مقال - هل بإمكان ليبيا إنتاج 4 ملايين برميل نفط يوميًا؟
في ظل غياب التطوير وضعف الاستثمارات
علي الفارسي
- خطوط النقل وحقول إنتاج النفط الليبي تحتاج إلى صيانة كاملة
- المؤسسة الوطنية للنفط تواجه أزمة في ظل تأخر تسييل الموازنة المطلوبة
- بعض الشركات الأجنبية بدأت تعود لقطاع النفط.. لكنها غير كافية حتى الآن
- مؤسسة النفط مُطالبة بأن تنجح في تطبيق سياسة النهج السريع وتفادي البيروقراطية
يتساءل الكثيرون حول قدرة ليبيا على بلوغ معدلات إنتاج مرتفعة للنفط دون معرفة بحالة المنشآت النفطية ومقومات التخزين التي غاب عنها التطوير وضعف الاستثمارات لسنوات طويلة، بسبب ظروف البلاد وتدني موازنات القطاع النفطي.
يبلغ إنتاج ليبيا -حاليًا- 1.35 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقّع أن يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا في نهاية هذا العام إذا لم تحدث أي عراقيل فنية.
ليبيا عضو في أوبك، وتمثّل 4% من الاحتياطي العالمي، وهذا لا يعني أنها قادرة على إنتاج 4 ملايين برميل يوميًا، إذ يتطلّب ذلك تنسيقًا مسبقًا مع منظمة أوبك، لتفادي زعزعة استقرار السوق كذلك دون تهيئة مقومات النفط والغاز لضمان الإيفاء بالتزاماتها، لأن رفع الصادرات يُعدّ التزامًا دوليًا.
الخبرة التراكمية لعمال النفط والغاز وسهولة استخراج النفط الليبي قد تساعدان في الحفاظ على مستوى معين من الصادرات، لكن كان من المفترض أن يكون 2020 عامًا زاخرًا بالتحوّل والتطوّر فيما يتعلّق بالبنى التحتية لمقومات النفط التي حدث فيها تطور طفيف لا يدعم إستراتيجية المؤسسة الوطنية للنفط، الرامية إلى بلوغ 4 ملايين برميل يوميًا مطلع 2024، وذلك لـ10 أسباب:
أولًا: مقومات النفط في ليبيا من حقول ومحطات نفط خام تحتاج صيانة كاملة حتى تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.
بعض الحقول مدمّرة، وتحتاج إعادة تأهيل للمرافق المنتجة للنفط، ومرافق إنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل الآبار لا أعمال صيانة سريعة فقط.
ثانيًا: رفع الإنتاج يحتاج وجود مقومات تخزين قادرة على استيعاب الكميات المضافة من نفط خام ومكثفات، حتى مجمع خزانات السدرة -أكبر مجمعات للتخزين في ليبيا بسعة 6.5 مليون برميل- قد تعرّض للتدمير عام 2014، وتعمل منه 9 خزانات من أصل 19 خزانًا.
ثالثًا: النفط الليبي لم يفقد سطوته خلال تراجع الصادرات والتوقف بسبب الإغلاقات، ولم يُبع بأقل من السعر الرسمي كما يُشاع، لكن فقدت ليبيا حصصًا بيعية وفرص حصول على أسواق جديدة.
ويبلغ عدد خامات النفط الليبي 19 نوعًا ذات جودة تُقاس بخام برنت، وتختلف اختلافًا طفيفًا في أسعارها، وتعلن مؤسسة النفط عن أسعارها بانتظام.
رابعًا: عودة ليبيا كانت سريعة، لأن قطاع النفط والغاز نجح أكثر من مرة في تفادي الأزمات التي تعصف به، وما زالت الدولة تتمسّك بحقها بأن تكون خارج سياسة التخفيض لتعويض الحصص البيعية المفقودة، بسبب ظروف البلاد غير المستقرة.
خامسًا: تأخّر تسييل المبالغ التي وعدت بها حكومة الوحدة الوطنية شهرًا آخر، قد يعيد شبح نقص المواد ومستلزمات التشغيل إلى شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز، وشركة راس لانوف لتصنيع النفط والغاز، والخليج للنفط، ويؤدي إلى توقفها أو تخفيض إجباري لمنتجاتها وصادراتها.. هذا يعوق الرغبة في تحقيق التعافي للاقتصاد الليبي.
سادسًا: ضعف الاستثمارات الأجنبية بقطاع النفط والغاز.. عودة بعض الشركات الأجنبية الآن جيد نوعًا ما، لكن لا يُسهم بشكل كبير في تحفيز الصادرات، إذ تحتاج البلاد إلى استثمارات أكبر.
سابعًا: هناك عدد كبير من الحقول -مثل الظهرة ومحطة الباهي ومحطة الزناد وحقلي زلة والغاني وحقل البيضاء- ما زالت تحتاج تأهيلًا لمصادر الطاقة الكهربائية وتطوير معدات سطحية للآبار النفطية لضمان عودتها إلى الإنتاج بطاقة كاملة.
ثامنًا: الخلاف السياسي الذي أدى إلى عدم اعتماد الموازنة العامة للدولة أصبح قريبًا من قطاع النفط، وبالتالي عودة الإغلاقات محتملة مجددًا، بسبب عدم التوافق على مناصب سيادية بين الغرب والشرق، وأي إغلاق جديد للمقومات شرق البلاد سوف يكلّف صادرات ليبيا تراجعًا بمقدار 350 ألف برميل أو أكثر.
تاسعًا: عدم تنفيذ مشروعات كبرى مثل تطوير القطعة 98، وربط آبار نفطية مع بعضها وتطوير محطات النفط والغاز، يجعل رفع الصادرات مستحيلًا.
عاشرًا: على مؤسسة النفط أن تنجح في تطبيق سياسة النهج السريع وتفادي البيروقراطية، عبر تنفيذ دراسات تفصيلية قد ترفع إنتاج الواحة للنفط من 300 ألف إلى 600 ألف برميل يوميًا.
وهناك -أيضًا- عدد من حقول النفط والغاز خارج الخدمة، يحتاج وضعها للإنتاج ميزانيات كافية وإعادة إعمار، لا أعمال صيانة.
الخلاصة..
يحتاج قطاع النفط الليبي إلى وضع خطة طويلة الأجل، تبدأ بسداد الديون المتراكمة على شركات النفط، بسبب ضعف التمويل منذ عام 2015، إذ ما زالت مؤسسة النفط تتلقّى 45% فقط من موازنتها.
وكي يستمر الإنتاج يجب إنشاء صندوق للتنمية المستدامة لإدارة الهبات المخصصة للمناطق المتاخمة للعمليات النفطية، لتفادي أي خلافات مع المكونات القبلية حولها، ما يجعل رفع الإنتاج إستراتيجية وطنية يجب أن يتعاون فيها الجميع، ويحتاج تنفيذها إلى خطة ذات أبعاد أمنية ويقابلها شفافية تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة، حتى تنعكس إيراداتها على تطوير حياة الشعب الليبي، وهذا ما أراده رئيس مؤسسة النفط مصطفى عبدالله، وما صرّح به أيضًا.
ولا يجب أن نتغاضى عن عودة الشركات الخدمية النفطية الليبية ومنع انهيارها وحل مشكلاتها المالية حتى تقوم بدورها، فشبح ضعف التمويل لم يتلاشَ، وتظلّ ورقة الضغط لإخضاع قطاع النفط إلى غرف السياسة في طرابلس.
وفي إطار ذلك، نحن نحتاج 3 سنوات من الاستقرار وتنفيذ كل هذه الخطوات لبلوغ معدلات إنتاج مرتفعة، لكن يظلّ الحديث عنه دون خطط "يُعدّ سابقًا لأوانه".
لقراءة المزيد..