المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطمقالات منوعةمنوعاتنفط

مقال - الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل النفط

اقرأ في هذا المقال

  • ترتبط التغيرات الكبيرة في حياة البشرية بتغيرات أنواع الطاقة المستخدمة
  • تتمثل الثورة الصناعية الرابعة في التحول إلى أنظمة إنتاج مستقلة تدار آليًا
  • يُسهم تبنّي تكنولوجيا الذكاء الصناعي في تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف بصناعة النفط
  • ستكون المصافي من أكبر المستفيدين من هذه التكنولوجيا في حلّ كثير من مشكلاتها

تتواصل لليوم الثاني على التوالي في السعودية، فعاليات منتدى الثورة الصناعية الرابعة، الذي يتضمن عدّة جلسات تدور أبرزها حول "تسريع التحولات في مجال الطاقة النظيفة"، ويفتتحها وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، متحدثًا عن جهود المملكة في التحول الأخضر.

في هذا السياق، تنشر منصة "الطاقة"، هذا المقال لخبير الطاقة الدكتور أنس الحجي، والذي سبق نشره في إندبندنت عربية.

وإلى نصّ المقال:

قبل أن ندخل في التفاصيل، لا بد من ذكر أمرين:

1- الثورة تقلب الموازين رأسًا على عقب، وتُحدث تغييرًا في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. ومن هنا سُمِّيَت التغيرات الصناعية الكبرى بالثورات.

2- التغيرات الكبيرة في حياة البشرية ارتبطت بتغيرات أنواع الطاقة المستخدمة، إذ انتقل الإنسان من طاقته العضلية إلى تسخير الحيوانات، ثم استخدم طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية في بعض المجالات، ثم انتقل إلى الطاقة البخارية مع استخدام الفحم، ثم انتقل للكهرباء، ثم للنفط والغاز، ثم الطاقة النووية، ثم عاد الآن إلى الطاقة الشمسية والرياح، ولكن لتوليد الكهرباء، بدلًا من استخدامها المباشر في الملاحة أو التجفيف، ثم حصلت تغيّرات جديدة أسهمت في زيادة الكفاءة باستخدام الطاقة بشكل هائل، ومكّن انتشار الكهرباء في أغلب بقاع العالم من استخدام الشرائح الرقمية في كل شيء.

الثورات الصناعية

تمثلت الثورة الصناعية الأولى -والتي حصلت في القرن الـ18 وجزء من القرن الـ19- في تحوّل أغلب الطاقة من الحيوان والجهد العضلي للإنسان إلى الطاقة البخارية والميكانيكية التي تحرّك وتدير الآلات والمعدّات، الأمر الذي غيّر شكل المجتمعات الأوروبية للأبد، ونقلها من مجتمع زراعي متخلّف تحكمه علاقات اجتماعية معينة بين المالك والمزارع إلى مجتمعات صناعية متحضرة تحكمها علاقات اجتماعية جديدة ونظم سياسية جديدة. وكان من أهمّ مظاهرها القطارات والسفن البخارية، وهذا ما ساعد على انتشار السكك الحديدة بصفة بنية تحتية أساسية للمواصلات.

تمثلت الثورة الصناعية الثانية -والتي حصلت في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20- في أمرين، استخدام الكهرباء وخطوط الإنتاج التي أسهمت في القدرة على الإنتاج بكميات كبيرة، والتي ساعدت الدول الصناعية التي مرّت بالثورة الأولى على تحسين أوضاعها الاقنصادية بشكل كبير، وبرزت خلالها اختراعات عديدة غيّرت من حياة البشرية، مثل الكهرباء والمصباح الكهربائي والسيارات والهاتف، وغيرها، ومن أهم مظاهرها انتشار السيارات والشاحنات، ومن ثم انتشار الطرق المعبّدة والجسور، بصفة بنية تحتية أساسية للمواصلات.

الثورة الصناعية الثالثة، والتي حصلت في الـ40 عامًا الأخيرة، تمثلت في الثورة الرقمية، مثل استخدام الحواسيب والإنترنت وتقدّم تكنولوجيا الاتصالات، والهاتف المحمول والمكننة في خطوط الإنتاج. ومن أهمّ مظاهرها التواصل عبر الأثير بخطوط الهاتف، ثم الأقمار الصناعية، والتي أصبحت طرق الانتقال للتواصل والمعلومات، بدلًا من الطرق التقليدية المتمثلة بالسكك الحديدية والطرق المعبدة، فأصبحت خطوط الهاتف والإنترنت والأبراج اللاسلكية من متطلبات البنية التحتية.

وهذا أدّى إلى هزّة في قطاع الأعمال، حيث أصبحت الشركات التي تملك المنصات الرقمية هي الأكبر في العالم، بدلًا من الشركات في الصناعات الاستخراجية. وكان من أهمّ نتائجها انخفاض كبير في التكاليف، وتحسين جودة الإنتاج، وزيادة الكفاءة في الإنتاج والاستخدام، الأمر الذي خفض معدلات التضخم مقارنة بالماضي.

أمّا الثورة الصناعية الرابعة، فتمثلت في التحول إلى أنظمة إنتاج مستقلة تدار آليًا من قبل حواسيب وروبوتات تتعلم مما يحصل، وتعيد برمجة نفسها.

إنها تتمثل في التحول إلى خطوط الإنتاج الرقمية أو خطوط الإنتاج الذكية في كل المجالات، الأمر الذي يعني اختراق التكنولوجيا الرقمية لكل المجالات، في الطب والهندسة والتصنيع والزراعة والتعليم والاتصالات والسياسة وغيرها، وتعتمد أساسًا على البيانات وتحليلها من جهة، والمجسّات من ناحية أخرى، الأمر الذي شكّل قفزة في صناعة الروبوتات وتقدّمًا تكنولوجيًا في سلسلة الكتل (بلوك تشين) وتقنية النانو، ممّا مكّن من تطورات جديدة في كل العلوم والمجالات، مثل السيارات ذاتية الحركة، والروبوتات التي تقوم بعمليات جراحية معقدة للإنسان، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وغيرها. ومن أهم نتائجها المدن الذكية والاعتماد بشكل أكبر على الفضاء الخارجي.

ولعل الفارقين الأساسيين بين الثورة الرابعة وما سبقها، أن الرابعة أكثر عالمية من سابقاتها، وتتعدى إلى التخصصات والمجالات كافة.

أثر الثورة الرابعة في صناعة النفط

هدف ما كُتب أعلاه هو التمهيد للحديث عن أثر الثورة الصناعية الرابعة في صناعة النفط، وليس الحديث عن الثورة الرابعة وصفاتها وخصائصها ونتائجها.

الواقع أننا ما زلنا في بداية الطريق، وما نعرفه حتى الآن عن آثار الثورة الصناعية الرابعة ما هو إلّا بداية الطريق، ويهدف تبنّي صناعة النفط للثورة الصناعية الرابعة إلى استمرار دورها التقني الرائد، وتحسين كفاءة الأداء، وتعظيم المنفعة من كل جزء من برميل النفط. ويمكن إجمال ما نعرفه من آثار في صناعة النفط، فيما يلي:

1- سيسهم تبنّي تكنولوجيا الذكاء الصناعي في تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف بكل أجزاء الصناعة من محاولات الاستكشاف المبدئية إلى التكرير وتوزيع المنتجات النفطية للاستخدام النهائي.

2- سيسهم تبني تكنولوجيا سلسلة الكتل التي تستخدم الآن في العملات الرقمية في حل مشاكل كثيرة في كل أجزاء الصناعة وبكفاءة عالية، فهذه التكنولوجيا ستمكّن الشركات من تتبّع شحناتها في كل مكان، وستنظّم المخزون بشكل أفضل.

كما إنها ستحوّل العقود التقليدية بين المورّدين والمنتجين والموزّعين والمستهلكين إلى عقود ذكية، تتأقلم مع تغيّر الأوضاع والأحوال.

3- سيسهم تبنّي تكنولوجيا البيانات الضخمة وتحليلها في أمور كثيرة، بعضها لا يمكن تخيّله الآن، ولكن ما حصل حتى الآن أدّى إلى تحسين الكفاءة بشكل كبير.

فعلى سبيل المثال، تقوم شركة تحليل بيانات، لا علاقة لها بالنفط إطلاقًا، بتحليل بيانات منطقة كاملة تعمل فيها عشرات الشركات، وتكتشف أن إنتاجية الآبار في بعض المناطق كانت أقلّ مما حولها، الأمر الذي يشير إلى أنه يمكن استخراج المزيد منها.

كما يمكن لتحليل البيانات الضخمة من التكنولوجيا استنتاج أفضل وأنسب حسب المنطقة، وهي معلومات لم تكن متوفرة من قبل.

أمّا بالنسبة إلى مناطق جديدة، فإنه يمكن استخدام تكنولوجيا متقدمة لتصوير باطن الأرض ومعرفة أماكن المكامن بدقة أكبر بكثير من ذي قبل، الأمر الذي يخفّض التكاليف بشكل كبير، ويزيد من كفاءة رأس المال والعمّال. هذا يعني أن شركات النفط التي تتبنّى الثورة الصناعية الرابعة ستستطيع أن تجلب المزيد من النفط للعالم، وهي كميات ما كان يمكن استخراجها دون هذا التقدم العلمي.

4- ستمكّن تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة من تحسين عمليات الحفر والإنتاج بشكل كبير، بحيث يمكن مراقبة كل شيء لحظيًا وتوقع المشكلات قبل أن تقع، ويمكن تغيير اتجاهات الحفر مع الحصول على البيانات لحظيًا من باطن الأرض، أو استخدام الطريقة الأمثل للحفر. في الماضي، كان يجري الحفر ويستمر حتى يتبيّن الخطأ بعد أيام.

5- كما إنها تمكّن من مراقبة عمليات الحفر والإنتاج وتدفق النفط والغاز في الأنابيب عن بعد، الأمر الذي يخفض التكاليف بشكل كبير، بخاصة في المناطق النائية أو في المناطق البحرية البعيدة، وهذا يصبح أكثر أهمية في أوقات الأعاصير والكوارث.

6- من فوائد تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة أنها تمكّن الشركات من مراقبة عمليات تثقيب الأنابيب لإجراء عمليات التكسير الهيدرولكي بشكل أفضل، لأن كفاءة هذه الثقوب ما زالت منخفضة، الأمر الذي يعني مزيدًا من الإنتاج من المعدات ذاتها وبالتكاليف نفسها.

7- ستساعد هذه التكنولوجيا في تنظيم عمليات الصيانة حسب المتطلبات وفقًا لما تُظهره البيانات الآنيّة والتاريخية، وليس حسب جدول يقترحه المديرون أو المهندسون، مما يخفّف التكاليف ويزيد من كفاءة الإنتاج والنقل.

8- لعل من أهمّ فوائد هذه التكنولوجيا تتظيم مخزون الآلات والمعدّات وقطع الغيار وكل ما تستلزمه الصناعة، وهو أمر ينطبق على كل الصناعات وليس صناعة النفط فقط. فهذه التكنولوجيا تقوم بإدارة المخزون، بحيث يُوَزَّع المطلوب وقت الطلب، الأمر الذي يخفض من تكاليف وإدارة المخزون من جهة، ويضمن استمرار جودة هذه القطع من جهة أخرى.

9- من فوائدها أيضًا توجيه ناقلات النفط والغاز المسال، بحيث تستفيد من التيارات المائية وأحوال الطقس لتخفيض استخدام الوقود من جهة، وتقصير المسافات والحوادث من جهة أخرى.

10- ستكون مصافي النفط من أكبر المستفيدين من هذه التكنولوجيا، لأنها تتعامل مع المنتجين وأنابيب النفط من جهة، وتتعامل مع السوق ومتطلباته من جهة أخرى، فمشكلة المصافي الأساسية هي المخزون، وعمليات الصيانة، والتأقلم مع تغيّرات السوق، سواء كانت فصلية أو اقتصادية، هذه التكنولوجيا ستمكّن المصافي من حلّ كثير من مشكلاتها وتخفض تكاليف التكرير.

11- كل ما سبق سيسهم في تخفيض الأثر البيئي السلبي لصناعة النفط والغاز، ويسهم في إبطاء التغيّر المناخي.

*الدكتور أنس الحجي - خبير أسواق الطاقة ومستشار تحرير منصة الطاقة

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا).

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق