية عقبة كبيرة في وجه نمو المركبات الكهربائية

لا شيء! نعم لا شيء!.. الرئيس الأميركي جو بايدن هو مدير الحكومة، وبصفته مديرًا، أصدر "أمرًا" إلى الحكومة بدراسة عدة أمور، منها أن تكون مبيعات سيارات الركاب الكهربائية نصف مبيعات السيارات بحلول 2030.

إذًا الأمر ليس كما ذكرته بعض وسائل الإعلام العربية وما تناقلته وسائل الاتصال الاجتماعي:

  1. الأمر الرئاسي ليس له أيُّ وزن قانوني، ولا يستطيع إجبار الشركات على أي شيء، هو مجرد أمر رئاسي "إداري" لتحديد هدف، ودراسة الخطوات اللازمة للوصول إليه.
  2. الأمر الرئاسي يركّز على مبيعات السيارات الجديدة فقط، لا كل السيارات، ومن ثَمّ فإن "50%" هي نصف عدد السيارات المبيعة في 2030، ولا علاقة لهذا القرار بالسيارات المستعملة.
  3. الأمر الرئاسي يركِّز على سيارات الركاب، لا كل أنواع السيارات والشاحنات.
  4. عدد السيارات المستهدف أقلّ من التوقعات: نحو 3 ملايين سيارة سنويًا، ومن ثَمّ فإنه لا يؤثّر في التوقعات الطويلة المدى لأعداد السيارات الكهربائية، وبناءً عليه لا يؤثّر في التوقعات الطويلة المدى المتعلقة بالطلب على النفط.

بايدن وسيارات الحكومة الفيدرالية

قبل أن نتحدّث عن قرار أمس، لنلقِ نظرة على خطة بايدن القاضية بتحويل كل سيارات الحكومة الفيدرالية إلى كهربائية، بما أنه رئيس الحكومة، فلديه السلطة بأن يُصدر قرارات ملزمة، ولكن هذه القرارات الملزمة مثلها مثل أي قرار في جملة "يُطبّق حسب النظام"، وهذه الجملة تعني في النهاية عدم تطبيق القرار في أرض الواقع.

ونظرة سريعة إلى ما تملكه الحكومة الفيدرالية من سيارات، يتبيّن أن أغلبها يتبع البريد الأميركي، وهو مؤسسة أشرفت على الإفلاس عدة مرات، وأُنقذت من أموال دافع الضرائب الأميركي، وهي مفلسة حاليًا، وأغلب السيارات التي تملكها الحكومة هي شاحنات صغيرة، جزء كبير منها ذات دفع رباعي، وشاحنات متوسطة وكبيرة.

المشكلة الأولى أنه لا توجد أي شاحنات كهربائية من أي مقاس في السوق، إذ اشترى القادرون الشاحنات الصغيرة أو حجزوها قبل إنتاجها، ومن ثم فلن تتوافر أي سيارات قبل 2026، أما الشاحنات الكبيرة فلا يُعرف حتى الآن متى ستُنتَج، هذا يعني أنه لا يمكن تطبيق خطة بايدن كاملة.

المشكلة الثانية أن نظام الحكومة الفيدرالية يُلزم المديرين بشراء سيارات بمواصفات معينة ضمن موازنة محددة، وهذه الشروط لا تنطبق على السيارات الكهربائية، حتى الصغيرة منها، حتى تنخفض أسعارها بشكل شديد.

المدير سيقارن بين تكلفة سيارة كورولا تسير بالبنزين مثلًا، وسعر سيارة كهربائية مماثلة، الفرق كبير وقد يصل إلى 14 ألف دولار، هذا المدير نفسه لو اشترى السيارة نفسها لزوجته أو له، فإن الفرق سيتضاءل إلى نحو 6 آلاف دولار، بسبب الحوافز والإعانات الحكومية، ولكن الحكومة الفيدرالية لا تقدّم حوافز إلى نفسها، ومن ثم فعليها أن تدفع الثمن كاملًا كما هو في السوق.

حتى عندما وفّرت الحكومة الأميركية موازنات إضافية إلى بعض المؤسسات الحكومية لبرامج شراء سيارات كهربائية، حصلت العديد من المشكلات.

الخلاصة أن الكلام عن انتشار السيارات الكهربائية يتجاهل التفاصيل على أرض الواقع التي تمنع تبنِّيها

عمليًا، يستغرق شراء سيارة عدة أشهر، وقد يتجاوز الأمر سنة كاملة، وهناك شروط صعبة، والمفاجأة كانت أنه بعد الانتظار الطويل، والحصول على السيارات الكهربائية، أرجعتها بعض المؤسسات إلى الحكومة، لماذا؟ لعدم وجود شواحن في هذه المؤسسات! وعندما سألتهم الحكومة لماذا لم تبنوا شواحن، قالوا ليست هناك موازنة لها، فخصّصت الحكومة في العالم التالي موازنات لبناء هذه الشواحن لبرامج السيارات الكهربائية التجريبية، إلا أن بعض المؤسسات أعادت السيارات الكهربائية على كل الحالات؟ لماذا؟ لأن المباني الحكومية مستأجَرة، ولا يمكن بناؤها في مكان مستأجَر! وحتى عندما كانت المباني مملوكة من الحكومة، لم تكن هناك أماكن لها في بعض المدن المزدحمة.

خلاصة الكلام هنا أن الكلام العام عن انتشار السيارات الكهربائية يتجاهل التفاصيل على أرض الواقع التي تمنع تبنّيها.

أوامر بايدن

"حسب النظام" ستجبر المدير على شراء سيارة بنزين رغم أوامر بايدن، ورغم أوامر أوباما سابقًا، وحتى بعد أن صدر أمر بايدن، قرّرت إدارة البريد أن تشتري سيارات كهربائية، ولكن أغلب المشتريات كان شاحنات تسير بالبنزين والديزل، لماذا؟ بسبب ارتفاع تكاليف السيارات الكهربائية.

ولو أجبر بايدن مصلحة البريد على التحوّل الكامل إلى سيارات كهربائية بحلول 2030، وبفرض توافر السيارات والشاحنات، فإن هذا سيفلس مصلحة البريد، وبما أن مصلحة البريد جزء من الدستور الأميركي، ومهمة للديمقراطيين جدًا، لأنهم يدعمون التصويت عبر البريد على عكس الجمهوريين المعادين ذلك، فإن الحكومة سترفع الضرائب لدعم مصلحة البريد!

تأثير خطة بايدن على النفط

لكن لنفرض أن بايدن نجح في خطته وتوافرت الأموال، وتوافرت الشاحنات، وحُوّلت كل سيارات الحكومة الفدرالية وشاحناتها إلى كهربائية أو هيدروجينية، ما أثر ذلك في الطلب على النفط؟

إذا نظرنا إلى الطلب المباشر على النفط -ويُقصد به كمية البنزين والديزل التي ستتوقف الحكومة الفيدرالية عن شرائها- فإن هذا يكون بحدود 20 ألف برميل يوميًا فقط، أو عُشر 1% من إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط، أو ثلث 1% من واردات النفط الخام!

باختصار، الأرقام تقول إن الأثر سيخفّض نمو الطلب على النفط، ولكن لن يخفّض الطلب عليه

بيئيًا، نجاح بايدن في تحويل كل سيارات الحكومة الفيدرالية وشاحناتها إلى كهربائية يخفّض انبعاثات الكربون العالمية برقم لا يُذكر لا كتابيًا ولا شفهيًا لصغره!

خلاصة القول إن أثر خطة بايدن لتحويل سيارات الحكومة الفيدرالية في أسواق النفط وفي تخفيض الانبعاثات منخفض جدًا، خصوصًا مقارنة بالمبالغات والتغطية الإعلامية لهذه الأخبار.

خطة بايدن الجديدة

كما ذكرت أعلاه، فإن القرار هو لتحديد هدف، وإجراء دراسات من قِبل الوزارات المعنية، لمعرفة كيفية الوصول إلى هذا الهدف، بعدها يُصاغ مشروع يُقدّم إلى الكونغرس، ولا يطبق هذا المشروع قانونًا إلا إذا وافق عليه الكونغرس ومجلس الشيوخ ثم وقّعه الرئيس الأميركي.

ولكن لنفرض نجاح خطة بايدن للسيارات الكهربائية بالكامل، وفي الوقت المحدد.. ما آثارها في أسواق النفط؟

أولًا، علينا أن نضع خطة بايدن في إطارها الصحيح، فالحديث عن نصف مبيعات سيارات "الركاب الجديدة"، هذا يعني نحو 3 ملايين سيارة ركاب سنويًا، وعدد سيارات الركاب على الطرق الأميركية نحو 110 ملايين سيارة. عدد السيارات الكهربائية على الطرق الأميركية الآن نحو 1.7 مليون سيارة فقط.

ثانيًا، التوقّعات أعلى مما ذكره بايدن، ومن ثم فإن قراره لا أثر له في السوق.

ثالثًا، بفرض وجود 1.7 مليون سيارة حاليًا وزيادتها تدريجيًا حتى تصل المبيعات إلى 3 ملايين سيارة يوميًا، وبفرض عدم وجود أي مشكلة في إمدادات الرقائق الإلكترونية، وبفرض عدم وجود أي مشكلات في سلسلة إمدادات المعادن اللازمة للبطارية، فإن عدد السيارات الكهربائية في 2030 يُقدّر بـ15.6 مليون سيارة كهربائية في الولايات المتحدة. هذا العدد يخفّض الطلب على النفط بأقل من 600 ألف برميل يوميًا.. فقط! في الوقت الذي سيرتفع فيه الطلب العالمي على النفط بأكثر من 4 ملايين برميل يوميًا، رغم زيادة عدد السيارات الكهربائية في أوروبا والصين واليابان!

رابعًا، الأثر الحقيقي في أسواق النفط سيكون في تحسُّن كفاءة محركات سيارات البنزين والديزل، التي ستكون جزءًا من خطة بايدن، إلا أن آثار خطته أقل من توقّعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية!

وهناك مشكلة أخرى: تغيُّر رغبات المستهلكين سيخفّف من هذا الأثر، بسبب التحوّل من السيارات الصغيرة إلى السيارات الرياضية والعائلية الكبيرة، ورغم ذلك فإن الطلب الأميركي والطلب العالمي على النفط سيستمر في النمو، ولكن بمعدلات أقل من ذي قبل.

عقبات في وجه خطة بايدن

بينما سيكون مجلس الشيوخ عقبة في وجه بايدن، فإن متطرفي التغيّر المناخي من حزب بايدن سيكونون أكبر عدو له، لأنه لم ينفذ ما يريدونه، ومن ثم فقد يلجؤون إلى ضغوط مختلفة تمنع تطبيق خطته من جهة، وتهدّد انتخابه مرة أخرى. بعبارة أخرى، يفضّلون إفشال خطته الحالية على أمل الحصول على شيء أكبر في المستقبل.

ويبدو أن بايدن يدرك هذا الأمر، لهذا لجأ إلى نقابات عمال السيارات القوية سياسيًا، فربط أمس بين إنتاج السيارات الكهربائية والاتحادات العمالية، وهذه الاتحادات أو النقابات تموت ببطء منذ سنين، وحُوربت بشدة في عهد ترمب، خصوصًا من قِبل حكام الولايات الجمهوريين. ولهذا لم تُدعَ شركة تيسلا إلى حفل توقيع الأمر الرئاسي أمس، في حين دُعيت الشركات التقليدية مثل جي إم وفورد. عمال وموظفو شركة تيسلا ليسوا أعضاء في أي نقابة عمالية.

هذا الربط بين إنتاج السيارات الكهربائية والنقابات العمالية عقبة كبيرة في وجه نمو إنتاج السيارات الكهربائية الأميركية لعدة أسباب، أهمها:

1- ارتفاع التكاليف بسبب الشروط التي تضعها اتحادات العمال على الشركات، وانعدام مرونة الشركات في التعامل مع السوق بسبب شروط النقابات العمالية. تنافسية شركة جي إم وفورد مع الشركات الأوروبية والصينية مهمة جدًا لنجاح خطة بايدن.

2- هذه النقابات نفسها انقلبت، وفي ظاهرة نادرة، وأيّدت ترمب بسبب مواقفه المعادية للصين. ومن ثم فإن محاولة بايدن استمالتهم قد لا تُجدي سياسيًا.

3- العجز في إمدادات شرائح الكمبيوتر قد يمتد إلى 2023، حسب بعض التوقعات، الأمر الذي يخفّض من نمو إنتاج السيارات بشكل عام، بما فيها السيارات الكهربائية.

4- سيطرة الصين على سلسلة إمدادات الموارد اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية بشكل عام، والبطاريات بشكل خاص. زيادة تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يعني أن التوقعات بزيادة كبيرة في أعداد السيارات الكهربائية قد لا تتحقّق، وخطة بايدن نفسها لن تتحقق.

5- هناك عجز في الكهرباء في عدة ولايات، بما في ذلك كاليفورنيا وتكساس. إضافة ملايين السيارات الكهربائية ستزيد الضغط على الشبكة، وستزيد المشكلات. لذلك فإن خطة بايدن تفترض أن يُمرّر مشروع البنية التحتية الذي ما زال محل خلاف في الشهور الماضية، التي من المفترض أن تتوسّع في البنية التحتية لدعم السيارات الكهربائية. ولكن نظرة فاحصة إلى المشروع -حاليًا- تشير إلى أن بناء بنية تحتية لشحن السيارات دون محطات كهرباء جديدة، وتجديد شبكة الكهرباء المتهالكة لا ينفع.

خلاصة الأمر أن ما تكلّم عنه بايدن هو تحصيل حاصل، لأنه متضمّن في توقعات المنظمات الدولية والشركات والبيوت الاستشارية، ولا يمكن تطبيق ما يريده إلا بموافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، ليس على مشروع التغيّر المناخي والسيارات الكهربائية فقط، وإنما أيضًا على مشروع الإنفاق على البنية التحتية.

سيحصل بايدن على تأييد الأغلبية في الكونغرس، ولكن سيواجه مقاومة قوية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي سيقلّل من آثار خططه المناخية في أسواق النفط.

باختصار، الأرقام تقول إن الأثر سيخفّض نمو الطلب على النفط، ولكن لن يخفّض الطلب عليه.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق