صناديق التقاعد.. أرباح الوقود الأحفوري تجذب المستثمرين بعيدًا عن الطاقة النظيفة
يعدها كثيرون ملاذًا آمنًا للاستثمار
دينا قدري
- أكبر مديري صناديق التقاعد في العالم أعلنت الابتعاد عن الوقود الأحفوري
- هناك حاجة إلى تحقيق التوازن بين المكاسب المالية والاستثمار المسؤول
- صناديق الطاقة النظيفة المستقلة من أجل الراغبين في الاستثمار في الطاقة الخضراء
- إستراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تتميز بتكاليف أعلى
- صناديق التقاعد تساعد في تحقيق التحوّل العادل للطاقة
أصبح مستقبل الطاقة النظيفة في العالم مرتبطًا بتيار مختلف من الإيرادات، يتمثّل في صناديق التقاعد التي تركّز بشكل أساسي على الوقود الأحفوري؛ ما يعني أن هناك حاجة إلى إصلاح هذه الصناديق.
وجد تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بحلول نهاية عام 2019 ارتفعت القيمة الإجمالية لصناديق التقاعد عبر الدول الأعضاء في المنظمة -البالغ عددها 37 دولة- إلى أكثر من 32 تريليون دولار، بزيادة قدرها 13.9% عن السنة السابقة.
وسُلط الضوء على هذا الرقم الفلكي من خلال عمل الولايات المتحدة -التي سجلت قيمة صندوق معاشات تقاعدية بقيمة 18.7 تريليون دولار في عام 2019-، ونمو قيمة المعاش التقاعدي بنسبة 58.2% خلال هذه الفترة في أرمينيا، ما يشير إلى أن الدول غير تلك التي تُعد مهيمنة اقتصاديًا تستفيد من هذا النظام.
الملاذ الآمن
مع ذلك، تجري عديد من هذه الاستثمارات في أصول الملاذ الآمن التقليدي -التي تُرجمت في الماضي إلى الفحم والنفط والغاز- وهي قطاعات راسخة، إذ من غير المرجح حدوث انهيار مفاجئ في الطلب، بحسب ما أفادت به منصة "باور تكنولوجي".
واستمر هذا الاتجاه حتى في خضم الاهتمام المتزايد بتغيّر المناخ في السنوات الأخيرة، إذ أبلغ صندوق التقاعد الوطني النرويجي عن استثمار نحو 42.3 مليار دولار في النفط والغاز وحدهما في عام 2019، ارتفاعًا من نحو 38 مليار دولار في العام السابق.
تغيير الاتجاه
أثار الاعتماد المستمر لصناعة المعاشات التقاعدية على الوقود الأحفوري، السؤال حول ما إذا كان بإمكان العالم أن يقلِّل من اعتماده على مصادر الطاقة الملوثة، إذا كان كثير من ثروة العالم مرتبطًا بالوقود الأحفوري؟
وردًا على ذلك، بدأ بعض أكبر مديري صناديق التقاعد في العالم الابتعاد عن الوقود الأحفوري، ففي العام الماضي، أعلن الصندوق الوطني لتوفير العمالة -أكبر صندوق معاشات تقاعدية في بريطانيا- عن خطط للتخلص من الوقود الأحفوري.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة إيغون للتأمين والمعاشات التقاعدية وإدارة الأصول -في يناير/كانون الثاني من هذا العام- خططًا مماثلة للوصول إلى الحياد الكربوني عبر صناديق التسجيل التلقائي بحلول عام 2050، وخفض انبعاثات الكربون المرتبطة بصناديقها الافتراضية إلى النصف بحلول عام 2030.
قوة مالية
في ظل الطاقة النظيفة -التي تُعد استثمارًا أقل استقرارًا من الوقود الأحفوري-، وأجيال من ممارسات الاستثمار الراسخة التي عفا عليها الزمن الآن، ما مدى احتمالية تغيّر صناديق التقاعد على المدى الطويل؟
وصناديق التقاعد هي -بلا شك- قوة مالية قوية، نظرًا لأنها غالبًا ما تجمع بين الدعم الحكومي والإدارة الخاصة، وتُموّل من خلال مزيج من أموال دافعي الضرائب ودعم الدولة والاستثمارات المربحة، فهي من بين أكبر وأقوى الاحتياطيات المالية في العالم.
ومع ذلك، كما هو الحال في كثير من الأحيان مع الاستثمارات المربحة يمكن ترك المسؤولية الاجتماعية والبيئية جانبًا، في ظل تزايد الأرباح بشكل كبير.
تحقيق التوازن
تحدّث العضو المنتدب لحلول الاستثمار في إيغون، تيم أورتن، عن الحاجة إلى تحقيق التوازن بين المكاسب المالية والاستثمار المسؤول، في أهداف الشركة المتعلقة بالمناخ.
وقال أورتن: "تبذل صناديق التقاعد بالفعل جهودًا كبيرة فيما يتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. من منظور الاستثمار، الطاقة النظيفة في مرحلة مبكرة جدًا والاعتبارات الرئيسة لكل من الأمناء والموردين هي السيولة، ومخاطر أي أصل يستثمر فيه الصندوق".
صناديق الطاقة النظيفة
يسلّط عمل إيغون الضوء على الفكرة المتنامية للمسؤولية داخل صناديق التقاعد، والتي هي في صميم تغييرات إيغون الأخيرة.
واتخذت الشركة بالفعل خطوات لتحسين أدائها البيئي، من الوصول إلى وضع محايد للكربون في منشآتها الخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا، إلى دعم المبادرات عبر الصناعة مثل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وتخطط إيغون لاتخاذ هذه المسؤولية خطوة أخرى إلى الأمام، من خلال تقديم مجموعة من خطط المعاشات التقاعدية، مع استثمارات في قطاعات مختلفة، لمراعاة تفضيلات العملاء المحتملين.
وأوضح أورتن أن "هناك بعض صناديق الطاقة النظيفة المستقلة التي يمكن إتاحتها للأعضاء الراغبين في الاستثمار فقط في الطاقة الخضراء".
تكاليف أعلى
في حين أن فكرة تحمّل مسؤولية أكبر هي فكرة رائعة من الناحية النظرية، إلا أن هناك تحديات عملية لهذا النهج الذي تحرّكه الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، خاصةً التحديات المالية.
وقال أورتن: "عادةً ما تُظهر شركات الطاقة النظيفة تقلبًا أعلى من عديد من الشركات الراسخة المملوكة تقليديًا من قبل صناديق التقاعد ولديها سيولة أقل. لذلك، هناك بعض التحديات التي تواجه صناديق الاستثمار السائدة في القطاع"، مشددًا على أن عديدًا من شركات الطاقة النظيفة -على المستوى العملي- ليست جذابة مثل مشروعات الوقود الأحفوري.
وتابع: "عادةً ما يكون لإستراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تكاليف أعلى من الإستراتيجيات التقليدية التي تتبع المؤشرات السائدة، ولكننا نعمل بجد مع مديري الصناديق لدينا، لإبقاء التكاليف منخفضة قدر الإمكان".
كما قال: "بالإضافة إلى ذلك، إذا صُممت اليوم محفظة بحيث تكون حيادية الكربون دون استخدام تعويض الكربون، فستكون عادةً محفظة مركزة للغاية، وتكلف أكثر من غالبية الأموال الافتراضية، وتكون أكثر خطورة، نظرًا إلى أدائها الذي يعتمد على رقم أصغر من الشركات، ما يؤدي بشكل عام إلى زيادة التقلبات".
التحوّل العادل للطاقة
هناك -أيضًا- أمل في أن يساعد قطاع صناديق التقاعد بعد إصلاحه في معالجة بعض الاختلالات المذهلة في توزيع الثروة، إذ إن النموذج الراسخ للاستثمارات في الصناعات القائمة منذ فترة طويلة لا يفعل سوى إعادة توجيه الأموال إلى المستثمرين الأثرياء بالفعل.
وهذه الفكرة مهمة بالنظر إلى إمكانات الطاقة المتجددة، إذ إنها لا تتمثل فقط في توفير الطاقة النظيفة، ولكنها تساعد في القضاء على التقسيم التقليدي للأثرياء والفقراء.
وتتصدر فكرة "التحوّل العادل للطاقة" بشكل متزايد في طليعة إصلاح الطاقة، وقد أخذت إيغون في الاعتبار هذا الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة والعادلة في منتجاتها.
اقرأ أيضًا..
- أضخم صندوق سيادي عالميًا يجد صعوبة بالاستثمار في مشروعات الطاقة المتجدّدة
- إقبال كبير من مستثمري أوروبّا وأميركا على أوّل سندات خضراء مصرية